تموز الأسود يغمر السويداء بالليل والدم مرة أخرى

سوريا

تموز الأسود يغمر السويداء بالليل والدم مرة أخرى


04/07/2019

عاد تموز بسواده وشؤمه ليخيم على محافظة السويداء السورية، لكنّ مجيئه هذا العام كان مبكراً عن موعده بأسابيع قليلة عن التفجير الإرهابي الذي هزّ المدينة في الخامس والعشرين من تموز (يوليو) العام الماضي، ليدسّ هذه المرة في دراجة نارية عشرات الكيلو غرامات من المتفجرات ويضع الدراجة بالقرب من الكنيسة الواقعة في قلب المدينة، على طريق قنوات، الشهير بالتجمعات البشرية في أمسيات الصيف الحارة.

اقرأ أيضاً: الذئاب الرمادية .. طليعة الغزو التركي لشمال سوريا
وهزّ أمس تفجير انتحاري مدينة السويداء، ذات الأغلبية الدرزية، ما أسفر عن مقتل 5 مدنيين وإصابة 13 آخرين بجروح؛ وفق ما أوردت وكالة الأنباء السورية الرسمية "سانا".
وقال مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان، رامي عبد الرحمن، في تصريحات صحفية: إنّ "التفجير الانتحاري بدراجة نارية
استهدف شارعاً في منطقة القنوات شمال شرق مدينة السويداء".

دخان يتصاعد من موقع انفجارات كبيرة في السويداء
تفجير أمس، أعاد إلى الأذهان الكارثة الإنسانية التي شهدتها المدينة العام الماضي؛ حيث نفّذ تنظيم داعش الإرهابي ثلاثة تفجيرات متزامنة في مدينة السويداء وريفها، أسفرت عن مئات القتلى والجرحى، من الشيوخ والنساء والأطفال، حد وصفه بـ "أيلول الأسود".

تفجير أمس أعاد إلى الأذهان الكارثة الإنسانية التي شهدتها المدينة العام الماضي حيث نفّذ داعش تفجيرات أسفرت عن مئات القتلى والجرحى

منذ بداية الأزمة السورية؛ أخذت السويداء موقف النأي بالنفس عن دخول الحرب السورية- السورية، حفاظاً على حياة المدنيين فيها من جهة، ومن جهة أخرى لأنّ سكان المدينة من الأقليات في سورية "الدروز"، وعدد قليل من "المسيحيين"، وعلى أطراف المدينة ومن جهاتها الأربع يقطن "البدو". لكنها أخذت أيضاً مواقف الاصطفاف السياسي بين موالٍ للنظام وبين معارض له، وأخذ النظام يحشد أصحاب النفوس الضعيفة من المحافظة لفضّ المظاهرات السلمية التي تقوم بها المعارضة في السويداء، وقد وصلت، وفق مراقبين، إلى الرمي بالرصاص عام 2012؛ حيث تشكّل فصيل مسلّح في ذلك العام، تحت اسم "مشايخ الكرامة"، بقيادة الشيخ "وحيد البلعوس"، الذي اغتاله النظام في العام التالي، وقد أعلن قائد الفصيل أنّه تشكّل فقط لحماية المحافظة من الاعتداءات الخارجية، وحماية الشباب من الخدمة العسكرية، كي لا تتلطخ أيديهم بالدماء، وكان لذلك الفصيل حاضنة اجتماعية لا بأس بها، كما كان له معارضة كبيرة، فقد استغل النظام تلك المعارضة وأخذ يلعب على الفتنة العائلية في المحافظة، واستقطبت السلطة الأمنية الكثير من الشباب المهمّشين لتشغيلهم في الخطف والنهب والتهريب بكافة أشكاله، فشهدت أعداد الموالين للنظام ازدياداً دائماً ومستمراً، وازداد عدد الفصائل المسلحة في المحافظة، بحجة الدفاع عنها، لكن بعضها في الحقيقة لا يخدم إلا مصلحة الأمن والسلطة.

 

 

اقرأ أيضاً: عودة الإرهابيين من سوريا.. كيف سيتعامل الأردن مع هذا الملف؟

ورغم تمسّك السويداء باللحمة الوطنية (بسوريا موحدة)، وقفت في وجه المبادرات الدولية والعربية والمحلية، التي تقضي بتقسيم سوريا، من خلال بيانات للهيئات الدينية والقوى الوطنية المعارضة، واعتصامات سلمية وغيرها، ومع أنّها وقفت موقف الحياد، بحسب معايير الحرب، وأنّها هادئة في نظر قادة الثورة السورية؛ إلّا أنّها تحمل داخلها ثورة من نوع آخر.

اقرأ أيضاً: "حيدريون".. ميليشيا إيرانية تخطط لتغييرات ديموغرافية في سوريا

لقد امتنع كثير من أهالي السويداء عن إرسال أبنائهم إلى الخدمة العسكرية، وذلك لإيمانهم بأنّ تلك الحرب لا تخدم إلّا مصالح شخصية وسلطوية، افتعلها النظام السوري ضدّ شعبه، الذي خرج يطالب بالحرية والكرامة الإنسانية، وهي الآن تقف فوق بركان خامد يستعد للانفجار في أيّة لحظة.

امتنع كثير من أهالي السويداء عن إرسال أبنائهم إلى الخدمة العسكرية

ونتيجة لكلّ ما جرى في السويداء، خلال الأعوام السابقة، فقد نقل النظام، بحسب مراقبين، المسلّحين من تنظيم داعش من المناطق المحررة في ريف دمشق إلى بادية السويداء، التي تحدها من الشرق، وتدعى "تلول الصفا"، وهي عبارة عن فجوات صخرية "مغارات" (جمع مغارة)، تتّسع لجيوش دول بالكامل، وذلك قبل الهجوم الممنهج بشهور قليلة، كما قامت الفرق الحزبية التابعة لحزب البعث (قائد الدولة والمجتمع) بجمع السلاح من الأهالي في القرى النائية قبل الهجوم بأيام قليلة، كما سبق الهجوم بساعات قليلة قطع للتيار الكهربائي عن المحافظة بأكملها، بغير موعد التقنين النظامي، وقطع للاتصالات الخليوية والإنترنت، وكان صدّ ذلك الهجوم من أبناء المحافظة من كافة قراها (الفزعة)، فلم يتدخل الجيش، وفق الأهالي، إلّا بعد انقضاء ساعات من المعارك الحاسمة بين الأهالي و"داعش"، كما أنّ التنظيم اختطف عدداً كبيراً من النساء والأطفال، أعادهم بعد عدة أشهر بعد أن قتل منهم شاباً وفتاتين وثلاثة أطفال، وقد اتضح فيما بعد أنّ المختطفين والمختطفات كانوا لدى الجهات الأمنية، وليس لدى التنظيم، وفق ما نقلته آنذاك تقارير صحفية.

منذ بداية الأزمة أخذت السويداء موقف النأي بالنفس عن الحرب السورية –السورية لكنها اصطفت أيضاً سياسياً بين موالٍ للنظام ومعارض له

ها هي التفجيرات والضحايا البشرية تعود اليوم بالطريقة ذاتها والسيناريو السابق ذاته، تحليلات الأمن، كالعادة؛ إرهابيّ يفجّر، سيارة الاستخبارات العسكرية التابعة للجيش الروسي تصل متزامنة مع التفجير، وتسحب جثث المشبوهين بالتفجير، مدير المشفى الوطني بالسويداء، وفق أهالي المنطقة، يجمع الكوادر الطبية وكوادر الإسعاف قبل التفجير بيوم واحد ليعلمهم بأن يكونوا "مستعدين لأيّ طارئ"، يُخطف الناشط السلمي، مهند شهاب الدين، قبل التفجير بأسبوعين، ومصيره مجهول إلى الآن، فإلى أين ستصل بنا تلك الكارثة الإنسانية؟ وبعد كل ما حصل ويحصل؛ هل السويداء بعيدة عن الحرب السورية؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية