المصاهرة السياسية... بهذه الطريقة تدار الجمهورية الإيرانية

المصاهرة السياسية... بهذه الطريقة تدار الجمهورية الإيرانية


05/05/2022

فتحت حادثة تسوّق عائلة رئيس مجلس الشورى الإسلامي (البرلمان) الإيراني محمد باقر قاليباف في إسطنبول مؤخراً، باب النقاش حول تأثير المصاهرة الاجتماعية والسياسية في نظام الملالي، وعدم التزام المسؤولين المقرّبين من المرشد الأعلى بالقوانين والتعليمات، واستغلال النفوذ، بالإضافة إلى عدم اكتراثهم للأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعيشها الشعب الإيراني.

ووجدت دراسة لمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية في الحادثة، التي لم تكن الأولى من نوعها، وقد يكون الكشف عنها مرتبطاً بتصفية حسابات سياسية بين قاليباف وخصومه من تيار المحافظين الأصوليين، وجدت فرصة للحديث عن قضية مهمّة ترتبط بالتوازنات الاجتماعية والسياسية التي يعتمد عليها نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية.

وأوضحت الدراسة التي أعدها الباحث محمد عباس ناجي، أنّ تأثير العائلة الإيرانية يرتبط بـ"ظاهرة المصاهرات الاجتماعية والسياسية، التي تحولت إلى سمة رئيسية في التفاعلات التي تجري على الساحة الداخلية،  وتكاد تشكّل متغيراً رئيسياً له دور في تحديد توازنات القوى السياسية داخل النظام الإيراني. ورغم أنّ ذلك قد لا يعبّر عن سمة جديدة برزت في إيران، حيث يعود، في قسم منه، إلى متغيرات مجتمعية عديدة، منها الدور البارز للأرستقراطية الدينية على مدار التاريخ الإيراني، وتزايد تأثير العائلات الكبيرة على اتجاهات تلك التفاعلات، إلا أنّه بدا بارزاً على نحو غير مسبوق في العقود الأخيرة".

عائلة المرشد الأعلى للجمهورية علي خامنئي تمثل نموذجاً من ضمن نماذج عديدة في هذا السياق

ويشير الباحث إلى أنّ عائلة المرشد الأعلى للجمهورية علي خامنئي تمثل نموذجاً من ضمن نماذج عديدة في هذا السياق، فالتمعن في دراسة وتتبع خريطة المصاهرات السياسية والاجتماعية في النظام يكشف، وفق الباحث، أنّ كثيراً من المسؤولين يرتبطون بعلاقات مباشرة، أو غير مباشرة، بعائلة، أو بمعنى أدق ببيت المرشد. وباتت هذه الظاهرة تشبه الدوائر المتصلة، فلا تكاد تنتهي من دائرة حتى تكتشف أنّها تتصل بدوائر أخرى.

ويستعرض الباحث في دراسته بعض هذه المصاهرات الاجتماعية والسياسية في بيت خامنئي، وأبرزها زواج ابنه الأول مصطفى من ابنة رجل الدين البارز آية الله خوشوقت، وزواج ابنه الثاني مجتبى من ابنة رئيس مجلس الشورى السابق القيادي البارز في تيار المحافظين الأصوليين غلام علي حداد عادل، في حين يرتبط ابنه الثالث مسعود بعلاقة مصاهرة مع عائلة خرازي، وهي عائلة نافذة في الخارجية الإيرانية، حيث تولى كمال خرازي وزارة الخارجية في عهد الرئيس السابق محمد خاتمي، ويتولى حالياً منصب مستشار المرشد، وهو عم زوجة مسعود، شقيقة الدبلوماسي السابق أمين عام حزب "نداي إيرانيان" (صوت الإيرانيين) صادق خرازي، وهو ابن المرجع الشيعي عضو مجلس الخبراء السابق محسن خرازي، ويرتبط صادق خرازي بعلاقة مصاهرة مع عائلة خاتمي، فابنه متزوج من ابنة محمد رضا خاتمي شقيق الرئيس السابق محمد خاتمي. واللافت أنّ عائلة خاتمي بدورها ترتبط بمصاهرات اجتماعية ودينية بارزة، فرضا خاتمي متزوج من زهرة إشراقي حفيدة مؤسس الجمهورية الخميني، في حين تزوج الرئيس السابق خاتمي من زهرة صادقي ابنة شقيقة الإمام موسى الصدر.

 

تأثير العائلة الإيرانية يرتبط بظاهرة المصاهرات الاجتماعية والسياسية، التي تحولت إلى سمة رئيسية في التفاعلات التي تجري على الساحة الداخلية

 

ويتابع الباحث: تزوج ميثم، الابن الرابع لخامنئي، من ابنة محمود لولاچیان أحد أبرز تجار البازار المرتبطين بعلاقات قوية مع نخبة رجال الدين في طهران. أمّا ابنتا خامنئي، فقد تزوجت الكبرى "بشرى" من ابن آية الله محمدي گلپایگاني الذي يشغل منصب مدير مكتب المرشد، وهو منصب رفيع داخل مؤسسات النظام الإيراني، في حين تزوجت الصغرى "هدى" من مصباح الهدى باقري كني، وهو شقيق علي باقري كني مساعد وزير الخارجية الحالي رئيس وفد التفاوض الإيراني في مفاوضات فيينا، والاثنان ابنا محمد باقر باقري كني العضو السابق في مجلس الخبراء والمشرف على جامعة الإمام الصادق، وعمّهما هو آية الله محمد مهدوي كني رجل الدين البارز رئيس مجلس الخبراء السابق والأمين العام السابق لـ"جامعة روحانيت مبارز" (جمعية رجال الدين المناضلين) وهي الحزب الأبرز للجناح التقليدي من تيار المحافظين.

وتبين الدراسة أنّ التمعّن في علاقات المصاهرة لدى عائلة خامنئي يوحي بأنّ المسألة ربما تكون أكثر اتساعاً وعمقاً من ذلك، لا سيّما عند النظر إلى نسب زوجته منصورة خجسته باقر زاده؛ إذ تولى شقيقها حسن خجسته باقر زاده منصب نائب مدير إذاعة الجمهورية الإسلامية، ويقوم بالتدريس في جامعة الإذاعة والتلفزيون "دانشگاه صدا وسیما"، في حين تولى ابنه كميل رئاسة معهد تبيان، أحد المؤسسات الإعلامية التابعة للمرشد، أمّا الابن الثاني محمد، فيتولى إدارة الموقع الإلكتروني للمرشد، وفق ما نقل راديو فردا.

حسن خجسته باقر زاده

وقد كان لافتاً أنّ أزمة نشبت وألقت الضوء على موقع حسن خجسته وعلاقته بعائلة المرشد، وذلك بعد التصريحات التي أدلى بها رئيس الجمهورية السابق محمود أحمدي نجاد لموقع "بهار"، في 20 حزيران (يونيو) 2021، واتهم فيها حسن خجسته بمحاولة السفر إلى إسرائيل، في إطار ردّه على وصف خجسته لقراره بمقاطعة الانتخابات الرئاسية الأخيرة بـ"الحرام"، حيث قال أحمدي نجاد: إنّ "حسن خجسته نسي على ما يبدو أنّه وعائلته كانوا ضيوفاً على شركة إسرائيلية في الهند لمدة أسبوعين، وكان من المقرر أن يذهبوا إلى تل أبيب عبر تركيا في رحلته القادمة"، مضيفاً: "بعد أن علمت بهذه الحادثة كرئيس، أمرنا بمنع السفر إلى إسرائيل وإنقاذه من هذه الفضيحة، تمّت إقالته من منصبه في الإذاعة، لكن بسبب المصالح لم يتم التطرق إلى قضايا، وفق ما أورده "إنصاف نيوز".

ولفتت الدراسة إلى الدلالات التي تطرح اتساع نطاق تأثير العائلات داخل إيران، وأبرزها: الاهتمام بدور البروباغندا؛ حيث يسعى النظام دائماً إلى تعزيز سيطرته على الآلة الإعلامية الرسمية التي تقوم بالترويج للخطاب الإيديولوجي والسياسي. وقد كان لافتاً أنّ عدداً غير قليل من أقرباء المرشد السابق ذكرهم يتولون مناصب رئيسية في بعض المؤسسات الإعلامية والدعائية على غرار حسن خجسته. وإلى جانب ذلك، فقد تم تعيين فرشاد مهدي ‌پور، وهو صهر حسن خجسته شقيق زوجة خامنئي، في منصب نائب وزير الثقافة لشؤون الصحافة والإعلام، في 4 تشرين الأول (أكتوبر) 2021، وسبق أن عمل في وكالة أنباء فارس وصحيفة "جم جام"، وهو مؤسس صحيفة "صبح نو"، وفق ما نقلت "إندبندت فارسي".

 

الكثير من المسؤولين يرتبطون بعلاقات مباشرة، أو غير مباشرة، بعائلة المرشد الأعلى علي خامنئي

 

لكنّ نفوذ خامنئي على الآلة الإعلامية لا ينحصر، وفق الدراسة، في تعيين أقرباء له داخل تلك المؤسسات أو على رأسها، وإنّما يمتد أيضاً إلى امتلاكه صلاحيات تعيين رئيس الإذاعة والتلفزيون وبعض رؤساء تحرير الصحف، على غرار حسين شريعتمداري رئيس تحرير صحيفة "كيهان"، الذي تعدّه اتجاهات عديدة بمثابة متحدث باسم المرشد. وقد سبق أن أثار أزمات عديدة، داخلية وخارجية، آخرها عندما دعا، في افتتاحية الصحيفة في 16 نيسان (أبريل) الماضي بعنوان (فلنبدأ العقوبات بكوريا الجنوبية)، السلطات إلى إغلاق مضيق هرمز في وجه السفن الكورية الجنوبية بسبب امتناعها عن الإفراج عن الأموال الإيرانية المجمدة لديها على خلفية العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران، على نحو دفع وزارة الخارجية في سيول إلى استدعاء السفير الإيراني لتقديم احتجاج بسبب ذلك.

ولا يقتصر الأمر على ما سبق، فالمراقب لدوائر صنع القرار في إيران يكتشف أنّها تعاني، وفق الدراسة، من غياب تدوير القيادات؛ فالنظام يعتمد على مجموعة محدودة من المسؤولين الرئيسيين، على غرار الرئيس إبراهيم رئيسي الذي كان يتولى - قبل توليه منصبه الحالي- رئاسة السلطة القضائية والإشراف على العتبة الرضوية في مشهد.

وقد أشار رضا حقیقت‌ نژاد في مقال على موقع "راديو فردا" بعنوان (15 رجلاً في حكومة خامنئي السرّية) إلى أنّ هناك (15) شخصية في مكتب المرشد علي خامنئي تمارس أدواراً بارزة في عملية صنع القرار، ولها نفوذ واضح على المستويات المختلفة السياسية والاقتصادية والإعلامية والاجتماعية، على غرار مدير مكتب المرشد آية الله محمدي گلپایگاني الذي يرتبط بعلاقة مصاهرة مع خامنئي، وعلي أصغر حجازي المسؤول الأمني البارز في مكتب المرشد ويتولى الإشراف على الفرقة الخاصة بحماية الأخير، ووحيد حقانيان نائب مكتب الشؤون الخاصة، إضافة إلى مجتبى خامنئي الابن الثاني للمرشد.

من دلالات اتساع نطاق تأثير العائلات داخل إيران، وفق الدراسة، ازدواجية المناصب القيادية، وهي ظاهرة ترسخت داخل النظام، إلى حد أنّ بعض الشخصيات الرئيسية في النظام تتولى أكثر من منصب حساس في وقت واحد، بالإضافة إلى تعزيز فرص مجتبى في خلافة خامنئي، حيث تثار دائماً تساؤلات حول فرص وصول مجتبى خامنئي إلى المنصب الأهم في إيران الذي يتولاه والده في الوقت الحالي. إلّا أنّ ثمة إشكاليات عديدة يمكن أن تواجهه في هذا السياق، أهمها، بحسب الباحث، ضعف مؤهلاته الدينية، إلى جانب افتقاده للخبرة السياسية. ولمواجهة هذه الإشكاليات، ربما يكون خامنئي قد عمل على تعزيز فرص ابنه من خلال تأسيس شبكة قوية من المصاهرات الاجتماعية مع عائلات نافذة في الدولة، فضلاً عن تعزيز حضوره في المكتب الخاص به، حيث يشارك مجتبى في إدارة بعض الملفات، إلى جانب تأسيس علاقات قوية بينه وبين المؤسسات النافذة في النظام على غرار الحرس الثوري والاستخبارات.

 

يطرح اتساع نطاق تأثير العائلات داخل إيران دلالات عديدة يتمثل أبرزها في: سيطرة النظام على الإعلام، وغياب تدوير السلطة، وازدواجية المناصب القيادية

 

وتشير الدراسة إلى أنّ اسم مجتبى ارتبط بصراعات مع عائلة أخرى نافذة في الدولة، مثل عائلة لاريجاني، التي تضم (5) أشقاء هم علي وصادق وباقر ومحمد جواد وفاضل. إذ تم إبعاد علي لاريجاني رئيس مجلس الشورى السابق من الترشح في الانتخابات الرئاسية التي أجريت في حزيران (يونيو) 2021، وأسفرت عن فوز إبراهيم رئيسي بالمنصب، بعد أن رفض مجلس صيانة الدستور ملفه للترشيح دون توضيح أسباب ذلك، وإن كانت تقارير عديدة أشارت إلى أنّ السبب المعلن يتمثل في أنّ ابنته فاطمة تعيش في الولايات المتحدة الأمريكية بجواز سفر أجنبي.

وأكد الباحث في ختام دراسته على أنّ نفوذ العائلة يبقى سمة مميزة للتفاعلات التي تجري في إيران على المستويات المختلفة، وربما يكون لها تأثير كبير في تحديد وجهة هذا النظام مستقبلاً، خاصة بعد غياب المرشد الأعلى للجمهورية عن المشهد، حيث سيكون لمتغيرات عديدة، مثل دور الحرس الثوري، والمصاهرات الاجتماعية، دور مهم في تحديد من سيتولى قيادة النظام في مرحلة ما بعد خامنئي.

مواضيع ذات صلة:

بين عجز إبراهيم رئيسي ومحاباة خامنئي.. الاقتصاد الإيراني إلى أين؟

هل تصطدم مفاوضات فيينا بإستراتيجية خامنئي للحصول على النووي؟

أصفهان عطشى.. والإيرانيون يهتفون ضد خامنئي: مياهنا رهينة



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية