المعارض السوري هيثم المالح يتجاهل مصير رزان زيتونة ويتذكر ملابسها

المعارض السوري هيثم المالح يتجاهل مصير رزان زيتونة ويتذكر ملابسها


29/06/2021

رغم السنوات العشر المأساوية التي شهدتها سوريا، والثمن الباهظ الذي دفعه الشعب السوري، من قتل ودمار وتهجير، استطاع سوريون كثيرون من المنخرطين في النضال الثوري السلمي والعمل المدني، خارج تلك التكتلات السياسية، تطوير خطابهم السياسي والفكري، والتطرق والخوض في جميع القضايا المجتمعية التي لا يمكن فصلها على النضال السياسي ضدّ النظام القمعي والاستبدادي في البلاد.

اقرأ أيضاً: منظمة حقوقية تكشف عن انتهاكات مرعبة لحقوق الإنسان في تركيا

في غضون ذلك، تأسس "الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية"، بتاريخ 11 تشرين الثاني (نوفمبر) 2012، والذي ضمّ في بداية تأسيسه أبرز المجموعات والتكتلات السياسية المعارضة: "المجلس الوطني السوري، والهيئة العامة للثورة السورية، ولجان التنسيق المحلية، والمجلس الثوري لعشائر سوريا، ورابطة العلماء السوريين، واتحادات الكتاب، والمنتدى السوري للأعمال، وتيار مواطنة، وهيئة أمناء الثورة، وتحالف معاً، والكتلة الوطنية الديمقراطية السورية، والمكوّن التركماني، والمكوّن السرياني الآشوري، والمجلس الوطني الكردي، والمنبر الديمقراطي، والمجالس المحلية لكافة المحافظات، إضافة إلى بعض الشخصيات الوطنية وممثل عن المنشقين السياسيين".

خليط يحتاج لمراجعات ونقد

 هذا الخليط في "خطابه السياسي" يحتاج إلى مراجعات ونقد بالتأكيد، إذ لم يلتفت بشكل جدّي إلى تأسيس خطاب تقدمي وتحرري جامع،  فيما يخصّ القضايا الاجتماعية والمدنية في سوريا. هذا عدا هيمنة شخصيات وتكتلات سياسية ذات ميول إسلامية رجعية، تقاطعت مع تبعيتها المطلقة لتركيا.

المحامي والحقوقي السوري، هيثم المالح، الملقب بـ "شيخ الحقوقيين"

ومع ذلك لم نشهد اشتغالاً (أو انشغالاً)، لكيان سياسي، كـالائتلاف مثلاً، على برامج اجتماعية وحقوقية تعنى بتطوير حساسية نحو أدوار لعبتها نساء مناضلات في أوج الكفاح الثوري والمدني ضدّ نظام الأسد، أو حتى على مستوى الخطابات الفردية لشخصيات معارضة "لها تاريخها النضالي ضدّ نظام الأسد". 

لم يُعطِ هذه الكيان السياسي الاهتمام اللازم لتغييب أبرز محامية وناشطة حقوقية في سوريا، مثل رزان زيتونة، والتي اختطفت هي وزوجها وائل حمادة، وسميرة الخليل وناظم حمادة، وجميعهم ناشطون حقوقيون يعملون في مركز توثيق الانتهاكات في دوما؛ إذ داهمت مجموعة من المسلحين الملثمين، بتاريخ 9 كانون الأول (ديسمبر) 2013، مكتبهم، وما يزال مصيرهم مجهولاً حتى هذه اللحظة، كما تشير أصابع الاتهام باختطافهم إلى "جيش الإسلام" الذي كانت مدينة دوما تقع تحت سيطرته في ذلك الوقت. 

"شيخ الحقوقيين"

لذلك عندما ظهر مؤخراً المحامي والحقوقي السوري، هيثم المالح، الملقب بـ "شيخ الحقوقيين"، في مقابلة على قناة سوريا ضمن برنامج "الذاكرة السورية"، لم يكن أحد ينتظر منه، بالتأكيد، خطاباً تحررياً يعكس متابعته لتحولات وتطورات الخطاب "الحقوقي"، لأنّ المالح "شيخ الحقوقيين" معروف بشخصيته ذات الميول الإسلامية المحافظة.

اقرأ أيضاً: الحوثيون على قائمة منتهكي حقوق الإنسان... ماذا سيترتب على ذلك؟

لكن بمجرد سؤال مقدّم ومحاور البرنامج، شعبان عبّود، للمالح، الذي شغل سابقاً منصب رئيس الدائرة القانونية في الائتلاف الوطني لقوى المعارضة السورية، عن رأيه بالمحامية والحقوقية المغيبة رزان زيتونة، كون الأخيرة عملت في بداية مشوارها بالمحاماة كمتدربة مع المالح في مكتب جمعية حقوق الإنسان بدمشق، وعن رأيه قضية تغييبها ومصيرها المجهول، بدأ المالح بسرد قصته مع رزان بخطاب استعلائي وفوقي، بدءاً من الإشارة إلى أنّ أقارب لرزان "ترجّوا" المالح قبولها كمتدربة عنده، وهو في المقابل وافق على قبولها رغم أنّها امرأة "متحررة أكثر مما ينبغي"، وهو من عائلة محافظة ومتدينة، بحسب قوله.

ثياب رزان "غير المحتشمة"

 المالح أشار أيضاً، في أكثر من موضع في النقاش، إلى ارتداء رزان ثياباً غير محتشمة، ليبرر بعدها سبب اختطافها من مدينة دوما بريف دمشق، عام 2013، لأنّها لم تراعِ بيئة "السكان الأصليين" في المنطقة، وكأنّ المالح يحمّل رزان زيتونة مسؤولية خطفها، واختصر نضالها الحقوقي والإنساني، بموضوع "ثيابها غير المحتشمة".

ورغم أنّ المالح كرّر أكثر من مرة أنّه يعدّ رزان "ابنته"، إلا أنّه لم يراعِ في طريقة كلامه عنها أنّه يتحدث عن شخصية مغيَّبة، لا أحد يعلم شيئاً عن مصيرها. أسلوب المالح ولغة جسده، لا توحي بأنّ لديه أيّ شعور بالتعاطف أو إحساس بمسؤولية ما نحو مصير رزان.

الصحفية السورية رجا سَليم

في تعليقها لـ "حفريات"، عما أعلنه المالح، قالت الصحفية السورية رجا سَليم: "لم يفاجئني هيثم المالح إطلاقاً؛ فقد تحدّث بألسنة عدة سلطات مسؤولة مباشرة عن قمع النساء في سوريا، أوّلها النظام البطريركي (الأبوي)، فرزان زيتونة في ذهنية المالح هي بنت ذكية وصغيرة، متدربة في مكتبه الذي يملكه ويديره ويستضيف به جمعية حقوق الإنسان، لم يشر لها ولو لمرة واحدة خلال حديثه بأنّها حقوقية، وأستاذة، ومناضلة، ومستقلة، حتى عندما تركت رزان العمل في مكتبه واتجهت لتؤسّس عملاً مستقلاً مع شركاء آخرين، رأى المالح أنّ "أحدهم وسوس في رأسها"، تابعت: "هذه العقلية ليست غريبة علينا كسوريات فنحن نتعامل معها يومياً".

خطأ مَن؟

وأضافت: "السلطة الثانية التي يمثلها المالح هي السلطة الدينية، فأن تُعتقل حقوقية ومدافعة عن حقوق الإنسان بسبب "مظهرها وطريقة لباسها وعدم مراعاتها للبيئة المحيطة بها"، بالنسبة إلى المالح هو خطؤها، وليس خطأ المتشددين المؤتمنين على سكاكين الدين المسنونة على رقاب النساء، فإن كانت رزان، أو غيرها من النساء، مطالبات بـ "مراعاة المجتمع"، ماذا عن جيش الإسلام وأمثاله، أليس الأجدر بهم مراعاة حرمة الحياة، وحقوق الإنسان، والحريات الشخصية؟".

الصحفية السورية رجا سَليم: لم يفاجئني هيثم المالح إطلاقاً؛ فقد تحدّث بألسنة عدة سلطات مسؤولة مباشرة عن قمع النساء في سوريا

وتتابع سليم: "السلطة الثالثة التي ضرب بسيفها الأستاذ المالح هي سلطة القوة والامتيازات؛ فقد تحدّث جهاراً بمنطق الوساطة والنفوذ والرجولة، فهو الآمر الناهي في مكان العمل، لأنّه "المالك"، وهو من قال "أنا فارس لا يشق لي غبار"، هذه المنظومة ذاتها التي ثار عليها الشباب السوري عام 2011".

وترى الصحفية السورية أنّ القدسية التي يتعامل بها البعض مع الجيل الأكبر من السياسيين هي أحد أسباب التجاوزات التي يرتكبها بعضهم كهيثم المالح.

تقول: "لا المالح ولا غيره فوق النقد، تاريخهم النضالي لن يشفع لهم ويبرر المغالطات والإساءات الصادرة عنهم".

نسي المعتقلة وتعلق بثيابها!

وأعربت سليم عن أسفها واستغرابها من أنّ أستاذ القانون والمدافع عن حقوق الإنسان لا يجيد استخدام لغة لائقة تناسب موضوع النقاش".

كما تشير إلى أنّ المالح "لم يأتِ في معرض حديثه عن قضية رزان على ذكر باقي المختطفين معها؛ سميرة الخليل، وائل حمادة، ناظم حمادي، مع العلم أنّ قضيتهم واحدة، وتعني كلّ مطالب\ة بالحرية، ومدافع\ة عن حقوق الإنسان".

المخرج السوري دلير يوسف لـ"حفريات": تمثّل رزان زيتونة كلّ ما يعنينا في ثورة مدنيّة علمانيّة تطالب بالحريّة والعدالة والعيش الكريم، فهي حقوقيّة تدافع عن حقوق الناس

وتختم بقولها: "أخيراً، لو استمع السوريون والسوريات لنصيحة هيثم المالح القائلة: "إذا كنت في قوم فاحلب في إنائهم" لم يكونوا ليثوروا على نظام الأسد".

أما الكاتب والمخرج السينمائي، دلير يوسف، فقال لـ "حفريات": "تمثّل رزان زيتونة كلّ ما يعنينا في ثورة مدنيّة علمانيّة تطالب بالحريّة والعدالة والعيش الكريم، فهي حقوقيّة تدافع عن حقوق الناس، بغضّ النظر عن انتماءاتهم وتوجهاتهم، تطلب العدالة للجميع، ولا تخاف من التهديدات التي تتلقاها، ناشطة من ذلك النوع الذي ينخرط مع الناس في نضالهم؛ النوع الذي لا يخاف في الحق لومة لائم".

الكاتب والمخرج السينمائي، دلير يوسف

وأضاف: "لم أعرفها جيداً، ولم أعمل معها بشكل مباشر، لكنّني أعرف، عن طريق أصدقاء كثر (أصدّقهم أكثر من تصديقي لهيثم المالح) عملوا معها، أنّها لا تتوقف عن العمل، تصِل ليلها بالنهار، تقابل الناس، توثّق، تدافع، تكتب، تصرّح لوسائل الإعلام، تخطّط، تعمل في حملات مدنيّة محليّة، تفعل كلّ يمكن فعله من أجل مجتمعها المحيط به".

رزان وجه الثورة

ويرى يوسف؛ أنّ رزان زيتونة، ربما كانت هي الوجه الذي كنّا نريده لثورتنا، فحصلنا عليه، لكن أعداء هذه الثورة، من ظلاميين وأشخاص لا يؤمنون لا بحريّة ولا بعدالة ولا بكرامة، اختطفوها وغيّبوها خوفاً منها، وخوفاً من نضالها، فهي تمثّل كلّ شيء معاكس لهم، فهم دكتاتوريون، جغرافيّة سلطاتهم صغيرة، لكنّهم ديكتاتوريون في مناطق سيطرتهم، ويخافون من أشخاص ديمقراطيين مثل رزان".

ويردف: "المالح، ديكتاتور صغير، تهمّه السلطة، وكم من مرة نصّب نفسه أو استأثر بمناصب أو قدّم نفسه لمناصب مختلفة ليحصل على سلطة ما، وهو ذكوري، متعالٍ، قضيته هي مركز الكون، وما يؤمن به هو الصحيح، ولا يهمه ما يؤمن به الآخرون".

ويشدد المخرج السوري على أنّ "المالح في الثورة، يمثّل كلّ ما لا تريده ثورةٌ مدنيّة علمانيّة، بأفعاله وأقواله والتيار الذي يمثلّه، ليقل المالح ما يشاء عن رزان، فكلنا نعرّف ما الذي تمثّله رزان زيتونة، وما الذي يمثّله هيثم المالح، وشتّان بين والثرى والثريا".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية