منير أديب
التنظيمات الدينية المتطرفة تُدرك أن معركتها ليست محصورة في أروقة السياسة والدبلوماسية ولا تحت دخان الطلقات النارية التي تُصوبها تجاه الخصوم ولا فوق المنابر بأكبر المساجد وأضخمها، ولكن هناك معركة أخرى إعلامية ترى ضرورتها بالتوازي مع معركة الاغتيالات الجنائية التي ظهرت مع الذراع العسكرية لجماعة "الإخوان المسلمين"، ويمكن اختصارها في الاغتيال المعنوي، هذا الدور الذي تقوم به اللجان الإلكترونية للجماعة كإحدى أهم مهماتها في التعامل مع معارضيها.
اللجان الإلكترونية لـ"الإخوان المسلمين" تابعة لقسم الرصد والمتابعة، وهو تابع بطبيعة الحال إلى اللجنة الإعلامية التي تُدار من العاصمة البريطانية لندن ويقوم بمسؤوليتها "الإخواني" عادل الأنصاري، الذي تقع على مسؤوليته إدارة قناة "وطن" وملف الإعلام في التنظيم الدولي للجماعة.
تتكون اللجان الإلكترونية، التي تمثل سلاح التنظيم في مواجهة الدولة، من مئة شاب ويزيد، تراوح أعمارهم ما بين الــ 20 و الــ 25 ربيعاً، يُشرف عليهم محمود الأبياري، ذراع الأمين العام للتنظيم الدولي ونائب المرشد العام والقائم بأعماله إبراهيم منير، كما تخضع إدارة اللجان الإلكترونية إلى اللجنة الإعلامية في تنظيم العمل وإدارة الحملات وجمع المعلومات التي تتيح للتنظيم اتخاذ قراراته بالاغتيال المعنوي لكل من يتعرض للفكرة المؤسسة، معتبرين ذلك من الخطوط الحمراء التي تستلزم التصفية المعنوية، ومن هنا يكون دور هذه اللجان كما تبدو أهمية وجودها.
تتراوح مرتبات العاملين في اللجان الإلكترونية، ما بين ألف وخمسمئة إلى ثلاثة آلاف دولار، ويتواجد معظمهم في لندن، وجزء منهم في قطر وتركيا وأميركا وهولندا، وربما استثمرت الجماعة حاجة هؤلاء الشباب للعمل من خلال توظيفهم في أعمال تتعلق بالهجوم على المناوئين للتنظيم مقابل مرتبات مغرية وأعمال لا تكلفهم مجهوداً كبيراً، ولعل اختيار لندن مرتبط بوجود التنظيم الدولي ومكتبه وقادته والمعنين بإدارة هذا الملف.
تعمل هذه اللجان من خلال حسابات وهمية، كما أنها تقوم بحشد شباب "الإخوان المسلمين" ومجموعاته في كل دول العالم في المعارك المصنوعة التي تستهدف كل ما يظنه التنظيم استهدافاً له، ولذلك قد توجه هذه اللجان نيرانها لبعض "الإخوان المسلمين" الذين ينتقدون التنظيم من الداخل أو للمتحالفين مع التنظيم مثل الدكتور سيف عبدالفتاح والدكتور محمد محسوب كأمثله، وهنا يكون دور هذه اللجان ردع هؤلاء المنتقدين وحتى لا يفتح هذا الباب واسعاً فيكون التنظيم في موقع الدفاع عن نفسه دائماً.
فرغم أن عبدالفتاح ومحسوب من المحسوبين على التنظيم إلا أنهما تعرضا لهجوم شديد عندما فتحا ملف تقييم مرحلة الرئيس المعزول محمد مرسي واقتربوا من دور الجماعة في إدارة مصر عندما كانوا على رأس السلطة في عام 2012، وهو ما أضطر قادة التنظيم لوقف الحملة عندما أشتكى هذين القياديين لقادة التنظيم، وهنا تبدو أهمية الأذرع الإعلامية ودور لجانها في ما هو أقرب إلى التنظيم، فما بالك في المختلفين مع التنظيم وأفكاره كلياً.
تستهدف اللجان الإلكترونية لـ"الإخوان" في الأساس الدولة المصرية بكل مؤسساتها، ويأتي في المرتبة الثانية الدولجية، أي الذين يقفون مع الدولة ويساندون خطواتها ضد قوى الشر والفتنة، ثم يأتي الباحثون في المرتبة الثالثة، أولئك الذين يكشفون مخططات التنظيم ودوره في العبث بأمن مصر، وقد يكون اغتيال هؤلاء الباحثين هي المهمة الأكبر أمام هذه اللجان، فدورهم في كشف التنظيم وتعرية أفكاره قد يُسبب له حرجاً شديداً، ولذلك تكون لهم الأولوية في التصفية المعنوية، ثم يأتي دور الإعلاميين، التي تأتي مادة "الإخوان المسلمين" كجزء مما يعرضونه على الشاشة.
أشهر الحملات التي تتدخل فيها اللجان الإلكترونية في كل ما يتعلق بملف الرئيس المعزول محمد مرسي، ملف اعتصام "الإخوان المسلمين" في رابعة العدوية بكل تفاصيله، فضلاً عن الحملات التي تعدها اللجان ضد بعض أعضاء وقادة التنظيم الذين يرغبون في التصالح مع الدولة أو يطرحون هذه الملفات ويحمّلون القادة مسوؤلية ما حدث وما يحدث للتنظيم من بعد عام 2013.
يتم تدريب العاملين في هذه اللجان على فكرة الرصد لكل الأنشطة الإعلامية المعارضة، كما أنها تستهدف الخصوم على موقعي "فايسبوك" و"تويتر" وبعض الشاشات التي يُسيطر عليها التنظيم أو البرامج التي يقدمونها على بعض القنوات غير المملوكه لهم، وتعتبر السوشيل ميديا أحد أهم هذه المنصات.
الدكتور محمد أشرف، أحد أهم المسؤولين عن هذه اللجان في تركيا، والتي تقوم بدور آخر في متابعة كل ما يُنشر عن التنظيم من دراسات ولقاءات تلفزيونية سواء باللغة العربية أو حتى باللغة الإنكليزية، حتى يتم ترجمة ذلك في حملات ممولة من شباب التنظيم والمتحالفين معه، ويظهر بعد ذلك في شكل "هاشتاغ" وحملات منظمه.
الذباب الإلكتروني يقترب من القادة والرموز والمفكرين، هدفه هو تصفية المحتوى الذي يقدمه من دون أن يقترب من مناقشته، يكفيه تشويه من يعرض هذه الأفكار، وهنا ينحصر دور اللجان إما في الردع أو تفريغ المضمون المعروض من خلال اغتيال صاحبه.
ينقسم العاملون في اللجان الإلكترونية ما بين المنتظمين وظيفياً ويتلقون رواتب ثابته نظير عملهم، أو من يتم إستخدامهم في هذه الحملات، وهو قطاع عريض وتقريباً يمثل الحيز الأكبر من التنظيم، وتبقى مهمة العاملين في هذه اللجان هو حشد هذه الجموع في الحملات التي يقومون بها، فكما تمثل هذه الرقعة العريضة القوة الحقيقية لهذه اللجان، تمثل المجموعة "الوظيفية" القائمة على هذه اللجان القوة الضاربة للتنظيم والمنظم الحقيقي لهذه الحملات.
الحملات الموجهه من قبل اللجان الإلكترونية لـ"الإخوان المسلمين" قد تتعرض للأعراض، إشارةً أو تلميحاً، كالقول إن المستهدف أو المناوئ للتنظيم، له علاقات نسائية متعددة أو تلقّى تمويلاً من النظام السياسي الأسبق في تونس، زين العابدين بن علي، أو تلقى تمويلاً من الولايات المتحدة الأميركية بهدف تشوية النظام السياسي في مصر أو تعاون مع آخرين في كشف الحياة الخاصة لأحد رؤساء الأحزاب السياسية ووقع في شراك الخيانة الزوجية وغيرها مما تكتبه هذه اللجان بطريقة منظمة.
هذا فيض من غيض لبعض ما تقوله اللجان الإلكترونية على بعض المتحالفين معها. قد تكون هذه المعلومات صحيحة وقد يكون جزء منها صحيح، والهدف كما ذكرنا تشويه المنتقدين للتنظيم حتى ولو كانوا من حلفاء التنظيم، وما عرضناه تم مع حلفاء وضع التنظيم وما زال يده معهم ولكن لا يمنع ذلك من مهاجمتهم بهذه الصورة إذا تطلب الأمر ذلك.
الهدف مما تقوله هذه اللجان هو ردع الأتباع والمتحالفين معها في المقام الأول، وتبقى فكرة وصف هذه المجموعات بأنها غير مؤمنة بشرعية "الإخوان" أو ما تطرحه الجماعة هو الأهم، ولذلك تصفهم هذه اللجان بين الوقت والآخر بأنهم يعملون معها من منطلق "السبوبة"، وهدفهم من وراء ذلك هو الحصول على رواتب ضخمه من المؤسسات التي يعملون فيها أو يُديرها "الإخوان المسلمون".
اللجان الإلكترونية لا تختلف كثيراً عن الكتائب التي أنشأها "الإخوان المسلمون" في نهاية الثلاثينات من القرن الماضي مع بدايات الإعلان عن النظام الخاص أو الذراع العسكرية للجماعة. صحيح أن الكتائب كانت تستهدف المعارضين لها من داخل أو خارج التنظيم وتم التخلص منهم نهائياً من طريق الاغتيال الجنائي، ولكن اللجان الإلكترونية تقوم بالدور نفسه في تحقيق عملية الاغتيال ولكن من خلال التصفية والتهديد الدائم بالإرهاب المعنوي، وكلاهما شاهد على عنف "الإخوان".
عن "النهار" العربي