الحكومة العراقية متهمة بتكميم الأفواه وقمع حرية التعبير. لماذا؟

الحكومة العراقية متهمة بتكميم الأفواه وقمع حرية التعبير. لماذا؟

الحكومة العراقية متهمة بتكميم الأفواه وقمع حرية التعبير. لماذا؟


04/05/2023

ثمّة إتهامات تواجه حكومة محمد شياع السوداني، في العراق، بخصوص التضييق على الحقوق والحريات، خاصة مع خروقات عديدة تتصل بالقمع الذي تعانيه بعض الشخصيات المعارضة، سواء من الصحفيين أو الناشطين، على خلفية مواقفهم السياسية.

وبالتزامن مع وصول السوداني لرئاسة الحكومة، في تشرين أول (أكتوبر) الماضي، صدرت لائحة من هيئة الإعلام والاتصالات العراقية، تهدف إلى وضع ضوابط رقابية مشددة على المحتوى الإعلامي والرقمي. غير أنّ مراقبين اعتبروا نصوص وبنود الوثيقة المكونة من 36 مادة موزعة على 17 فصلاً "فضفاضة". وتفرض هذه الوثيقة أحكاماً، في حال مخالفتها، تصل في حالات محددة إلى حذف المحتوى "الهابط"، أو السجن لمدد متفاوتة، وكذا غرامات تتراوح بين 500 ألف دينار (نحو 350 دولاراً) إلى خمسة ملايين دينار (نحو 3.5 آلاف دولار).   

ومن بين الانتقادات التي وجهها ناشطون وحقوقيون للحكومة الجديدة، استهداف الكتاب والباحثين المعارضين لسياسات السوداني، بينما يحظى آخرون، تحديداً المتهمين بتأجيج الطائفية، والفكر الولائي، بالحرية، وعدم تعرض أيّ منهم لمحاولات "تكميم الأفواه". وقد شهدت فترة تولي السوداني، أو بالأـحرى تكليفه، رئاسة الحكومة، استقطاباً سياسياً حاداً على خلفية الضغوط التي تعرض لها زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، وصدامه مع "الإطار التنسيقي" المقرب من إيران، وانتهت بإعلان اعتزال العملية السياسية، وكان قد فاز بالأغلبية في الانتخابات التشريعية. وبينما لم ينجح الصدر في تشكيل حكومة "الأغلبية الوطنية" لكسر مبدأ الحكومة المحصصاتية، فإنّ القيادي بـ"الإطار" محمد شياع السوداني صعد لمنصبه وسط أجواء محتقنة وحالة من التعبئة.

عادل الخزاعي: لا تستطيع همساً أن تنتقد أيّ مرجع ديني أو جندي ميليشياوي

لذا، بعث توقيف بعض المعارضين، مثل الباحث العراقي، محمد نعناع، وكذا الصحفية قدس السامرائي، لمجرد شنّ حملة هجوم على السوداني، بمخاوف جمّة. كما أنّ قانون "حظر المشروبات الكحولية"، الذي صدر على نحو مباغت، جدد المخاوف على الوضع الحقوقي بالعراق والحريات بصفة عامة، في ظل مجتمع متعدد الطوائف، وتتباين فيه المرجعيات القومية.

منتصف الشهر الماضي، ذكر المرصد العراقي لحقوق الإنسان، أنّه انتبه لوجود "مخاطر كبيرة" على مسألة الحريات المدنية بناء على قانون "مطروح حالياً داخل البرلمان، يتناول تنظيم مسألة التظاهر والحريات العامة والتعبير عن الرأي". ولمّح المرصد الحقوقي إلى أنّه قام بإرسال ملاحظاته حول القانون للبرلمان، مشيراً إلى وجود عوار دستوري في بنوده، بينما يخالف المادة 38 من الدستور العراقي والتي تضمن حرية الرأي والتعبير بكافة الوسائل السلمية. ووصف المصطلحات بالقانون بأنّها "فضفاضة".

بنود "فضفاضة"

وطالب المرصد الحقوقي البرلمان العراقي بضرورة "التشاور مع المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية، قبل تشريعه (القانون) وتحويله إلى طوق يخنق الحريات، ويُعيد اتباع الأساليب والسلوكيات الديكتاتورية التي تخلق فجوة كبيرة بين المواطن ومؤسسات الدولة".

وفي حديثه لـ"حفريات" قال مدير المركز العراقي للحقوق والحريات وعضو المجلس الوطني للمعارضة العراقية، عادل الخزاعي، إنّ حرية التعبير في العراق "تقع تحت وطأة قيود عديدة، الأمر الذي تفاقمه بنود القانون التعسفية، الأمر الذي يمنح السلطة قدرتها على البطش والاعتقال، ومنع تداول المعلومات، والتضييق على حرية التعبير".

بالتزامن مع وصول السوداني لرئاسة الحكومة صدرت لائحة من هيئة الإعلام والاتصالات العراقية، تهدف إلى وضع ضوابط رقابية مشددة على المحتوى الإعلامي والرقمي

وفي المقابل، هناك "دعاوى طائفية تحض على القتل بصريح العبارة ومن دون تعمية، بينما السلطات لا تقترب من هؤلاء سواء بالمساءلة أو تحويل ملفاتهم للقضاء، وذلك لكونهم على صلة بالسلطة"، حسبما يقول الخزاعي.

في نظام يزعم تطبيقه "الديمقراطية ويلتزم بحقوق الإنسان لا تستطيع همساً أن تنتقد أيّ مرجع ديني أو قائد عسكري أو جندي ميليشياوي في فصيل مسلح"، وفق مدير المركز العراقي للحقوق والحريات، الذي أوضح أنّ هذه "المواقف وحدها قد تكون نتيجتها القتل أو الاعتقال".

ويردف: "في حال كنت أحد المقربين من السلطة وتحقق مصالحها التي تقوم على المحاصصة الطائفية والولائية، فإنّ تهديد مدينة أو طائفة بالعراق يعد أمراً متاحاً ومن دون سقف، بل ستجد الحماية والشرعية من سائر الأجهزة والمؤسسات بما فيها القضاء".

 نبيل جبار التميمي: خفض سقف الحريات

ربما، سيتجه العراق إلى "ديكتاتورية جديدة"، خصوصاً بعد إقرار قانون "جرائم المعلوماتية" الذي تم كتابته بـ"مقولات وعبارات فضفاضة"، على حد تعبير الخزاعي، ما يعني استهداف "المعارضة السياسية والبطش بها". غير أنّ "الخبر الأسوأ هو تسريب قائمة، بالتزامن مع صدور معلومات حول القانون، تضم أكثر من مائتي صحفي وإعلامي ومدون وناشط ومقدم برامج، بينما يتم، الآن، جمع معلومات عنهم حتى تسهل عملية تقديمهم إلى القضاء بتهم مختلفة".

إدانة أممية

قالت منظمة العفو الدولية إنّه يجب على حكومة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني الجديدة أن تأخذ مساراً مختلفاً عن الحكومات السابقة التي أخفقت فيما يتعلق بالعدالة والحقيقة والتعويض، وأن تتصدى لانتهاكات حقوق الإنسان المتفشية في العراق.

وتابعت: "التزم رئيس الوزراء علناً في مناسبتين على الأقل بحماية الحريات العامة وحقوق الإنسان. لكن بعد أقل من عدة أشهر من تولي إدارته السلطة، أنشأت وزارة الداخلية آليات جديدة لمراقبة "المحتوى الهابط" على وسائل التواصل الاجتماعي، مما أدى بالفعل إلى إصدار المحاكم أحكاماً على ستة أشخاص بالسجن لممارستهم حقهم في حرية التعبير".

مدير المركز العراقي للحقوق والحريات، عادل الخزاعي لـ"حفريات": حرية التعبير في العراق تقع تحت وطأة قيود عديدة، الأمر الذي تفاقمه بنود القانون التعسفية

وطالبت المنظمة الأممية، المعنية بحقوق الإنسان، الحكومة في بغداد بـ "ضمان إحراز تقدم ملموس في عملية المساءلة المتوقفة عن حملة قمع الاحتجاجات في 2019، وإعطاء الأولوية للقضايا التي طال أمدها مثل حصول النازحين على سُبل كسب العيش، والعنف القائم على النوع الاجتماعي، وأحكام الإعدام الصادرة بعد محاكمات جائرة".

وقالت آية مجذوب، نائبة مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية إنّ "المعيار الحقيقي لالتزام الحكومة بحقوق الإنسان ليس في الوعود التي تقطعها، بل في الإجراءات التي تتخذها. إنّ شعب العراق يستحق أكثر من مجرد خطب فارغة وحلقات مفرغة من الانتهاكات".

إلى ذلك، يرى المحلل السياسي العراقي، نبيل جبار التميمي، أنّه مع كل حكومة ومجلس نيابي جديد ومنتخب، تظهر، في كل مرة، دعوات لتشريع قانون ينظم حرية الرأي والتعبير، والذي "يشتد حوله السجال دائماً بين أطراف نيابية وحكومية، ترى ضرورة أن يكون هناك نوع من التنظيم والرقابة لأدوات النشر المختلفة، المرئية والمسموعة والمقروءة، فضلاً عن مواقع التواصل الاجتماعي، وأيضاً تنظيم التظاهرات".

منظمة العفو الدولية: يجب على حكومة محمد شياع السوداني الجديدة أن تتصدى لانتهاكات حقوق الإنسان المتفشية في العراق

ويرى ناشطون وحقوقيون أنّ ما يجري "محاولات سياسية لخفض سقف الحريات المنصوص عليها دستورياً، وأن مثل هذه القوانيين تسعى لإنهاء وقمع أصوات المعارضة السياسية غير المنظمة، مثل منظمات المجتمع المدني، والمثقفين، بالإضافة إلى المطالبين بالحقوق العامة المدنية والخدمية"، حسبما يقول جبار التميمي لـ"حفريات".

ويردف: "تطغى دائماً على اللوائح والتشريعات، التي تحاول أن تقدمها الحكومات المتعاقبة بالعراق، وكذا البرلمانات المتعاقبة بدوراتها المختلفة فيما يخص تلك القوانين، مواد ضبابية فضفاضة ومرنة، بحيث تتيح للسلطات إمكانية تفسيرها بحسب تقديراتها المختلفة وعلى أكثر من وجه. لم تتضمن مثل هذه اللوائح أيّ صيغة تضمن الحقوق المدنية، أو تحدد الآليات، التي من خلالها تتم عملية تداول المعلومات ونشر الآراء".

ويختتم المحلل السياسي العراقي حديثه قائلاً إنّ منصات إعلامية عديدة، ومنها مواقع التواصل الاجتماعي، تحفل بـ"الأنشطة المشبوهة والتي قد يرتبط الكثير منها بأجندة سياسية، لها أهداف خاصة، منها تصفية حسابات سياسية، مع الأخذ في الاعتبار أنّ حسابات وصفحات عديدة عبر مواقع التواصل الاجتماعي تتولى إدارتها شخصيات تحظى بتقدير اجتماعي ما، الأمر الذي يجعل هؤلاء في سياق نشر بعض المواد الدعائية، سواء سياسية أو أيديولوجية، يقعون في أفخاخ نشر الأكاذيب وتضليل المواطنين، مما يتطلب، أحياناً، إجراءات لوضع قوانين ولوائح جديدة تتناسب مع تلك المتغيرات الجديدة في فضاء النشر في عصر الحداثة".

مواضيع ذات صلة:

العراق: في أول تعديل وزاري لها.. قاطرة السوداني تصطدم بحجر الكتل السياسية

تنامي الحركات المهدوية في العراق: هل يشكل "أهل القضية" أزمةً لمقتدى الصدر؟

العراق: وثيقة مسربة حول اختفاء قاتل هشام الهاشمي. ما الجديد؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية