
يلقي سكان قطاع غزة اللوم على حركة حماس في تدمير قطاع غزة، وإصرار الاحتلال الإسرائيلي على الاستمرار في الحرب ورفض الانسحاب الكامل من القطاع، لا سيّما بعد تحدي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو العالم ودخول مدينة رفح، والسيطرة على محور صلاح الدين (فيلادلفيا) على الحدود مع مصر، ورفض الانسحاب، رغم ضغوط الوسطاء والإدارة الأمريكية بضرورة الانسحاب الجزئي لإتمام صفقة تبادل.
في الواقع ما قامت به حماس في 7 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي بمثابة انتحار ونكبة جديدة للسكان في غزة، الذين يتعرضون كل عامين إلى موجة تصعيد عسكري على إثر استفزازات حماس المتواصلة للإسرائيليين، وذلك فيما يخص الأوضاع في الضفة الغربية والمسجد الأقصى، بالإضافة إلى التضييق الإسرائيلي على حكومة حماس، ومنع دخول المساعدات المالية القطرية المقدمة شهريّاً لحركة حماس.
دور إيراني
على صعيد إيران، تُعتبر الداعم الأساسي لحماس عسكرياً ومالياً، لكنّ حجم الدعم المقدم لحركة حماس لا يؤهلها لخوض معركة واسعة مع إسرائيل، وهناك دور واضح من قبل إيران للزج بحماس للتصعيد مع إسرائيل، كي تنتقم من إسرائيل رداً على عمليات الاغتيال المتكررة التي قامت بها إسرائيل داخل إيران، وأدت إلى موجة من الاغتيالات في صفوف عدد من قادتها، إلى جانب محاولات تفجير بعض المفاعلات النووية.
ونقلت صحيفة (وول ستريت جورنال) عن مسؤولين في حماس، لم تسمّهم، قولهم: إنّ الحرس الثوري ساعد في التخطيط لهجمات 7 تشرين الأول (أكتوبر) على إسرائيل، في حين قال مسؤولون إسرائيليون إنّ إسرائيل لديها معلومات بتورط أيادٍ إيرانية في الهجمات المفاجئة على إسرائيل، ويأتي هذا الاعتقاد بعد الارتباط الكبير بين الطرفين، وتقديم إيران على مدار أعوام الدعم المالي والعسكري لحماس.
حماس بدأت مع دخول الحرب عامها الأول الإدراك بأنّها تورطت في حرب، وهي لا تعلم كيف تخرج منها، فقد ظهرت خلال الآونة الأخيرة تصريحات من قادة حماس يقولون فيها: إنّ الحركة أخطأت التقدير، ولم تكن تعلم أنّ ما سيجري من عملية كالتي جرت في 7 تشرين الأول (أكتوبر) سوف يؤدي إلى هذا الحجم من الدمار الهائل فى البنى التحتية، حتى على صعيد السكان فقد استخدمت إسرائيل منذ بداية الحرب النهج العقابي، من خلال مسح المربعات السكنية على رؤوس ساكنيها، عدا عن نسف الأحياء السكنية وقتل أكبر عدد من الفلسطينيين منذ بداية الصراع، وما زالت ترتكب المزيد من مجازر الإبادة بحق السكان في غزة.
خلال الأشهر الماضية، وتحديداً مطلع نيسان (أبريل) الماضي، كانت هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق هدنة في غزة قبل دخول القوات الإسرائيلية مدينة رفح، لكنّ تمسك حماس ببعض الشروط، التي تراجعت فيما بعد عنها، أدت إلى تغول الاحتلال الإسرائيلي ودخول مدينة رفح، وتهجير مئات الآلاف من النازحين والسكان فيها، عدا عن الدمار الكبير الذي حل بالمدينة، واحتلالها من قبل الجيش مع دخول العملية في المدينة شهرها الخامس على التوالي.
أخطؤوا التقدير
في سياق ذلك يقول الكاتب والمحلل السياسي شريف السيد: إنّ "حماس، وخاصة قادتها العسكريين، اتخذوا خيار الهجوم على مستوطنات غلاف غزة، ولم يدركوا بالفعل تداعيات الرد الإسرائيلي، الذي جاء على عكس ما كانوا يتوقعون، بل كانوا يعتقدون أنّ ثمة أموراً تحقق لهم الانتصار في ذلك، ومنها ضعف الائتلاف الحكومي القائم، واحتمالية تفككه نتيجة سنّ الحكومة تشريعات أغضبت المجتمع الإسرائيلي، من بينها الإصلاحات القضائية، وقضايا الفساد التي يُتهم بها نتنياهو".
وأوضح السيد، في حديثه لـ (حفريات)، أنّ "حماس أخطأت التقدير كما صدر عن بعض مسؤولين في الحركة حول تداعيات الهجوم، إلى جانب أنّ تعنت الحركة في بعض القضايا المتعلقة بمفاوضات تبادل الأسرى كان مضيعة للوقت، وأدى ذلك إلى استغلال الطرف الإسرائيلي للوقت وخلط الأوراق، والانسحاب من المفاوضات تحت ذريعة رفض حماس التعاطي مع المقترحات".
ولفت إلى أنّ "قطاع غزة بات غير صالح للعيش نهائياً، بعد أن دمّر الاحتلال الإسرائيلي ما يقارب من 80% من القطاع، على صعيد المناطق السكانية والبنى التحتية والمنشآت الاقتصادية والتجارية، وهذا أغضب السكان في غزة الذين خسروا بيوتهم وأعمالهم وأموالهم، ويعيشون في خيام، ولا يعرفون مصيرهم في ظل استمرار الحرب".
طوق نجاة
أمّا الكاتب والمختص في الشأن الإسرائيلي فتحي بوزية، فيقول: إنّ "ما فعلته حماس في 7 تشرين الأول (أكتوبر) كان بمثابة طوق نجاة لنتنياهو، الذي كان يعاني ائتلافه من التفكك، وهو مهدد شخصياً بالمحاكمة ودخول السجن، على إثر قضايا الفساد المتهم بها".
وأشار في حديثه لـ (حفريات) إلى أنّ "السكان في غزة يعيشون منذ أن تولت حماس زمام الأمور فيها تدهوراً في أوضاعهم المعيشية؛ نتيجة الحصار الإسرائيلي المفروض على القطاع منذ عام 2007، وهذا الحصار زاد من نسبة الفقر المدقع بين السكان، وبات قرابة 85% من السكان يعتمدون على المعونات المقدمة من المؤسسات الإغاثية الدولية".
ولم يستبعد الكاتب أن "يكون هناك دور بارز لإيران في الذي جرى، خاصة بعد أن توصلت السعودية بوساطة أمريكية لإقامة سلام مع إسرائيل، وقد عارضت إيران بشدة هذا التقارب، ووصفته بالعبثي قبل هجوم 7 تشرين الأول (أكتوبر) بأيام قليلة، ممّا يفسر لعب إيران دوراً في دفع حماس وإعطاء الموافقة لها لتنفيذ الهجوم المفاجئ والصادم بالنسبة إلى إسرائيل".
وبيّن أنّ "نتنياهو حاول كسب الوقت والمراوغة في التوصل إلى أيّ اتفاق، برغم جهود الوسطاء ومحاولة الرئيس بايدن دفع التوصل إلى وقف إطلاق نار، من أجل هدفين: الأول هروب نتنياهو من التحقيق في إخفاق هجوم 7 تشرين الأول (أكتوبر) ودخوله السجن، والهدف الثاني ضرب محور المقاومة وصولاً إلى إيران، وهذا ما نشهده اليوم من تمدد المعارك على جبهات المحور، وصولاً إلى نشوب حرب واسعة النطاق في المنطقة بدفع من نتنياهو".
حياتهم دمّرت
قابلت (حفريات) عدداً من النازحين في منطقة مواصي خان يونس التي تعج بخيام النازحين ونقلت معاناتهم، وقد أكد عدد من المواطنين النازحين أنّ حماس تسببت لهم بكارثة غير مسبوقة، وحولت حياتهم إلى جحيم، ويقول النازح جهاد محمود: كنت أسكن فى بيت آمن ونظيف ولديّ مصدر دخل، وحياتنا بالرغم من الصعوبات كانت إيجابية، لكنّ ما أقدمت عليه حماس قد دمّر الشعب ولم تبقِ أفعالها لأحدٍ منزلاً أو مصلحة تجارية، بعد الدمار الهائل الذي لحق بكافة مناطق القطاع.
أمّا النازحة أم ياسر، فلم تعد قادرة على تلبية احتياجات أسرتها، والتي كانت تعمل قبل الحرب لتعيل أسرتها بعد وفاة زوجها، وها هي اليوم تعيش في خيمة بجانب مكبّ للنفايات ولا تجد مصدر دخل ولا حياة كريمة، وتلقي باللوم على حماس التي أوصلت السكان إلى هذا الوضع الصعب، وتركتهم يأكلون بعضهم بعضاً.
يُذكر أنّ كتائب القسام، الجناح المسلح لحركة حماس، قد شنت في 7 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي هجوماً بريّاً على مستوطنات غلاف غزة وقتلت عدداً كبيراً من الإسرائيليين، وأعلنت عن بدء معركة "طوفان الأقصى"؛ وهو ما أدى إلى شنّ إسرائيل حرب إبادة ضد المدنيين في قطاع غزة.