"شهداء الحاجة".. أقل من 10 دولار تودي بحياة العشرات في اليمن (صور وفيديو)

"شهداء الحاجة".. أقل من 10 دولار تودي بحياة العشرات في اليمن (صور وفيديو)

"شهداء الحاجة".. أقل من 10 دولار تودي بحياة العشرات في اليمن (صور وفيديو)


20/04/2023

قُتل عشرات الأشخاص مساء أمس في العاصمة صنعاء، وتحديداً في مدرسة معين. كانت مئات الحشود قد تجمعت أملًا في الحصول على معونة مالية قدرها خمسة آلاف ريال (أقل من عشرة دولارات) توزعها كل عام مجموعة الكبوس التجارية. وبالطبع لم يكن المتجمعون الفقراء يدركون أنّ هذه هي آخر لحظاتهم؛ فمثل هذه التجمعات مألوفة نظراً للفقر المستشري وحاجة الناس لأي مبلغ يسد بعض حاجتهم منذ استيلاء الحوثيين على العاصمة صنعاء. وفق مصادر طبية في صنعاء بلغ عدد القتلى حتى اللحظة مئة، والعدد مرشح للزيادة؛ لوجود أكثر من مئة إصابة أخرى بين خطيرة ومتوسطة.

بداية الكارثة

يقول الخبر بأنّ المئات تجمعوا داخل مدرسة معين لاستلام كروت المعونة من مجموعة الكبوس التجارية وعند التجمع وصل عدد من المسلحين الحوثيين لمنع توزيع المساعدات وحاولوا تفريق الناس بإطلاق الرصاص ما أدى إلى تمزق كابل كهربائي أعلى البوابة. وكانت النتيجة أن تدافع الجميع نحو بوابة الخروج وعند التدافع القوي وانفصال الكابل من المحول صُعق الجميع وسقط أكثر من 200 ضحية بين قتيل ومصاب.

من يتحمل المسؤولية؟

بعد الحادث مباشرة وجهت أصابع الإدانة لسلطات الأمن في صنعاء ولحكومة الحوثيين وهذه بدورها ألقت بالمسؤولية كعادتها إلى العدوان الخارجي. فقد عبَّر محمد علي الحوثي عن الكارثة في تغريدة بقوله: "إن حادثة التدافع مصاب أليم ومأساة جديدة وصورة قاتمة". وأضاف بأنّ "السبب الأول هو العدوان الأمريكي البريطاني السعودي الإماراتي وحلفائه". مثل هذه التغريدة تتكرر بعد كل حادث يقع تحت سلطة الحوثيين، استسهالًا منهم من جهة، ومن جهة ثانية استشرافاً لأي حوادث ستقع في المستقبل؛ فبعد أن ينتهي "العدوان السعودي الإماراتي"، بحسب وصفهم، سيكون "العدوان الأمريكي والبريطاني" وراء أية كارثة، مع أنّ الجميع يعرف أن لا علاقة لهذه الدول بما يحدث في اليمن وأنّ سلطة الأمر الواقع تتحمل المسؤولية كاملة ولم تعد أكذوبة "العدوان الخارجي" تنطلي على أغلب اليمنيين.

من جهتها، تهرّبت وزارة الداخلية في صنعاء من مسؤوليتها مُلقية باللوم على مدراء شركة الكبوس. وفي بيان للمتحدث باسم الوزارة أكد مقتل وإصابة العشرات "جراء التدافع الكبير لعدد من المواطنين"، وأضافت "أنّ النيابة تحركت فوراً للتحقيق حول القضية وسيتم الإعلان عن النتائج النهائية فور استكمالها". كما نشرت وكالة "سبأ" التابعة لسلطة صنعاء أنّ رئيس المجلس السياسي مهدي المشاط، عزّى أسر الضحايا، ووجّه "بتشكيل لجنة من الداخلية والأمن والمخابرات والقضاء والنيابة للتحقيق في حادثة التدافع"، مشدداً "على أهمية اتخاذ الإجراءات اللازمة لمعرفة أسباب ما حدث وسرعة الرفع بذلك".

بيان داخلية صنعاء ألقى باللوم على التجار لقيامهم بتوزيع المبالغ المالية "دون التنسيق مع وزارة الداخلية، وبدون تنظيم"، مشيراً إلى أنه " تم ضبط اثنين من التجار القائمين على الموضوع".

بغض النظر عن سبب الحادث، فهذه السلطة هي من أوصلت اليمنيين لهذه المرحلة

تدعي السلطات الحوثية أنّ توزيع الصدقات عبر الهيئة العامة للزكاة هي مسألة تنظيمية، لكن يذهب كثيرون إلى أنّ الهدف من هذا هو السرقة؛ فالتجار يدفعون الزكاة فعلًا لهيئة الزكاة، أما الصدقات والمساعدات الأخرى فيفضل التجار توزيعها بأنفسهم حرصاً منهم لوصولها إلى مستحقيها. وهذا ما لم يعجب سلطات صنعاء على ما يبدو.

في صفحته على الفيسبوك كتب راشد مبخوت معروف محملًا المسؤولية كاملة للحوثيين قائلًا:

"إذا كان الحوثيون لم يخططوا لهذه الجريمة فيجب أن يعلنوا القبض على الجناة من أنصارهم وتقديمهم للعدالة في أسرع وقت. عندها فقط سنقول بأن الحوثيين أبرياء من الجريمة". وأضاف موجهاً خطابه للحوثيين: "الحادثة واضحة والشعب يريد محاكمة الجناة ما لم فأنتم مسؤولون أمام الله والشعب وإذا نجوتم من محاكمة القضاء فلا يمكنكم النجاة من محاكمة قاضي القضاة".

أشار شهود عيان تحدثوا لقناة "الهوية"، إلى حصول عملية إطلاق نار في الهواء من قبل أفراد المنطقة الأمنية، ومنهم من قال بإن إطلاق النار تم "بعد الكارثة"؛ وذلك "لتفريق أفراد بدأوا بنهب المتعلقات الشخصية للذين فارقوا الحياة.."

🎞

وهناك من يشير إلى احتمال أنّ الجريمة مدبَّرة؛ فمن غير المعقول أن يؤدي حادث تدافع إلى وفاة هذا العدد الكبير من الناس! كما هذه "ليست أول مشكلة تحصل لمجموعة الكبوس في صنعاء. فقد تعرض العام الماضي للتهديد والتهجم على مكتب المدير والضغط عليه بالالتزام بدفع المساعدات إلى هيئة الزكاة. وقد وصل الخلاف إلى التهديدات بإغلاق فروع الشركة واتهام إدارتها بأنها تتلقى التوجيهات من طارق صالح ثم انتهى الخلاف بتعهد إدارة الكبوس بدفع المال للهيئة العامة للزكاة. لكن على ما يبدو أنّ ما حدث مساء أمس مكيدة لمجموعة الكبوس للقضاء على الشركة وتوريطها وفي الوقت نفسه توجه رسالة لكل التجار بعدم المخالفة والتوقف عن توزيع الزكاة إلا عبر الهيئة العامة للزكاة".

ردود فعل غاضبة

في صفحته على الفيسبوك كتب الكاتب فاروق: "بغض النظر عن سبب الحادث، فهذه السلطة هي من أوصلت اليمنيين لهذه المرحلة، وهي من تتحمل هذا الكم من الموت والعبث بحياتهم، وفي اللحظة المناسبة ستلاحقهم اليمن بتاريخها من الأوجاع والآلام كما فعلت من قبل. اليمنيون لا ينسون ثأرهم".

بالمثل عبرت الصحفية هديل الموفق في منشور لها على صفحتها في الفيسبوك قائلة: "لا تسمحوا للميليشيا أن تقودكم إلى متاهة الانخراط في نقاش من يتحمل مسؤولية جريمة تدافع الناس. نقاش مثل هذا سيلهينا عن الجريمة الأعظم، صناعة الفقر والجوع المنهجية من قبل الميليشيا لإحكام قبضتهم على الشعب. لا تنقادوا إلى مصيدتهم". وطالبت هديل الموفق بإعلان حالة الحداد بدلًا من الاحتفال بالعيد؛ كشكل من أشكال المقاومة، قائلة: "أن أعلن الحداد يوم العيد، هو مقاومة. أن أضع جانباً ملابس العيد وأرتدي الأسود (أو حتى ملابس عادية) في يوم العيد، حتى عند زيارة أقاربي وأصدقائي وجيراني لي، هو مقاومة. أن أعلم أطفالي أن يوم العيد هذا ليس ككل عيد، وأن عليهم أن يرتدوا ملابسهم العادية لأجل من سقطوا، هو مقاومة. أن أرفض الخروج من منزلي يوم العيد لممارسة طقوس العيد الاعتيادية، هو مقاومة. هذا أقل ما بوسعنا كمجتمع وكشعب، من الشمال للجنوب، أن نقوم به، لننعي من سقطوا منا؛ فلن يفعل أحد ذلك غيرنا."

وأضافت: "هناك على الأقل ٨٠ شخصاً لن يمر هذا العيد عليهم، وملايين غيرهم نسوا طعم العيد منذ أزل. هل نستكثر عليهم إعلان الحداد هذا العيد؟! لحظات قاتمة مثل هذه قد تفتح آفاق جديدة للمقاومة. أصدقائي وصديقاتي، هل تعلنون الحداد معي ومع الكثيرين هذا العيد وتقفون في صفنا، نحن الشعب، نحن المطحونون، نحن من يتسابق القادة المخضرمون على تبادل التهم فوق جثثنا حتى قبل أن يغطينا التراب؟ أم هل تستمر الحياة معكم وكأن شيئًا لم يكن؟!"

حكومة الحوثيين ألقت بالمسؤولية كعادتها على العدوان الخارجي

أرفقت الموفق نداءها بصورة سوداء قائلة: "في يوم العيد، لن أنشر صورتي وصور عائلتي وهم يرتدون ملابس العيد، سأنشر هذه الصورة السوداء، وأتمنى أن أرى صفحتي الرئيسية مغطاة باللون الأسود! وأتمنى أن أرى الشوارع فاضية، والشعب معلنًا الحداد لأجلكم، وأجل من سقطوا منا، ومن أجلنا جميعًا."

وراء كل شهيد قصة

بعد الحادثة بساعات قليلة انتشرت الصور قبل وبعد الحادثة وفيديو يصور الضحايا وتداول مستخدمو الفيسبوك ومواقع التواصل وسم #شهداء_الحاجة. ولأن وراء كل حالة وفاة قصة بدأ البعض برواية بعض قصص الضحايا قائلًا: "دونوا مثل هذه القصص للتاريخ، حتى لا تضيع حقيقة ما جرى". ثم ذكر قصة أحد الضحايا وهو جار له من سكان حي "الحصَبة" بصنعاء. قال: "كان جاري مدرس كيمياء، وبعد انقطاع الراتب وتدهور المعيشة لجأ لبيع الخضار بالقرب من حديقة السبعين، وأحياناً كان يبيع التين الشوكي في موسمه، ولم يظهر للناس عوزه وفقره وحاجته خصوصاً أمام جيرانه، وكلما حاولت مساعدته كان يرفض، واليوم أحزنني خبر وفاته في الحادثة الأليمة في باب اليمن أثناء ذهابه للحصول على نصيبة من الزكاة".

أضاف: "لم نكن نعرف أنه مسجل في كشوف الزكاة لدى مجموعة الكبوس التجارية، ولم نكن نعرف أن وضعه المعيشي بهذا الحال، إلى درجة أن يقف بالساعات لأجل 5 ألف ريال!"

صورة من مستشفى بعد الحادثة




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية