الانهيار الاقتصادي في سوريا يضاعف تهريب المخدرات إلى الأردن

الانهيار الاقتصادي في سوريا يضاعف تهريب المخدرات إلى الأردن

الانهيار الاقتصادي في سوريا يضاعف تهريب المخدرات إلى الأردن


15/01/2024

تشهد عمليات تهريب المخدرات من الأراضي السورية إلى الأردن تطوراً كبيراً منذ الأشهر الأخيرة في العام الماضي، ويشمل ذلك كميات المواد المخدرة وأساليب وتكتيكات التهريب، فضلاً عن تزايد استخدام القوة من قبل المهربين ضد قوات حرس الحدود الأردنية.

قال الباحث الأردني المتخصص في الشأن السوري صلاح ملكاوي: إنّ عمليات التهريب مرّت بعدة تطورات من ناحية الكم والتكتيكات المستخدمة من عصابات التسلل والتهريب. موضحاً لـ (حفريات) أنّ هناك مرحلة ما قبل كانون الثاني (يناير) 2022، وما بعد ذلك التاريخ؛ حيث لم يستخدم المهربون الأسلحة ضد رجال حرس الحدود الأردني، حتى ذاك التاريخ حين قتلوا ضابطاً وأصابوا عدداً من الجنود، ليردّ الأردن بتعديل قواعد الاشتباك، متيحاً لقواته استخدام درجة عالية من القوة في مواجهة عصابات التسلل والتهريب.

تضاعف التهريب

وفق صفحة إدارة مكافحة المخدرات الأردنية على موقع (فيسبوك)، أتلفت الإدارة كمية من المضبوطات في 10 كانون الثاني (يناير) الجاري، شملت نحو (10) ملايين حبة من مادة الكبتاغون، و(7) كيلوغرامات من مادة الماريجوانا، و(37,500) حبة مخدرة، و(134) كجم من مادة الكوكايين، و(3752) كغم من مادة الحشيش، وذلك في عدد من القضايا المختلفة بين الاتجار والحيازة والتهريب. ويعتبر هذا الإعلان واحداً من عشرات متتالية للإدارة، التي تنشط وفق استراتيجية متكاملة لمكافحة المخدرات، بدايةً بالتهريب والاتجار والتعاطي، علماً أنّ الأردن ليس السوق المستهدفة من عمليات التهريب في المقام الأول، فتجارة المخدرات القادمة من الأراضي السورية تستهدف الأسواق الخليجية الغنية عبر تحويل الأردن إلى معبر تهريب، لكنّ ذلك لا يمنع وصول كميات كبيرة من المخدرات إلى الأردن.

ملكاوي: الجديد في موسم التهريب الحالي هو استخدام الغطاء النيراني في عمليات التسلل

وقال ملكاوي: إنّ كميات المواد المخدرة المهربة عبر الأردن تضاعفت بين (10) أضعاف و(20) ضعفاً خلال موسم التهريب الذي بدأ في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، مضيفاً أنّ هناك زيادة في أعداد المهربين، ممّا أوجد مزاحمة وتنافساً بينهم، بعد أن كانوا يعملون في مناطق متباعدة. وذكر أنّ بعض الأيام شهدت محاولة دخول أكثر من (2000) مهرب في المرة الواحدة من مناطق مختلفة.

يستفيد المهربون من تنوع التضاريس والطقس في المناطق الحدودية، خصوصاً في الأيام التي تشهد الضباب الكثيف أو الغبار الرملي

 

وأضاف ملكاوي أنّ الجديد في موسم التهريب الحالي هو استخدام الغطاء النيراني في عمليات التسلل. وقال: "يستخدم المسلحون المرافقون لمجموعات التسلل تكتيكات حرب، ممّا يدل على وجود إدارة لها خبرة عسكرية تنسق عمليات التهريب، بما في ذلك ما تم رصده من توفير الحماية لكافة عصابات التسلل والتهريب بعد أن كانت تتعرض لمحاولات سطو مسلح داخل الأراضي السورية".

أساليب التهريب

أمّا عن أهم الطرق والأساليب والتوقيت، فبحسب الباحث الأردني، يستفيد المهربون من تنوع التضاريس والطقس في المناطق الحدودية، خصوصاً في الأيام التي تشهد الضباب الكثيف أو الغبار الرملي. 

موضحاً أنّ هناك (4) طرق للتهريب؛ الأولى عبر مجموعات التهريب التي تتكون الواحدة منها من (6-8) أشخاص يُعرفون بـ "العتالة" برفقة (2) من المسلحين، ويحمل كل فرد منهم مواد مخدرة من الحشيش أو الكبتاغون وغير ذلك، تُقدر بين (25-30) كغم. والطريقة الثانية مخصصة لمخدر الكريستال ميث أو الشابو، وهي من خلال المسيّرات التي تحمل الواحدة منها بين (1-4) كغم، ويبع سعر الكيلوغرام الواحد داخل سوريا بين (8-11) ألف دولار، ويُباع خارجها بـ (10) أضعاف ذلك. والثالثة هي التسلل بالسيارات التي تحمل الواحدة منها نحو (5) ملايين حبة مخدرة ونصف طن من الحشيش. والطريقة الرابعة هي تهريب المخدرات داخل الشاحنات التي تنقل البضائع بين سوريا ودول الخليج عبر الأردن، مروراً بمعبر نصيب-جابر الحدودي.

يخشى الأردن من تشكيل ما يشبه "الكارتيل" في محافظة السويداء والمناطق الحدودية على غرار العصابات الكبرى التي تنشط في تهريب وتجارة المخدرات في دول أمريكا اللاتينية

 

حول استراتيجية السلطات الأردنية لمكافحة تهريب المخدرات، قال ملكاوي: إنّها تقوم على شقين: الأول داخلي، بدأ العمل به منذ عدة أشهر بشكل قوي وحاسم، ويهدف إلى تجفيف الداخل من التجار والمروجين والمتعاطين ومداهمة وتدمير أماكن التخزين. ويتعلق الشق الثاني بالتصدي للتهريب عبر الحدود من خلال تسخير كافة إمكانيات القوات المسلحة والقوى الأمنية لدعم قوات حرس الحدود، وتركيب أجهزة رؤية حديثة تعمل في أوقات الضباب والغبار الرملي، معتبراً أنّ الضباب من أكبر التحدّيات التي تواجه القوات الأردنية.

تُعتبر تجارة المخدرات واحدة من أهم مصادر تمويل النظام السوري

وبسؤاله عن المسؤول عن إدارة ملف تهريب المخدرات إلى الأردن، قال: إنّ التجهيزات العديدة التي تتطلبها تلك العملية، بدايةً من الزراعة والتصنيع والتخزين والنقل، في ظل بيئة أمنية منفلتة كسوريا، تؤكد وجود تواطؤ من الدولة السورية مع الميليشيات المرتبطة بإيران، وخصوصاً حزب الله، في إدارة ذلك الملف. لافتاً إلى أنّ زراعة الحشيش تتم في شرق لبنان مع الحدود السورية وفي أرياف محافظة حمص، ثم تنقل إلى محافظة السويداء التي تعتبر معقل التهريب. أمّا المواد المخدرة المصنعة كيميائياً مثل الكبتاغون، فيتمّ إنتاجها داخل عشرات المعامل المختلفة الحجم في الأراضي السورية بحماية ميليشيات ومسؤولين وتواطؤ من الدولة السورية.

الانهيار المالي السوري

تُعتبر تجارة المخدرات واحدة من أهم مصادر تمويل النظام السوري، الذي يواجه أزمة اقتصادية مستمرة في التفاقم منذ العام 2011. فقد شهدت الموازنة العامة للدولة السورية انخفاضاً حاداً منذ العام 2012، الذي بلغت فيه نحو (17) مليار دولار، نزولاً إلى نحو ملياري دولار في العام 2020، ثم أقل من (4) مليارات دولار في العام 2022، بحساب سعر العملة المحلية وفق أسعار البنك المركزي السوري. وذكر الباحث ملكاوي أنّ موازنة سوريا لعام 2024 لا تتجاوز (2.5) مليار دولار، وهو الرقم نفسه الذي خصص لموازنة مدينة دمشق في العام 2009. 

وأفاد بأنّه في ظل التضخم وانهيار سعر الليرة لا تكفي الرواتب لتغطية سوى 4% من نفقات الأسر الشهرية، ولهذا من السهل تجنيد آلاف الأشخاص للعمل في تهريب المخدرات، على الرغم من الخطر الكبير الذي يترصدهم. ويقول ملكاوي: إنّ المكاسب الكبيرة التي حققها العديد من الأشخاص أغرت آخرين بالانضمام إلى التهريب، في وقت يتقاضى الفرد نحو (10) آلاف دولار في عملية التهريب الواحدة التي تستغرق بين (3-4) ليالٍ، وربما ليلة واحدة.

أمام ذلك، يخشى الأردن من تشكيل ما يشبه "الكارتيل" في محافظة السويداء والمناطق الحدودية على غرار العصابات الكبرى التي تنشط في تهريب وتجارة المخدرات في دول أمريكا اللاتينية. إلى جانب ذلك، يحذّر الباحث ملكاوي من التطور النوعي لعمليات التسلل والتهريب التي تكشف عن إدارة عسكرية تقف وراء التهريب، بما يحمله ذلك من مخاطر جرّ الأردن إلى الوضع السوري، الذي تنشط فيه ميليشيات طائفية. ودعا إلى تكاتف الشركاء العرب، وخصوصاً دول الخليج والغرب، لدعم الأردن في مكافحة تهريب المخدرات التي تحمل مخاطر استنزاف الجيش والتورط في سوريا. إلى جانب ذلك، أشار ملكاوي إلى الأهمية القصوى لتحقيق تنمية في مناطق الجنوب السوري، لقطع الطريق على عمليات التجنيد التي تستغل الفقر المتفشي بين السكان، والتي تساعد على تجفيف البيئة المحفزة لتلك التجارة.

من جانبها، نفت الحكومة السورية أيّ دور لها في ملف تهريب المخدرات، واستقبلت وفداً أردنياً ضمّ مسؤولين من الجيش والمخابرات في شهر تموز (يوليو) 2023 لبحث تلك القضية.

مواضيع ذات صلة:

الأردن يُصعد ضد مهربي المخدرات في سوريا.. ما آخر التطورات؟

بعد إحباط تهريب مخدرات وأسلحة من سوريا... الأردن يتهم "قوى إقليمية" باستهداف أمنه

المخدرات الإيرانية مصدر قلق لتركيا... ماذا هناك؟




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية