العنف السياسي و"حزب الله" نموذجاً

العنف السياسي و"حزب الله" نموذجاً

العنف السياسي و"حزب الله" نموذجاً


08/05/2025

ايلي إلياس

منذ انتهاء الحرب الأهلية في لبنان، لم ينعم هذا البلد بيوم واحد من الاستقرار الحقيقي. صحيح أن اتفاق الطائف أوقف أصوات المدافع، لكنه فشل في ترسيخ أسس دولة قوية، عادلة، وسيدة على قرارها. بل على العكس، وُلد لبنان ما بعد الحرب على قاعدة التسويات الهشة، وأُعيد ترميم النظام السياسي فوق ركام التنازلات، بينما بقيت الساحة مفتوحة لتدخلات الخارج وسلاح الداخل.

في قلب هذا المشهد، برز العنف السياسي كأداة ثابتة للترهيب والسيطرة، لا كحالة استثنائية. ومنذ منتصف التسعينات، بدأ يتشكل واقع جديد: دولة في الشكل، ولكنها مرهونة، خاضعة، مقيدة في جوهرها.

العنف لم يكن دوماً انفجاراً أو رصاصة. بل أحياناً كلمة تهديد، أو تلميحاً بسلاح، أو فراغاً دستورياً يُفرَض عمداً، أو رئيساً يُمنع انتخابه، أو حكومة تُعطَّل حتى الخضوع. كل هذا لم يكن ليحدث لولا امتلاك طرف سياسي واحد سلاحاً خارج الدولة، وقراره السياسي متصل مباشرة بمحاور إقليمية لا ترى في لبنان وطناً، بل ساحة.

ما حصل في 7 أيار 2008 لم يكن سوى التتويج الفجّ لهذا النهج. ففي ذلك اليوم، اجتاح سلاح "المقاومة" بيروت وجبل لبنان، لا ليواجه إسرائيل، بل ليواجه مواطنين لبنانيين يرفضون أن يبقى أمنهم وقرارهم رهينة شبكة اتصالات أمنية تابعة لحزب. كانت الرسالة أوضح من أي بيان: من يجرؤ على الدولة، نكسره. من يعارض سلاحنا، نخضعه. ومن يطالب بتطبيق القانون، نواجهه بالرصاص.

ورغم فظاعة ما جرى في ذلك الأسبوع الأسود، إلا أن الانقلاب السياسي كان أوسع من اجتياح الشوارع. فمنذ ذلك التاريخ، تحوّلت الحكومات إلى رهائن تفاهمات ما بعد السلاح، وتحول "الثلث المعطّل" إلى حق مكتسب، وتحولت السيادة إلى ذكرى.

تكررت بعدها صور العنف بأشكال مختلفة: اغتيالات صامتة، كمين سياسي لمن يطالب بالحياد، قمع للاحتجاجات، تهديد للقضاة، وترهيب للإعلام. وما إن تُطرح مسألة السلاح على طاولة الحوار، حتى يعود الخطاب التخويني، ويُستعاد شعار "المقاومة فوق الدولة"، وكأن الوطن مشروع عسكري لا مدني، وكأن المواطن لا يحق له أن يحلم بدولة تحميه من دون وساطة ميليشيا.

الحقيقة المُرّة التي لم يعد ممكناً التهرب منها هي أن لبنان لا يُمكن أن ينهض، لا اقتصادياً، ولا سياسياً، ولا اجتماعياً، ما دام هناك تساهل مع سلاح غير شرعي يتحكم في كل مفاصل الدولة، ويمنع أي تغيير أو إصلاح لا يمر عبره. هناك فرصة دولية اليوم لبناء الدولة ما علينا سوى القيام بخطوة واحدة فقط وهي الاعتراف بأن المشكلة ليست تقنية ولا طائفية ولا ظرفية بل بنيوية: كيف تُبنى دولة فيما السلاح هو الحاكم الفعلي، والدستور مُعطل بإشارة من خارج الحدود؟

الخروج من هذا النفق المظلم لا يبدأ من تسوية جديدة، ولا من مؤتمر دولي، ولا من حوار شكلي. البداية الحقيقية للعلاج هي الاعتراف أن أصل البلاء هو سلاح "حزب الله"، وأن بناء دولة طبيعية يستحيل في ظل معادلة السلاح قبل الدستور، والفيتو قبل الانتخاب، والتعطيل قبل المؤسسات.

لبنان لا يحتاج إلى بطل جديد، بل إلى إرادة وطنية جامعة ترفض الانصياع مجدداً تحت راية "الواقعية السياسية"، وتتمسك بأن لا كرامة مع الخضوع، ولا إصلاح مع الفرض، ولا سيادة مع الخوف.

لقد آن الأوان لقولها بلا وجل: 7 أيار لم يكن حادثة عابرة، بل نموذج حكم قائم حتى اليوم. ومن يريد أن يفتح صفحة جديدة للبنان، عليه أن يطوي أولاً صفحة هذا اليوم الأسود، وأن يعيد السلاح إلى الدولة، لا الدولة إلى السلاح.

نداء الوطن




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية