الناشط هشام الشواني لـ"حفريات": لا حل إلا بتعزيز التحالف الراسخ بين السودانيين

الناشط السوداني هشام الشواني لـ"حفريات": حميدتي أخطأ بالتمرد

الناشط هشام الشواني لـ"حفريات": لا حل إلا بتعزيز التحالف الراسخ بين السودانيين


20/04/2023

أجرى الحوار: حامد فتحي

منذ اندلاع القتال بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع تكثر الأقاويل حول مسؤولية الإخوان المسلمين في السودان عن تلك الأزمة، وهي الاتهامات التي وجهها قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو المعروف بـ"حميدتي".

تستند تلك الاتهامات إلى أنّ 30 عاماً من حكم نظام الإسلاميين (الإنقاذ) بقيادة الرئيس المعزول عمر حسن البشير كانت كفيلة بأدلجة الجيش بفكر الإخوان المسلمين، وجعل ولائهم للبشير.

لكن هناك عدة حقائق يجب أخذها بالاعتبار لتكوين فهم صحيح حول واقع الإسلاميين في السودان اليوم، بعد سقوط نظام الإنقاذ، منها أنّ الجيش كان من أسقط البشير، وأنّ الأخير كان من أسس الدعم السريع وعين الفريق أول حميدتي رئيساً له، ما يعني أنّ الاستناد إلى ما سبق ثورة كانون الأول (ديسمبر) 2018، لن يعطي صورة صحيحة عن خلافات الفريقين.

وللوقوف على واقع الحركة الإسلامية اليوم في السودان (مصطلح الإخوان المسلمين غير شائع ولا يعبر بدقة عن الإسلاميين)، حاورت "حفريات" السياسي السوداني الشاب، هشام عثمان الشواني، الذي علق على ما يحدث في السودان الآن بقوله إنّ حميدتي أخطأ بالتمرد.

وتُعبر تجربة الشواني السياسية عن خصوصية الحركة الإسلامية في السودان، واختلافها جذرياً عن نظيراتها في البلدان العربية. ويصف الشواني نفسه بأحد أبناء الحركة الإسلامية الذين يمثلون جيل الشباب، المطالب بالإصلاح منذ العام 2007. شارك الشواني في المعارضة السياسية لنظام الإنقاذ، وأُصيب بخمس طلقات خلال مشاركته في مواكب الثوار في أم درمان في كانون الثاني (يناير) 2019، قبل عزل البشير بثلاثة أشهر. وبعد الثورة كان عضواً في التيار الإسلامي العريض، ومتحدثاً بعد ذلك باسم "مبادرة نداء أهل السودان" بقيادة الزعيم الصوفي الطيب الجد، وهو عضو في حركة المستقبل للإصلاح والتنمية، التي تُعرف نفسها بأنّها "حزب إصلاحي وطني حديث" له مرجعية إسلامية.

هنا نصّ الحوار:

ما هو وضع الإخوان المسلمين في السودان؟ وما موقعهم من الحركة الإسلامية؟

وضع الإخوان المسلمين في السودان لديه خصوصية تاريخية؛ بمعنى أنّ الحركة الإسلامية منذ الستينيات صارت على مسافة بعيدة عن التنظيم العالمي للإخوان في مصر، كما أنّها لم تكن منعزلة عن النظام السياسي في مختلف الحقب، وبالتالي لم ينتهجوا طرق العنف أو الإرهاب، أو الانغلاق عن المجتمع.

قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو المعروف بـ"حميدتي"

ولا يعرف معظم السودانيين مصطلح "الإخوان المسلمين"، بل يستخدمون مسمى الحركة الإسلامية، وهو الاسم الرائد، وبعضهم يعرفهم باسم "الكيزان"، وهو مسمى شعبي مثل "القحاتة" الذي يُطلق على الحرية والتغيير، أو يعرفونهم بأسماء أحزابهم السياسية مثل المؤتمر الوطني والمؤتمر الشعبي  والجبهة الإسلامية.

ما هي الأسس التي تستند إليها في توصيف الحركة الإسلامية على أنّها مختلفة عن الإخوان في مصر؟

بدايةً كانت الحركة الإسلامية جزءاً من العملية السياسية والدستورية في السودان، وشاركوا في جميع الانتخابات، كما شاركوا في أهم انتفاضتين شعبيتين؛ في العامين (1964، 1985). ولهذا هم يختلفون عن بعض نماذج الحركات الإسلامية، التي تشكل نوعاً من المجتمع الموازي في الدولة، ونوعاً من الأخوية والطائفية البعيدة عن مؤسسات العمل السياسي، وبالتالي تميل إلى العنف والتشدد والتطرف.

الحركة الإسلامية المتنوعة في السودان كانت جزءاً من أدوات العمل السياسي المدني الطبيعية؛ نافست في الانتخابات، وشاركت في ائتلافات حكومية في الديمقراطية الأولى (1964 - 1969) وفي الديمقراطية الثانية (1985 - 1989)، وحتى قيامهم بانقلاب العام 1989 لم يكن حدثاً فريداً، بل يعتبر جزءاً من سمات السياسية السودانية. قبل ذلك حدث انقلابان؛ الأول بإيعاز من حزب الأمة القومي عام 1958، وهو انقلاب الفريق عبود، والثاني بدعم من اليسار والحزب الشيوعي عام 1969، وهو انقلاب جعفر النميري.

تمرد قيادة الدعم السريع على الجيش من نتاج حالة التمرد المتعددة التي اعترت الدولة السودانية والمؤسسة العسكرية. حوّل النظام السابق ميليشيا قبائلية إلى مؤسسة شبه عسكرية

 لهذا أقول إنّهم جزء من الحياة السياسية كتنظيم مدني طبيعي يعبر عن فئات ويرفع شعارات وأيديولوجيات بشكل طبيعي. واجتماعياً كانوا بمثابة تنظيم لأبناء الريف المتعلمين والوافدين الجدد على المدينة من المتعلمين. ثم كانت تجربتهم لمدة 30 عاماً في السلطة، ما جعل الحركة الإسلامية تلتحم بالدولة، وصارت أقرب إلى أن تكون تياراً سياسياً قومياً وليس تياراً متمايزاً. حتى السمات الشخصية للحركي الإسلامي في السودان، من مظهر وتدين وشكل تشبه الإنسان السوداني العادي؛ لا يتميزون باللحى الطويلة أو تقصير الثياب، أو التشدد وعدم مصافحة النساء، لا تستطيع تمييزهم عن الإنسان العادي.

بالإضافة إلى ذلك، كان موقفهم الفكري تنويرياً؛ لأنهم منذ زمن طويل يستخدمون أدوات الدولة الحديثة، وموقفهم تجاه الحريات والمرأة اتسم بسمة تنويرية وتجديدية بأكثر مما هو سلفي.

ما هي مظاهر الاختلاف بين الحركة الإسلامية في السودان والإخوان المسلمين في مصر؟

هناك اختلافات جوهرية، ووضع الحركة الإسلامية في موضع واحد ومماثلة مع طبيعة الإخوان في مصر تصور مغلوط بسبب الإعلام. الظروف التي جعلت جماعة الإخوان في مصر تتسم بالسمات المعروفة عنها، مختلفة جوهرياً عن الوضع في السودان. بطريقة ما تعتبر الحركة الإسلامية أقرب إلى نموذج الحركات الإسلامية في تركيا وتونس، مع اختلافات جوهرية تتعلق بالسودان، منها؛ طبيعة الصراع والنظام السياسي. وبوصف موضوعي تقريبي يمكن القول إنّ  الحركة الإسلامية أقرب ما تكون إلى التيار القومي؛ لأنّها من قاتلت التمرد العسكري ومحاولات تفكيك السودان، وبالطبع لديها عناصر من الأيديولوجيا الإسلامية، لكن ليس على غرار الطائفية الإسلامية والإخوانية والسلفية.

خلال عهد الإنقاذ تنوعت السياسة الخارجية وانتهجت سياسات أدت إلى عزل السودان عن المجتمع الغربي، فكيف تقيم تلك السياسة؟ وكيف تأثرت بطبيعة السلطة بما لها من حمولة إسلامية؟

إبان حكم الإنقاذ كانت السمة المميزة هي البراجماتية. وجلي أنّه لم تُوجد إستراتيجية واضحة حول طبيعة العلاقات الخارجية. عدم وجودها جزء من عدم إدراك الجبهة الإسلامية وحكومة الإنقاذ لتعقيدات استلام دولة، خصوصاً في وقت شهد نهاية الحرب الباردة، وبداية النظام الجديد الذي اتسم بالهيمنة الأمريكية.

وبدأ الاضطراب في حكم الإنقاذ منذ البداية بسبب الحمولة الأيديولوجية الثقافية الإسلامية وغير ذلك، ما دفع بهم إلى دعم صدام حسين في حرب الخليج الثانية. ورفعوا شعاراً عروبياً قومياً وإسلامياً معادياً للصهيونية، ما جعل السودان مستهدفاً وأتاح فرصة لقوى المعارضة بالتحالف مع المحور الغربي بشكل تام، والذي قدم الدعم الكبير للتمرد.

بعد الحصار واجه السودان موجة أزمات اقتصادية

بعد الحصار واجه السودان موجة أزمات اقتصادية، خصوصاً أنّ ملف النفط لم يكن قد تمّ اكتشافه، ما دفع النظام إلى السماح بدخول الشركات الصينية للتنقيب عن النفط، لاستيفاء حاجته من الأموال ومصادر التسليح. وفي أواخر التسعينيات ونتيجة للضغوط الكبيرة الدولية، اضطر النظام للمصالحة مع التمرد رغم أنّه كان منتصراً، ثم التوقيع على اتفاق السلام الشامل.

والشاهد أنّه لم تكن هناك رؤية وإدراك سليمان للموقع الجيوسياسي للسودان، ولا تحليل سليم لطبيعة وتوازن العلاقات الدولية، ما تسبب في تناقضات كثيرة في العلاقات الداخلية والسياسات الاقتصادية. مع ذلك رغم وقوف نظام الإنقاذ ضدّ الغرب إلا أنّه انتهج سياسة السوق الحر والنظام الاقتصادي الغربي، بحكم أنّ المتعلمين من النظام درسوا في جامعات أمريكية وبريطانية، وكانوا أقرب للنموذج الرأسمالي. ويمكن القول إنّ الإدارة السيئة لملف العلاقات الخارجية كانت العامل الحاسم الذي أسقط نظام الإنقاذ.

هناك قوى إسلامية دعمت ثورة ديسمبر وأخرى عارضتها، فكيف تصنف القوى الإسلامية من حيث موقفها من التغيير؟

مرّ نظام الإنقاذ بمراحل إصلاح متنوعة، وكان الأفق الفكري ينطلق من مقدمات ديمقراطية وليبرالية، أقرب إلى الإصلاحيين ودعوة الانفتاح والحريات، لكنّ الجذر الخفي كان الصراع حول النفوذ والمصالح. وحصل الصراع من عراب النظام الأكبر حسن الترابي، الذي بحكم وضعيته داخل النظام وتكوينه الفكري والمعرفي، أكسب معارضته وخروجه على النظام سمة فكرية إصلاحية.

ولاحقاً تنوعت عمليات الخروج من النظام، ومثلاً قبل ثورة ديسمبر رفع حزب المؤتمر الشعبي شعار إسقاط النظام بعد الربيع العربي، ووقع مع المعارضة على برامج الإصلاح.

من جانب آخر سقط الإسلاميون المعارضون للإنقاذ في فخ ما كان لهم السقوط فيه، بالذات من وقفوا مع الثورة؛ حيث لم ينتبهوا لغياب الحد الفاصل بين دعاوى إصلاح النظام وتغييره، وفق برنامج انتقالي يعقبه انتخابات، على أساس البرامج والأطروحات السياسية تحت سقف الدولة، وبين الانزلاق نحو دعاوى إسقاط السودان وتفكيكه.

تأسست القوات المسلحة السودانية كتطوير لقوة دفاع السودان التي كانت جزءاً من الجيش المصري، إبان حقبة الحكم الثنائي البريطاني المصري على السودان

ومعلوم أنّ أفكار تفكيك السودان تبناها خطّ داخل المعارضة لديه نفوذ وقوة، وخطاب وأيديولوجيا تمثلت في الحركة الشعبية، ثم بقي داخل اليسار والمجتمع المدني والتنظيمات الليبرالية، ومن حيث لا يدرون دعموا اتجاهاً يؤدي إلى التفكك والانهيار.

وما سبق يعني أنّ نظام الإنقاذ  كان عاجزاً عن إصلاح ذات أمره، ما دفع إلى حتمية التغيير، وربما كانت استجابة بعض الإسلاميين بطريقة ما لدعوات التغيير أقرب لفكرة حصان طروادة، عبر التخفيف من التوجهات التي تدفع نحو تفكيك السودان، والضغط لأن تظل كعملية تغيير تحت سقف الدولة.

يرى البعض أنّ الإفراجات التي طالت عدداً من قيادات الحركة الإسلامية والمؤتمر الوطني بعد 25 أكتوبر 2021 هي دليل على التعاون بين الجيش بصفته الحاكم للبلاد والحركة الإسلامية، فما هو تعليقك؟

القوى التي حكمت بعد الثورة هي قوى فوضوية، أثبتت عجزاً في إدارة الدولة، وبالتالي اتخذت قرارات خاطئة قانونياً وغير سليمة، وحين أُفسحت الفرصة أمام القضاء للنظر في هذه القرارات التي مست الإسلاميين تمّ إسقاط معظمها، لأنّها اعتمدت على التشفي والانتقام، لهذا ما حدث من إفراجات عن رموز إسلامية كان وفق القانون.

بخلاف ذلك ما يزال جزء من رموز النظام السابق داخل السجون، بل إنّ بعض السجناء لم يكونوا جزءاً من سلطة الإنقاذ قبل سقوطه بأعوام، مثل الدكتور علي الحاج، أمين عام حزب المؤتمر الشعبي، والذي للمفارقة شارك حزبه في التوقيع على الاتفاق الإطاري.

يرى البعض في تأسيس كيانات إسلامية بعد الثورة مثل التيار الإسلامي العريض ونداء أهل السودان وحركة المستقبل للإصلاح والتنمية دليلاً على عودة الإسلاميين وسعيهم إلى السلطة، فكيف ترى ذلك؟

هناك حملات إعلامية ممنهجة ضد الإسلاميين في السودان، متسقة مع الخطاب السياسي الذي يقوم على خلق فكرة الفلول وتحميلها المسؤولية، وهو تكتيك للتنصل من تبعات إدارة البلاد.

وبالنظر إلى الإسلاميين نجد أنّ جزءاً منهم شارك في الثورة على نظام الإنقاذ، وجزءاً عارض الإنقاذ ولم يشارك في الثورة، وجزءاً كان في الإنقاذ وبدأ في العمل مع قوى الثورة. ولهذا أقول إنّ الحركة الإسلامية في السودان متجذرة اجتماعياً وسياسياً، وهم تيار سياسي مدني، لا يمكن منعه من العمل السياسي، وحتى حزب المؤتمر الوطني المحلول لم يكن قاصراً على الإسلاميين فقط.

بشكل عام الحركة الإسلامية وفق القانون وقرارات ما بعد الثورة ذاتها لم تُمنع من العمل السياسي كلها، ولها حقّ العمل السياسي وفق الأطر الدستورية والقانونية للدولة.

بالعودة إلى حزب المؤتمر الوطني، هل كل من انتسب إليه انتمى إلى الحركة الإسلامية؟

علينا التمييز بين حزب المؤتمر الوطني والنظام السابق الذي مرّ بثلاث مراحل؛ العشرية الأولى (1989 - 1999) منذ انقلاب الجبهة الإسلامية حتى المفاصلة.

في تلك المرحلة قام النظام على تنظيم الجبهة الإسلامية القومية، ثم حدث استئثار من شق معين بالسلطة. في تلك المرحلة تأسس حزب المؤتمر الوطني عام 1991، على أساس تنظير سياسي لحزب وطني، يكون فيه إسلاميون متحالفين مع أحزاب أخرى، كفكرة أقرب لتنظيرات الحزب الواحد، لكن لاحقاً تبنى النظام السياسي التعددية الحزبية.

تسببت الاشتباكات الجيش وقوات الدعم السريع إلى فوضى في السودان

كان التنظير الفكري الذي قام عليه حزب المؤتمر الوطني يقوم على فكرة الحزب الواحد، لكن ليس على أساس أيديولوجي. وكان داخله تيارات متعددة، من ضمنها تيار إسلامي، ثم دخل فيه المجتمع السوداني بطبيعته العشائرية والقبلية والأهلية. وانضمت إليه تكوينات من أشخاص لم ينتموا يوماً إلى الحركة الإسلامية والجبهة الإسلامية ولم يكن لهم طابع إسلامي.

وبشكل تقريبي يمكن القول إنّ التنظيم الذي قوم حزب المؤتمر الوطني في كل وحدة إدارية في السودان، ضمّ 40% من التيار الإسلامي، و60 % من التيار العادي الأهلي والتقليدي وسكان المدن والحضر.

أما المرحلة الثانية، فبدأت من العام 1999 حتى عام 2005 الذي شهد كتابة وتوقيع الدستور الانتقالي، بمشاركة معظم القوى السياسية، والتي دخلت الانتخابات وكانت ممثلة في برلمان 2005، ومنها الحزب الشيوعي والاتحادي الأصل والحركة الشعبية وحزب البعث، وهم غالب السياسيين والمعارضين لاحقاً لنظام الإنقاذ، وانتهت تلك الحقبة بانفصال الجنوب عام 2011.

كيف أثر الربيع العربي على حكم الإنقاذ؟

تزامن انفصال الجنوب مع الربيع العربي، ومن تلك الفترة حتى ثورة ديسمبر 2018، يمكن القول إنّ نظام الإنقاذ بدأ يعيش لحظته الأخيرة، وشهد صراعات داخلية ودعوات واسعة بالإصلاح، وفقد صقوره في الحزب والدولة لصالح المعارضة، فضلاً عن فقدان البترول بانفصال الجنوب، وزيادة التدخلات الإقليمية من الدول النفطية، التي تحالفت مع الساسة، ونظرت إلى الجيش كمهدد لمصالحها.

والخلاصة أنّ توصيف الفلول والنظام البائد غير دقيق، ولو صنفنا كل فرد كان في النظام السياسي السابق على أنّه "فلول" سينطبق الوصف على معظم الحركة السياسية السودانية؛ لأنّها شاركت حزب المؤتمر الوطني السلطة في يوم من الأيام.

خلال 30 عاماً من حكم الإنقاذ، بما له من حمولة أيديولوجية إسلامية، يرى كثيرون خصوصاً من غير السودانيين أنّ قيادة الجيش تنتمي إلى الحركة الإسلامية، وهي مقولة رددها قائد الدعم السريع، فما هو تعليقك؟

فكرة أنّ قيادة الجيش تتبع الحركة الإسلامية غير صحيحة؛ الجيش هو النواة التي خرجت منها القومية السودانية، وهو أقدم من الحركة الإسلامية. لفهم ذلك علينا إدراك طبيعة هذا الجيش والأصول الفكرية التي قام عليها. تأسست القوات المسلحة كتطوير لقوة دفاع السودان التي كانت جزءاً من الجيش المصري، إبان حقبة الحكم الثنائي البريطاني المصري على السودان. وبدأت البدايات المبكرة للوطنية السودانية من خلال تحالف بعض المثقفين وبعض الضباط والجنود، لهذا للجيش هوية قومية سودانية، حيث التلاحم والتشكل من بين أفراد من كل مكان في السودان، وبالذات من مكونات في جنوب كردفان حيث قبائل النوبة وشمالها من الجعليين.

لكن تلك النواة القومية لم تترسخ وتتوسع لظروف السودان، ولم تتحول إلى قومية منسجمة واحدة، بحكم طبيعة السودان المتنوعة والمتعددة، وطبيعة النظام الاقتصادي، وطبيعة الحياة التقليدية والهويات التقليدية، التي تغلب على السودانيين بحكم النمط الزراعي الاقتصادي.

وبالتالي مع مرحلة ما بعد الاستقلال استمر الجيش في حمل تلك النواة في داخله، وأصبح الصراع حول الهوية يصل إلى الجيش من النخب السياسية، لمحاولة الاستئثار به. ومثال ذلك محاولة اليسار عام 1969 تعبئة الجيش بالأيديولوجيا اليسارية، ثم جاءت محاولة اليمين التي نجحت عام 1989، عبر الالتحام مع الهوية الوطنية للجيش السوداني، دون فرض شكل من أشكال الأيديولوجية المذهبية، التي تخلق تكوينات عسكرية متطرفة أو أصولية، وكان لذلك علاقة بطبيعة الأيديولوجيا التي كانت يحاربها الجيش من قبل انقلاب الإسلاميين.

ما هي تلك الأيديولوجيا التي حاربها الجيش منذ الاستقلال؟

عُرفت الأيديولوجيا التي حاربها الجيش منذ ما بعد الاستقلال بمسمى السودان الجديد، التي تتسم بالعلمانية والأفريكانية، وحظيت بالدعم الغربي والصهيوني. أدت تلك الأيديولوجيا إلى ضرورة تعبئة الإنسان السوداني في المجهود الشعبي الداعم للجيش، الذي اختلط فيه الجانبان الجهادي والوطني مع الجانب العسكري، لكن تظل عقيدة الجيش هي الوطنية السودانية.

نتيجة لذلك صار البعد الإسلامي جزءاً من الوطنية، ما يقودنا إلى نتيجة أنّ قيادة الجيش لا تتبع أي تنظيم إسلامي. لكن أزهى عهد تطور فيه الجيش كان في عهد الإنقاذ، ما جعل من الصعب الفصل بين الاتصال والوجدان، والطريقة التي كانت تساند في ذلك الوقت، وبين الجيش.

ما سبق وصف للفترة التأسيسية للجيش الحالي في عهد الإنقاذ، وبالتالي دائماً إساءة الفهم لقيادة الجيش ناتجة من إساءة فهم الطبيعة التاريخية للجيش، والصراعات الفكرية بين القوى المدنية حوله.

في ظل ما سبق، ما هو سبب القتال بين الجيش والدعم السريع؟

يعتبر تمرد قيادة الدعم السريع على الجيش من نتاج حالة التمرد المتعددة التي اعترت الدولة السودانية والمؤسسة العسكرية. حوّل النظام السابق ميليشيا قبائلية بسند خارجي إلى مؤسسة شبه عسكرية، توسعت أدوارها بدعم من السند الخارجي وما أسسته من علاقات الاقتصاد السياسي والسيطرة على موارد الذهب في غرب السودان والارتزاق وغير ذلك، ما دفع  الدولة لوضع قانون الدعم السريع كمحاولة إصلاحية.

لكن طموح حميدتي الكبير، والهشاشة في السودان بعد الثورة أعطت له فرصة؛ قد يحكم من خلالها السودان بهذه الطريقة الميليشياوية. وبرأيي أنّ حميدتي أخطأ بالتمرد، ولا بد من حسم تمرده، وقمع هذه المحاولة المتمردة تماماً، ثم بعد ذلك هناك فرصة لاسترداد ومعالجة هذه الأخطاء بشكل جذري، ثم دمج هذه القوة بعد حسم التمرد وفق القواعد العسكرية.

يلي ذلك قطع الطريق أمام الظروف الاجتماعية التي شكلت مثل هذه الأمور، وتعزيز التحالف الراسخ بين الجيش والمجتمعات الأهلية في كل السودان، خصوصاً في دارفور، كبداية لنمضي في مسار وطني له رؤية لمعالجة كل مواطن الخلل، التي كانت سبباً في سلسلة طويلة من التمرد المسلح.

أي مقاربة يقدمها الإسلاميون للسودان بعد تجربة حكم الإنقاذ؟

لا يبحث الإسلاميون عن دور في المرحلة الانتقالية، ونريد انتقالاً سياسياً وفق خريطة طريق موضوعية ومعقولة، وذلك يستلزم حكومة انتقالية غير حزبية وبرنامج انتقالي مخفف، ودستور انتقالي وفق الإجراءات الدستورية المعهودة. مثل ذلك المسار هو مقدمة سياسية نحو وفاق سياسي واسع.

ولا يهتم الإسلاميون بأنّ يكونوا جزءاً من المشهد السياسي الحالي، وتشغلهم التحديات التي تواجه انتقال البلاد إلى انتخابات تنهي فترة الانتقال. وهم خلال هذه المرحلة حريصون على ألا تتفكك مؤسسات الدولة بدوافع غير وطنية. فضلاً عن ذلك أكثر شيء يستفز الإسلاميين هو الحديث عن مرحلة انتقالية طويلة، واسعة المهام تشمل عقد مؤتمر دستوري دون مشاركتهم، وحسم ملفات حول هوية الدولة وعلمانيتها وغير ذلك من القضايا الكبرى التي تطرحها الحرية والتغيير وقوى أخرى.

والحقيقة أنّ هذه القضايا ليست من مهام المرحلة الانتقالية، ولو التزمت القوى السياسية بالطبيعة الإجرائية والموضوعية لموضوع الانتقال السياسي، سيدعم الإسلاميون ذلك.

هذه الرؤية تتطلب مراجعات ونقد لتجربة عهد الإنقاذ، فما هي أبرز القضايا التي تحتاج إلى مراجعة؟

تواجه الحركة الإسلامية والإسلاميون تحدياً فكرياً، يتطلب ذلك مراجعات ليست وفق النقد الأخلاقي والعاطفي، بل على أسس فكرية تأخذ بالاعتبار طبيعة الدولة السودانية والصراع الاجتماعي والسياسي حول السودان. ولا بد من فهم ما يحتاجه السودان ليصبح دولة ناهضة وطنية حقيقية، وبالتالي على التيار الإسلامي القيام بمراجعات، وينتبه كي لا يصبح ما بعد إسلاميين؛ بمعنى أن يتحول إلى حركة ديمقراطية ليبرالية متصالحة مع العولمة والنظام الاقتصادي العالمي تماماً.

ومن بين تلك المراجعات مشكلة السياسات الاقتصادية التي تبنوها من قبل، ومشكلة الربط بين الأطروحة الثقافية والأيديولوجية والبناء الاقتصادي والاجتماعي للسودان. ولو تمت تلك المراجعات ستكون بمثابة ثورة وطنية لهذا التيار، واستجابة للتحديات التي تواجهه منذ سقوط نظام الإنقاذ، بما يحمل الخير للبلاد.

شاركت في ثورة ديسمبر، وتعرضت للإصابة خلال إحدى المظاهرات، حدثنا عن تجربتك كأحد شباب الحركة الإسلامية المعارض لنظام الإنقاذ.

أنا نموذج أو مثال لجيل من الشباب الذين كانوا في أثناء فترة الجامعة من المعارضين للإنقاذ، وكنت إسلامياً معارضاً حتى السقوط، ولم أكن في يوم جزءاً من نظام الإنقاذ. وبالتالي حين قامت الثورة لم أكن من الجيل الذي بدأ السياسة معها، نحن جيل بدأ السياسية منذ العام 2007 - 2008، والذي تفتح وعيه على السياسة مع الربيع العربي، وكان لدينا مخزون ثقافي من خلال تلك التجربة العربية، وكنا مشحونين تجاه التغيير الديمقراطي السلمي، لكن ثمة فخاخ كبيرة داخل الأمر هذا.

كانت ثورة ديسمبر لحظة اليقظة تجاه ما يحصل في السودان والإقليم، وهذه المواقف تعتبر امتداداً لتطور وعي سياسي معين، مررت من خلاله بثورة ديسمبر، ثم تحرر نفسي ووجداني منها.

مواضيع ذات صلة:

لماذا يسعى الاتحاد التونسي للشغل لفتح قنوات حوار مع الحكومة؟

إيقاف الغنوشي.. للإخوان تاريخ طويل من التحريض على أمن الدولة في تونس

انحاز للفئات التونسية الفقيرة... ما تداعيات رفض سعيد لشروط النقد الدولي؟




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية