انسحاب أمريكا الوشيك من سوريا: هل تغامر بفراغ استراتيجي تملأه روسيا وإيران

انسحاب أمريكا الوشيك من سوريا: هل تغامر بفراغ استراتيجي تملأه روسيا وإيران

انسحاب أمريكا الوشيك من سوريا: هل تغامر بفراغ استراتيجي تملأه روسيا وإيران


31/01/2024

في ظل تنامي الهجمات المسلحة على القوات الأمريكية في سوريا والعراق، وتحديداً بعد اندلاع "طوفان الأقصى"، فإنّ الحديث بشأن انسحاب الولايات المتحدة من شمال شرقي سوريا عاد إلى الظهور مجدداً. ولا تُعدّ مسألة الانسحاب من مناطق الإدارة الذاتية أمراً جديداً ومباغتاً، وإنّما هناك سوابق عديدة؛ منها ما قاله في عام 2019 الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب: "حان الوقت لتخرج الولايات المتحدة"، ولكنّ ذلك لم يحدث. 

وبغضّ النظر عن دوافع دونالد ترامب وقتذاك من الإعلان عن الانسحاب ممّا وصفه بـ"الحرب السخيفة" في سوريا، الأمر الذي جعله أمام انتقادات متباينة، فقد اعتبرت قوات سوريا الديمقراطية (قسد) أنّ واشنطن "لم تفِ بوعودها والتزاماتها"، إلّا أنّ تصريحات الانسحاب الأمريكي، هذه المرة، سرعان ما عمد البيت الأبيض إلى نفيها تماماً، مع الأخذ في الاعتبار أنّ هناك ضغوطات تتعرض لها القوات الأمريكية بالمنطقة في سوريا والعراق، وقد وصل عدد الهجمات إلى نحو (90) هجوماً منذ 19 تشرين الأول (أكتوبر) العام الماضي، بحسب توثيق المرصد السوري لحقوق الإنسان، ومقره لندن. 

نفي الانسحاب الحتمي 

نفى البيت الأبيض الأربعاء الماضي كل ما تسرب عن نيته بخصوص سحب القوات الأمريكية من سوريا. وقال في اتصال مع (العربية/ الحدث): إنّ إدارة الرئيس جو بايدن لا تفكر بالانسحاب من سوريا.

ويقول المرصد: إنّ الهجمات استهدفت (22) مرة قاعدة حقل كونيكو للغاز، و(21) مرة حقل العمر النفطي بدير الزور الذي يضم أكبر القواعد العسكرية الأمريكية،  وتعرضت قاعدة الشدادي بريف الحسكة إلى (15) هجوماً، كما تعرضت قاعدة خراب الجير في رميلان إلى (15) هجوماً أيضاً.

لا تُعدّ مسألة الانسحاب من مناطق الإدارة الذاتية أمراً جديداً ومباغتاً

مسألة الانسحاب الأمريكي "الحتمي"، وربما "الوشيك"، على حدّ توصيف صحيفة (فورين بوليسي) الأمريكية، تزامن مع إشارات أخرى بشأن وجود عرض أمريكي على قائد قوات (قسد) مظلوم عبدي بالاصطفاف والشراكة مع النظام في دمشق لمحاربة تنظيم داعش.

ونقل موقع (المونيتور) عن مسؤولين أمريكيين، لم يكشف عن هوياتهم، أنّ البنتاغون طرح خطة على قوات سوريا الديمقراطية للانضمام في شراكة مع نظام بشار الأسد، وتابع: "تمّ تناول الخطوط العريضة للاستراتيجية المقترحة خلال اجتماع عقده مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض، بناءً على طلب من وزارة الدفاع لتشكيل لجنة سياسات مشتركة بين الوكالات (IPC) تضم ممثلين عن وزارة الخارجية ووكالة الاستخبارات المركزية.

 

الباحث السياسي مايكل مورجان: الولايات المتحدة قررت منذ انسحابها من أفغانستان منذ عامين عدم الانخراط في الصراعات بشكل مباشر، ولكن عن طريق الحرب بالوكالة

 

وأكد الموقع الأمريكي أنّ الانسحاب الأمريكي من شمال شرقي سوريا يبدو وشيكاً، الأمر الذي أكدته صحيفة (فورين بوليسي)، حيث تتزايد المؤشرات التي ترجح حتمية خروج قوات التحالف البالغ عددها نحو (900) جندي، وذلك بعد اندلاع الحرب في غزة نهاية العام الماضي، ممّا جعل إدارة الرئيس جو بايدن تراجع سياساتها وتعيد النظر في أولوياتها بالشرق الأوسط.  وقالت الصحيفة الأمريكية: "منذ هجوم حماس ضدّ إسرائيل في 7 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، وما نتج عنه من حملة عسكرية إسرائيلية في قطاع غزة، بلغت التوترات والأعمال القتالية في مختلف أنحاء الشرق الأوسط ذروتها. ومع ظهور مثل هذه الأزمة الإقليمية المعقدة، ينبغي ألّا يكون من المفاجئ أن تعيد إدارة بايدن النظر في أولوياتها العسكرية في المنطقة".

عودة محتملة لتنظيم داعش

ذكرت (فورين بوليسي) أنّه "على الرغم من التأثير الكارثي الذي قد يخلفه الانسحاب على نفوذ الولايات المتحدة وحلفائها، في الأزمة التي لم يتم حلها والمتقلبة بشدة في سوريا، فإنّه سيكون أيضاً هدية لتنظيم داعش، وعلى الرغم من ضعف التنظيم بشكل كبير، إلّا أنّه في الواقع مهيأ للظهور من جديد في سوريا، إذا أتيحت له المساحة للقيام بذلك". وإنّ "التدخل الدولي غير المسبوق الذي أطلقته الولايات المتحدة، وأكثر من (80) دولة شريكة في العام 2014، لهزيمة ما سُمّي تنظيم داعش الإرهابي، كان ناجحاً بشكل ملحوظ، مع تحرير المنطقة الأخيرة من الأراضي في سوريا في أوائل العام 2019".

وأضافت: "في العراق أيضاً اختفى تنظيم الدولة الإسلامية تقريباً، وتدهور إلى درجة أنّه في عام 2023 بلغ متوسط عدد الهجمات التي شنها (9) هجمات شهرياً فقط،   بانخفاض عن حوالي (850) هجوماً شهرياً في عام 2014". وشددت الصحيفة على أنّ "الوضع في سوريا المجاورة للعراق أكثر تعقيداً. ومع وجود ما يقرب من (900) جندي على الأرض، تلعب الولايات المتحدة دوراً فعالاً في احتواء وتثبيط تمرد تنظيم الدولة الإسلامية المستمر في شمال شرق سوريا، والعمل جنباً إلى جنب مع شركائها المحليين، قوات سوريا الديمقراطية".

في العراق أيضاً اختفى تنظيم الدولة الإسلامية تقريباً

وألمحت (فورين بوليسي) إلى أنّه "مع كل ذلك، فإنّ التهديد ما يزال قائماً. ففي وقت مبكر من يوم 16 كانون الثاني (يناير) 2024 شن تنظيم الدولة الإسلامية هجوماً صاروخياً على سجن تديره قوات سوريا الديمقراطية، يضم ما يصل إلى (5) آلاف سجين من تنظيم الدولة الإسلامية، ممّا أدى إلى محاولة هروب جماعية. وفي حين تمّ إحباط هذه العملية في نهاية المطاف، فإنّ الانتشار الأمريكي يلعب أيضاً دوراً حيوياً في تحقيق الاستقرار في المنطقة، حيث يتم فيها احتجاز (10) آلاف من مقاتلي "داعش" المتمرسين في القتال داخل ما لا يقلّ عن (20) سجناً مؤقتاً، كما يتم احتجاز (50) ألفاً آخرين من النساء والأطفال المرتبطين بهم في معسكرات آمنة. وكما حذرت القيادة المركزية الأمريكية مراراً، فإنّ إبقاء "جيش تنظيم الدولة الإسلامية في حالة انتظار"، وتأمين "جيله القادم"، هو مصلحة أمنية وطنية حيوية للولايات المتحدة".

وأضافت: "في نهاية المطاف، وضعت الأحداث منذ تشرين الأول (أكتوبر) الماضي  الانتشار الأمريكي في شمال شرق سوريا على خيط متهالك، ومن هنا جاء النظر الداخلي الأخير في الانسحاب من سوريا".

 

مورجان: الإدارة الحالية ليس لديها أيّ نية لضخ أيّ دعم عسكري في سوريا، ممّا ينتج عنه التسريع بقرار الانسحاب الكامل من الأراضي السورية

 

وتابعت الصحيفة: "نظراً للعواقب الكارثية المترتبة على الخروج المتسرع من أفغانستان في العام 2021، والانتخابات الأمريكية الوشيكة في وقت لاحق من هذا العام، فمن الصعب أن نفهم لماذا تفكر إدارة بايدن في الانسحاب من سوريا. وبغضّ النظر عن كيفية إجراء مثل هذا الانسحاب، فإنّه سيؤدي إلى الفوضى وزيادة سريعة في التهديدات الإرهابية. ولكن ليس هناك من ينكر الشعور الواضح في دوائر السياسة  بأنّ هذا الأمر قيد النظر بنشاط، وأنّه تمّ قبوله باعتباره حتميّاً في نهاية المطاف".

في تعليقه على أبعاد الموقف الأمريكي الملتبس، يقول الدكتور مايكل مورجان، الباحث السياسي بمركز لندن للدراسات السياسية والاستراتيجية: أعتقد أنّ الولايات المتحدة الأمريكية قررت منذ انسحابها من أفغانستان منذ عامين عدم الانخراط في الصراعات بشكل مباشر، ولكن عن طريق الحرب بالوكالة، كما فعلت في الماضي مع الاتحاد السوفييتي في أفغانستان، وتعاونت مع تنظيم القاعدة الجهادي بقيادة أسامة بن لادن آنذاك للتخلص من الاتحاد السوفييتي.

وبسؤاله عن رؤية البنتاغون لفكرة الانسحاب، والتي ستعني حتماً سيطرة تركيا وروسيا على المنطقة وملء فراغ واشنطن، يقول مورغان لـ (حفريات): "أشار العديد من التقارير الصحفية، وعن طريق تصريحات لـ (4) من أكبر قيادات البنتاغون، إلى أنّ الإدارة الحالية ليس لديها أيّ نية لضخ أيّ دعم عسكري في سوريا، ممّا ينتج عنه التسريع بقرار الانسحاب الكامل من الأراضي السورية، بغضّ النظر عن تبعات هذا القرار من الناحية الأمنية بمنطقة شمال سوريا".

وأضاف الدكتور مورجان: أعتقد أنّ "خلق حالة من الصراع الدائر في منطقة الشرق الأوسط من وجهة نظر بعض المحللين الأمريكيين، هو أفضل وسيلة لحماية الولايات المتحدة من الانخراط في مواجهات مع الميليشيات الإيرانية، وذلك في ظل نمط الحروب القائم على إدارة الصراع بالوكالة، وهي الطريقة التي باتت الولايات المتحدة الأمريكية تتبنّاها بعد الحرب في أفغانستان والعراق، فقد أدركت أمريكا أنّ خسارة الأموال فقط في الحرب بالوكالة هي أفضل لها بكثير من خسارة جنود وموارد الجيش  الأمريكي". 

الولايات المتحدة الأمريكية تعتمد بشكل كبير على دولة إسرائيل في التعامل مع التهديدات الإيرانية

واختتم: "كما أنّ الولايات المتحدة الأمريكية تعتمد بشكل كبير على دولة إسرائيل في التعامل مع التهديدات الإيرانية، وهجمات الحوثيين في البحر الأحمر، ومن المعروف أنّ الإدارة الأمريكية الحالية بقيادة جو بايدن تسير على خُطا إدارة باراك أوباما في التقرب من إيران، ومحاولة إعادة الاتفاق بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية، والإفراج عن مليارات الدولارات المحتجزة لإيران، الأمر الذي يجعل الولايات المتحدة الأمريكية تتقارب مع النظام الإيراني، الذي يحول دون شن هجمات حقيقية  تؤدي إلى انفجار محاولات التقارب، والوصول إلى اتفاق نووي جديد".

 وبسؤاله عن كيفية فضّ الالتباسات حول الموقف الأمريكي، يرى أنّ الالتباس مقصود، حيث إنّ إدارة بايدن باتت ترسل إشارات متناقضة في هذا الملف تحديداً، حتى تستطيع الحركة بحرّية من وضع إلى آخر حسب الاحتياج، مضيفاً: "أعتقد بعد قراءة المشهد أنّ الإدارة الأمريكية الحالية لو نفذت الخروج من سوريا بالشكل والنمط نفسه كما حدث في أفغانستان، فإنّ ذلك سيؤدي إلى فوضى كبيرة في شمال سوريا، وسيقوي الجماعات التكفيرية والجهاديين، الأمر الذي يؤدي إلى صعود الدولة الإسلامية مرة أخرى، ممّا سينتج عنه صراعات متتالية في المنطقة؛ لتمرير بعض المخططات الصهيونية، كما كان الحال في هضبة الجولان وغيرها من مناطق الصراع.

مواضيع ذات صلة:

ما رسائل تركيا من الاعتداءات بحق المدنيين في شمال شرقي سوريا؟

الانهيار الاقتصادي في سوريا يضاعف تهريب المخدرات إلى الأردن

إسرائيل تقصف دمشق... والأسد يرد على المدنيين في شمال غربي سوريا




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية