بعد انسحاب آخر الجنود الفرنسيين.. هل تصبح مالي قاعدة خلفية للجماعات الإرهابية؟

بعد انسحاب آخر الجنود الفرنسيين.. هل تصبح مالي قاعدة خلفية للجماعات الإرهابية؟


18/08/2022

بعد (9) أعوام من الوجود العسكري بمنطقة الساحل أنهت فرنسا الإثنين الماضي واحدة من أكبر عمليات جيشها بالخارج، ليغادر آخر الجنود المشاركين في عملية "برخان"، أراضي دولة مالي، وليكتمل بذلك انسحاب أعلن عنه الرئيس إيمانويل ماكرون في شباط (فبراير) الماضي، في عملية تطرح استفهامات كثيرة حول تداعيات القرار على أمن بلد يُخشى أن يتحوّل مجدداً إلى قاعدة خلفية للتنظيمات الإرهابية التي بدأت تظهر، فقد أعلنت مجموعة جهادية مرتبطة بتنظيم القاعدة عن قتل (4) عناصر من مجموعة فاغنر الأمنية الخاصة الروسية في كمين وسط مالي، بحسب ما ذكر موقع "سايت" الذي يتابع الحركات الإسلامية المتطرفة.

وجاء في بيان صادر عن الذراع الدعائية التابعة لـ"جماعة نصرة الإسلام والمسلمين"، التي تُعدّ التحالف الجهادي الرئيسي في منطقة الساحل، أنّ المجموعة نصبت كميناً لعناصر من فاغنر، بينما كانوا على متن دراجات نارية في منطقة باندياغارا متّجهين من قرية دجالو إلى الجبال.

وتضم "جماعة نصرة الإسلام والمسلمين"، التي تتسع رقعة نفوذها على الأرض، مجموعة متباينة من الجماعات الجهادية التي تنشط خصوصاً في مالي وبوركينا فاسو المجاورة.

وقد تحالفت روسيا مع المجلس العسكري الحاكم في مالي في معركته ضد تمرّد جهادي مستمر منذ أعوام.

واستعان النظام لدعم القوات المسلحة بالمقاتلين الروس شبه العسكريين الذين تصفهم باماكو بمدرّبين عسكريين، بينما تعتبرهم الدول الغربية مرتزقة.

تحالفت روسيا مع المجلس العسكري الحاكم في مالي في معركته ضد تمرّد جهادي مستمر منذ أعوام

ورغم أنّ باريس قد تنقل مركز محاربتها للإرهاب في الساحل الأفريقي إلى النيجر، إلا أنّ خبراء لم يخفوا مخاوفهم من إخلاء مالي من وجود كان يشكّل حائط صد في منطقة تُعدّ معقلاً لتنظيمي القاعدة وداعش وغيرها من الجماعات الإرهابية.

فالانتشار الفرنسي الذي استمر لـ (9) أعوام حقق، رغم التحديات، مكاسب جوهرية، ممّا يعني أنّ انسحاب قواتها قد يحوّل مالي مجدداً إلى قاعدة خلفية للجماعات الإرهابية، وسينعكس ذلك مباشرة على أمن منطقة الساحل الأفريقي، ومن بعدها دول عربية كثيرة في مقدمتها بلدان المغرب العربي.

ووفقاً لوكالة "فرانس برس"، فإنّه في حال استعادت التنظيمات الإرهابية قدرتها على تنظيم صفوفها بشكل أكبر مستثمرة الفراغ العسكري، فإنّ مالي ستتحول مجدداً إلى قاعدة خلفية للجماعات الإرهابية، وهذا الأمر قد يمثل خطراً على منطقة الساحل، ومن ورائها ليبيا أيضاً، وخصوصاً منطقة فزان الواقعة في أقصى الجنوب، التي كانت في السابق قاعدة خلفية للإرهابيين، وقد تستعيد دورها في سيناريوهات مشابهة.

 

جماعة نصرة الإسلام والمسلمين تتسع رقعة نفوذها على الأرض، وتضم مجموعة من الجماعات الجهادية التي تنشط في مالي وبوركينا فاسو

 

وممّا تقدّم، يبرز جلياً أنّ رحيل فرنسا من مالي ستكون له ارتدادات وخيمة في الساحل الأفريقي وفي الخارج عموماً، ممّا يسهل إعادة تشكيل طرق الإمداد ومصادر التمويل للعديد من التنظيمات الإرهابية الناشطة جنوب الصحراء الكبرى.

ويمكن استذكار تحركات تنظيم داعش الإرهابي في الصحراء الكبرى، وشنّ سلسلة من الهجمات الواسعة على قواعد عسكرية في مالي والنيجر عام 2015.

وفي العام ذاته تضاعفت الهجمات على القوات المالية والأجنبية والأماكن التي يرتادها أجانب، وقد استخدمت فيها عبوات يدوية الصنع، ونفذ متشددون هجمات خاطفة على دراجات نارية وغيرها.

في آذار (مارس) 2017 اتحد الإرهابيون المرتبطون بتنظيم القاعدة لبلاد المغرب الإسلامي وحركة الداعية المتطرف أمادو كوفا الذي ظهر في 2015 وسط مالي، تحت مظلة "جماعة نصرة الإسلام والمسلمين" بقيادة إياد أغ غالي.

وصُنف "داعش" العدو الأول خلال قمّة بو (جنوب غرب فرنسا) في كانون الثاني (يناير) 2020 بين باريس وشركائها في مجموعة دول الساحل الـ 5، (موريتانيا ومالي والنيجر وبوركينا فاسو وتشاد).

بعد انسحاب القوات الفرنسية بأيام من مالي، بدأت تظهر الجماعات الإرهابية، ووجّهت هجمات إرهابية لمجموعة فاغنر الروسية

في 4 حزيران (يونيو) 2020 قتلت قوة برخان زعيم تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي الجزائري عبد المالك دروكدال في مالي، في نجاح رمزي كبير.

وفي تشرين الثاني (نوفمبر) من العام ذاته، قتلت فرنسا بالرصاص "القائد العسكري" للحركة باه أغ موسى.

في 2021 قتلت القوات الفرنسية زعيم تنظيم داعش  في الصحراء الكبرى عدنان أبو وليد الصحراوي.

لكنّ المتشددين لم يخففوا قبضتهم، فقد قتل تنظيم داعش في الصحراء (6) عمال إغاثة فرنسيين في آب (أغسطس) 2020 في النيجر.

 

انسحاب القوات قد يحوّل مالي مجدداً إلى قاعدة خلفية للجماعات الإرهابية، وسينعكس على أمن منطقة الساحل وبلدان المغرب العربي

 

وبالعودة إلى التواجد العسكري، فقد أعلن الجيش الفرنسي أنّ حوالي (3) آلاف من عسكرييه سيظلون منتشرين في منطقة الساحل، وذلك بعد يومين من إنجاز انسحابه من مالي.

وقالت رئاسة الأركان الفرنسية: إنّه "في إطار إعادة تنظيم عملية برخان خارج مالي، سيبقى نحو (3) آلاف جندي في منطقة الساحل وسيؤدون مهامهم من قواعد موجودة في النيجر وتشاد، إلى جانب شركائنا الأفارقة؛ شراكة عسكرية قتالية وشراكة عسكرية تشغيلية وعمليات لوجستية"، وفق ما نقلت وكالة "رويترز".

وأوضح المتحدّث باسم رئاسة الأركان الكولونيل بيير جوديير أنّ "نهاية وجود العسكريين الفرنسيين ضمن عملية برخان في مالي لا يمثل إنهاء العملية...، تحوّل عملية برخان أعمق بكثير من هذا الانسحاب من مالي".

وأكد أنّ "هذا الأمر يندرج في إطار نهج جديد للشراكة مع الدول الأفريقية التي طلبت ذلك".

وكانت باماكو قد سرّبت أمس رسالة وجّهها وزير خارجيتها عبد الله ديوب إلى مجلس الأمن الدولي، يطلب فيها وضع حدّ لما يصفه بأنّه "أعمال عدوانية" فرنسية، لا سيّما "جمع معلومات استخبارية لصالح الجماعات الإرهابية العاملة في منطقة الساحل، وإلقاء الأسلحة والذخيرة إليها".

 

الجيش الفرنسي يعلن أنّ حوالي (3) آلاف من عسكرييه سيظلون منتشرين في منطقة الساحل لمواجهة التنظيمات الإرهابية

 

بالمقابل، اعتبر قائد قوة برخان الجنرال برونو باراتز عبر أثير إذاعة فرنسا الدولية (آر إف إي) أنّ هذا النوع من الاتهامات "مهين بعض الشيء لذكرى زملائنا الـ59 الذين سقطوا من أجل مالي، ولجميع الماليين الذين قاتلوا إلى جانبنا"، وكذلك لعناصر بعثة الأمم المتحدة في مالي (مينوسما).

وما يؤكد أنّ منطقة الساحل الأفريقي أكبر منطقة جذب للجماعات الإرهابية في العالم هو عدد الفروع الإرهابية التابعة للتنظيمات المعروفة: "داعش" و"القاعدة" و"بوكو حرام".

منطقة الساحل الأفريقي أكبر منطقة جذب للجماعات الإرهابية في العالم

وعبر (6) دول من الساحل هي: مالي وبوركينا فاسو والنيجر ونيجيريا والكاميرون وتشاد تتوزع (10) فروع إرهابية، والتي تصدرت بها القارة من حيث عدد التنظيمات الإرهابية والجماعات المتفرعة عنها قائمة قارات العالم، وفق دراسة نقلت صحيفة "العين" مقتطفات منها.

ويتعلق الأمر بـ"جماعة نصرة الإسلام والمسلمين"، و"أنصار الدين"، و"جبهة تحرير ماسينا"، و"المرابطون"، و"إمارة الصحراء" التابعة لما يُسمّى "تنظيم القاعدة ببلاد المغرب".

بالإضافة إلى تنظيمين إرهابيين آخرين تقول الدراسة إنّهما من أكبر التنظيمات الإرهابية بالساحل، وهما: "أنصار الإسلام" و"تنظيم داعش في الصحراء الكبرى".

وبمنطقة البحيرات الكبرى المحاذية والمتداخلة مع منطقة الساحل تنشط (3) تنظيمات إرهابية، وهي: "بوكو حرام"، و"تنظيم داعش - ولاية غرب أفريقيا"، و"تنظيم الأنصار".

ومن أقدم التنظيمات الإرهابية في أفريقيا "الجماعة السلفية للدعوة والقتال" الجزائرية التي نفذت عدة مجازر بشعة في الجزائر ضد المدنيين خلال ما كان يُعرف بـ"العشرية السوداء".

 

مواضيع ذات صلة:

حضور روسي وغضب فرنسي وتوغل إرهابي... ماذا يحدث في مالي وغرب أفريقيا؟

لماذا قطع الحكام العسكريون في مالي العلاقات مع فرنسا؟

هل يؤجج الانقلاب في مالي الصراع بين فرنسا وروسيا؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية