مصطفى فحص
اختار الرئيس الأميركي، جو بايدن، رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، كأول زعيم عربي تتواصل معه الإدارة الجديدة. لا يمكن الفصل ما بين العلاقة الشخصية التي تربط الكاظمي ببايدن ووزير خارجيته، أنتوني بلنكين، وبين موقف أميركي يتبلور حول العراق يُعبر عن توجهات الإدارة الحالية المعنية بالتوصل إلى تسويات عديدة عراقية عراقية وعراقية إقليمية، تضمن استقرار العراق السياسي والأمني في مرحلة مفاوضات بين واشنطن وطهران، بدأت تأخذ طابعا خشنا بعد الضربة الأميركية لأهداف تابعة لفصائل عراقية موالية لإيران في سوريا.
في دلالات الاتصال أو التواصل، يدخل الرئيس الأميركي إلى المنطقة من البوابة العراقية، في مرحلة تعيد فيها إدارته هندسة السياسة الأميركية الجديدة في الشرق الأوسط، وتتطلع إلى صياغة حضورها الدولي، وإعادة تقييم نفوذها على الساحة الدولية، الذي يضع في صلب أهدافه احتواء التمدد الصيني والتوسع الروسي وما يدور في فلكهما أو يلجأ إليهما، وهذا ما يجعل من العراق حيزا جيواستراتيجيا لا يمكن تركه أو إهماله في هذه المواجهة.
لا يمكن فصل الاتصال عن الضربات التي جرت ضد أهداف أميركية في أربيل وبغداد، ولا يمكن فصله أيضا عن الرد الأميركي على هذه الضربات، ولكنه يؤكد أن هناك حرصا أميركيا ولو مؤقتا في هذه المرحلة على تحييد بغداد ورفض أن يتحول العراق إلى ساحة تصفية حسابات بين واشنطن وطهران، وهذا ما يفسر اختيار واشنطن لمكان الرد وحجمه ودون تسمية الفصيل المستهدف، وهي خطوة تخفف الأعباء الأمنية على حكومة الكاظمي وتبعث برسالة إلى الأطراف التي استَهدَفت وثم استُهدِفت بأن خيارات واشنطن ليست تفاوضية فقط.
الفارق الأبرز بين الإدارتين الأميركيتين الحالية والسابقة أن السابقة حاولت جر الحكومة العراقية إلى مواجهة غير متكافئة وترددت في تقديم دعمها المشروط أصلا، فهي لم تستقبل رئيس الوزراء السابق، عادل عبد المهدي، ولم يزر دونالد ترامب العراق بشكل رسمي أثناء ولايته الرئاسية، بل حمّله عبء اغتيال الجنرال قاسم سليماني على أراضيه، وحمّل الكاظمي عبء تداعياتها، فيما كان بإمكان الرئيس بايدن أن يختار أهدافا داخل العراق، لكنه قرر تحييده وتصغير الهدف من بوابة الحرص على استقرار هش وخطة تفاوض صعبة تتطلب حماية العراق وحكومته من تداعياتها.
عمليا يفتح التصرف الأميركي عدة تساؤلات، فهو يضع الكرة بملعب الكاظمي والفرقاء السياسيين خصوصا الفصائل المسلحة، بأن المغامرة غير المحسوبة مع واشنطن ستكون عواقبها وخيمة على الجميع، وبأن تراجع الوضع الحالي بكل ما فيه من مساوئ سيؤدي إلى فوضى عامة لا يمكن لأحد أن يسيطر على مفاعيلها أو التكهن بخواتيمها، فالضربة رسالة تحذيرية للذين يقفون خلفها بأن الرد المقبل سيختلف في المكان والحجم، وهذا ما يجعل الفصائل العراقية المسلحة تتحمل مسؤولية ما ستؤول إليه الأمور.
الثقة ما بين الكاظمي والفصائل المسلحة ضعيفة، ويمكن أن تحمله مسؤولية الضربة التي تعرضت لها أو تعمل على إحراجه مجددا، خصوصا إذا أرادت أن تربط ما بين اتصال بايدن وتصريح وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) عن تعاون استخباري مع العراق قبل حدوث الضربة، وهذا يعيد إلى الأذهان إتهام بعض الفصائل للكاظمي بالتواطؤ في عملية اغتيال سليماني والمهندس، لكن ردة فعلها ترتبط بطهران التي لم تتخذ قرار التصعيد حتى الآن.
عوامل كثيرة من المفترض أن تجبر طهران على مراجعة أساليبها، من أبرزها اتساع دائرة الرفض الداخلي شعبيا وسياسيا لتصرفات الفصائل ضد البعثات الدبلوماسية وبأنها ضد مصلحة العراق، وكان أبرزها تصريح وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين: "إن العراق دولة ديمقراطية ولا توجد فيها مقاومة وأن من يطلق الصواريخ هم إرهابيون ويعملون ضد الحكومة والشعب العراقي".
عود على بدء، إلى الاتصال الأول الذي يعيد الاهتمام الأميركي بالعراق، وتحويله من مكالمة دبلوماسية بين رئيسين تربطهما علاقة شخصية إلى فرصة يحتاجها الشعب العراقي تساعده على الخروج من أزماته المتراكمة، إذا نجحت الطبقة السياسية في إبعاد العراق عن صراع المحاور وانحازت إلى المصالح الوطنية.
عن "الحرة"