أكد اللواء صالح رجب المسماري، وزير الداخلية الليبي السابق، أنّ الدور التركي المشبوه في ليبيا قد انكشف أخيراً، وأنّ رئيس الحكومة الليبية عبد الحميد الدبيبة يدرك جيداً أهمية الدور المصري، ضمن معادلة التسوية في ليبيا.
ولفت رئيس المجلس الأعلى لقبائل الأشراف والمرابطين، في لقائه مع "حفريات"، إلى أنّ ملف المرتزقة والميليشيات المسلحة من أخطر الملفات التي تواجه رئيس الحكومة الجديد، الذي يحاول نزع اللغم التركي، عبر تفعيل المصالحة، وفرض سيادة الدولة.
تركيا تدرك قوّة وصلابة الموقف المصري، وأنّ اتفاقيات الأتراك مع السراج لا تساوي الحبر الذي كُتبت به
هنا نص الحوار:
بين التسوية ومخاوف الاستقطاب
في محاولة للخروج من الأزمة الليبية، جاءت خطوات التسوية الأخيرة، باختيار سلطة تنفيذية منتخبة، وهو الأمر الذي تبدّى مع انتخاب السيد عبد الحميد الدبيبة رئيساً للحكومة، والسيد محمد يونس المنفي رئيساً للمجلس الرئاسي؛ كيف تثمّن تلك الخطوة؟
ـ ينبغي التأكيد على أنّ هذه الخطوة التنفيذية، التي تأتي في إطار نزع فتيل الأزمة الليبية، ينبغي العمل على إتمامها، فهي بمثابة حلم ترقّبه الشعب الليبي كثيراً، بعد أعوام من القتل والدمار والخراب والتشظي، فضلاً عن جملة الأخطار والتدخلات الإقليمية والدولية، وانسياب المال الفاسد، الذي تمّ استخدامه وتوظيفه، من أجل تموضع الميليشيات والمرتزقة، التي تعمل وكيلاً مباشراً للأطماع التركية في الشرق الأوسط، فضلاً عن أنّ تلك الميليشيات ترفض قيام الدولة أصلاً؛ لأنّ أمراء الحرب يدركون يقيناً أنّ مكانهم خلف القضبان، متى قامت حكومة وحدة وطنية قوية.
ولكن ما أبرز مخاوفكم؟
ـ الشعب الليبي استبشر خيراً بتصميم الأمم المتحدة وإصرارها على قيام حوار، تمخّض، رغم أنف ذوي الأجندات، عن اختيار مجلس رئاسي متكامل، ودعوة مجلس النواب، رغم مثالبه، لاعتماد الحكومة، غير أنّه يُخشى أن تتمّ مساومة رئيس الحكومة على مواقع لوزراء، لهم انتماءات قبلية أو حزبية، وبعض النواب يقومون حالياً بمحاولات شرسة لابتزاز رئيس الحكومة، بفرض وجوه بائسة، سوف تفسد المشهد الجديد، وتعتمّ على أمل يلوح في الأفق نحو استقرار مأمول ومستقبل أفضل، بعد أعوام الدمار خلال العقد الماضي.
يتحرّك السيد عبد الحميد الدبيبة، في أرجاء ليبيا، من أجل مشاورات تشكيل الحكومة الانتقالية، ما تقديركم للصيغة المثلى لتشكيل حكومة انتقالية تتوافق مع الأوضاع الداخلية في ليبيا؟
ـ تبدو الصيغة المثلى هي تشكيل حكومة تكنوقراط وطنية، بعيداً عن المحاصصة المقيتة، والمساومات القبلية والمصلحية والمناطقية والشللية، بمعنى أن يجري تشكيل حكومة تضع في اعتبارها وبرنامجها مصالحة وطنية شاملة، لخلق أجواء من الاستقرار، وإيقاف نزيف الدم والمال والاختطاف، وقطع دابر سرقات أردوغان لخزينة الشعب الليبي، وكبح جماح ارتفاع أسعار الدواء والكساء والغذاء، الذي أفزع الليبيين، وتسبب في انتشار الفقر والمرض والسطو المسلّح. المأمول من الحكومة الوطنية إذا نجت من التدخلات أن تضع برنامجاً لإعادة تأهيل الميليشيات، وتوحيد المؤسسات، لكن قصر مدة الحكومة الجديدة، ومهامها الثقيلة، يجعل كل ذلك محل شك.
اقرأ ايضاً: هل أصبحت ليبيا ميداناً مفتوحاً لأطماع القوى الأجنبيّة؟
ثمّة مخاوف من عدم القدرة على تنفيذ الانتقال السلس للسلطة في ليبيا، إلى أيّ حد تتفق مع ذلك؟
ـ المخاوف قائمة، ولا يصحّ إنكارها وتجاهل خطرها، ولهذا لا بدّ من فحص السياقات اللازمة والضرورية، لتحقيق الانتقال السلس للسلطة نحو الحكومة المنتخبة، حتى تستطيع أن تصل إلى مشهد الانتخابات في نهاية العام الجاري، الأمر لن يتمّ بيسر، دون تخطّي جملة العراقيل الإقليمية التي تنفذ من خلال قطر وتركيا، عبر ممارسات منصة قناة الجزيرة، التي تؤدّي دوراً معرقلاً بوضوح تام، فضلاً عن سطوة الميليشيات، وعبث الاستخبارات التركية، وتحرّكات العملاء في الداخل الليبي، وممارسات خالد المشري، رأس الأفعى، غير أنّ كلّ ذلك لن يستمر، طالما ظلّ شعبنا الليبي يقظاً ومنتبهاً، ولسوف يطيح بأحلام العثمانيين الجدد.
- تجربة العالم العربي مع الحزب الديمقراطي، منذ أمد طويل، كانت كارثية، وخاصّة في عهد أوباما وهيلاري كلينتون، الديمقراطيون أصدقاء الإخوان
* تفكيك الميليشيات والمصالحة
ربما لأسباب جغرافية وعرقية واجتماعية، ينبغي على الجميع في ليبيا العمل نحو إتمام المصالحة، في ضوء الراهن بكلّ تعقيداته، وانطلاقاً من مسؤولياتكم، ما رؤيتك لملف المصالحة؟
ـ أقول دوماً في مهمّاتي المستمرة، بصفتي رئيساً للمجلس الأعلى لقبائل الأشراف والمرابطين: إنّ مجلس صلح مُر، خير من قتال مستمر، وليبيا لن ترتفع لها راية إلّا إذا تصالح أهلها من مختلف التركيبات والإثنيات، والتي يحاول بعضها الانفصال، الذي يلقى تشجيعاً من بعض القوى الدولية، خاصّة في أقصي الغرب والجنوب، وتعريف الصلح المر، هو أن يتنازل البعض عمّا لحق بهم من أذى وقتل وتخريب، وأن يتناسى الجميع ما حلّ بهم من قهر واعتداء، ونبذ الثأر، والصلح يبدأ بانتزاع الأسلحة من أيدي عصابات الإجرام والميليشيات، وطرد المرتزقة، مع قبول الديّة أو العفو، أمّا استمرار الاحتراب والحقد والضغينة، فسوف يؤدّي إلى تعميق الانقسام وتنامي الحقد. تنازل أولياء الدم يخفف من وطأة الثأر، ويهدّئ النفوس، وهو الطريق الوحيد للعبور إلى حياة جديدة، تتسم بالتسامح، ويتمّ فيها الإفراج عن سجناء النظام السابق، وجبر ضرر المهجّرين والنازحين، وخلق بيئة يسودها الود، وهو ما يريده المواطن الليبي ويسعى إليه.
تبدو قضية الميليشيات والمرتزقة من أبرز التحديات التي تواجهها ليبيا، برأيكم، كيف تورّطت تركيا في ذلك؟ وما الإجراءات المطلوبة من السلطة التنفيذية لمواجهة هذا الأمر؟
ـ الإخوان استدعوا سلالة أرطغرل العثمانية لحمايتهم من دخول القوات المسلحة لتحرير العاصمة وإخراج المرتزقة منها، الإخوان باعوا الشعب الليبي للاستعمار التركي، مقابل بقائهم في السلطة، وتمترسوا وراء أطماعهم لمساندة تركيا المفلسة، بعد أن سقطت ليرتها في الحضيض.
هنا ظهر دور الأمم المتحدة، بالإضافة إلى الشعب الليبي الذي دعم القوات المسلحة العربية الليبية، الضامنة للأمن والاستقرار، والمجتمع الدولي مسؤول أخلاقياً وأمام التاريخ عن كلّ ما حدث في ليبيا من دمار وخراب، وعلى كلّ حال، هناك إشارات إيجابية تلوح، تؤكد إخراج المستعمر التركي من ليبيا، وهو ما سيحدث عاجلاً أو آجلاً، حرباً أو سلماً.
السيد عقيلة صالح، رئيس مجلس النواب، استقبل في طبرق السيد رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة، ما قراءتكم لطبيعة اللقاء؟ وما مدى تقديركم لسبل التعاون فيما بينهما؟
ـ أعتقد أنّه لا مجال أبداً للتعاون بين الدبيبة، المنوط به تشكيل حكومة انفراج، لإعداد انتخابات ديمقراطية، وتبنّي صلح، وتحقيق تنمية، وبين مجلس النواب، بكل ما شابه من مخالفات، لقد اتسعت هوة الخلاف أثناء لقائهما سريعاً جداً، ربما يريد عقيلة حقائب وزارية بعينها، لكنّ رئيس الحكومة أمامه تحدٍّ أكبر؛ يتمثل في رفع المعاناة التي تحققت بسبب أداء فائز السراج، الذي أدخل ليبيا في اتفاقات، بها تدليس وإذعان للأجنبي، وكذلك بعض أعضاء مجلس النواب لن يذكرهم التاريخ بالخير.
*العوامل الدولية والإقليمية
إدارة الحزب الديموقراطي، من خلال الرئيس جو بايدن، هل ستضغط من وجهة نظركم على أنقرة لرفع يدها عن رعاية الميليشيات والمرتزقة في ليبيا؟ وإذا ما تمّ ذلك، فهل سيكون في مقابل مكافآت إقليمية أخرى؟
ـ تجربة العالم العربي مع الحزب الديمقراطي، منذ أمد طويل، كانت كارثية، وخاصّة في عهد الرئيس السابق باراك أوباما وهيلاري كلينتون، الديمقراطيون أصدقاء الإخوان، ورعاة الخريف العربي، إذا اتبع بايدن المسار نفسه، ودعم الإخوان، فسوف نعود إلى مربع الهلاك، والحروب الطاحنة والانقسامات المخيفة، لكن في اعتقادي أنّ واشنطن استوعبت الدرس، وستقدّر مصالحها، ولن تدعم الأتراك والميليشيات، خاصّة أنّ أردوغان مهووس بالصواريخ الروسية.
- الاتحاد الأوروبي، وأمريكا ذاتها، لن يسمحا للطموح والجنون التركي بتجاوز خطوط حمراء رُسمت له سلفاً
مؤخراً، زار السيد عبد الحميد الدبيبة القاهرة، والتقى الرئيس عبد الفتاح السيسي، ودارت بينهما مشاورات، فما أفق التعاون في المستقبل؟ خاصّة في ضوء بعض التصريحات التركية، التي أكدت أنّ الحكومة الجديدة سوف تمرر الاتفاقيات، التي سبق أن وافقت عليها حكومة فائز السراج، ما رأيكم؟
ـ عبد الحميد الدبيبة يدرك أنّ مصر رقم مهم في المعادلة الدولية، عسكرياً وجغرافياً، وأنّ تركيا تدرك قوّة وصلابة الموقف المصري، وأنّ اتفاقيات الأتراك مع السراج لا تساوي الحبر الذي كُتبت به، كما أنّ الاتحاد الأوروبي، وأمريكا ذاتها، لن يسمحا للطموح والجنون التركي بتجاوز خطوط حمراء رُسمت له سلفاً، إذن، أنا أعتبر أنّ ما نقل عن الدبيبة حول اتفاقيات فائز السراج مع الحكومة التركية الباهتة، مجرّد مطلب لتهدئة الأمور، وانتزاع اللغم التركي، من طريق الدبيبة الطامح إلى بناء حكومة تتجه نحو إنقاذ الوطن.
مؤشرات واضحة للتعاون والإيجابية بين المشير خليفة حفتر، ورئيس الحكومة، هل لكم قراءة موازية لهذا الأمر حالياً، وفي المستقبل؟
ـ الدبيبة يعي أنّه بدون القوات المسلحة فإنّ الميليشيات ستقمع أحلامه، وسوف تبتزّه وتسيطر عليه في نهاية المطاف، وليس من ضامن للأمن وللحدود، ولإجراء انتخابات، غير القوّات المسلحة، وأيّ استسلام من قبله للميليشيات، أو أيّ إضعاف لدور الجيش؛ سيشكّل حتماً بداية لنهاية حكومة الدبيبة، ومن المؤكد أنّ الشعب لن يرضى بالمساس بالقوّات المسلحة؛ لأنه دفع أولاده وقوداً لحرب الكرامة على الإرهاب والمرتزقة.