تتوجه بوصلة الفلسطينيين إلى الاتحاد الأوروبي بعد خيانة "الوسيط النزيه"، المتمثل في الولايات المتحدة، لأشواقهم في أعقاب اعتراف الرئيس دونالد ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل. فمنذ تلك اللحظة بدأت القضية الفلسطينية فصلاً جديداً، يتّسم بالخطورة والتوتر؛ فمن ناحية، يمثّل ذلك قطيعة مع السياسة الأمريكية التقليدية، منذ عهد الرئيس ترومان وحتى أوباما، بحسب خبراء، كما أنّه يمثّل انتصاراً لليمين المتطرف واللوبي الصهيوني في أمريكا. ومن ناحية أخرى، يفتح ذلك القرار الباب واسعاً، أمام قوى التطرف ويهدّد عملية السلام.
لاقى القرار معارضة من بعض مستشاري ترامب، مثل: وزير خارجيته "تيلرسون"، ووزير الدفاع "جيمس ماتيس"، ومدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (سي آي إيه) "مايك بومبيو". في حين أيّده كلّ من؛ نائب الرئيس "مايك بينس"، والسفيرة الأمريكية في الأمم المتحدة "نيكي هالي"، وسفير الولايات المتحدة في إسرائيل "ديفيد فريدمان"، فضلاً عن صهره ومستشاره "جاريد كوشنر"، والمبعوث الأمريكي الخاص للسلام في الشرق الأوسط "جيسون جرينبلات".
القدس: البحث عن شرعية السلم
تتقاطع زيارة الرئيس الفلسطيني، أبو مازن، لبروكسل، مع الجولة التي قام بها، مايك بينس، نائب الرئيس الأمريكي، في مصر والأردن وإسرائيل، فليس ثمة قاسم مشترك بينهما، غير الموقف من قرار نقل القدس، ومآلاته السياسية، الرسمية والشعبية، في البلدان العربية والإسلامية.
فالزيارة الأولى لنائب الرئيس الأمريكي، الذي يعدّ أحد أهم مؤيدي وداعمي قرار ترامب، للشرق الأوسط، يحاول منها إيجاد شرعية للقرار، في العواصم العربية، وتبديد حالة القلق والرفض الموجودة. بينما يسعى الرئيس، أبو مازن، في الاتحاد الأوروبي، إلى "الاعتراف بالدولة الفلسطينية، من أجل الحفاظ على الأمل في صفوف الشعب الفلسطيني".
قرار ترامب سيسمح لحماس، أن تمتد على خط واحد، مع حزب الله وباقي القوى المتحالفة مع طهران وأنقرة
وقد أوضح الرئيس الفلسطيني، في بروكسل، أنّ السلطة الفلسطينية تثمن دور الاتحاد الأوروبي، باعتباره شريكاً حقيقياً للسلام في الشرق الأوسط، وطالب الاتحاد بالاعتراف بدولة فلسطين؛ حيث قال في كلمته: "لقد طالبنا، ونطالب الآن، أوروبا بأن تعترف بدولة فلسطين، وهذا لن يكون عقبة في طريق المفاوضات للوصول إلى السلام؛ بل على العكس، سيفتح أبواب الأمل من جديد أمام الفلسطينيين".
وخلال مؤتمر صحافي مشترك مع منسّقة السياسة الخارجية الأوروبية، فيديريكا موغيريني، في بروكسل، صرّح أبو مازن: "لقد قمنا ببناء مؤسسات دولة كاملة على الأراضي الفلسطينية، ولا بدّ من أن نحافظ عليها بكلّ ما أوتينا من قوة، حتى نصل إلى حلّ الدولتين"، لافتاً إلى وجود قرارات كثيرة صدرت عن الأمم المتحدة، في هذا الملف، في قوله: "نريد لهذه الشرعية أن تطبَّق على أرض الواقع، لا أن تبقى أوراقاً محفوظة في سجلات الأمم المتحدة".
موقف الاتحاد الأوروبي من القدس
تعترف تسع حكومات من الاتحاد الأوروبي، من بينها السويد وبولندا، بفلسطين، ويرى الاتّحاد، الذي يضمّ 28 دولة، أن ذلك الاعتراف يجب أن يكون جزءاً من تسوية سلمية شاملة للقضية الفلسطينية.
وقد عبّرت فيديريكا موغيريني، مسؤولة السياسة الخارجية، في الاتحاد الأوروبي، عن موقف الاتحاد الداعم لأن تكون القدس الشرقية عاصمة لدولة فلسطينية، وحلّ الدولتين، وتصبح القدس عاصمة لهما؛ لأنّه "الحلّ الواقعي الوحيد"، بحسب حديثها. فيما أشارت إلى المؤتمر المقرَّر عقده، نهاية الشهر الجاري، في بروكسل، للأطراف المانحة للفلسطينيين؛ حيث تعهّدت بالعمل الأوروبي، من أجل زيادة الدعم للفلسطينيين.
موقف ترامب يعزله عن كونه طرفاً نزيهاً في عملية السلام، ويهدّد مساراتها، حيث يمنح الشرعية للجماعات المتطرفة
إلى ذلك، أعلن وزير خارجية سلوفينيا، كارل أريافيتس، أنّ سلوفينيا ستعترف بدولة فلسطين، وسيتّخذ البرلمان قراراً بهذه المسألة خلال العام الجاري.
واشنطن لم تعد شريكاً في عملية السلام
يقول الدكتور محمد حسين، أستاذ العلاقات الدولية، بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، لـ"حفريات": إنّ "قرار ترامب بنقل السفارة الأمريكية للقدس، والاعتراف بها عاصمة لإسرائيل، قد خالف ثوابت السياسية الأمريكية، والقانون الدولي، وقانون الاحتلال، فتلك الثوابت كانت ترى أنّ المستوطنات عقبة في سبيل السلام، ويؤجّل الصراع حول القدس، في مراحله النهائية، بيد أنّ موقف الرئيس الأمريكي، يعزله عن كونه طرفاً نزيهاً، في عملية السلام، ويهدّد مساراتها؛ حيث يعمل على منح الجماعات المتطرفة شرعية، ويعزّز خطاباتها المتشنجة، نحو استخدام السلاح والعنف، وفتح بؤر توتر تسعى إليها قوى إقليمية عديدة، ترغب في تمديد نفوذها، بدل شروط المفاوضات السلمية".
وأضاف: "رغم أنّ أمريكا، بقرارها هذا، تنسحب فعلياً من عملية السلام، إلّا أنّ الاتحاد الأوروبي يمكن التعويل على دوره؛ حيث كان له موقف جيد، من أزمة الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ويمكن استنهاض الاتحاد الأوروبي، كي يقوم بدوره تجاه القضية؛ حيث يرفض الجانب الفلسطيني الشراكة الأمريكية في ظلّ إدارة ترامب".
القوى الإرهابية في الصدارة
في السياق ذاته، يوضح الكاتب الصحافي، رامي محمد، لـ "حفريات"، أنّ "قرار ترامب بشأن القدس سوف يتسبَّب في ضعف الحركات السياسية مثل "فتح"، ويدفع بالمجموعات المسلحة والميلشيات التابعة للقوى الإقليمية للواجهة والصدارة، لتلعب أدوراً عديدة؛ وسيجعل حركة مثل "حماس"، تستعيد دورة حياتية جديدة لها، في المشهد السياسي الفلسطيني والإقليمي، مقابل تراجع دور "فتح"، كما أنّ ذلك السيناريو سيسمح لحماس، أن تمتدّ على خطّ واحد مع حزب الله، في لبنان، وتتحرك مع باقي القوى الإقليمية، المتحالفة مع طهران وأنقرة".
وأردف: "إيران التي تتمتع بنفوذ بالغ في العديد من العواصم العربية، إثر الخريف الذي ضرب بعض عواصم الربيع العربي، أعادت حماس إلى ممراتها الدافئة، مرة أخرى، بعد استقرار الأوضاع السورية، فقد وصل أعضاء حركة حماس إلى طهران، مرة أخرى، بهدف استعادة التحالف القديم مع إيران، التي تواجه واشنطن ورئيسها دونالد ترامب، الذي يضع أكثر من علامة استفهام، حول الاتفاق النووي الذي أبرمه سلفه باراك أوباما، مستندة في ذلك إلى حليفها الروسي".
ويرى محمد أنّ قرار ترامب جدير بأن يمنح طهران وحلفاءها، فرصة لخلق صورة عرضية، تحشد فيه موقفاً معارضاً ضدّ تل أبيب، وتصطف مع الحقوق العربية في فلسطين، ومناصرة حركات، مثل حزب الله وحماس، في مواجهة إسرائيل، ليصبح الأمر، كما عبّر عنه، ولي عهد أبو ظبي، محمد بن زايد آل نهيان: "قرار ترامب طوق نجاة للجماعات المتشددة والتنظيمات المسلحة".