حضور روسي وغضب فرنسي وتوغل إرهابي... ماذا يحدث في مالي وغرب أفريقيا؟

حضور روسي وغضب فرنسي وتوغل إرهابي... ماذا يحدث في مالي وغرب أفريقيا؟


03/04/2022

لا تعاني القارة الأفريقية فقط جرّاء الإرهاب وانعدام التنمية، فهي تقع تحت وطأة الصراعات المتفاقمة مثل الحروب الأهلية والنزاعات القبلية، وأيضاً صراعات السيطرة والنفوذ من جانب القوى الخارجية كونها مناطق غنية بالموارد وتحظى بموقع استراتيجي يُضاعف من أهميتها.

وقد كشفت دراسة حديثة صادرة عن المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية أبعاداً جديدة للصراع المحتدم بين روسيا وفرنسا لفرض النفوذ والسيطرة في منطقة غرب أفريقيا، التي تشهد تنامياً غير مسبوق لنشاط التنظيمات الإرهابية، تعززه عوامل عدم الاستقرار الأمني والسياسي وبيئة النزاعات والتدخلات الخارجية.

اقرأ أيضاً: الجيش المالي يعلن حصيلة حملة عسكرية شنها ضد جماعات إرهابية

وبحسب الدراسة، التي أعدها الباحث المختص في الشأن الأفريقي بمركز الأهرام للدراسات التاريخية والاجتماعية صلاح خليل، "تشهد دول غرب أفريقيا صراعاً على النفوذ بين كلٍّ من روسيا وفرنسا"، وأنّه "لا يمكن التكهن بما ستؤول إليه مآلات هذا الصراع، ولا سيّما في ظلّ كسب روسيا التأثير في مناطق النفوذ الفرنسي التاريخي في هذه المنطقة".

 أسباب الانكماش الفرنسي

وتشير الدراسة إلى أهمية الدور الفرنسي التاريخي في مناطق غرب أفريقيا لكنّها توضح، في الوقت ذاته، أنّ "روسيا تُقدّم نفسها كبديل لفرنسا التي خلّفت وراءها واقعاً مأساوياً تعيشه شعوب غالبية دول غرب أفريقيا، وقد بدأت مؤشرات التراجع الفرنسي في هذه المنطقة مع خروج القوات الفرنسية من جمهورية مالي بعد أكثر من (9) أعوام من وجودها العسكري ونقل عدد كبير من عتادها العسكري إلى تشاد، وذلك على إثر إنهاء عملية "برخان" ضدّ الجماعات الإسلامية في شباط (فبراير) 2022، وبعدما نشرت آلاف الجنود".

منطقة غرب أفريقيا تشهد تنامياً غير مسبوق لنشاط التنظيمات الإرهابية

وبحسب الباحث صلاح خليل، يعكس الانسحاب الفرنسي من مالي ما آلت إليه العلاقات بين البلدين من تدهور غير مسبوق، مشيراً إلى "العلاقات الفرنسية المالية بعد تراجع المجلس العسكري الحاكم في مالي عن اتفاقه مع فرنسا على تنظيم انتخابات في شباط (فبراير) 2022".

 مقوّمات الصراع الروسي الفرنسي

وتربط الدراسة أبرز أسباب التراجع الفرنسي في مالي بالتوسع الروسي كردّ فعل، مشيرة إلى أنّ "فرنسا اكتشفت قيام المجلس العسكري الحاكم في مالي بتوظيف (1000) فرد من شركة فاغنر شبه العسكرية الروسية، ممّا يبرز نفوذ موسكو المتزايد في منطقة غرب أفريقيا، ويثير معارضة شرسة من فرنسا وشركائها الذين قضوا أكثر من (8) أعوام في محاربة الإرهاب في منطقة الساحل المضطربة، ولكن دون تحقيق انتصارات تحدّ من تمركز الجماعات الجهادية، ولذا دعت فرنسا مالي إلى التخلي عن أيّ تفكير في صفقة محتملة مع مجموعة فاغنر، محذّرة المجلس العسكري من أنّه قد يواجه عزلة دولية إذا دخل في ترتيبات مع مجموعة المرتزقة الروسية".

 

تشير الدراسة إلى أنّ روسيا تُقدّم نفسها كبديل لفرنسا التي خلّفت وراءها واقعاً مأساوياً تعيشه شعوب غالبية دول غرب أفريقيا

 

وتوضح الدراسة "من ناحية أخرى، تكبدت فرنسا خسائر بشرية وصلت إلى (55) جندياً فرنسيّاً، وتكبدت جيوش كلّ من مالي والنيجر وبوركينا فاسو وتشاد آلاف الجنود في (8) أعوام منذ بداية الحرب ضد الجماعات الجهادية. فمنذ (6) أعوام كانت الجماعات الجهادية على بعد (600) كم من العاصمة المالية باماكو، وفي عام 2022 أصبحت الجماعات المتطرفة تهاجم على بعد أقلّ من (100) كم من العاصمة المالية، حيث تسيطر الجماعات الجهادية على مساحات شاسعة في وسط مالي وعلى طول الحدود مع النيجر وبوركينا فاسو. وعلى الرغم من وجود قوة عسكرية كبيرة للأمم المتحدة متمركزة في منطقة (جاو)، بناء على طلب من الحكومة الفرنسية، حيث أكثر من (13) ألف جندي يقومون بدوريات عسكرية، في الوقت الذي تنفذ فيه الجماعات المتطرفة عمليات ضد المزارعين والرعاة؛ تتزايد المشاعر المعادية للفرنسيين اليوم بين شعوب في مالي وكثير من دول غرب أفريقيا الأخرى. فبعد أكثر من (150) عاماً ما تزال باريس تلعب لعبتها في غرب أفريقيا، من غير تحقيق تنمية واستقرار وأمن لشعوب هذه الدولة".

 فاغنر... كلمة السر

وبحسب الدراسة تستغلّ روسيا الاحتجاجات والمظاهرات التي تقودها شعوب هذه الدول ضد الوجود الفرنسي، وتنطلق روسيا من إدراكها الأبعاد الاستراتيجية، خاصة البعدين؛ السياسي والعسكري، في تزايد نفوذها، الذي يجعلها تتخندق في غرب أفريقيا دون عوائق أو عراقيل غربية.

تسعى روسيا من خلال شركة فاغنر شبه العسكرية في مالي إلى تعزيز مكانة موسكو وتأثيرها العالمي

وأيضاً "تسعى روسيا من خلال شركة فاغنر في مالي إلى تعزيز مكانة موسكو وتأثيرها العالمي، وتكون جزءاً من حملة أوسع لزعزعة ديناميكيات القوة طويلة الأمد في أفريقيا وفي غرب أفريقيا. فمن ليبيا في الشمال إلى نيجيريا ومالي والنيجر في الغرب، إلى إثيوبيا وأفريقيا الوسطى في شرق ووسط أفريقيا، تعمّدت روسيا بناء تحالفات عسكرية استراتيجية رئيسية بشكل متزايد عبر بعض الدول الأفريقية في الأعوام الماضية".

 

عدم حلّ الأزمات داخل القارة الأفريقية أفسح المجال للتدخلات الخارجية، وهو الأمر الذي جعل القارة الأفريقية مسرحاً لتسابق النفوذ الدولي للقوى العالمية

 

ووفق الدراسة، تحصل مجموعة فاغنر شهرياً على (10.8) ملايين دولار حصيلة خدماتها في منطقة الساحل، كمرتزقة تقوم بتدريب الجيش المالي، وحماية كبار المسؤولين في البلاد، كما تعمل فاغنر على رعاية شركات التعدين للحصول على الأموال من الحكومات والشركات في دول غرب أفريقيا. وكثير من شعوب دول غرب أفريقيا تؤيد التدخل العسكري الروسي بدلاً من فرنسا.

 متى تنتهي أزمة أفريقيا؟

يخلص الباحث إلى أنّ عدم فعالية قرارات بعض المنظمات الأفريقية والاتحاد الأفريقي في إدارة الصراعات والخلافات الداخلية بين الدول الأعضاء، وعدم حلّ الأزمات داخل القارة الأفريقية؛ أفسح المجال للتدخلات الخارجية، وهو الأمر الذي جعل القارة الأفريقية مسرحاً لتسابق النفوذ الدولي للقوى العالمية، وبالتالي قد تستخدم روسيا بصمتها المتنامية في مالي كورقة مساومة عند التفاوض بشأن العلاقة مع فرنسا. وأيضاً في مقدرة موسكو مساعدة المجلس العسكري الحاكم في مالي على مكافحة الإرهاب بشكل فعّال، بغرض اكتساب روسيا مكانة دولية أكبر تعزز بها مصالحها الجيوسياسية والاقتصادية في غرب أفريقيا ومنطقة الساحل، فجمهورية مالي غنية بالموارد الطبيعية، بما في ذلك الذهب والحجر الجيري واليورانيوم، وهو أحد مطامع مجموعة فاغنر وأجندتها في أفريقيا.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية