
هشام النجار
أثبت الهجوم الأخير الأكثر دموية في بوركينا فاسو وخلّف أكثر من مئتي قتيل وما يزيد عن ثلاثمئة مصاب، فشل تكتيك تجنيد المدنيين للقتال في صفوف الجيش دون اعتماد إستراتيجيات شاملة تُعنى بالتنمية والإصلاح الإداري والاجتماعي ومكافحة الفساد بجانب المقاربات الأمنية.
ويرتبط الإمعان في القتل من قبل جماعة نصرة الإسلام والمسلمين الموالية للقاعدة بالرغبة في بعث رسائل تهديد مبطنة للمدنيين ليمتنعوا عن الاستجابة لدعوات التعاون مع الجيش والأجهزة الأمنية، واستهدف الهجوم الدموي الأخير العشرات من المدنيين أغلبيتهم من الشباب الذين بدأوا في مساعدة الجيش في حفر خنادق مصممة لحماية المواقع الأمنية بمنطقة بارسالوغو على بعد 40 كيلو مترا شمال مدينة كايا الإستراتيجية، وهي آخر منطقة حصينة تحمي العاصمة واغادوغو.
ونشرت جماعة نصرة الإسلام والمسلمين الإرهابية مقاطع فيديو مروعة عن آثار الهجوم الذي وقع في السادس والعشرين من أغسطس الماضي، وظهر فيها رجال ونساء وشباب وأطفال يرقدون داخل خنادق كانوا يحفرونها بأنفسهم، وتحولت إلى مقابر جماعية إثر هجوم وحشي استمر من التاسعة صباحا إلى السابعة مساء.
واختلفت أوضاع جيش المتطوعين من المدنيين الذي ضمته الحكومة العسكرية في بوركينا فاسو لمؤازرة الجيش النظامي المُهلهل، وبعد أن كان أفراده يتلقون تدريبات على يد عسكريين ويتم تزويدهم بالسلاح بين حين وآخر، صاروا يفتقرون للتدريب الجيد والسلاح وتُسند إليهم الأعمال اليدوية والخدمات المساعدة، ما جعلهم صيدا سهلا للإرهابيين ليصبحوا طرفا مضافا إلى الأزمة المعقدة.
وتضاعفت وتيرة العنف في بوركينا فاسو منذ ضم الآلاف من المدنيين إلى مهام مكافحة الجماعات الإرهابية والتصدي لأنشطتها، وتشكيل السكان المحليين جماعات مسلحة شبه عسكرية للدفاع عن مدنهم وقراهم من التهديد الإرهابي خاصة بالمناطق الأكثر تضررا جراء الإرهاب، حيث تحولوا إلى هدف مشروع للإرهابيين المنتمين إلى القاعدة الذين ظلوا لسنوات يحصرون عملياتهم في نطاق الجيش والأجهزة الأمنية، حرصا منهم على مخالفة أساليب تنظيم داعش التي لا تفرق بين مدني وعسكري.
وعكس فرع القاعدة في بوركينا فاسو (جماعة نصرة الإسلام والمسلمين) خطة تجنيد المدنيين للقتال ضده لصالحه، وبات الآلاف من المدنيين يشعرون بالإحباط والحنق على السلطة العسكرية الحاكمة على خليفة مقتل أعداد كبيرة منهم لأسباب تتعلق بضعف الحماية الميدانية ونقص الكفاءة القتالية وافتقار الجيش للمعلومات الاستخبارية، ما أتاح للإرهابيين فرص اجتذاب أعداد كبيرة من المدنيين والشباب ممن فقدوا الثقة في الجيش والمؤسسات الحاكمة.
لم تكن خطة تجنيد المدنيين السبب الوحيد في إحداث فجوة بين الشعب والطبقة الحاكمة الجديدة، حيث أدى تشكيل المدنيين لمجموعات عسكرية لحماية القرى والبلدات من الهجمات الإرهابية إلى تشكل ميليشيا ترتكب جرائم ومذابح في حق عرقيات بعينها تحت ذريعة تطرف بعض أبنائها ولصق تهمة التطرف بها، ما ينطبق على ميليشيا “موسى كوجلويوجو” التي ارتكبت مذابح بحق أبناء العرقية الفولانية على مدار سنوات ماضية.
ودفعت مؤسسات الدولة العسكرية باتجاه إحداث شقوق غائرة بالنسيج المجتمعي نظرا لحاجتها إلى مساندة مجموعات مسلحة لردع العناصر الإرهابية بالمناطق التي تعجز القوات النظامية عن العمل فيها، ما جعلها تستعدي العرقيات ضد بعضها، وتظهر كمساندة لميليشيات متعصبة عرقيًا في المذابح التي ترتكبها ضد عرقيات أخرى تحت ذريعة أنها تضم إرهابيين، وجرى توثيق مقتل مدنيين من الفولانيين على يد القوات المسلحة دون تحقيقات، علاوة على اعتقالات وحبس بلا محاكمة.
وتشهد بوركينا فاسو حقبة غير مسبوقة من التفكك المجتمعي وانهيار أواصر الدولة نتيجة الشعور بالظلم والوقوع تحت الحصار المطول الذي تضربه الجماعات المتطرفة على ما يزيد عن أربعين في المئة من مساحة البلاد، وجراء المعاناة متعددة المستويات على وقع انتشار النزوح والجوع والفقر وانعدام الأمان وعدم قدرة مؤسسات الدولة على القيام بمهامها والوفاء بالوعود التي قطعتها على نفسها، وانكشاف المدنيين والممارسات الانتقامية المتبادلة بين عرقية الفولاني والعرقيات الأخرى، وجميعها مظاهر منحت الجماعات الإرهابية تربة خصبة كي تنمو بصورة أسرع.
وكما تنشط جماعة أنصار الإسلام والمسلمين التابعة للقاعدة في التجنيد والاستقطاب من صفوف المدنيين المحبطين وفاقدي الثقة في الدولة، تجتذب أتباعا لها من صفوف من يشعرون بالاضطهاد والظلم المزدوج من الشعب الفولاني، خاصة وأن زعيم الجماعة إبراهيم مالام ديكو هو أحد أبناء هذه العرقية وكان أحد الدعاة الدينيين المعروفين بالمنطقة.
وتهدد الضربات الإرهابية المستمرة التي تستهدف الجيش والأجهزة الأمنية بحدوث تذمر وشيوع حالة من السخط داخل صفوف القوات المسلحة بسبب تقاعس السلطات عن مواجهة التهديد الإرهابي، وهي ذات الدوافع التي برر بها الضابط إبراهيم تراوري انقلابه قبل عامين عندما زعم أنه وأنصاره لم يكن أمامهم خيار (في مواجهة الوضع المتدهور، بعد محاولة إقناع السلطة المدنية بالتركيز على المسألة الأمنية).
وشنت الجماعة المتمردة الموالية للقاعدة العديد من الهجمات على قوات الجيش، آخرها الهجوم النوعي في أوائل يونيو الماضي بمدينة مانسيلا والذي خلف مئة قتيل في صفوف الجيش وتعرضت بعض البنايات الحكومية بالعاصمة لاستهداف عسكري أُعتقد أنه محاولة انقلابية فاشلة مدعومة من الحركات المسلحة المتمردة، ما يمهد الأجواء لقبول فرضية وجود سخط داخل صفوف القوات المسلحة واحتمالية حدوث انقلاب عسكري جديد مدعوم هذه المرة من الإرهابيين.
وتخطط جماعة نصرة الإسلام والمسلمين الموالية للقاعدة عبر هذا الاستهداف المتصاعد المزدوج للعسكريين والمدنيين لإحداث فراغ واسع من أجل استكمال السيطرة على أراضي بوركينا فاسو، وهي التي تُعد ممرا نحو الدول الواقعة على الساحل الغربي لأفريقيا، ضمن إستراتيجيتها الهادفة إلى تقويض حضور الدولة وإخضاع السكان المحليين بغية توسيع نطاق نفوذ الجماعات الإرهابية نحو بلدان خليج غينيا.
وتقود السيطرة الكاملة على جزء كبير من شمال مالي وبوركينا فاسو إلى تقدم الإرهابيين وانتقالهم تدريجيا إلى إقليم خليج غينيا المطل على المحيط الأطلسي والذي يضم بلدانا غنية بالنفط والموارد المعدنية الرئيسية الثمينة في غرب القارة ووسطها مثل ساحل العاج وبنين ونيجيريا وتوغو والكاميرون، فضلا عن كونه الجسر الرابط بين غرب ووسط أفريقيا.
ويوفر نقل الجماعات الإرهابية عملياتها إلى منطقة خليج غينيا عبر فرض سيطرة شبه كاملة على بوركينا فاسو إطلالة بحرية والحصول على مراكز شاطئية في الإقليم تضمن لها توطيد أنشطتها في التهريب والقرصنة وهي أساس الموارد المادية لها، بالنظر إلى أن منطقة خليج غينيا هي الامتداد الجغرافي والإستراتيجي لإقليم الساحل الأفريقي.
وبعد سيطرة الجماعات المتطرفة فعليا على مناطق واسعة بالساحل الأفريقي، لا تبدو الدول المستهدفة خلال المرحلة التالية مثل شمال بنين وتوغو وساحل العاج وغيرها من دول خليج غينيا قادرة على تأمين حدودها المشتركة مع دول الساحل، لانهيار العلاقات مع الأنظمة العسكرية الحاكمة في الساحل وعدم وجود تنسيق أمني واستخباراتي.
ومهدت الجماعات الإرهابية بالساحل لسيناريوهات التمدد، حيث ضمت عناصر جديدة من بنين وتوغو وساحل العاج وغانا وغينيا والسنغال، ودربتهم في بوركينا فاسو ومالي قبل أن تعيدهم للقتال لصالحها في بلدانهم الأصلية.
وكما صبت حالة الإنكار وعدم الاعتراف بوجود مشكلة كبيرة والاقتصار على المقاربات الأمنية والعسكرية في مصلحة الإرهابيين والمتمردين في بوركينا فاسو التي لم تتعامل بواقعية ورؤى استباقية مع الخطر الإرهابي ما أدى إلى انتقاله إليها من مالي في العام 2015، تصب نفس العوامل في اتجاه انتقاله إلى دول خليج غينيا وعدم استمرار انحصاره بالمناطق الشمالية المحاذية لدول الساحل.
ولن تظل الجماعات الإرهابية المتمردة بدول الساحل خاصة في بوركينا فاسو ومالي عاجزة لوقت طويل عن الوصول إلى المدن الشاطئية الرئيسية التي هي محور اهتمامها في ساحل العاج ونيجيريا وبنين وتوغو، بالنظر إلى ما تراكمه من قوة وتوسع ونفوذ بدول الساحل كقاعدة انطلاق وتهديد، فضلا عما تعانيه دول خليج غينيا من مشكلات تصب عادة في مصلحة الإرهابيين كي يواصلوا تقدمهم، مثل تصاعد حدة النزاعات والتهميش المجتمعي، واعتناق المقاربات العسكرية دون معالجة الأسباب الكامنة وراء تمدد وانتشار الأفكار والمفاهيم المتطرفة.
ويسمح انهيار أحد بلدان الساحل الأفريقي – وتبدو بوركينا فاسو هي المرشحة الأولى لهذا السيناريو وتاليا النيجر ومالي، بتشكل محور ثابت للإرهاب في الإقليم قادر على مد أذرع للخارج وقابل للانتقال والتمدد إلى المناطق الحدودية، ولن تكون ساعتها بلدان خليج غينيا قادرة على التصدي وتقديم حلول ناجعة، خاصة إذا كررت أخطاء دول الساحل بشأن الاستعانة بالمرتزقة الدوليين والميليشيات المسلحة التي لا تخضع لأي رقابة وتضرب بالقانون الدولي الإنساني عرض الحائط.
واغادوغو – أثبت الهجوم الأخير الأكثر دموية في بوركينا فاسو وخلّف أكثر من مئتي قتيل وما يزيد عن ثلاثمئة مصاب، فشل تكتيك تجنيد المدنيين للقتال في صفوف الجيش دون اعتماد إستراتيجيات شاملة تُعنى بالتنمية والإصلاح الإداري والاجتماعي ومكافحة الفساد بجانب المقاربات الأمنية.
ويرتبط الإمعان في القتل من قبل جماعة نصرة الإسلام والمسلمين الموالية للقاعدة بالرغبة في بعث رسائل تهديد مبطنة للمدنيين ليمتنعوا عن الاستجابة لدعوات التعاون مع الجيش والأجهزة الأمنية، واستهدف الهجوم الدموي الأخير العشرات من المدنيين أغلبيتهم من الشباب الذين بدأوا في مساعدة الجيش في حفر خنادق مصممة لحماية المواقع الأمنية بمنطقة بارسالوغو على بعد 40 كيلو مترا شمال مدينة كايا الإستراتيجية، وهي آخر منطقة حصينة تحمي العاصمة واغادوغو.
ونشرت جماعة نصرة الإسلام والمسلمين الإرهابية مقاطع فيديو مروعة عن آثار الهجوم الذي وقع في السادس والعشرين من أغسطس الماضي، وظهر فيها رجال ونساء وشباب وأطفال يرقدون داخل خنادق كانوا يحفرونها بأنفسهم، وتحولت إلى مقابر جماعية إثر هجوم وحشي استمر من التاسعة صباحا إلى السابعة مساء.
واختلفت أوضاع جيش المتطوعين من المدنيين الذي ضمته الحكومة العسكرية في بوركينا فاسو لمؤازرة الجيش النظامي المُهلهل، وبعد أن كان أفراده يتلقون تدريبات على يد عسكريين ويتم تزويدهم بالسلاح بين حين وآخر، صاروا يفتقرون للتدريب الجيد والسلاح وتُسند إليهم الأعمال اليدوية والخدمات المساعدة، ما جعلهم صيدا سهلا للإرهابيين ليصبحوا طرفا مضافا إلى الأزمة المعقدة.
وتضاعفت وتيرة العنف في بوركينا فاسو منذ ضم الآلاف من المدنيين إلى مهام مكافحة الجماعات الإرهابية والتصدي لأنشطتها، وتشكيل السكان المحليين جماعات مسلحة شبه عسكرية للدفاع عن مدنهم وقراهم من التهديد الإرهابي خاصة بالمناطق الأكثر تضررا جراء الإرهاب، حيث تحولوا إلى هدف مشروع للإرهابيين المنتمين إلى القاعدة الذين ظلوا لسنوات يحصرون عملياتهم في نطاق الجيش والأجهزة الأمنية، حرصا منهم على مخالفة أساليب تنظيم داعش التي لا تفرق بين مدني وعسكري.
وعكس فرع القاعدة في بوركينا فاسو (جماعة نصرة الإسلام والمسلمين) خطة تجنيد المدنيين للقتال ضده لصالحه، وبات الآلاف من المدنيين يشعرون بالإحباط والحنق على السلطة العسكرية الحاكمة على خليفة مقتل أعداد كبيرة منهم لأسباب تتعلق بضعف الحماية الميدانية ونقص الكفاءة القتالية وافتقار الجيش للمعلومات الاستخبارية، ما أتاح للإرهابيين فرص اجتذاب أعداد كبيرة من المدنيين والشباب ممن فقدوا الثقة في الجيش والمؤسسات الحاكمة.
لم تكن خطة تجنيد المدنيين السبب الوحيد في إحداث فجوة بين الشعب والطبقة الحاكمة الجديدة، حيث أدى تشكيل المدنيين لمجموعات عسكرية لحماية القرى والبلدات من الهجمات الإرهابية إلى تشكل ميليشيا ترتكب جرائم ومذابح في حق عرقيات بعينها تحت ذريعة تطرف بعض أبنائها ولصق تهمة التطرف بها، ما ينطبق على ميليشيا “موسى كوجلويوجو” التي ارتكبت مذابح بحق أبناء العرقية الفولانية على مدار سنوات ماضية.
ودفعت مؤسسات الدولة العسكرية باتجاه إحداث شقوق غائرة بالنسيج المجتمعي نظرا لحاجتها إلى مساندة مجموعات مسلحة لردع العناصر الإرهابية بالمناطق التي تعجز القوات النظامية عن العمل فيها، ما جعلها تستعدي العرقيات ضد بعضها، وتظهر كمساندة لميليشيات متعصبة عرقيًا في المذابح التي ترتكبها ضد عرقيات أخرى تحت ذريعة أنها تضم إرهابيين، وجرى توثيق مقتل مدنيين من الفولانيين على يد القوات المسلحة دون تحقيقات، علاوة على اعتقالات وحبس بلا محاكمة.
وتشهد بوركينا فاسو حقبة غير مسبوقة من التفكك المجتمعي وانهيار أواصر الدولة نتيجة الشعور بالظلم والوقوع تحت الحصار المطول الذي تضربه الجماعات المتطرفة على ما يزيد عن أربعين في المئة من مساحة البلاد، وجراء المعاناة متعددة المستويات على وقع انتشار النزوح والجوع والفقر وانعدام الأمان وعدم قدرة مؤسسات الدولة على القيام بمهامها والوفاء بالوعود التي قطعتها على نفسها، وانكشاف المدنيين والممارسات الانتقامية المتبادلة بين عرقية الفولاني والعرقيات الأخرى، وجميعها مظاهر منحت الجماعات الإرهابية تربة خصبة كي تنمو بصورة أسرع.
وكما تنشط جماعة أنصار الإسلام والمسلمين التابعة للقاعدة في التجنيد والاستقطاب من صفوف المدنيين المحبطين وفاقدي الثقة في الدولة، تجتذب أتباعا لها من صفوف من يشعرون بالاضطهاد والظلم المزدوج من الشعب الفولاني، خاصة وأن زعيم الجماعة إبراهيم مالام ديكو هو أحد أبناء هذه العرقية وكان أحد الدعاة الدينيين المعروفين بالمنطقة.
وتهدد الضربات الإرهابية المستمرة التي تستهدف الجيش والأجهزة الأمنية بحدوث تذمر وشيوع حالة من السخط داخل صفوف القوات المسلحة بسبب تقاعس السلطات عن مواجهة التهديد الإرهابي، وهي ذات الدوافع التي برر بها الضابط إبراهيم تراوري انقلابه قبل عامين عندما زعم أنه وأنصاره لم يكن أمامهم خيار (في مواجهة الوضع المتدهور، بعد محاولة إقناع السلطة المدنية بالتركيز على المسألة الأمنية).
وشنت الجماعة المتمردة الموالية للقاعدة العديد من الهجمات على قوات الجيش، آخرها الهجوم النوعي في أوائل يونيو الماضي بمدينة مانسيلا والذي خلف مئة قتيل في صفوف الجيش وتعرضت بعض البنايات الحكومية بالعاصمة لاستهداف عسكري أُعتقد أنه محاولة انقلابية فاشلة مدعومة من الحركات المسلحة المتمردة، ما يمهد الأجواء لقبول فرضية وجود سخط داخل صفوف القوات المسلحة واحتمالية حدوث انقلاب عسكري جديد مدعوم هذه المرة من الإرهابيين.
وتخطط جماعة نصرة الإسلام والمسلمين الموالية للقاعدة عبر هذا الاستهداف المتصاعد المزدوج للعسكريين والمدنيين لإحداث فراغ واسع من أجل استكمال السيطرة على أراضي بوركينا فاسو، وهي التي تُعد ممرا نحو الدول الواقعة على الساحل الغربي لأفريقيا، ضمن إستراتيجيتها الهادفة إلى تقويض حضور الدولة وإخضاع السكان المحليين بغية توسيع نطاق نفوذ الجماعات الإرهابية نحو بلدان خليج غينيا.
وتقود السيطرة الكاملة على جزء كبير من شمال مالي وبوركينا فاسو إلى تقدم الإرهابيين وانتقالهم تدريجيا إلى إقليم خليج غينيا المطل على المحيط الأطلسي والذي يضم بلدانا غنية بالنفط والموارد المعدنية الرئيسية الثمينة في غرب القارة ووسطها مثل ساحل العاج وبنين ونيجيريا وتوغو والكاميرون، فضلا عن كونه الجسر الرابط بين غرب ووسط أفريقيا.
ويوفر نقل الجماعات الإرهابية عملياتها إلى منطقة خليج غينيا عبر فرض سيطرة شبه كاملة على بوركينا فاسو إطلالة بحرية والحصول على مراكز شاطئية في الإقليم تضمن لها توطيد أنشطتها في التهريب والقرصنة وهي أساس الموارد المادية لها، بالنظر إلى أن منطقة خليج غينيا هي الامتداد الجغرافي والإستراتيجي لإقليم الساحل الأفريقي.
وبعد سيطرة الجماعات المتطرفة فعليا على مناطق واسعة بالساحل الأفريقي، لا تبدو الدول المستهدفة خلال المرحلة التالية مثل شمال بنين وتوغو وساحل العاج وغيرها من دول خليج غينيا قادرة على تأمين حدودها المشتركة مع دول الساحل، لانهيار العلاقات مع الأنظمة العسكرية الحاكمة في الساحل وعدم وجود تنسيق أمني واستخباراتي.
ومهدت الجماعات الإرهابية بالساحل لسيناريوهات التمدد، حيث ضمت عناصر جديدة من بنين وتوغو وساحل العاج وغانا وغينيا والسنغال، ودربتهم في بوركينا فاسو ومالي قبل أن تعيدهم للقتال لصالحها في بلدانهم الأصلية.
وكما صبت حالة الإنكار وعدم الاعتراف بوجود مشكلة كبيرة والاقتصار على المقاربات الأمنية والعسكرية في مصلحة الإرهابيين والمتمردين في بوركينا فاسو التي لم تتعامل بواقعية ورؤى استباقية مع الخطر الإرهابي ما أدى إلى انتقاله إليها من مالي في العام 2015، تصب نفس العوامل في اتجاه انتقاله إلى دول خليج غينيا وعدم استمرار انحصاره بالمناطق الشمالية المحاذية لدول الساحل.
ولن تظل الجماعات الإرهابية المتمردة بدول الساحل خاصة في بوركينا فاسو ومالي عاجزة لوقت طويل عن الوصول إلى المدن الشاطئية الرئيسية التي هي محور اهتمامها في ساحل العاج ونيجيريا وبنين وتوغو، بالنظر إلى ما تراكمه من قوة وتوسع ونفوذ بدول الساحل كقاعدة انطلاق وتهديد، فضلا عما تعانيه دول خليج غينيا من مشكلات تصب عادة في مصلحة الإرهابيين كي يواصلوا تقدمهم، مثل تصاعد حدة النزاعات والتهميش المجتمعي، واعتناق المقاربات العسكرية دون معالجة الأسباب الكامنة وراء تمدد وانتشار الأفكار والمفاهيم المتطرفة.
ويسمح انهيار أحد بلدان الساحل الأفريقي – وتبدو بوركينا فاسو هي المرشحة الأولى لهذا السيناريو وتاليا النيجر ومالي، بتشكل محور ثابت للإرهاب في الإقليم قادر على مد أذرع للخارج وقابل للانتقال والتمدد إلى المناطق الحدودية، ولن تكون ساعتها بلدان خليج غينيا قادرة على التصدي وتقديم حلول ناجعة، خاصة إذا كررت أخطاء دول الساحل بشأن الاستعانة بالمرتزقة الدوليين والميليشيات المسلحة التي لا تخضع لأي رقابة وتضرب بالقانون الدولي الإنساني عرض الحائط.
العرب