النسائية الجهادية.. هل هي حقاً ظاهرة عابرة؟

النسائية الجهادية.. هل هي حقاً ظاهرة عابرة؟

النسائية الجهادية.. هل هي حقاً ظاهرة عابرة؟


15/02/2024

تتّصف ظاهرة "النسائية الجهادية" بالغموض؛ لذلك يبقى الحديث عنها شائكاً ومعقّداً، بسبب تطورها التاريخي منذ ظهور الحركات الجهادية، بدءاً بتنظيم القاعدة ووصولاً إلى تنظيم داعش؛ بل منذ نشوء جماعة الإخوان المسلمين وانتشارها.

اقرأ أيضاً: النساء الجهاديات: المرأة صانعة للإرهاب أم ضحية له؟

وأحد أسباب غموض هذه الظاهرة؛ هو عدم الاهتمام بها، واعتبارها ظاهرة هامشية، طارئة وعابرة، وحسبانها مجرد هامش للتنظيمات الجهادية؛ في حين يمكن اعتبارها تعبيراً عن تغيّر نظرة الإسلاميين المتشددين إلى دور المرأة؛ فكيف انتقلت المرأة الجهادية من الدور الثانوي بصفتها "حَرَم" الرجل، وربّة المنزل، ومربية الأطفال، إلى دور يشبه دور الرجل في الجهاد، ابتداءً من الهجرة، ووصولاً إلى الانتحار، مع أنّ الجماعات الإسلامية المتشدّدة لا تعترف بحقوق متساوية للنساء والرجال؟

لم تعد حركة الجهاديات تقتصر على معارضة النسوية العالمية؛ إنما بدأت بالتمرد على الدور التقليدي للمرأة بطريقة مشوّهة

وكيف تجاوزت تلك الجماعات قواعد فقهية متعددة حتى وصلت المرأة الجهادية إلى ما وصلت إليه، ليس على صعيد المجتمعات العربية فحسب؛ إنما على صعيد المجتمعات الإسلامية في العالم؟

اكتفت وسائل الإعلام في العالم العربي بوصف جانب من جوانب الجهادية النسائية، المسمَّى "جهاد النكاح"، ولم تبحث في الدوافع النفسية والسياسية وراء ظهور تلك الحركة الغامضة، وهذا الأمر يقوم على تحيّز ذكوري يرى أنّ الرجال مسؤولون عن أفعالهم، في حين أنّ النساء؛ إما مشاركات رغماً عنهنّ، أو ضحايا.

اقرأ أيضاً: التقليد الديني.. الجهاديات والتطرف

"وتعزز هذه الافتراضات الأفكار المقولبة الخاصة بالجنسانية، ونتيجة لذلك لا تعدّ النساء غالباً إرهابيات محتّمات، ولا ينظر إليهن كأفراد يشكلن خطراً، على غرار نظرائهنّ من الذكور في حال تورّطن بالإرهاب"[1].

المرأة ما تزال أداة في مختلف أدوارها؛ للحفاظ على النوع، أو للقتل والتفجير، أو لتأدية خدمات لوجستية

رغم انقلاب نظرة الإسلاميين إلى دور المرأة، إلا أنّ ذلك لم يعبّر، حتى اليوم، عن تغير في أساس هذه النظرة؛ إذ إنّ المرأة ما تزال أداة، في مختلف الأدوار الموكلة إليها، والطارئة عليها؛ أداة للحفاظ على النوع، وأداة للقتل والتفجير والتدمير، أو أداة لتأدية خدمات لوجستية، ربما أخطرها التجسس والإعلام أو الإخبار؛ فقد لجأت معظم السلطات الشمولية في غير مكان إلى توظيف النساء لتأدية هذا الدور، الذي يمكن أن يتفوقن فيه على الرجال، إضافة إلى عسكرة النساء، تحت شعار المساواة، ولا تختلف في ذلك الجماعات الإرهابية، التي تجند النساء والأطفال عن النظم والسلطات الإرهابية.

اقرأ أيضاً: علاقة النساء بالإرهاب: ضحايا الحب المفخخ

بحث في هذا الموضوع، بجهد كبير، الباحثان الأردنيان المتخصصان بقضايا الأصولية والجهادية الإسلامية: محمد أبو رمّان، وحسن أبو هنية؛ إذ تناولا في كتابهما "عاشقات الشهادة" دراسة نظرية وميدانية لمعرفة الظروف والعوامل الاجتماعية المحيطة بالنساء الجهاديات، فوجدا أنّ غالبية النساء الجهاديات حاصلات على شهادات عالية في التعليم؛ كالطبّ والهندسة والعلوم التطبيقية، والعلوم الوراثية، وأنّ معظمهنّ يتمتعنّ بوضع اقتصادي جيّد، أو لا بأس به، وقد كشف الباحثان وجود خلفية فكرية، أو هوية إسلامية، لهذه الظاهرة؛ تبدأ بالفكر الوهابي، وتنتهي بالمرأة الداعشية والمهاجرة والانتحارية، مروراً بالحركة الإخوانية "القطبية" ثم الحقبة الأفغانية، مما جعل النساء الجهاديات يعشقن الشهادة.

أحد أسباب غموض الجهادية النسائية؛ هو عدم الاهتمام بها، واعتبارها مجرد هامش للتنظيمات الجهادية

كلّ ذلك كان دليلاً على أنّ التطور التاريخي لدور النساء الجهاديات في الإسلام قد تحوّل من الدور التقليديّ الذي لعبته المرأة في الفتوحات الإسلامية؛ أي الدور اللوجوستي والتعبوي أو التحريضي، مثل شحذ همّة الرجال في المعركة، والإسعاف، وإعداد الطعام للمقاتلين، إلى العمل الإرهابي تحت ذريعة الدفاع عن الإسلام والمسلمين.

وكان تأثير الفكر الديني في النساء أقوى من الظروف السوسيولوجية المحيطة بهن، فأنصار الجهاد يرون أنّ انخراط المرأة في المعركة إذا داهمهم العدو؛ هو أحد واجباتها، ويحقّ لها الخروج من دون إذن زوجها، فحق الله أولاً، وأن الصحابيات هنّ خير مثال في الدفاع عن الدعوة الإسلامية، وخير قدوة للنسائية الجهادية.

اقرأ أيضاً: معركة النساء مع الإسلام المتشدد

بيد أنّ النسائية الجهادية اتبعت أسس الجهادية العامة التي قويت جذورها في ثمانينيات القرن الماضي، والمبنية على أيديولوجية دينية، مبدؤها الدفاع عن الهوية الإسلامية ضدّ الغرب، باعتباره عالماً واسعاً وغريباً من الحداثة والعولمة، وبرزت النسائية الجهادية في تلك الحقبة مناهضة للنسوية العالمية، مع أنّ التناقض الواضح في أهدافها يتجلى في طريقة الفعل الذي تقوم به النساء الجهاديات، فقد بدّلن أدوارهنّ، كربّات منازل ومربيات للأطفال، بأدوار قتالية تتنافى مع دور النساء التقليديات، من هنا بدأ النقاش والجدل وإعادة تعريف دور النساء الجهاديات، فلم تعد حركتهنّ تقتصر على معارضة النسوية العالمية؛ إنما بدأت بالتمرد على الدور التقليدي الذي لا يخالف مبدأ النسوية العالمية، لكن بطريقة مشوّهة، ومخلّة بإنسانية الإنسان وكرامته، وحقّه في الحياة.

اكتفت وسائل الإعلام بوصف جانب من جوانب الجهادية النسائية، المسمَّى "جهاد النكاح"، ولم تبحث في دوافعه النفسية والسياسية

بدوره، ساهم تحّول ثورات "الربيع العربي" من ثورات سلمية إلى "كفاح مسلّح"، في تطوّر النسائية الجهادية، و"باتت صور النساء المنقبات المشاركات في المظاهرات الاحتجاجية مألوفة، إلّا أنّ اشتداد قوى الثورة المضادة، بعد أقل من عامين، ساهم في استعادة القاعدة لجاذبيتها، وبات العالم العربي ربيعاً للجهادية"[2]، إضافة إلى انتشار الأدبيات الجهادية والفقهية والفتاوى التي تُعزز دور النساء في الجهاد، ودور وسائل التواصل الاجتماعي التي نشطت في نشر الفكر الجهادي الذي يقوي عزيمة النساء على الجهاد، ما سهّل عملية ترويج الأفكار السلفية بينهنّ، وباتت النساء تدير المواقع الإلكترونية الخاصة بالجهات المتطرّفة، كالنصرة وداعش، وأكّدت الإحصائيات حول هذا الموضوع؛ أنّ نسبة 40% من تلك المواقع تديرها فتيات تتراوح أعمارهنّ بين 18 إلى 25 عاماً[3].

إذاً؛ نحن أمام إشكالية ذات وجهين؛ الوجه الأول ديني سياسي: يتمثل في الدفاع عن الهوية الدينية والهوية الوطنية، في آن معاً ضدّ الأنظمة الديكتاتورية في البلدان العربية، والوجه الثاني: هو محاولة إثبات الذات النسائية في أماكن صنع القرار، ومواجهة النظام الاجتماعي الذي همّش النساء، والنظام السياسي، وجعلهنّ يبحثن عن بديل معاكس للصورة النمطية في مجتمعاتهن.

اقرأ أيضاً: "داعش" والنساء الأجنبيات

ختاماً؛ تجدر الإشارة إلى تلازم أدوار ثلاثة للمرأة: الدور الدعوي – التربوي؛ الذي تمثله القبيسيات في سوريا، على سبيل المثال، والدور الجهادي، على اختلاف أشكال الجهاد؛ الذي تمثله المقاتلات والانتحاريات والزينبيات، دون إغفال الدور النضالي، بالتعبير الدارج عند القوميين والاشتراكيين. فإذا كان الدور الجهادي يتناقض مع أنوثة المرأة وإنسانيتها، تناقضه مع القيم الإنسانية كافة، ويشكل خطراً على الحياة الإنسانية، فإن الدور الدعوي لا يقلّ خطورة على مستقبل المجتمعات المعنية.


[1] النساء والراديكالية الإرهابية: التقرير النهائي، الطاولة المستديرة لخبراء مكتب المؤسسات الديمقراطية وحقوق الإنسان، فيينا 2513

[2] محمد أبو رمان حسن أبو هنية، عاشقات الشهادة، ص 37

[3] Jihad Nikah

 


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية