مكلف آخر لتشكيل الحكومة العراقية الجديدة، بعد فشل المكلف السابق، محمد توفيق علاوي، بتشكيلها.
عدنان الزرفي شطرَ خلال اليومين السابقين المشهد السياسي الشيعي إلى نصفين؛ بين معارضٍ لتكليفهِ ومؤيدٍ له، اختلاف أدى إلى صعود لغة التهديد وخطاب التخوين مجدداً، وهي عادة سياسية لحظة ارتطام مصالح الكتل بجدار "اللا توافق".
عدنان الزرفي السياسي العلماني الذي يناكفه المجتمع الديني في النجف يثير الجدل كرئيس مكلف لتشكيل الحكومة الجديدة
وكان الرئيس العراقي، برهم صالح، قد كلّفَ، صباح الثلاثاء الماضي، رئيس كتلة النصر في البرلمان، عدنان الزرفي، بتشكيل الحكومة المؤقتة.
وتثير شخصية الزرفي جدلاً واسعاً داخل حقلَي السياسة والمجتمع. الجدل قائمٌ على أساسِ هويتهِ السياسية المتغيرة من "الإسلام السياسي" الى "العلمنة"، فضلاً عن صراعٍ طبقيّ خاضهُ مع رجالات المؤسسة الدينية وحلفائها من "الساسة والتجّار" داخل مدينته (النجف)، التي حكمها لمراتٍ عدة، ما جعلهُ غريماً "سياسياً وأيديولوجياً"، للكثير من الإسلاميين الممسكين بالحكم منذ العام 2005.
وتواجه رئيس الحكومة المكلف تحدياتٌ كبرى، لحظة مرور حكومتهِ الانتقالية نيابياً، منها داخلية؛ كتلبية مطالب الاحتجاجات، وتعزيز الأمن الصحي في ظلّ انتشار فيروس كورونا، ومواجهة الأزمة الاقتصادية بعد انخفاض أسعار النفط، وأخرى خارجية، وأبرزها الصِدام الأمريكي – الإيراني داخل العراق.
من هو عدنان الزرفي؟
عدنان خضير الزرفي، سياسي عراقي، من مواليد محافظة النجف الشيعية عام (1966)، حاصل على شهادة الدكتوراه من كلية الفقه في جامعة الكوفة، انتمى ببداية شبابهِ في ثمانينيات القرن الماضي، إلى صفوف حزب الدعوة الإسلامية، وحكم بالسجن المؤبد، إلى أن فرَّ من السجن، إبان الانتفاضة الشعبية التي اندلعت في مدن جنوب ووسط العراق، عام 1991.
اقرأ أيضاً: العراق في النفق الأمريكي الإيراني
شارك منتفضاً خلال الانتفاضة التي كبحها النظام الصدّامي، ليغادر إلى المملكة العربية السعودية لاجئاً فيما عرف بـ "مخيم رفحاء". في عام (1994) هاجر إلى الولايات المتحدة الأمريكية، التي عاد منها إلى بلادهِ عقب الغزو الأمريكي الذي أطاح النظام العراقي السابق.
اقرأ أيضاً: رئيس الوزراء الأسبق إياد علاوي لـ "حفريات": الإيرانيون يحكمون العراق
شارك الزرفي في العملية السياسية الجديدة، بصفتهِ سياسياً علمانياً مستقلاً، متخلياً عن أفكار الإسلام السياسي التي آمن بها في مقتبل شبابه، وتولى عدة مناصب إدارية وأمنية داخل النظام الجديد، فكان محافظاً لثلاث دورات متباينات لمدينة النجف، ووكيلاً للاستخبارات الأمنية في وزارة الداخلية، وآخرها نائباً في البرلمان عن ائتلاف النصر (بزعامة حيدر العبادي)، ورئيساً لكتلتهِ ذات الثلاثين مقعداً.
النجفي الذي يناكفه المجتمع الديني
لمدينة النجف (160 كم جنوب بغداد)، خصوصية عن سائر المحافظات العراقية؛ إذ تشترك ومحافظة كربلاء (100 كم جنوب بغداد) في قدسيتهما؛ إذ تضمّان مراقد أئمة الشيعة البارزين من (الإمام علي بن أبي طالب) وابنيه (الحسين والعباس)، كما تعدّ النجف الجامعة الدينية التي تخرج الآلاف من طلبة الفقه الشيعي لكل العالم، وتسيطر على الحوزة الشيعية أسرٌ دينية، لها أذرع سياسية حاكمة داخل النظام في بغداد، ويعدّ عدنان الزرفي طارئاً على المنظومتين الدينية والسياسية، لأنهُ جاء بخطاب يتخذ من العلمانية السياسية هوية له.
القوى الكردية والسنّية ترحّب بتكليف الزرفي وتشترط تلبية مطالب المكونين لدعم حكومته داخل البرلمان، والفتح يهاجم
التحالف بين رجال الدين والسياسة، جعل الزرفي يعمل على بناءِ كيانٍ موازٍ له داخل المحافظة الشيعية، عبر اهتمامهِ بالأقضية والنواحي (المدن الهامشية على أطراف النجف)، وتمكّن من كسبِ جماهيرها المعدمة اقتصادياً، عبر توجيه وارادت المحافظة، بصفتهِ محافظاً (عيّنهُ الحاكم المدني الأمريكي، بول بريمر، عام 2003-2004)، إلى تلك المدن والقرى، التي تتعالى عليها الأرستقراطية الشيعية (من رجال دين وسياسة، وتجّار)، القاطنة في أحياء وسط النجف.
اهتمام الزرفي هذا عاد عليه بالكسب الانتخابي لدورتين، حينما شكل ائتلافاً سياسياً مستقلاً باسم (كتلة الوفاء)، مكَّنهُ من حكمِ المحافظة في الأعوام (2009-2012)، (2012 -2014)، مما أثار ضغينةً اجتماعيةً بينهُ وبين المجتمع الديني، حتى اتُّهم بـ "الفساد الأخلاقي"، حينما سمح بإقامة حفلات غنائية للطلبة في الجامعات وإقامة الفعاليات الفنية لمنظمات المجتمع المدني داخل المدينة المحافظة دينياً.
تكليف مفاجئ.. الزرفي يخلف علاوي
نتيجة فشل محمد توفيق علاوي في تشكيل الحكومة العراقية الجديدة، عملت القوى الشيعية داخل البرلمان العراقي، على تشكيل لجنة سباعية مشتركة لاختيار مرشح موحد لرئاسة الحكومة الانتقالية.
فشل اللجنة فيما بعد، أتاح لرئيس الجمهورية، برهم صالح، تكليف من رآهُ مناسباً لإدارة الوزارة المرتقبة.
اقرأ أيضاً: المشهد السياسي العراقي بين رياح كورونا والأزمة
وتتكون القوى الشيعية النيابية، من كتل: سائرون (بزعامة مقتدى الصدر) والفتح (بزعامة هادي العامري)، والنصر (بزعامة حيدر العبادي)، ودولة القانون (بزعامة نوري المالكي)، والحكمة (بزعامة عمار الحكيم)، وهي القوى التي يتيح لها العرف السياسي، بترشيح رئيساً للوزراء، وفق نظام المحاصصة الطائفية، القائم منذ عام 2003، مقابل رئاسة البرلمان للقوى السنّية، ورئاسة الجمهورية للقوى الكردية.
حين كلّفَ صالح، الزرفي، بتشكيل الحكومة المؤقتة، وسط حضور نيابي داخل قصر السلام الجمهوري ببغداد، أعرب عن "أمنياته لرئيس الوزراء المكلف بالتوفيق والنجاح في مهامه الجديدة، وأن يعمل على إجراء انتخابات مبكرة ونزيهة، ويحقق تطلعات العراقيين، ويلبي مطالب المتظاهرين السلميين المشروعة من خلال إنجاز الإصلاحات المطلوبة، وأن يحافظ على سيادة واستقرار وأمن العراق".
هجوم سياسي واتهامات بالعمالة
وبُعيْد تكليف صالح للزرفي، هاجم تحالف الفتح (المقرب من طهران)، تصرف رئيس الجمهورية، واصفاً إياه بـ "الخرق الدستوري وتجاهل الكتلة الأكبر" التي يمثلها الفتح، فيما ذهبت وسائل إعلام التحالف إلى اتهام المكلف بالعمالة لأمريكا، وأنّه يمثل المحور المناوئ لما يسمى "محور المقاومة" بزعامة إيران.
وقال بيان لكتلة الفتح (48 مقعداً بزعامة هادي العامري): "نرفض الخطوة غير الدستورية التي قام بها رئيس الجمهورية بتكليف مرشح خارج السياقات الدستورية، والتي تنصّ على تكليف مرشح الكتلة الأكبر وإعلانه رسمياً ارتكابه للمخالفة الدستورية بذلك".
اقرأ أيضاً: ما الذي يجمع الإخوان وكتائب حزب الله في العراق
وأكد البيان؛ أنّ الرئيس برهم صالح "يكرر اليوم المخالفة نفسها؛ فهو تجاوز الدستور من جهة، ولم يلتزم بالتوافق بين القوى السياسية من جهة أخرى"، مهدداً بالقول: "نحمّل رئيس الجمهورية كامل المسؤولية عن تداعيات هذه الخطوات الاستفزازية، وسنأخذ كافة الإجراءات لمنع هذا الاستخفاف بالقانون والدستور".
أما تحالف سائرون (54 مقعداً)؛ فقد ظهرت لغة الارتياح على خطابهِ بخصوص تكليف الزرفي؛ إذ يقول فيصل الهاشمي، نائبٌ عنه لـ "حفريات" إنّ "التكليف شرعي، والشعب هو الكتلة الأكبر بعد أن تنازلنا عن حقنا ككتلة فائزة لصالح ساحات الاحتجاج".
الكرد والسُنّة يرحّبان ويشترطان
وفي طور التجاذبات بين القوى الشيعية، أبدت القوى الكردية والسنّية ترحيبهما بتكليف الزرفي لإدارة المرحلة المؤقتة، لكنّهما اشترطا نجاح المفاوضات معه، لدعمهِ في تشكيل الحكومة.
وقال رسول الجاف، النائب عن الحزب الديمقراطي الكردستاني (بزعامة مسعود بارزاني): "ليس لدينا موقف مسبق من تكليف الزرفي، بل نحن نعتمد على معاير ومبادئ ثابتة تتعلق بكيفية إدارة البلد". وأبلغ "حفريات": "الكرد ليست لديهم مشكلة مع الأسماء، ونبارك للمكلف ونتمنى له التوفيق".
اقرأ أيضاً: نصر الله يكشف تفاصيل دور سليماني في لبنان والعراق
ودعا الجاف، المكلف الجديد، إلى "الانتباه للخطوات التي أفشلت، محمد توفيق علاوي"، مطالباً إياه "بالحفاظ على حقوق المكونات والتعامل معها وفق الدستور".
من جهتهم، رحّب نواب عن تحالف القوى العراقية (المظلة السياسية للكتل السنية)، بتكليف الزرفي، مطالبين بتحقيق مطالب المكون السنّي، شريطة دعم الحكومة الجديدة.
النائب طالب الدهلكي، قال لـ "حفريات": "القوى السنية داعمة لقرار تكليفه لتشكيل الحكومة المقبلة، لأنّها ستؤدي الى استقرار البلاد، والوصول إلى مرحلة إجراء الانتخابات المبكرة لأنّها فترة مؤقتة"، مبيناً أنّ "مطالب تحالفه متعددة، منها؛ إعادة النازحين إلى المناطق المحررة، وإعمارها، وخلق توازن في المنظومة الحكومية".
أبرز التحديات التي تواجه الرئيس المكلف
في حالِ حصولها على ثقة البرلمان العراقي، ستواجه حكومة عدنان الزرفي، تحديات طارئة؛ كالأزمة الاقتصادية الوشيكة بسبب هبوط أسعار النفط، وخطر انتشار كورونا في العراق، بعد تسجيل أكثر من 150 إصابة و11 حالة وفاة بين العراقيين جراء إصابتهم بالفيروس، لكنّ التحدي الأخطر يتمثّل في مواجهة الزرفي للرغبة المعلنة من قبل القوى السياسية الموالية لإيران، في إخراج القوات الأمريكية من البلاد.
اقرأ أيضاً: حزب الله اللبناني ورقة إيران البديلة بعد سليماني لتوجيه ميليشياتها في العراق
وكان الزرفي قد خاض، خلال الشهور الماضية، سجالاً علنياً مع حلفاء إيران بشأن هذا الملف، وأكد في تصريحات صحفية عدة؛ أنّ إخراج القوات الأمريكية حالياً يفتح الباب على خطر عودة تنظيم داعش، ويهدّد علاقات العراق مع أهم شريك سياسي واقتصادي بين دول العالم.
ومن التحديات الأخرى؛ الاحتجاجات الشعبية، القائمة منذ خمسة أشهر، والداعية الى ضرورة إجراء الانتخابات المُبكرة لتغيير المنظومة السياسية الحاكمة.
وقد أبدى الزرفي رأيه في التظاهرات، ووصفها عبر تغريداتٍ في تويتر، بأنّها "حقّ مشروع"، وأنّ المتظاهرين أبناؤه، والدفاع عنهم وحمايتهم سيبقى تكليفاً وطنياً، مؤكداً أنّه لن يتنازل عنه أبداً حتى انتصار الثورة، مهما زادت الاتهامات.