الغنوشي يتشبث بالكرسي.. ما الجديد الإخواني في ذلك؟!

الغنوشي يتشبث بالكرسي.. ما الجديد الإخواني في ذلك؟!


28/10/2020

في 6 حزيران (يونيو) الماضي، وخلال حوار تلفزيوني مع قناة "نسمة" التونسية، سُئل رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي عن الترشح لدورة ثالثة، ورغم أنّ السؤال في ذاته يقفز على القانون الداخلي للحركة الذي ينصّ على اقتصار مدة رئيسها على دورتين فقط، غير أنّه كان مشروعاً في ظل أنباء تمّ تداولها وقتها وتحركات مهّدت لإعادة تفصيل ذلك القانون ووصفه بأنه "ليس قرآناً أو مقدّساً".

 

مؤتمر النهضة الـ11 كان يفترض أن يُعقد منذ شهور غير أنّ أزمة كورونا أرجأت ذلك

بثبات ووجه ديمقراطي باسم، جاوب الغنوشي قائلاً: "أحترم قانون النهضة ما دام قائماً، لافتاً إلى أنّ القانون يتيح فترتين فقط". الإجابة جاءت حمّالة أوجه، فلم تقطع القلق عن تغيرات في القانون تمهّد لاستمراره، وفي الوقت نفسه تركت الباب مفتوحاً أمام آمال التخلي عن الزعامة مقابل احترام القانون.

مؤتمر النهضة الـ11 كان يفترض أن يُعقد منذ شهور، غير أنّ أزمة كورونا أرجأت انعقاده، وذهبت التوقعات والتعهدات بعقده قبل نهاية العام الجاري.

 

وبعد نحو 3 شهور من تصريحات الغنوشي حول القانون واحترامه، وقّع 100 عضو في الحركة، منتصف أيلول (سبتمبر) الماضي، بينهم قيادات تاريخية وازنة، على عريضة للمطالبة بتجديد القيادة وتداول السلطة، لقطع الطريق على أيّ محاولات للالتفاف.

اقرأ أيضاً: جناح الغنوشي داخل النهضة يناور بمبادرات شكلية لربح الوقت

وقتها لم تكن مبادرة المقرّبين من الغنوشي قد صدرت بعد، فقد تمّ الإعلان عنها بعد أكثر من شهر من تاريخ صدور تلك العريضة، واقترحت المبادرة تمديد ولاية الغنوشي عاماً ونصف العام أو عامين، والتمهيد لترشيحه في الانتخابات الرئاسية في 2024.

 

النبرة التي تبنّاها الغنوشي بإصراره على ولاية ثالثة هي جوهر فكرة الجماعة وأيديولوجيتها

وماذا كان موقف الغنوشي من العريضة؟ كشّر الزعيم عن أنيابه، وانتقد وضرب في معارضيه بردٍّ شديد اللهجة، يقول فيه: "إنّ الزعماء في الأحزاب الديمقراطية، وليس الرؤساء، يشكّلون الاستثناء من القاعدة، لقدرتهم على الصمود في مواجهة عامل التهرئة العنصر الفاعل في التداول"، مضيفاً: "الزعماء جلودهم خشنة"، وذلك حسب ما نقله موقع "روسيا اليوم" عن قناة "نسمة" التونسية.

اقرأ أيضاً: هل تثبت تهمة التزوير على الغنوشي؟

بيان الغنوشي يحسم إذاً ولايته الثالثة أو تمديد الثانية، ليس لأنّ الـ100 شخصية غير ذوي حجّة أو تأثير، ولكن لأنّ تلك النبرة التي تبنّاها الغنوشي هي جوهر فكرة الجماعة وأيديولوجيتها، التي تعتمد على الولاء لا الديمقراطية، والبيعة لا العضوية، حتى لو تغنّت بالشعارات التقدمية والديمقراطية  على سبيل الاستهلاك لا التطبيق.

الغنوشي إذاً، وحركة النهضة في تونس، ليسوا بدعاً من الإخوان، بل هم جزء أصيل ومتّسق على نحو تام مع الحالة الوجودية الأصيلة للجماعة، ومن ثمّ فإنّ استدعاء الغنوشي لفظ "الزعامة" جاء كتذكير للمعترضين بالحالة التي وجدت عليها الجماعة وأدبياتها.

وتستثمر جماعة الإخوان المسلمين في الرمز أكثر من الأدبيات والمعنى، والتي لن تستطيع الصمود في حال تمّ طرحها بموضوعية للنقاش، وتصبح دعاواهم نفسها عرضة للانهيار والتفكك بين قواعدهم إذا تمّ الاعتماد عليها، لذا فإنّ جلّ الاهتمام والتركيز ينصبّ على الرمزية.

اقرأ أيضاً: ألغام الغنوشي في طريق الخضراء

تعتمد الجماعة على خلق "الرمز"، وتنتعش بمحاولات الخصوم النيل منه وانتقاده، إذ تتغذّى عبر تلك الانتقادات لتغذية نظرية المؤامرة والنيل من المشروع، ولذلك أيضاً استغلت تجديد الثقة بالغنوشي، بعد مطالب سحبها من البرلمان، على أنها نصر مبين، رغم أنّ المشاكل والأزمات التي خلّفها الغنوشي نفسه وورّط فيها الحركة كانت ما تزال قائمة.

 

السيناريو التركي الأقرب لنظيره التونسي: استمرار الرمزية وأهل الثقة مقابل توسّع حركة الانشقاقات

وانطلاقاً من تلك الحالة، يثق الغنوشي والمقربون منه بقدرتهم على تمرير المبادرة الأخيرة التي طرحها القياديان في حركة النهضة عبد الكريم الهاروني ورفيق عبد السلام بهدف ترحيل مؤتمر الحزب مرّة أخرى.

وأكدت المبادرة، التي حملت عنوان "من أجل مؤتمر توافقي يجدّد مشروع النهضة ويحقق التداول القيادي"، أنّه "رغم وجود قرار سابق بعقد المؤتمر في نهاية عام 2020، إلّا أنه عند التمحيص الدقيق يتبيّن صعوبة إنجازه في المواقيت المحددة، وذلك لاعتبارات ظرفية وسياسية"، بحسب ما أوردته صحيفة "العرب" اللندنية.

الاعتبارات الظرفية والسياسية هي جلّ ما تعتمد عليه الحركة منذ شهور للدفع نحو استمرار الغنوشي في منصبه، على اعتبار أنّ الغنوشي يُعدّ رمزاً، وسقوطه أو تنحيته، انقياداً لمبادئ الديمقراطية تعني انتصاراً للمعسكر الآخر من المعارضين بل المعادين، وفق أدبيات الإخوان وغرفهم المغلقة.

 

تعتمد الجماعة على خلق "الرمز" وتنتعش بمحاولات الخصوم النيل منه وانتقاده

ولا تُعدّ تلك الشعارات أو تقديم الرمزية على الديمقراطية وشعاراتها بالحدث الجديد، فكما حدث في تركيا من قبل، يجري الوضع في تونس الآن، وإذا كان أردوغان قد رضي بفتراته المنتهية في الحكم، أو جلس متيحاً الفرصة لتجديد الدماء، فربما كان ذلك تكرّر مع الغنوشي الآن في تونس.

ويظل السيناريو التركي هو الأقرب لنظيره التونسي، على الوجهين: استمرار الرمزية وأهل الثقة مقابل توسّع حركة الانشقاقات، حيث تتوالى الانشقاقات من الحزب في تركيا، والخسائر في القواعد الشعبية، وهو مرجح أن يتكرّر في تونس نتيجة التحايل على اللائحة الداخلية للحركة.

ومن ثمّ، فمن غير المستبعد أن تنتهي عريضة الـ100 المنحازين للحرّية، بالمنشقين الـ100 أو أكثر من مؤيدي الفكرة والتداول، خصوصاً بين صفوف الشباب.

ويدعم ذلك السيناريو أيضاً تصدّع بنيان النهضة منذ شهور، باستقالات قيادات تاريخية في الحركة، من بينهم نائب رئيس حركة النهضة والمرشح الرئاسي السابق عبد الفتاح مورو، في أيار (مايو) الماضي، وقبله القيادي في الحركة عبد الحميد الجلاصي.

اقرأ أيضاً: الغنوشي يفكر في الترشح لرئاسة تونس رغم تآكل شعبيته

وقد أعلنت عضوة مجلس الشورى آمنة الدريدي استقالتها قبل أيام من الحركة، وتكشف الاستقالة "عمق الأزمة الداخلية التي يعرفها هذا الحزب منذ إعلان الغنوشي نيته التمديد على رأس الحركة، وذلك في تجاهل تام لمقتضيات النظام الداخلي للحزب، الذي لا يسمح له بالترشح لرئاسة الحزب للمرّة الثالثة على التوالي"، بحسب ما أوردته جريدة "الشرق الأوسط".


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية