بعد قرار الحل.. هل تتمكن جماعة الإخوان في الأردن من استعادة توازنها؟

بعد قرار الحل.. هل تتمكن جماعة الإخوان في الأردن من استعادة توازنها؟


19/07/2020

تعرضت جماعة الإخوان المسلمين في الأردن عقب "الربيع العربي" إلى أسوأ أيام مرّت عليها منذ تأسيسها العام 1946، بفعل ما تعرضت له من ضغوطات داخلية وخارجية وانشقاقات داخلية، وكان آخرها صدور قرار محكمة التمييز الأردنية يوم الأربعاء الماضي الذي قضى باعتبارها "منحلة" و"فاقدة لشخصيتها القانونية والاعتبارية"، وذلك لعدم تصويب أوضاعها القانونية.

تعرضت جماعة الإخوان المسلمين في الأردن عقب الربيع العربي الى أسوأ أيامها منذ تأسيسها

وتعد هذه القضية الصادر فيها حكم محكمة التمييز الأردنية، واحدة من بين عدة قضايا بين "جماعة الإخوان المسلمين الأم" و"جمعية الإخوان المسلمين" التي تأسست نتيجة انشقاق عن الجماعة الأم في الأردن في العام 2015. هذا القرار الأحدث لمحكمة التمييز، استندت فيه لقرار الهيئة العامة للمحكمة والذي قضى بحل الجماعة لعدم تصويب أوضاعها القانونية.

اقرأ أيضاً: الأردن: قرار بحل جماعة الإخوان... هذا هو ردهم

والقرار الجديد، بحسب وكالة الأنباء الأردنية (بترا)، يعتبر حاسماً في الدعوى التي رفعتها "الجماعة المنحلة" على دائرة الأراضي والمساحة، وعلى "جمعية الإخوان المسلمين" التي حصلت على ترخيص حكومي، وطلبت إبطال نقل ملكية الأراضي والعقارات للجمعية القانونية؛ إذ اعتبرت محكمة التمييز الأردنية أنّ "الجمعية الجديدة جاءت تصويباً للجماعة الأم، عند الترخيص في العام 2015".

المستشار القانوني لجماعة الإخوان المسلمين، بسام الفريحات، صرح لـ(CNN بالعربية)، في أعقاب إعلان القرار، أنّ الحكم "ليس قطعياً" وسيعود إلى الاستئناف بكامل أوراقه، مضيفاً "المحاكم هنا درجات، البداية والاستئناف ومن ثم محكمة قانون التمييز، التمييز تبت في صحة قانونية القرارات التي تصدر عن الاستئناف.. هذه القضية خسرناها في البداية وفي الاستئناف فزنا بها، ومن ثم ذهبت القضية لمحكمة التمييز التي تقرر إذا كانت القضية بها خلل أم لا".

اقرأ أيضاً: أردنيون ضد الأردن !!

وأوضح فريحات أنّ محكمة التمييز، بهذا الحكم، أعادت "القضية برمّتها" إلى محكمة الاستئناف للبحث فيها والبت في النقطة المثارة، لافتاً إلى أنّ "محكمة الاستئناف لها الحق إما أن تتبع النقض أو أن توافق محكمة التمييز، أو أن تصدر قراراً ثانياً بالإصرار على قرارها السابق الذي يعتبر جماعة الإخوان المسلمين شخصية اعتبارية صحيحة ومنشأة إنشاءً صحيحاً، وأن ما حدث في العام 1953 لا يؤثر عليها، وأنّ هناك سلسلة قضايا أخرى متعلقة بالجماعة، أكدت المركز القانوني للجماعة، إلا أنّ جميع هذه القضايا لم تصل بعد إلى مرحلة القطعية في الحكم.

الأزمة الداخلية في الجماعة

 يأتي تدهور أوضاع الجماعة في الأردن تماشياً مع التحديات التي تواجهها جماعة الإخوان المسلمين الأوسع نطاقاً، ولا سيما "الأزمة الداخلية" التي تتخبط بها بسبب خسارة جزءٍ كبير من قوتها في أعقاب "الربيع العربي" وحملات القمع التي تبعته في عدد من الدول. أما في الأردن، وبالرغم من انتهاج الحكومة مقاربة مختلفة عن تلك التي اتبعتها الكثير من الحكومات العربية الأخرى، يواجه هذا التنظيم نقطة تحول كبيرة في مساره.

قضت محكمة التمييز الأردنية مؤخراً باعتبار الجماعة "منحلة" و"فاقدة لشخصيتها القانونية والاعتبارية"

يبدو الأردن راضياً عن المسار العام لجماعة الإخوان المسلمين في الوقت الراهن، في أعقاب "الربيع العربي"، حين برهنت عن مدى قوتها في البلاد مقارنةً بالتنظيمات المعارضة الأخرى، لكن ما لبثوا أن واجهوا سلسلةً من الاهتزازات الكبيرة التي تركت التنظيم مقسّماً إلى أربعة تنظيمات أضعف نسبياً تتنافس على تأييد الشعب الأردني.

حدث الشرخ الأول العام 2013 مع إنشاء "حزب المؤتمر الوطني (زمزم)" الذي يرأسه السياسي والمفكر الدكتور رحيل غرايبة (62 عاماً) الذي عُيّن في 6 آب (أغسطس) 2019 رئيساً لمجلس أمناء "المركز الوطني لحقوق الإنسان"، بعد أن كان قد تولّى سابقاً رئاسة المكتب السياسي للإخوان المسلمين، وهو اليوم أمين عام "حزب المؤتمر الوطني".

اقرأ أيضاً: هذا موقف الإمارات من ضم مناطق في الضفة والغور الأردني

وجديرٌ بالذكر أنّ "جماعة الإخوان المسلمين الأم" تعتبر نفسها أقرب إلى حزب "زمزم" من الناحية السياسية، لكنّ هذه الجماعة باتت فعلياً غير مُرخّصة منذ العام 2015 حين انتقلت رخصتها الحكومية إلى تنظيم إصلاحي، علماً أنّ الجناح السياسي لـ "جبهة العمل الإسلامي" ما يزال قانونياً، فنتجت عن ذلك جماعتان منفصلتان تحملان اسم "الإخوان المسلمين" – هما؛ "الأم" و"التنظيم الإصلاحي" المرخّص.

اقرأ أيضاً: إضاءة برج خليفة بألوان العلم الأردني (فيديو)

أما الانقسام الأحدث، فوقع العام 2017 إبّان تأسيس "حزب الشراكة والإنقاذ"؛ فقد سعى هذا الحزب إلى تشكيل إطارٍ حزبي جامع مبني على الشراكة مع القوى السياسية الأخرى في الأردن، وقائم على مبادئ الدولة المدنية. لكنّ هذه التنظيمات المختلفة التي تفرّعت عن الجماعة اتصفت بضعفٍ بالغ، فكلٌّ منها يحاول الصمود والتميز في الوقت عينه عن التنظيمات الأخرى.

الجماعة في معادلة السياسة الأردنية

يشير وصول جماعة الإخوان المسلمين إلى هذه المرحلة من الضعف والتدهور والنزاعات الطاحنة إلى عدم ثقة صانعي القرار بالتنظيم ككل، في المقابل، حاول البرلمان الأردني منذ فترة إحداث مقاربة موازية ذات مجرى استرضائي أكبر، وما حدث تحديداً هو أنّ حكومة عمر الرزاز في بداية تشكيلها قامت باتصالات واجتماعات كثيرة مع كل فروع التنظيم، واضطلع بالدور الرئيسي في هذه الاتصالات وزير الثقافة والشباب الأردني السابق الدكتور محمد أبو رمان ووزير الدولة للشؤون القانونية مبارك علي مبارك أبو يامين، علماً أنّ كليهما على علاقة وثيقة بجماعة الإخوان المسلمين والإسلام السياسي مع أنهما لا ينتميان رسمياً إلى الجماعة.

يأتي تدهور أوضاع الجماعة في الأردن تماشياً مع التحديات التي تواجهها الجماعة الأم عربياً

وقد فُسرت هذه المقاربة الحكومية آنذاك بنيّة حكومة الرزاز استخدام فرع "الإخوان المسلمين" في الأردن من أجل إقامة قنوات تواصل "خلفية" مع حركة "حماس" في حال حدوث ما يعتبره الأردن "أسوأ الحالات" في المنطقة: أي أن تصبح "حماس" جهة اتصال فلسطينية رئيسية مع الإسرائيليين والأمريكيين من خلال عملية سلام ناشئة عن "صفقة القرن".

وما يعزز هذا الهاجس هو التكهنات الجارية بشأن "صفقة القرن" وضم الأراضي في الضفة الغربية وغور الأردن، وتراجع نفوذ السلطة الفلسطينية مقارنةً بنفوذ "حماس".

وفي ظل احتمال اضطلاع "حماس" بدور إقليمي بارز، لربما تجد الحكومة الأردنية في فرع "الإخوان المسلمين" القائم على أرضها وسيلةً للبقاء على اتصال بحركة "حماس" – إنما بصورة محجوبة – باعتبار "حماس" أحد السُّبل الكفيلة بضمان أمن الأردن القومي ومصالحه السياسية، وخصوصاً رعاية المملكة الهاشمية للمقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس. والسؤال العالق الآن هل يلغي قرار محكمة التمييز الأخير فرص هذه المقاربة نهائياً، أم لا؟

مستقبل الجماعة

من الضروري التفكير في الواقع الذي ستخّلفه مقاربة "ثنائية المسار" على مستقبل جماعة الإخوان المسلمين في الأردن نفسها؛ فنفوذ الجماعة السياسي يزداد ضعفاً وتدهوراً بسبب التجزئة المتنامية داخلها، وهذا أمرٌ يعيه زعماء الجماعة الأصلية والتنظيمات المنشقة عنها ككل. كما أنّهم يدركون إلحاح وضعهم الراهن، ومن المحتمل أن يسعوا جاهدين إلى بلورة أفكار ومهامّ واستراتيجيات جديدة من أجل الحفاظ على وحدة منظومهم وحسن سير عملها وعلى أهميتهم في المجتمع الأردني. مع أنّ الواقع أثبت جمود الجماعة؛ فمثلاً لم يلحظ المواطن الأردني خلال أزمة وباء كورونا أية مبادرة وطنية أو شعبية لهم.

عقب الربيع العربي التنظيم انقسم إلى أربعة تنظيمات أضعف نسبياً تتنافس على تأييد الشعب الأردني

لكنّ من المرجّح أن تؤدي هذه المساعي المتضاربة إلى اشتداد المنافسة بين التنظيمات المعنية لكسب ثقة الشعب الأردني مستقبلاً، خاصة إذا جرت الانتخابات البرلمانية. ومن شأن هذه المنافسة أن تسبب بدورها عداوةً متعاظمة بين نواة "الإخوان المسلمين" المحظورة، ومعها جناحها السياسي المشروع "جبهة العمل الإسلامي"، و"حزب الشراكة والإنقاذ" وخصوصاً الناطق الرسمي باسم الحزب سالم يوسف الفلاحات، هذا الرجل العملي والطموح الذي يشغل حالياً منصب النائب الأول لأمين عام الحزب، ومن المرجح أيضاً أن يتفاقم التوتر مع حزب "زمزم" بعد تعيين رحيل غرايبة رئيساً لمجلس أمناء "المركز الوطني لحقوق الإنسان" .

وفيما تناضل جماعة الإخوان المسلمين في الأردن لوقف ما تتعرض له من تجزئة وعزل على الساحة المحلية، من المحتمل أن تحصر الجماعات تركيزها بالأهداف الخارجية على الصراع مع إسرائيل و"صفقة القرن" وضم الأراضي في الضفة الغربية وغور الأردن، ومقاومة التطبيع مع إسرائيل من أجل تعزيز قاعدة دعمها في الداخل.

وحتى في هذه الحال، وبالرغم من محاولة الجماعة التشبث بالقانون والطعن بقرار محكمة التمييز، وبعد الاستعداد البرلماني للتعامل مع "الإخوان المسلمين"، يبدو مستبعداً أن تتمكن جماعة الإخوان المسلمين في الأردن من استعادة مستوى القوة عينه الذي تحلت به منذ ثمانية أعوام فقط خلال "الربيع العربي".

 



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية