كيف استفادت الجماعات الإرهابية في بوركينا فاسو من الصراع الطبقي؟

كيف استفادت الجماعات الإرهابية في بوركينا فاسو من الصراع الطبقي؟


17/08/2021

تختلف ظاهرة الإرهاب في الدول الأفريقية غير الناطقة بالعربية عن مثيلاتها في دول العالم؛ ويمكن تفسير الثانية بالعودة إلى نمو خطاب التطرف، وتغذيه على العداء مع السلطة ضمن الصراع السياسي، وتبني خطاب معاد للغرب والتحديث وارتباطه بإرث إيديولوجي، ولكن يتطلب تفسير الإرهاب في الدول الأفريقية غير العربية قراءة موسعة حول قضايا التنمية والتهميش والصراع الاجتماعي والعرقي، وإخفاق الدولة الوطنية في بناء مؤسسات أمنية وقضائية واقتصادية فاعلة.

وتقدم بوركينا فاسو مثالاً على تعقد ظاهرة الإرهاب في شمال - شرق البلاد، حيث تقف عوامل غياب التنمية والإرث الطبقي واضطراب العلاقة مع العاصمة، وتهميش الأغلبية المسلمة لحساب الأقلية المسيحية، وهيمنة التقاليد على رجال الدين الإسلامي من أحفاد المرابطين، وراء نشوء جماعة أنصار الإسلام، التي دخلت في صراع مسلح مع القوات الحكومية والقادة المحليين، قبل أنّ تتعرض لوهن كبير بعد مقتل مؤسسها، ويتحول جزء كبير من أتباعها إلى موالاة داعش وتنظيم القاعدة.

الإرهاب العابر للحدود

في 12 من شهر آب (أغسطس) الجاري، شهدت بوركينا فاسو أحدث هجوماً إرهابياً في شمال البلاد، خلّف 5 قتلى من قوات الدفاع المدني، ومقتل 17 من المهاجمين، وفي الرابع من شهر حزيران (يونيو) الماضي، شهدت منطقة الساحل في الشمال، أعنف هجوم إرهابي منذ العام 2015، لقى فيه 130 شخصاً مصرعهم في قرية "سولهان"، وذكرت مصادر حكومية أنّ منفذي الهجوم أطفال تتراوح أعمارهم بين الـ 12 - 18 عاماً.

جماعة أنصار الإسلام

وشهدت مناطق الشمال والشرق والغرب في البلاد هجمات إرهابية متعددة، تسبب في مقتل 1400 من المدنيين والعسكريين، منذ العام 2015، ونزوح 1.3 مليون نسمة، وتعرضت العاصمة واغادوغو، إلى عملية إرهابية استهدفت فندقا ومقهى، وأسفرت عن مقتل 23 من جنسيات مختلفة، في العام 2016. وتعرضت السفارة الفرنسية إلى هجوم إرهابي في 2018 تسبب في مقتل ثمانية وإصابة العشرات.

وحول الجماعات الإرهابية النشطة في بوركينا فاسو، تقول الباحثة السياسية في الشؤون الأفريقية، ريم أبو حسين؛ هناك ثلاث مجموعات إرهابية؛ أنصار الإسلام، وهي مجموعة محلية، اندمجت لاحقاً في جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، المرتبطة بتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، إلى جانب مجموعتين عبر الحدود من مالي، وهما تنظيم الدولة الإسلامية في ولاية غرب أفريقيا، وجماعة نصرة الإسلام والمسلمين، وتعمل في وسط وشمال مالي، وتقوم فى بوركينا فاسو بتجنيد مقاتلي جماعة أنصار الإسلام الناشطين في منطقة سوم، وكذلك في غرب البلاد، وتوسع نشاطها إلى مناطق الشرق.

تختلف جماعة أنصار الإسلام عن داعش والقاعدة كونها حركة محلية في الأساس، وإن كان مؤسسها على علاقة بالجماعات الإرهابية في مالي

وأردفت أبو حسين في حديثها لـ"حفريات"؛ ترتبط أزمة الإرهاب في بوركينا فاسو بعوامل خارجية وداخلية، ومن أهم العوامل الخارجية، عدم الاستقرار السياسي والأمني في دولة مالي المجاورة خاصة فى مناطق الشمال والوسط، الأمر الذي ساعد على تمدد الجماعات الارهابية في الأراضي المالية، واتساع أنشطتها لتصل لدول الجوار عبر الحدود الرخوة، فأصبح المثلث الحدودي الذي يقع على الحدود بين دول مالي وبوركينا فاسو والنيجر بؤرة نشاط إرهابي لا تهدأ، توقع الكثير من الضحايا، وداخلياً تسبب التهميش والتمييز ضدّ المناطق الشمالية في جعلها بيئة خصبة للإرهاب.

جماعة أنصار الإسلام

ويرتبط تصاعد النشاط الإرهابي في بوركينا فاسو باسم جماعة "أنصار الإسلام" التي تأسست على يد رجل الدين، إبراهيم مالام ديكو (بوريما ديكو)، المنتمي إلى أسرة من أحفاد المرابطين، الذي يحظون بوضع ديني واجتماعي متميز بين المسلمين في مقاطعة سومو في منطقة الساحل في شمال البلاد، وتقع في المثلث الحدودي مع النيجر ومالي.

شهدت بوركينا فاسو أول عملية إرهابية عام 2015

وشهدت بوركينا فاسو عمليات إرهابية قبيل تأسيس الحركة، كان أولها الهجوم على مركز للأمن في بالقرب من الحدود مع النيجر ومالي، عام 2015، وامتدت الهجمات إلى غرب البلاد، وخلّفت عشرات القتلى والجرحى، في عمليات تبناها تنظيم داعش في غرب إفريقيا، وتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي.

وتختلف جماعة أنصار الإسلام عن داعش والقاعدة كوّنها حركة محلية في الأساس، وإنّ كان مؤسسها على علاقة بالجماعات الإرهابية في مالي، ونشأت في مقاطعة سومو، عقب قرار مالام ديكو التحول من النشاط الدعوي الاجتماعي إلى العمل المسلح، عقب الإفراج عنه من السجن في مالي، عام 2015.

وسافر ديكو إلى مالي عام 2013، وقبضت عليه القوات الفرنسية ضمن عملية "سيرفال"، وبحوزته كميات كبيرة من عملة اليورو، قبل أنّ يُطلق سراحه لعدم وجود أدلة حول تورطه في النشاط الإرهابي، والتقى في مالي رجل الدين الجهادي، حمدون كوفا، مؤسس "كتيبة ماسينا"، الذي لقى حتفه في عام 2018 في غارة فرنسية.

وتناولت دراسة صادرة عن "مجموعة الأزمات الدولية"، حول الإرهاب في بوركينا فاسو، العوامل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي ظهرت خلالها دعوة إبراهيم مالام ديكو، التي انتشرت بشكل واسع بين الشباب، متجاوزة الانقسامات داخل مجموعة الفولاني العرقية، التي تشكل الأغلبية في شمال البلاد.

وأشارت الدراسة إلى أنّ ديكو نشط منذ العام 2009 كرجل دين يهاجم النظام الديني التقليدي، الذي يمنح أحفاد المرابطين مزايا طبقية واجتماعية ومالية على حساب الأغلبية من المسلمين، إلى جانب احتكار التمثيل الديني في الخطابة والإمامة والقيادة الروحية للمسلمين.

ورأى ديكو في دعوته عودةً إلى الفهم الصحيح للإسلام، الذي ينبذ الطبقية والتفرقة، وأسس حركة "الإرشاد" في 2012، وحظيت باعتراف السلطات، وجلب عليه خطابه الاجتماعي النقدي، وتبنيه أفكاراً متطرفة، مراقبة السلطات، التي أفلت منها بالسفر إلى مالي عام 2013، وعقب الإفراج عنه من السجن، عاد إلى بلاده مطلع عام 2016.

ولم تقبل السلطات الدينية المحلية بعودته، وأعلن أمير مدينة جيبو والإمام الأكبر، ووالد زوجة ديكو، التبرؤ منه، ما دفعه إلى التمركز في الغابات بصحبة مجموعة محدودة من أتباعه، مؤسساً بذلك حركة "أنصار الإسلام"،

وفي العام 2017 اختفى ديكو في ظروف غامضة، وتولى أخوه الأصغر جعفر قيادة الحركة، وبسبب استبداده انشق الكثيرون، وبايعوا داعش وحركة تحرير الكونغو، وتحت قيادة جعفر فقدت الحركة ارتباطها بجمهور ديكو الذي تكون خلال نشاطه الدعوي، وطالت هجماتها أئمة مسلمين ورجال الدين المسيحيين والمدارس.

الباحثة ريم أبو حسين لـ"حفريات": لم تتعامل الحكومة بشكل جيد مع انتشار الإرهاب عبر أراضيها، وتدهورت الأوضاع فى الريف في أعقاب إطاحة الرئيس السابق

وتكمن أهمية ديكو في أنّ دعوته الراديكالية هي الأساس الذي أدى إلى توطين الفكر الجهادي في شمال بوركينا فاسو، وهي دعوة حظيت برواج ملحوظ بين عدد من الطلاب الخريجين من المدارس الدينية العربية، الذين يرون أنفسهم أحق بالوظائف الدينية من طبقة أحفاد المرابطين، التي تحتكر الدين كإرث اجتماعي، تجني من خلاله مزايا طبقية، وتدير عبره علاقات المسلمين بالسلطة لصالحها.

المواجهة الأمنية والتنمية

وحول سياسة الحكومة لمكافحة الإرهاب، قالت الباحثة ريم أبو حسين: لم تتعامل الحكومة بشكل جيد مع انتشار الإرهاب عبر أراضيها، وتدهورت الأوضاع في الريف في أعقاب إطاحة الرئيس السابق بلير كومباوري في 2014، ودعت الحكومة لتكوين مجموعات مسلحة من المدنيين للمساعدة في الحفاظ على الأمن في المناطق الريفية، الأمر الذي أدى إلى تفاقم الانقسامات المحلية والمزيد من العنف، وازدادت أعمال السرقة والنهب والنزاعات على الأراضي، ومكن ذلك الجماعات الإرهابية من تجنيد جزء من المتنازعين، وفرض ضرائب نظير توفير الحماية، خصوصاً للعاملين في التنقيب عن الذهب.

وتعد بوركينا فاسو خامس أكبر منتج للذهب في أفريقيا بواقع 52 طن سنوياً، تقدر قيمتها بـملياري دولار، وتمثل 11٪ من إجمالي الناتج المحلي للبلاد، ويعمل بالقطاع أكثر من 1.5 مليون شخص، في مناجم تديرها شركات دولية، وأخرى صغيرة تديرها مجموعات محلية، وحفزت هذه الثروات التنظيمات الإرهابية للتمدد في شمال وشرق البلاد، لتعزيز مواردها المالية عبر الرسوم التي تفرضها على عمليات التنقيب والاتجار في الذهب.

أسس إبراهيم مالام ديكو حركة أنصار الإسلام عام 2016

وبحسب الدراسات البحثية حول الإرهاب في بوركينا فاسو فإنّ المعالجة الأمنية وحدها لا تكفي لاستئصال الإرهاب في البلاد، كوّنه يستفيد من المظلومية الاجتماعية التي يعاني منها كثير من السكان المسلمين، سواء من السلطات المحلية والسلطة المركزية، والإرث الطبقي بين طبقات السادة سواء من أحفاد المرابطين وغيرهم وطبقة أحفاد العبيد الذي ما مازال فاعلاً في إدارة العلاقات بين المسلمين، رغم انقضاء العبودية زمن الاستعمار الفرنسي للبلاد.

وتتطلب إستراتيجية مكافحة الإرهاب معالجة الأزمات الاقتصادية والاجتماعية وغياب المؤسسات في مناطق الشرق والشمال، لمواجهة توظيف الجماعات الإرهابية المظلومية الاجتماعية والفقر في تجنيد المقاتلين، فضلاً عن ضرورة تعزيز التعاون الأمني والعسكري بين دول مجموعة الساحل، التي تنتشر التنظيمات الإرهابية عبر أراضيها.

وبحسب باحثين، لا تستطيع هذه الدول وحدها مواجهة الإرهاب، دون دعم دولي كبير، وهو الأمر الذي تقف عقبات التمويل أمامه.

ووفق تقرير نشرته الأمم المتحدة، تسببت الهجمات الإرهابية في شمال وشرق بوركينا فاسو في نزوح حوالي 1.3 مليون نسمة خلال فترة لا تزيد عن العامين، من مجموع السكان البالغ حوالي 20 مليون نسمة، إلى جانب تشريد نسبة 6% من السكان في مناطق داخل البلاد، وهروب عشرات الآلاف إلى الدول المجاورة.

وشهد النصف الأول من العام الجاري وحده فرار 237 ألف مواطن، وبلغ عدد القتلى 1500 من المدنيين والعسكريين منذ تسجيل أول حادث إرهابي في البلاد عام 2015.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية