وطن من كلمات: المشهد الأدبي اليمني واجهة لخلفية الحرب

وطن من كلمات: دور الجوائز الأدبية اليمنية في تنشيط المشهد الثقافي

وطن من كلمات: المشهد الأدبي اليمني واجهة لخلفية الحرب


09/05/2023

عملت الحرب على تقطيع أوصال اليمن إلى مناطق نفوذ تسيطر عليها قوى متصارعة. وفي ظل هذا الوضع أصبح من الصعب الانتقال من مكان إلى آخر إلا بمشقة كبيرة، وبعد أن كانت بعض المشاوير تستغرق دقائق أصبحت تستغرق ساعات طويلة. لكن ثمّة جغرافيا لم تتمكن تلك القوى المتصارعة من السيطرة عليها وهي الأدب والثقافة. ثمّة وطن واحد هنا من أدب وثقافة وفن، أتت الجوائز الأدبية مؤخراً لتمنحه المزيد من النشاط والتواصل.

جائزة السرد اليمني وأدب الطفل

قد تعمل الحروب على تدهور الوضع الثقافي أو تراجعه، وقد تتحول الحرب إلى عامل مقاومة يسعى من خلالها المثقفون والأدباء للكتابة والنشر، وتذهب جهود بعض هؤلاء إلى مكافأة هذا الإبداع بجوائز لتقول من خلالها إنّ لدينا أدباً يستحق الاحتفاء به وتقديره؛ مادياً ومعنوياً.

من تلك الجوائز "جائزة السرد اليمني (حَزَاوِي)" التي انطلقت في آب (أغسطس) 2021 بفكرة تقف وراءها الدكتورة والروائية اليمنية نادية الكوكباني. الجائزة في دورتها الثانية، ولم يكن لها أن تستمر لولا دعم راعيها بنك اليمن والكويت الرائد في رعاية الأعمال الخيرية والثقافية في اليمن، ومتابعة مؤسِّستها وتعاون مجلس أمنائها.

الروائية نادية الكوكباني والروائي وجدي الأهدل

تحدثنا الكوكباني ملخصة بداية الفكرة، والمراحل التي مرت بها، وما هو متوقع منها: العائق أمام أيّ جائزة هو توفر داعم نزيه ومحايد، وقد أخذنا هذا في الاعتبار، وتوفر في بنك اليمن والكويت. ونحن بصدد الإعلان عن مؤسسة حزاوي للتنمية الثقافية لتكون مظلة لأنشطة ثقافية وأدبية وفنية قادمة. في العام نفسه انطلقت "جائزة حزاوي لأدب الطفل اليمني" برعاية مؤسسة الخير للتنمية الاجتماعية، لكن لم يحالفها الحظ في الاستمرار؛ بسبب عدم إدراك المموّل اليمني لماهية الجوائز الأدبية التي تعطي نتائج إيجابية بالرعاية المستمرة.

وعن اسم الجائزة قالت الكوكباني: كنّا قد فكرنا في البداية باتخاذ اسم روائي معروف في اليمن ليكون اسماً للجائزة، ثم استقرينا على اسم "جائزة السرد اليمني". واسم الجائزة المختصر "حَزَاوِي" مستمد من كلمة شعبية، وهي جمْعُ كلمة حزْوِية، وتعني حكاية أو قصة شعبية تتضمن لغزاً، وأصلها في الفصحى من المصدر حَزْو، وفعله حَزَا، وتعني تكهَّن، وحزا الشيء: قدَّره تخميناً. أمّا عن علاقة الاسم بالجائزة وبالسرد، فيمكن النظر إليه كاسم مستقل، كحال استقلال الاسم عن المضمون في مسمّيات بعض الجوائز، وهو في هذه الحالة اسم يسهل حفظه وتذكره، ومن جهة ثانية هو يربط الموروث بالمعاصرة والحداثة متمثلة في السرد الحديث: رواية وقصة.

وعن مجالات الجائزة قالت: الجائزة مخصصة للكتابة السردية اليمنية، وخُصِّصت الدورة الأولى للرواية المنشورة والمخطوطة، وهذه الدورة مخصصة للرواية غير المنشورة فقط، دون اشتراط عمر محدد للمتنافسين، انطلاقاً من أنّ الإبداع ليس له عمر محدد.

أكثر من مجرد جائزة

وعن حصاد الدورة الأولى أجابت: انتهت دورة الجائزة لعام 2022 بنجاح، وأصبح للجائزة مكانة بارزة لدى المهتمين بالأدب، وأعطت أملاً بوجود جهة تكافئ الإبداع وتشجع المواهب، وهو ما سينعكس إيجابياً على حركة السرد. ونحن في المرحلة النهائية من طبع الأعمال الفائزة. المفرح في هذا أنّ أغلب المشاركات جاءت من أصحاب الأقلام الشابة، وهذا شيء يدعو للإعجاب؛ كون الجائزة دفعت هؤلاء للكتابة وهو ما لم يكن ليحدث بدون جائزة. بعض المشاركين يكتبون للمرة الأولى وخصيصاً من أجل الجائزة، وقد كانت المحاولات ممتازة، وتشير إلى وجود مواهب ما كان لها أن تنشط إلا بدافع معنوي ومادي. وفي الدورة الثانية تلقينا عدداً أكبر من النصوص المتنافسة، حوالي (90) نصاً سردياً، وما زلنا في مرحلة الفرز والتقييم، وستعلن النتائج بعد شهور.

انتهت دورة الجائزة لعام 2022 بنجاح

وعن أبرز المواضيع التي تناولتها النصوص المشاركة، قالت: المواضيع اجتماعية متنوعة، والحرب موضوع مركزي في عدد من النصوص. وتلعب الحرب هنا دور المحرك والقادح لزناد الإبداع. للمعاناة هنا دور رئيسي؛ حيث يتخلق الإبداع في رحم المعاناة. وحتى لا تتحول الحرب إلى خطاب سياسي تُدان الحرب في هذه الروايات، وتنحاز للإنسان والأرض لا للأطراف التي صنعت الحرب. سنجد في هذه الروايات وصفاً لأثر الحرب المدمر على الشخصيات، وثمّة إشارات إلى تواريخ بعينها، لكنّ الحرب عموماً تحضر بصفتها الكونية لا المحلية، وبذلك تكون الروايات صالحة لكلّ زمان ومكان.

اللافت أيضاً أنّ أغلب المشاركات بأقلام نسائية، ومن محافظات يمنية متعددة، وهناك من يكتب في مجال الخيال العلمي والفنتازي. وهناك من يتميز بأسلوب سردي درامي وسينمائي. مثل هذه الأقلام بحاجة إلى توجيه إلى مجال سرد الدراما التلفزيونية والسينمائية، حيث ستثبت فيها نجاحها أكثر من مجال السرد الروائي المقروء. للأسف هذا المجال بحاجة إلى دعم مادي مؤسساتي يقوم بتأهيل هذه المواهب علمياً وفنياً داخل اليمن وخارجها. تسعى الجائزة بهذا المعنى لأن تكون ورشة أكثر من كونها وسيطاً ينتهي دورها بتسليم الجائزة المادية والمعنوية وطبع النصوص الفائزة.

رُبّ ضارة نافعة

رغم الظروف غير المواتية، يبدو المشهد الثقافي اليمني مزدهراً، بحسب الروائي اليمني وجدي الأهدل. نلمس هذا، كما عبّر: من خلال العدد الكبير للإصدارات الأدبية والثقافية سنوياً، وخروج المؤلفات اليمنية من قوقعتها المحلية إلى الفضاء العربي. وقد حصد اليمنيون واليمنيات الكثير من الجوائز العربية والدولية المهمة، وهذا كان شيئاً نادراً في الماضي، حينما لم يكن لدى اليمن سوى اسمين فقط ذاع صيتهما خارج الحدود...، انظر مثلاً إلى الإنجاز الثقافي الكبير الذي حققه الروائي اليمني علي المقري الذي قلدته وزارة الثقافة الفرنسية وسام فارس للفنون والآداب.

وعن أثر الحرب على المشهد الأدبي، قال: قياس هذا الأثر يحتاج إلى مرور أعوام بعد انتهاء الحرب... ربما اختفى الدور الحكومي في دعم الثقافة، ولكن من يدري، ربما يكون هذا في صالح الثقافة اليمنية وليس العكس... فعلى سبيل المثال توقفت المجلات والصحف اليمنية عن الصدور، فاضطر المثقفون اليمنيون إلى نشر نصوصهم ومقالاتهم ودراساتهم في المجلات والصحف العربية، وكذلك على منصات ومواقع يمنية افتراضية، مثل منصة خيوط ومجلة المدنية.

جائزة الربادي ومحمد عبد الولي

تأسست جائزة الربادي للقصة القصيرة في أيلول (سبتمبر) 2020، وتهدف إلى تشجيع الشباب اليمني على كتابة القصة القصيرة، وإبراز المواهب الأدبية الجديدة وتقديمها إلى الساحة الثقافية. وبحسب الأهدل: تفوز (5) قصص قصيرة في كلّ دورة، وقد يتوفر لدى الجائزة بعد دورتها الخامسة العدد الكافي من القصص ليتم إصدارها في كتاب.

تأسست جائزة الربادي للقصة القصيرة في أيلول (سبتمبر) 2020

وعن سبب إطلاق اسم الربادي على جائزة القصة، قال الأهدل: إنّ رئيس مجلس أمناء الجائزة وناشر صحيفة اليمني الأمريكي الأستاذ رشيد النُّزيلي هو من اختار إطلاق اسم الأديب (محمد الربادي) على الجائزة تقديراً لمكانته الثقافية الرفيعة، وتذكيراً للأجيال الشابة بتاريخ هذا المناضل السياسي الجسور.

وفيما يتعلق بجائزة محمد عبد الولي للرواية اليمنية، التي انطلقت هذا العام برعاية أحد رجال الأعمال وبإشراف "عناوين للنشر والتوزيع"، قال الأهدل: إنّ عدد الروايات التي تقدمت للجائزة حققت رقماً قياسياً بلغ (46) رواية، وفي مجال الشعر (55) ديواناً شعرياً، وهذه الأرقام تعكس بجلاء حيوية المشهد الثقافي اليمني وغزارة الإنتاج الأدبي اليمني في وقتنا الحاضر.

تجارب الجوائز والمبادرات اليمنية السابقة غير مبشر من ناحية الاستمرار، ولعل هذا المصير قد يواجه الجوائز القائمة حالياً. وعن هذه المخاوف قال الأهدل: استمرار الجوائز مرهون بإرادة مؤسسيها، وبالطبع نأمل أن تستمر وتتطور، فهي في النهاية لصالح الأدباء؛ مادياً ومعنوياً، وتقدم لهم عوناً ثميناً في متابعة مشاريعهم الإبداعية.

وفي الأخير عبّر الأهدل عن أمله بانتهاء الحرب، وفتح الحدود لدخول الكتب والمجلات والصحف من كلّ الدول العربية.

مواضيع ذات صلة:

"قناع بلون السماء" رواية فلسطينية مليئة بالرموز والإسقاطات

واسيني الأعرج يُحول رواية مي زيادة إلى مسلسل وهذه الممثلة ستجسد شخصيتها

حاكم الشارقة يُصدر رواية "سيرة سلاطين كلوة"



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية