اليمن: هل ينجح "الانتقالي" في تمثيل القضية الجنوبية؟

اليمن: هل ينجح "الانتقالي" في تمثيل القضية الجنوبية؟

اليمن: هل ينجح "الانتقالي" في تمثيل القضية الجنوبية؟


24/05/2023

مثّل اللقاء التشاوري لـ 37 مكوناً جنوبياً في العاصمة عدن، بدعوة من الكيان الجنوبي الأكبر؛ المجلس الانتقالي الجنوبي، محطة مفصلية في تاريخ الحراك الجنوبي نحو استعاد دولة الجنوب العربي (اليمن الجنوبي).

وخرج اللقاء بتفاهمات وتوافقات هامة للغاية، تتلخص في توسعة المجلس الانتقالي الجنوبي، بضم العديد من الكيانات والرموز السياسية والعسكرية الجنوبية الفاعلة، وإعادة هيكلة هيئات المجلس، واستحداث أخرى جديدة، وإقرار الميثاق الوطني الجنوبي.

بيْد أنّ تلك المنجزات السابقة تُواجه بسؤال جدي من ناشطين جنوبيين، حول طبيعة تلك المستجدات، ما بين كونها هيكلة حقيقية للمجلس، أم مجرد إعادة تدوير مع استرضاء فئات جديدة لتوسيع التمثيل.

لقاء عدن التشاوري

على مدار خمسة أيام، بدايةً من الرابع من أيار (مايو) الجاري، عُقد في مدينة عدن اللقاء التشاوري الجنوبي، الذي نظمه المجلس الانتقالي الجنوبي، بمشاركة 37 مكوناً جنوبياً، مع غياب عدد من المكونات الجنوبية، على رأسها مؤتمر حضرموت الجامع والمجلس الأعلى للحراك الثوري برئاسة فؤاد راشد، بينما شاركت كتلة حضرموت من أجل حضرموت والجنوب، التي تتبع المجلس الانتقالي الجنوبي وكيانات وقيادات من مختلف المحافظات الجنوبية.

حمدي اليافعي: كيانات لها أسماء فضفاضة

وناقش اللقاء أربع قضايا رئيسية؛ أولها الميثاق الوطني الجنوبي الذي تم إقراره، ومبادئ وأسس التفاوض الذي ترعاه الأمم المتحدة في المنطقة، وقضية استعادة دولة الجنوب وإدارة المرحلة الراهنة حتى استعادة الدول الجنوبية، أما القضية الرابعة فتتعلق باتجاهات دولة الجنوب المنشودة.

يقول الإعلامي الجنوبي حمدي اليافعي إنّ الحراك الجنوبي عانى منذ ما بعد حرب 1994 حتى يوم توقيع الميثاق الجنوبي في 8 أيار (مايو) الجاري من تعدد المكونات والانتماءات والداعمين، لذلك كانت هناك رؤى متباينة لكنها لا تختلف بالهدف العام، وهو الاستقلال وقيام الدولة الجنوبية الفيدرالية المستقلة.

وذكر لـ"حفريات" بأنّ من لديه القدرة والحيوية على التحرك والقاعدة الجماهيرية هم من شاركوا في المشاورات الجنوبية في عدن. وتابع بأنّ الأطراف التي لم تشارك هي إما منقسمة عن كيانات شاركت، أو كيانات لها أسماء فضفاضة، مدعومة من المؤتمر الشعبي العام أو حزب الإصلاح الإخواني، وبعضها مدعومة من الحوثيين مثل مكون علي الحريزي في أجزاء من محافظة المهرة.

بعد توقيع وثيقة الميثاق الوطني الجنوبي انتقل الجنوب إلى مرحلة جديدة، حيث أصبحت جبهته الداخلية أكثر تماسكاً وانسجاماً من ذي قبل، وبات يشكل جبهة عريضة

وخلص اللقاء التشاوري إلى عدد من التفاهمات، والتي صدرت بها قرارات من نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي، رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، عيدروس الزبيدي. وهي؛ القرار رقم (1) للعام 2023، بشأن تعديل النظام الأساسي للمجلس. وتضمن استحداث عدد من الهيئات المركزية والهيئات المساعدة لهيئة الرئاسة، ودمج عدد من لجان الجمعية الوطنية ودوائر الأمانة العامة والإدارات التنفيذية في القيادات المحلية بالمحافظات والمديريات. كما تضمن القرار عدداً من المواد الأخرى المنظمة للعضوية والحقوق والواجبات وغيرها.

ويعتبر القرار رقم (2) من أهم مخرجات اللقاء، ويتعلق بإعادة تشكيل هيئة رئاسة المجلس الانتقالي الجنوبي لتضم في عضويتها 26 عضواً إضافةً إلى الرئيس الزبيدي. وتضمن القرار تعيين نائبين جديدين للزبيدي، هما عضو مجلس القيادة الرئاسي وقائد قوات العمالقة الجنوبية، عبدالرحمن صالح زين المحرمي (أبو زرعة)، ونائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي - علق عضويته - ومحافظ حضرموت السابق، اللواء فرج سالمين محمد البحسني، إضافة إلى اللواء أحمد سعيد بن بريك كنائب للرئيس. فضلاً عن تعيين أعضاء بارزين في القضية الجنوبية، منهم عبدالله بن عيسى آل عفرار من المهرة، وفادي حسن أحمد باعوم.

الميثاق الجنوبي

إلى جانب ذلك نصّ القرار رقم (3) على تعيين رؤساء الهيئات المساعدة لهيئة رئاسة  المجلس الانتقالي الجنوبي، واختص القرار رقم (4) باستحداث القيادة التنفيذية العليا لهيئة رئاسة المجلس الانتقالي الجنوبي، كهيئة مركزية عليا في المجلس. تضم في عضويتها وزراء الجنوب في حكومة المناصفة ومحافظي محافظات الجنوب ومن يرى رئيس المجلس ضرورة إضافته لعضويتها. ويتمتع أعضاء القيادة التنفيذية العليا بحقوق وواجبات أعضاء هيئة الرئاسة خلال ممارستهم لمهامهم. وفي ذلك الموضوع وجه ناشطون جنوبيون انتقادات إلى مسألة ازدواج المناصب، حيث يجمع المحافظون والوزراء بين منصبهم الحكومي، ومنصبهم في الانتقالي الجنوبي.

عمر باجردانة: انتقل الجنوب إلى مرحلة جديدة

ويتعلق القرار رقم (5) الصادر عن رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، باستحداث وتشكيل مجلس المستشارين بالمجلس الانتقالي الجنوبي. ويعتبر هيئة مركزية استشارية لرئيس المجلس وهيئة الرئاسة وهيئاته المركزية، وبمثابة الغرفة التشريعية الثانية للمجلس إلى جانب الجمعية الوطنية التي تعتبر الغرفة التشريعية الأولى. ويضم مجلس المستشارين 392 عضواً، صدر قرار بتعيينهم من رئيس المجلس الانتقالي، وهم مرشحون من كيانات جنوبية أعلنت الانضمام إلى الانتقالي، وهي المجلس الأعلى للحراك الثوري الجنوبي، ومكوني المجلس الأعلى للحراك الثوري لتحرير واستقلال الجنوب، ومجلس الحراك الجنوبي السلمي، والتجمع الديمقراطي الجنوبي (تاج). ونصّ القرار رقم (6) على تعيين رؤساء الهيئة القانونية والحقوقية والإدارة العامة للشؤون الخارجية بالمجلس.

والملاحظ على تلك القرارات صدورها عن رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، ما يعني أنّ ما حدث هو استيعاب للمكونات التي أيدت الانتقالي كممثل للقضية الجنوبية، دون وجود آلية واضحة لاتخاذ القرارات، ومدى استقلالية تلك الهيئات والمناصب في اتخاذ القرار، فضلاً عن غياب الدور التشريعي والرقابي للجمعية الوطنية كغرفة أولى، وعدم الدفع بإعادة تشكيلها على أسس أكثر شموليةً. وبناءً على ما سبق، فإن الشرعية التي يمتلكها الانتقالي الجنوبي ما تزال غير مستمدة من آلية شعبية جنوبية، سوى المظاهرات التي توصف بالمليونيات، والسيطرة العسكرية التي تستمد شرعيتها من محاربة الخطر الحوثي والإرهاب.

الصحفي ماجد الداعري لـ"حفريات": عملية الهيكلة التي ترجمتها قرارات رئيس الانتقالي بعيدة عن مفهوم الهيكلة واقتصرت على زيادة المسميات وتوسعة الهيئات واللجان داخل المجلس

ويعتبر أهم مخرجات اللقاء التشاوري هو إقرار الميثاق الجنوبي، الذي يعتبر بمثابة دستور انتقالي، ومرشد نحو استعادة الدولة الجنوبية.

من جانبه، ذكر رئيس مركز المعرفة للدراسات والأبحاث الإستراتيجية - حضرموت، عمر سالم باجردانة، بأنّه بعد توقيع وثيقة الميثاق الوطني الجنوبي انتقل الجنوب إلى مرحلة جديدة، حيث أصبحت جبهته الداخلية أكثر تماسكاً وانسجاماً من ذي قبل، وبات الجنوب يشكل جبهة عريضة قوية قادرة على مواجهة التحديات التي قد تفرضها عليه تطورات وتداعيات  المرحلة الراهنة، كما بات الانتقالي بعد هذا الميثاق الكيان الأكبر والأشمل، الذي يمثل القضية الجنوبية ويتكلم باسمها، وهو الصوت المعترف به دولياً وإقليمياً.

وأفاد باجردانة لـ"حفريات" بأنّ مخرجات اللقاء التشاوري سيكون لها انعكاس إيجابي على دور وعمل الانتقالي من ناحية، وعلى القضية الجنوبية ومفاوضات السلام والحل الشامل الذي تسعى إليه الأمم المتحدة من أخرى.  ولفت إلى أن هذا الاتفاق سيعمل على فرز القوى السياسية في اليمن بشكل عام على اعتبار الشمال والجنوب، ما سيسهل على المفاوض والراعي الدولي والإقليمي الباحث عن حل للأزمة في اليمن وضع إطار عملي وواضح لمقتضيات الحل للأزمة في المرحلة القادمة، من منطلق الوقائع التي أفرزتها الأحداث شمالاً وجنوباً.

هيكلة أم تدوير؟

رغم المنجزات الكبيرة التي تحققت في لقاء عدن التشاوري، إلا أنّ هناك انتقادات وجهتها أصوات جنوبية حول تلك المخرجات، رغم اتفاقها على أهمية الميثاق الجنوبي.

يقول الصحفي الجنوبي، ماجد الداعري، بأنّه ‏وردت في الميثاق الوطني الجنوبي جمل مبهمة وأخرى مثيرة للجدل عن طبيعة المرحلة المقصودة ما بعد المشاورات الجنوبية، فضلاً عن عدم وضوح الهدف من الميثاق؛ هل يؤسس لدستور دولة جنوبية مستقلة أم لشراكة جنوبية فاعلة في إطار دولة يمنية ذات شكل معين، أم أنّ المقصود مقتصر على فترة انتقالية غير محددة، تسبق مخاض استعادة استقلال الدولة الجنوبية.

وأوضح الصحفي الداعري لـ"حفريات" بأنّ عملية الهيكلة التي ترجمتها قرارات رئيس الانتقالي، هي بعيدة عن مفهوم الهيكلة، واقتصرت على زيادة المسميات وتوسعة الهيئات واللجان داخل المجلس.

وكان الميثاق تناول قضية جدلية وهي المواطنة الجنوبية، والتي ربطها بالسجل المدني الجنوبي حتى عام 1990، ما يعني أنّ الجنوبيين عليهم مواجهة قضية تحديد المواطن/ة الجنوبية، في ظل عقود من الانتقال بين المحافظات الجنوبية والشمالية، فضلاً عن مسألة ملايين النازحين من الشمال بعد الحرب في عام 2014. وتعتبر تلك القضية من أهم التحديات التي تواجه استعادة الدولة الجنوبية، ومن المؤكد أنّ مسعى تحديد ماهية المواطنة الجنوبية سيواجه بالرفض الشديد من جميع القوى الإقليمية والدولية، كونه سيتسبب في حرمان ملايين اليمنيين من المواطنة، ويضعهم في خانة النازحين واللاجئين.

ماجد الداعري: جمل مبهمة وأخرى مثيرة للجدل

إلى جانب ذلك، يبقى موقف اللواء فرج البحسني الذي عُين كنائب لرئيس المجلس الانتقالي غير واضحٍ، إذ تجنب الرجل الترحيب بهذا القرار علانيةً، وتحدث بشكل عام عن استعادة الدولة في اليمن، بخلاف نظيره أبو زرعة المحرمي الذي تحدث علانيةً عن القضية الجنوبية.

ورغم ما سبق، يواجه الانتقالي الجنوبي تحديات كبرى، سواء فيما يتعلق بالخدمات العامة التي تشرف عليها حكومة المناصفة، والعديد من القضايا العالقة مثل الرواتب وارتفاع الأسعار وأزمات الكهرباء والصحة العامة والسلع الغذائية وتقلبات سعر الصرف.

من جانب آخر، يواجه مسعى استعادة الدولة الجنوبية تحديات إقليمية ودولية، إذ أنّ التوجه الدولي غير واضحٍ بعد تجاه القضية الجنوبية، فضلاً عن وجود قوى سياسية وازنة تعارض الانتقالي الجنوبي، في محافظتي المهرة وحضرموت على وجه الخصوص. علاوةً على ذلك، يبقى التحدي أمام الانتقالي الجنوبي هو كيفية تعاطيه مع المتغيرات التي تشهدها الساحة اليمنية، ومدى قدرته على التعاطي مع التحالف العربي بشأن العملية السياسية الجارية.

مواضيع ذات صلة:

وطن من كلمات: المشهد الأدبي اليمني واجهة لخلفية الحرب

"شهداء الحاجة".. أقل من 10 دولار تودي بحياة العشرات في اليمن (صور وفيديو)




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية