العراق: اتهامات لسياسيين بدعم النزاعات العشائرية على حساب سلطة الدولة... كيف ولماذا؟

 العراق: اتهامات لسياسيين بدعم النزاعات العشائرية على حساب سلطة الدولة... كيف، ولماذا؟

العراق: اتهامات لسياسيين بدعم النزاعات العشائرية على حساب سلطة الدولة... كيف ولماذا؟


11/05/2023

في أكثر الأحيان تضطر السلطات الأمنية أن تقف موقف المتفرّج من النزاعات العشائرية المتفاقمة في مناطق وسط وجنوب العراق؛ بل تخرج بعض تلك المناطق عن سيطرة السلطات التي تستجدي الوساطات الاجتماعية لإنقاذ الواقع الأمني من الانهيار. اتهامات محلية توجه إلى قوى سياسية وفصائل مسلحة في إذكاء الصراعات العشائرية، وتعزيز لغة العنف المسلّح في تلك المدن الخاضعة لهيمنة القوى المتشددة سياسياً واجتماعياً. ويرى المتهمون بتأجيج العنف الاجتماعي أنّ الثقافة العشائرية المغلقة هي التي تقف وراء تناسل ذلك العنف الذي بلغ ذروته في الآونة الأخيرة.

وقد انخفضت وتيرة الأعراف والنزاعات العشائرية كثيراً في زمن النظام العراقي السابق الذي "أسقطته أمريكا في نيسان (أبريل) 2003"، لجهة علمانية الدولة، وقيام النظام ذاته بمكافحة الظواهر الاجتماعية العنفية، عن طريق القانون والعقوبات الميدانية. واستفحلت تلك الممارسات في عهد النظام الحالي، لحاجة الأخير إلى العشائر العراقية، بوصفها إحدى الرافعات التي يرتكز عليها النظام الجديد.

وخُصص في هيكلية السلطة الجديدة دوائر حكومية وتشريعية تُعنى بالشؤون العشائرية، بل تم إفراد وزارة لهذا الشأن، قبل أن يشملها التقليص الوزاري في تموز (يوليو) 2011. وعلى الرغم من إعلان وزارة الداخلية فضّ (2400) نزاع عشائري العام الماضي، إلّا أنّه شهد سقوط مئات المدنيين في نزاعات شهدتها محافظات الجنوب.  

قضاء النصر خارج السيطرة

وفي أحدث نزاع عشائري في العراق، خرج قضاء النصر، أحد أقضية محافظة ذي قار، عن سيطرة السلطات الأمنية هناك، وذلك بُعيد مقتل شيخ عشيرة بارز على يد مسلحين ينتمون لعشيرة مناوئة للقتيل.

وتُعدّ محافظة ذي قار (307) كم جنوب بغداد، من أكثر المحافظات الجنوبية التي تشهد صدامات عشائرية، تصل إلى حدّ استخدام الأسلحة المتوسطة من قبل أفراد العشائر المتنازعة.

تُعدّ محافظة ذي قار (307) كم جنوب بغداد، من أكثر المحافظات الجنوبية التي تشهد صدامات عشائرية

مردّ النزاع العشائري الأخير يعود إلى خلاف اجتماعي يتمحور حول بيع عجلة، تطور فيما بعد إلى استخدام السلاح ومن ثم القتل. وشهدت المحافظة الساخنة حظراً للتجوال، ووساطات عشائرية، من أجل التوصل إلى هدنة بين الطرفين المتحاربين.

ويعلل قائد شرطة ذي قار اللواء مكي الخيكاني عدم تمكن قواته من ضبط تلك النزاعات إلى عدم تكافؤ القدرات بين الجهات الأمنية والقوى الأخرى. كاشفاً عن "ضعف الأجهزة المسيطرة على الأرض، مقابل امتلاك المواطنين أسلحة فوق المتوسطة".

أحدث نزاع عشائري في العراق خروج قضاء النصر، أحد أقضية محافظة ذي قار، عن سيطرة السلطات الأمنية هناك، وذلك بُعيد مقتل شيخ عشيرة بارز على يد مسلحين ينتمون لعشيرة مناوئة للقتيل

وخلال العام الجاري، اتخذت وزارة الداخلية قرارات عدة، بشأن تقنين وتقليص تراخيص حيازة الأسلحة، بعد انتشارها بشكل كبير وملحوظ، وزادت من عملياتها الأمنية لضبط كميات كبيرة من الأسلحة غير المرخصة، وضبطت آلاف القطع من السلاح، متوزعة ما بين الخفيف والمتوسط، مع لوازم أخرى مثل المناظير وغيرها.

من يغذّي تلك النزاعات؟

الاتهامات بتغذية النزاعات العشائرية وتطورها إلى العنف المسلّح، توجه إلى القوى السياسية المتناحرة في الجنوب العراقي الساخن بالأحداث. حيث ينتمي الكثير من شباب العشائر إلى الفصائل المسلحة وأحزابها السياسية الراعية لها، الأمر الذي يجعل استخدام السلاح مرخصاً لدى الشباب المنتمين لهذه الحركات.

ويرى الباحث الاجتماعي علي العبادي أنّ عملية التخادم بين السياسي والعشائري هي التي تذكي قوة السلطة العشائرية على حساب قوة وسلطة الدولة. ويشير إلى أنّ "قيام بعض المسؤولين والسياسيين بمغازلة العشائر غير المنضبطة، وذلك لمكاسب انتخابية يتم اللجوء إليها عند ترشحهم للانتخابات، هو ما يغطّي على سلوكياتهم".


الباحث علي العبادي: قيام بعض المسؤولين والسياسيين بمغازلة العشائر غير المنضبطة، وذلك لمكاسب انتخابية يتمّ اللجوء إليها عند ترشحهم للانتخابات، وذلك ما يغطّي على سلوكياتهم

ويشير أيضاً إلى "ضعف تطبيق القانون، وضعف القائمين عليه، أو تخوفهم، فقد وصل الحال عند تدخل أفراد الجيش أو الشرطة لاعتقال مطلوبين بتهم مختلفة، أن تقوم عشائر هؤلاء المعتقلين بمحاسبة المنتسبين الأمنيين؛ ممّا ولّد حالة تخوف من تكرار الحالة".

 ويعزو سبب انتشار الأسلحة المتنوعة في المجتمع إلى "تدفقها إلى السوق السوداء عبر جهات عدة، وبالتالي تدفقها إلى أشخاص أو عشائر بأكملها، إضافة إلى تسليح بعض العشائر لأسباب مختلفة، وأهمها مقاتلة الإرهاب، فيما بعضها يذهب إلى الأيادي الخطأ، أو للنزاع مع عشائر أخرى".

مكافحة الغزو العشائري

وتحاول الحكومة العراقية مكافحة فعاليات الغزو العشائري، من خلال تطبيق قانون مكافحة الإرهاب على حالات ذلك الغزو المعتاد منذ أعوام في المناطق المغلقة قبلياً. إلّا أنّ المحاولات الحكومية لردع مثل هذه الهجمات المحلية المسلحة، باءت بالفشل في أغلب الأحيان.

الاتهامات بتغذية النزاعات العشائرية وتطورها إلى العنف المسلح، توجه إلى القوى السياسية المتناحرة في الجنوب العراقي الساخن

والغزو العشائري، أو ما يُسمَّى محلياً بـ "الدكّة العشائرية"، هو عمل يتلخص بقيام أفراد من عشيرة معينة بتهديد مواطن من عشيرة أخرى، من خلال إطلاقات نارية على منزله، كتحذير شديد لدفعه إلى الجلوس والتفاوض لتسوية الخلاف، وفي حال عدم موافقة الطرف المستهدف، تتطور الأمور لتؤدي إلى وقوع ضحايا من الطرفين.

وأخذت "الدكّة العشائرية" منحى خطيراً، بعد أن شاعت في المدة الأخيرة بشكل غير مسبوق، إذ لم يعد هذا العمل مقتصراً على إطلاق نار فقط، بل وصل مرتكبوه إلى استخدام أسلحة متوسطة، كالرمانات والقاذفات المضادة للدروع؛ ممّا أدى إلى سقوط ضحايا جراء هذه الأعمال.


القضاء يعرب عن استيائه من هيمنة الأعراف العشائرية على حساب القانون المدني، ويرفض إسقاط وصف جريمة "الدكّة العشائرية" بعد اتمام الصلح بين العشيرتين المتحاربتين

وهذه السلوكيات العنيفة تمارس أيضاً في العاصمة بغداد، وتحديداً في مناطق شرق العاصمة، حيث الأغلبية السكانية للمجتمع النازح من المحافظات الجنوبية منذ قيام الجمهورية العراقية في 14 تموز (يوليو) 1958، ويغيب تطبيق القانون في تلك المناطق التي تُعدّ معقلاً للفصائل المسلحة في العاصمة.
وأعرب القضاء العراقي مؤخراً عن استيائه من هيمنة الأعراف العشائرية على حساب القانون المدني، حيث يرفض إسقاط وصف جريمة "الدكّة العشائرية" بعد إتمام الصلح بين العشيرتين المتحاربتين، معتقداً أنّ عملية الصلح لن تردع المتهمين من معاودة الأمر ثانية.

مواضيع ذات صلة:

هل يتدخل المجتمع الدولي لحل أزمة المياه بين العراق وإيران وتركيا؟

الحكومة العراقية متهمة بتكميم الأفواه وقمع حرية التعبير. لماذا؟

العراق: وثيقة مسربة حول اختفاء قاتل هشام الهاشمي. ما الجديد؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية