الظل الأسود يعود: مخاوف دولية من انتعاش "داعش" بعد سقوط النظام في دمشق

الظل الأسود يعود: مخاوف دولية من انتعاش "داعش" بعد سقوط النظام في دمشق

الظل الأسود يعود: مخاوف دولية من انتعاش "داعش" بعد سقوط النظام في دمشق


15/06/2025

يشكل تنظيم "داعش" تهديدًا مستمرًا للأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، رغم الهزائم العسكرية التي تلقاها في سوريا والعراق خلال السنوات الماضية. إذ حذر زعماء في المنطقة وحلفاء غربيون من استغلال التنظيم لسقوط نظام بشار الأسد ومحاولته استعادة قوته ونفوذه. 

ووفقًا لوكالة "رويترز"، يرى أكثر من 20 مصدرًا أمنياً وسياسياً من سوريا والعراق والولايات المتحدة وأوروبا ودبلوماسيين في المنطقة أن تنظيم "داعش" يسعى لاستعادة سيطرته وفرض سطوته من جديد على هذه الدول. هذه المخاوف تتزايد مع رصد وصول مقاتلين أجانب إلى سوريا وانطلاق عمليات إعادة تنشيط خلاياه ورفع وتيرة تجنيده وأنشطته الإرهابية.

الوضع الحالي لتنظيم "داعش" في سوريا والعراق

وقد حذر مسؤولون أمنيون في سوريا والعراق من أن تنظيم "داعش" بدأ في إعادة تنشيط خلاياه ونشط في توزيع الأسلحة وتحريك مقاتليه نحو مناطق عدة داخل البلدين، خاصة بعد سقوط الأسد. 

وتشير المصادر إلى وجود تنسيق بين قيادات التنظيم المتحصنة قرب الرقة وإرسال مبعوثين إلى العراق لتوجيه الهجمات الإرهابية، ما يؤكد أن التنظيم لم ينكسر بل يعيد ترتيب صفوفه. 

يشكل تنظيم "داعش" تهديدًا مستمرًا للأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط

ووفقًا لبيانات مجموعة "سايت إنتيليجنس"، أعلن التنظيم مسؤوليته عن 38 هجومًا في سوريا خلال الأشهر الخمسة الأولى من 2025، ويتوقع أن يعلن عن أكثر من 90 هجومًا خلال العام، رغم تراجع الهجمات في العراق.

من جهتها، أشارت تقارير إلى أن التنظيم نقل مقاتلين من الصحراء السورية، التي كانت مستهدفة من الضربات الجوية للتحالف الدولي، إلى مدن مثل حلب وحمص ودمشق. 

كما أفادت الأمم المتحدة أن لدى داعش ما بين 1500 إلى 3000 مقاتل في سوريا والعراق، ما يشكل تهديدًا ملموسًا. ورغم ضعف قدرات التنظيم على السيطرة الميدانية بعد طرده من آخر معاقله عام 2019، إلا أن التحركات الحالية تبرز استراتيجية جديدة للتنظيم، لا تعتمد السيطرة المباشرة على الأراضي، بل على الانتشار الخفي والخلايا النائمة.

استغلال سقوط نظام الأسد: فرصة لعودة التنظيم

ويرى كثير من الخبراء أن سقوط نظام بشار الأسد أدى إلى فراغ أمني وسياسي ملائم لتنظيم "داعش" ليعيد نشاطه. فقد كانت الحرب الأهلية السورية والفوضى الناتجة عنها أرضًا خصبة للتنظيم منذ عام 2014، حين استولى على مساحات واسعة من الأراضي وأعلن "الخلافة الإسلامية". 

التنظيم يحاول استغلال هذا الوضع عبر تنشيط خلاياه النائمة داخل المدن الكبرى وتوزيع الأسلحة والمواد المتفجرة

لكن بعد سقوط الأسد، تتغير الديناميكيات السياسية والعسكرية، الأمر الذي قد يفسح المجال للتنظيم للاستفادة من ضعف السلطات المركزية وتوترات الفصائل المسلحة.

وتؤكد مصادر أمنية وسلطات محلية في سوريا والعراق إن التنظيم يحاول استغلال هذا الوضع عبر تنشيط خلاياه النائمة داخل المدن الكبرى وتوزيع الأسلحة والمواد المتفجرة، كما يحاول استقطاب مقاتلين جدد خصوصًا من المقاتلين الأجانب الذين يأتون من أوروبا وآسيا وأفريقيا. ويخشى مراقبون أن يكون سقوط النظام السوري مدخلًا لعودة سيناريو الإرهاب والفوضى، إذ تضعف مؤسسات الدولة وتكثر الانقسامات.

خطر المقاتلين الأجانب وتجدد شبكات التجنيد

هذا وتعد قضية المقاتلين الأجانب من أخطر التهديدات التي تواجه الأمن الإقليمي والدولي في الوقت الحالي، فوفقًا لتقارير أمنية أوروبية، رصدت أجهزة المخابرات وصول مقاتلين أجانب من أوروبا إلى سوريا بعد فترة من التراجع، وهو ما يثير المخاوف من تجدد شبكات التجنيد التي تعتمد عليها الجماعات المتطرفة، ومنها داعش، لإعادة بناء صفوفها. 

ورغم عدم وضوح الجهة التي جندت هؤلاء المقاتلين، فإن تتبع هذه التحركات يشير إلى احتمالية ضلوع التنظيم أو فصائل أخرى ذات طبيعة مشابهة.

رصدت أجهزة المخابرات وصول مقاتلين أجانب من أوروبا إلى سوريا بعد فترة من التراجع

هذا التحدي يصعب مواجهته بسبب التنقل السريع للمقاتلين بين الحدود وغياب الرقابة الأمنية الكاملة، ما يزيد من قدرة التنظيم على تنفيذ هجمات إرهابية داخل سوريا والعراق وربما خارجهما. 

ويؤكد مسؤولون في مكافحة الإرهاب أن هجمات التنظيم لا تقتصر على العمليات التفجيرية فقط، بل تشمل أيضًا استهداف القوات الأمنية والقرى والبلدات التي تعارض التنظيم.

الاستراتيجية الجديدة لداعش: إعادة الصياغة والتحول

ووفقًا لتحليل مديرة موقع "سايت" ريتا كاتز، فإن تراجع هجمات داعش في سوريا لا يعني ضعفًا بل دخول مرحلة إعادة صياغة استراتيجية. حيث يعمل التنظيم على تنشيط خلايا نائمة، توزيع الأسلحة، تجهيز المتفجرات، واستخدام كواتم الصوت لاستهداف قوات الأمن والمدنيين بطريقة أكثر دقة وسرية. ويبدو أن التنظيم يحاول الابتعاد عن المواجهات المباشرة التي كلفته الكثير خلال السنوات الماضية، ويتجه نحو اعتماد أساليب حرب العصابات والهجمات الخاطفة.

ويدعم هذا التوجه تصريحات مسؤول دفاعي أمريكي أكّد أن زعيم التنظيم في الصومال عبد القادر مؤمن يدير الذراع العملياتي للتنظيم، ما يعكس تنوع مناطق نشاط داعش وتوسع شبكته إلى أفريقيا. وهذا يضيف بعدًا جديدًا لتهديد التنظيم، إذ لم يعد محصورًا في سوريا والعراق فقط، بل يسعى لبناء قواعد دعم إقليمية ودولية.

يعمل التنظيم على تنشيط خلايا نائمة، توزيع الأسلحة، تجهيز المتفجرات، واستخدام كواتم الصوت لاستهداف قوات الأمن والمدنيين بطريقة أكثر دقة وسرية

جهود دولية وإقليمية لمكافحة عودة داعش

ورغم تصاعد نشاط داعش، تظل الجهود الأمنية والدولية مستمرة لمكافحة التنظيم ومخططاته. فقد أحبطت قوات سوريا والعراق أكثر من 12 مخططًا إرهابيًا كبيرًا خلال العام الحالي، كما تم القبض على مبعوثين لتنظيم داعش كانوا يوجهون الهجمات الإرهابية في العراق. وتشارك قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة في دعم جهود مكافحة الإرهاب عبر الضربات الجوية والتدريب الاستخباراتي للقوات المحلية.

لكن التحديات تبقى كبيرة، لا سيما في ظل هشاشة الأوضاع السياسية والأمنية في العراق وسوريا، بالإضافة إلى ضعف التنسيق بين الجهات الأمنية. وفي الوقت ذاته، تحذر تقارير الأمم المتحدة من تزايد أعداد المقاتلين ودعم التنظيم من شبكات تهريب السلاح والمال، مما يستوجب تعزيز التعاون الدولي وإيجاد حلول سياسية شاملة لمنع عودة التنظيم إلى المشهد.

تأثير عودة داعش على الاستقرار الإقليمي والدولي

 مخاطر عودة داعش تتجاوز الأبعاد المحلية لتطال الأمن الإقليمي والدولي، حيث يُعتبر التنظيم تهديدًا مباشرًا لاستقرار دول الجوار، ويشكل عنصرًا مضطربًا في الصراعات الإقليمية. وتُبرز التقارير أن التنظيم يحاول توسيع نفوذه إلى مناطق أخرى كأفريقيا، خصوصًا في الصومال حيث يقود عبد القادر مؤمن ذراع التنظيم، مما يعزز من قدرة الجماعة على تنفيذ عمليات إرهابية عالمية.

كما أن عودة داعش قد تُحدث ارتدادات سياسية وأمنية في دول أوروبا وأمريكا، لا سيما من خلال شبكات التجنيد التي تستهدف الشباب الأجانب وتُعيدهم إلى مناطق النزاع، ما يشكل تهديدًا مباشراً للأمن الداخلي لهذه الدول. لذلك، تُعتبر مواجهة خطر داعش قضية أمنية استراتيجية تتطلب تنسيقًا دوليًا قويًا وتعاونًا استخباراتيًا مستمرًا.

وتظل عودة داعش إلى سوريا والعراق واقعًا مقلقًا بعد سقوط النظام السوري وغياب الاستقرار الأمني والسياسي، ويعكس تنشيط التنظيم محاولة مستمرة لاستعادة نفوذه عبر استغلال الفوضى وحركة المقاتلين الأجانب.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية