النهضة في مأزق... كيف علقت الحركة في فخ أعدته لقيس سعيد؟

النهضة في مأزق... كيف علقت الحركة في فخ أعدته لقيس سعيد؟


16/07/2020

لم يعكس الحلم والهدوء البادي على وجه الرئيس التونسي قيس سعيد، في البداية، امتلاكه كلّ ذلك القدر من الدهاء والقدرة على المراوغة، بصورة تجعله الأقدر على التعامل مع حركة النهضة الإخوانية، بما لها من باع طويل في السياسة والتماهي، مسجلاً الانتصارات عليها في جولتين حتى الآن.

المواجهة التي يخوضها سعيد والمعارضة البرلمانية حتمية، كي لا تنجرف تونس إلى الجرف ذاته الذي وقعت فيه ليبيا وسوريا

وربما ليس صحياً أن تصبح الساحة السياسية، في دولة مهمّة مثل تونس، وفي مثل هذا الوقت، أقرب إلى حلبة صراع، سواء على الصعيد الداخلي، حيث الأزمة الاقتصادية التي خلفتها أزمة كورونا، مع اقتصاد يعاني من مشكلات ونسب مرتفعة للبطالة، مروراً بالأوضاع الخارجية حيث الجارة ليبيا التي تقرع فيها طبول الحرب ليل نهار، لكنّ المواجهة التي يدخلها الرئيس سعيد ومن خلفه المعارضة البرلمانية، حتمية، كي لا تنجرف تونس إلى الجرف ذاته الذي وقعت فيه ليبيا وسوريا، وكي لا تصبح جزءاً من المشروع التركي ـ القطري. 

لذا يعلم الرئيس التونسي أنّ كلّ مواجهة مع النهضة هي من أجل استقرار تونس، حتى وإن كلفتها فراغاً مؤقتاً، واضطرابات آنية، علماً بأنه كلما كسب الرئيس جولة، تضاءل حجم النهضة وانكمشت أوراقها أكثر، ما يشي بقرب حسم المعركة، وتحجيم نفوذ الإخوان في تونس. 

اقرأ أيضاً: كيف علقت النهضة على إعفاء وزرائها من الحكومة؟

وأخيراً، خرج الرئيس بدهاء كبير من فخّ سحب الثقة من الحكومة الذي أعدته النهضة على نار هادئة، بهدف لا يعكس نية حقيقية لإسقاط الحكومة أو إلياس الفخفاخ ذاته، وإنما للضغط على الرئيس في الملف الليبي، وكذلك لتوسعة تشكيل الحكومة لإدخال حليف النهضة "قلب تونس" بما يضمن للنهضة نفوذاً أكبر في السلطة التنفيذية، ومن جهة ثالثة للضغط على الأحزاب المشاركة في الحكومة، وهي أحزاب المعارضة التي تزعج النهضة بلائحة لسحب الثقة من رئيسها راشد الغنوشي، وهو أيضاً رئيس البرلمان. 

 الإعلامي والمحلل التونسي نزار الجليدي: إنّ التحرّكات الدولية لتحجيم جماعة الإخوان في تونس تؤتي ثمارها

لو أرادت النهضة بصدق إسقاط الحكومة، لتصدّرت منذ البداية معركة إسقاطها، ولتقدّمت الصفوف الأولى في كيل الاتهامات للفخفاخ، لكنها على مدار أسابيع ظلت تراوغ، وبالموازاة يخوض رئيسها الغنوشي جهوداً في الخفاء، وفق ما أظهره فيما بعد التسريب الصوتي، للتأثير على موقف سعيد في ليبيا. 

غير أنّ موقف الرئيس الصلب من الأزمة الليبية، والذي أعلن عنه في باريس، وجاء فيه: إنّ شرعية الوفاق مؤقتة، مع استمرار المعارضة في الوقت ذاته في ملاحقة الغنوشي، جعل النهضة تقرّر "قلب الطاولة" بالانضمام إلى قرار سحب الثقة، والذي حرّكته من الأساس كتل متحالفة معها. 

وفيما تحاول النهضة الإمساك بزمام الموقف، وتحريك لائحة سحب الثقة، والتي كانت حال تمريرها في البرلمان ستعيد صلاحية تشكيل حكومة جديدة إلى الحركة باعتبارها أكبر كتلة برلمانية، استبق الرئيس التونسي كلّ ذلك، وطلب من رئيس الحكومة التونسية الاستقالة. 

اقرأ أيضاً: مناورات حركة النهضة في تونس تقودها إلى عزلة سياسية

وبذلك، تعود صلاحية تشكيل حكومة جديدة إلى الرئيس سعيد وليس إلى النهضة، والتي سيصبح أمامها؛ إمّا القبول بالحكومة وإمّا رفضها والتوجّه إلى انتخابات برلمانية مبكرة. 

وتقدّم الفخفاخ بالفعل باستقالته أمس، قائلاً في بيان تداولته وسائل الإعلام التونسية والعربية: إنّ استقالته "للمصلحة الوطنية ولتجنيب البلاد مزيداً من الصعوبات، وحتى نجنّب البلاد صراع المؤسسات، ونفسح الطريق للخروج من الأزمة". 

في وقت، قالت فيه الرئاسة التونسية في بيان عبر صفحتها على فيسبوك: إنّ الرئيس استقبل كلّاً من رئيس الحكومة ورئيس مجلس نواب الشعب (...) لبحث سبل الخروج من الأزمة السياسية الحالية، والتأكيد على وجوب وضع مصلحة تونس فوق كلّ الاعتبارات. ولفت البيان إلى أنّ رئيس الدولة أعلن خلال اللقاء عن تلقيه صبيحة يوم أمس استقالة الفخفاخ. 

وشدّد رئيس الجمهورية على ضرورة حلّ المشاكل وفق ما ينصّ عليه الدستور. كما جدّد حرصه على عدم الدخول في صدام مع أي كان، مذكّراً بأنّ الدولة فوق كل اعتبار، وأنّ العدالة يجب أن تأخذ مجراها، مضيفاً أنه لا مجال للمساس بكرامة أيّ كان.

يعد التعديل الحكومي الذي أجراه الفخاخ وأزاح فيه وزراء حركة النهضة من التشكيل ضربة معنوية لتنظيم الإخوان

ولم تتوقف الضربة التي وجّهها سعيد والفخفاخ إلى الغنوشي عند ذلك الحد، فغداة تقديم الاستقالة أجرى الفخفاخ تعديلاً حكومياً أزاح فيه وزراء حركة النهضة من التشكيل، ما يُعدّ ضربة معنوية أخرى، فعملياً لن يطول عمر حكومة الفخفاخ، التي تسيّر الأعمال، إلّا لحين تسمية سعيد شخصية جديدة لرئاسة الحكومة. 

ويقول الإعلامي والمحلل التونسي المقيم في باريس نزار الجليدي لـ"حفريات": إنّ رئيس حركة النهضة بات خالي الوفاض الآن، ما بين برلمان يتحرّك لسحب الثقة منه، وقد نجح المعارضون حتى الآن في جمع 80 توقيعاً على اللائحة التي يتطلب تمريرها 105 أصوات، بالإضافة إلى عجزه عن تقديم شيء لتنظيم الإخوان وتواريه لصالح أردوغان بعدما بات الواجهة الوحيدة للجماعة، وثالثاً يواجه انشقاقات واختلافات عليه داخل حركة النهضة، مع عدم قدرته على الترشح لرئاستها مرّة أخرى. 

ويضيف الجليدي: إنّ التحرّكات الدولية لتحجيم جماعة الإخوان في تونس تؤتي ثمارها، لافتاً إلى أنه لا يجب النظر إلى قضية النهضة باعتبارها شأناً داخلياً تونسياً، بل ما حدث في القضية الليبية ومحاولة النهضة التأثير وتوريط تونس لصالح تركيا، يبرهن للجميع على ضرورة تحجيمها.

واستشهد المحلل السياسي بكلمة وزير الداخلية الفرنسي الجديد حين سأل عن عدوّه الأوّل فقال: "الإسلام السياسي"، وعلّق الجليدي: "كان يقصد بالأساس حركة النهضة، وخصوصاً أنّها تعتمد بشكل كبير على التوانسة في الخارج، حيث 15 بالمئة من نسبها في التصويت كانت منهم. 

وأثنى المحلل السياسي التونسي على تصرّف سعيد إثر الأزمة الأخيرة التي أثارتها النهضة حول الحكومة، ووصفه بـ"الدهاء". 



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية