السلام في اليمن: هل ما زال ممكناً؟

السلام في اليمن: هل ما زال ممكناً؟

السلام في اليمن: هل ما زال ممكناً؟


03/06/2023

في إطار برنامج الدراسات اليمنية بمركز الحوار للدراسات السياسية والإعلامية، وبالتعاون مع مركز البحر الأحمر للدراسات السياسية والأمنية والجمعية الأفروآسيوية الثقافية للصداقة، وبرعاية إعلامية من جريدة النهار، نظم مركز الحوار ندوة بعنوان "الوساطة السعودية من أجل السلام في اليمن". أُقيمت الندوة في مساء الأول من حزيران (يونيو) 2023 في مقر نادي العاصمة في القاهرة. وناقشت محاور عدة تتعلق بالوضع في اليمن وبموضوع السلام بشكل خاص، وأجابت عن مجموعة من الأسئلة وضعت الحضور أمام الخيارات الممكنة والمتوقعة والمطلوبة من أجل يمن واحد ومستقر وآمن.

السلام المطلوب

بدأت الندوة بتقديم من قبل سيد زهيري، عضو مجلس أمناء المنتدى المصري للإعلام، الذي أكد على دور وأهمية الإعلام وكذلك الدبلوماسية لتوحيد الجهود العربية في عملية السلام وفي أيّ قضية عربية مشتركة. تلتها كلمة اللواء أركان حرب حمدي لبيب، نائب رئيس مؤسسة الحوار، وأكد فيها على أنّ "السعودية كانت وما زالت الحصن الأمين والدرع المتين والراعي العربي لكافة مشاكل الوطن العربي ومحاولة حل الأزمات بكل الطرق السلمية." ومن منطلق قومي شدد على اللُّحمة العربية، مستشهداً بدور مصر قديماً وحديثاً في حماية الأمن العربي واليمني بشكل خاص.

من الندوة

وفي نهاية كلمته خلص اللواء لبيب إلى ما يمكن عمله لليمن اليوم، مطالباً بضرورة: "تحقيق سلام شامل ودائم وعادل، وإعادة بناء اليمن وبنيته التحتية، وعدم التدخل الخارجي، وتوفير حياة كريمة لكافة اليمنيين، وخصوصاً الأطفال، بعد الشقاء الذي عانوا منه خلال أعوام الحرب. وتأكيد العمل بمعاهدة جدة الخاصة بالحدود بين اليمن والسعودية، ووضع خارطة طريق يمنية- يمنية تلبي مطالب الجانبين". وأضاف اللواء أنّه "ينبغي للسلام أن يحقق مبادئ مهمّة؛ وهي: وحدة الشعب اليمني، بدون تجزئة للأرض اليمنية، وضرورة وحتمية إشراك الشعب اليمني كله في عملية السلام، لا أن تكون بين القادة فقط". ثم أشار إلى "ضرورة حل مشكلة الألغام بالاستعانة بالخبرات الخارجية والعربية، ومنها مصر التي تمتلك القدرة الفنية والتقنية".

جرد تاريخي

في ورقته "السعودية والاستقرار في اليمن... جهود راسخة ومستمرة" قدّم محمد الولص بحيبح، رئيس مركز البحر الأحمر للدراسات السياسية والأمنية جرداً تاريخياً بحسب التسلسل الزمني للأحداث منذ ثورة 2011، حتى نيسان (أبريل) 2023، مستهدفاً بذلك التدليل على جهود السلام كافة التي عرقلها الحوثيون.

وعاد بحيبح بالذاكرة إلى جهود السعودية والمجتمع الدولي منذ ثورة 2011، يوم كان اليمن مقبلاً على حرب أهلية، فقامت السعودية بجمع الفرقاء والخروج بمبادرة خليجية ضمنت تداول السلطة وتشكيل حكومة وفاق وطني قدمت لها الدعم الكامل، كما دعمت مالياً وسياسياً انتخاب الرئيس السابق هادي، ونظمت مؤتمر المانحين في الرياض. ثم رعت مؤتمر الحوار الوطني ودعمت صياغة الدستور في 2014...، إلى غيرها من الجهود السلمية التي قوبلت بتعنت وتمرد الحوثيين.

العشماوي: إيران هي رأس الحربة، وتريد أن يكون الحوثيون خنجراً في ظهر السعودية، وهذا يتماشى مع أهداف أمريكا التي توظف الحوثيين كبعبع في المنطقة، وتريد أن تبرم صفقات سلاح بالمليارات، وأن يظل خطر أمن الخليج قائماً

وبعد إعلان مخرجات "الحوار الوطني" في 25 كانون الثاني (يناير) 2014، ودعمه من قبل مجلس التعاون الخليجي ومجلس الأمن والجامعة العربية، والتوقيع عليه من قبل القوى كافة، بما فيها جماعة الحوثيين، تفاجأ الجميع بقيام الحوثيين، بعد أسبوعين، بشن هجوم على محافظة عمران وإسقاطها وقتل اللواء حميد القشيبي بطريقة بشعة. وأضاف بحيبح أنّ السعودية حاولت بالتعاون مع المبعوث الأممي وقف الحرب والحيلولة دون اقتحام الحوثيين لصنعاء... ثم بعد اقتحامها وتوقيع "اتفاق السلم والشراكة" تفاءل الجميع... ومع أنّ الاتفاق كان في صالح الحوثيين إلا أنّهم عرقلوا الاتفاق، واستمروا في إسقاط المحافظات الواحدة تلو الأخرى والسيطرة على معسكرات الجيش ومؤسسات الدولة. بعدها حاولت السعودية دعم تشكيل حكومة وطنية برئاسة بحاح، ورغم ذلك قامت ميليشيات الحوثيين بمحاصرة هادي وبحاح وفرض الإقامة الجبرية عليهما، واستكملوا السيطرة على بقية مؤسسات الدولة. وفي 6 شباط (فبراير) 2015 أعلنت ميليشيات الحوثيين انقلاباً رسمياً كامل الأركان، سُمّي "الإعلان الدستوري"، وتشكيل ما سُمّي باللجنة الثورية العليا.

ورغم الحرب، دعمت السعودية مؤتمر الحوار في جنيف1 وجنيف2، كما دعمت لقاءات عدة بين اليمنيين في مسقط وفي الكويت، وكلها باءت بالفشل بسبب تعنت الحوثيين. وفي مجال نزع الألغام، قال بحيبح: إنّ السعودية دعمت برنامج نزع الألغام (مسام) الذي نجح في نزع حوالي (400) ألف لغم من أصل (2) مليون لغم.

وجهات نظر متعارضة

في ورقته المعنونة "التحديات أمام السلام في اليمن" انتهى السياسي والإعلامي اليمني عبدالله إسماعيل إلى نتيجة استخلصها من جرد بحيبح، ولخصها في سؤال: إذا كانت كل هذه التحركات والمبادرات جاءت لأجل صناعة سلام في اليمن، فلماذا فشل السلام في اليمن؟

وفي سياق إجابته أكد إسماعيل على دور السعودية من أجل السلام، ومنها أنّ سفيرها ذهب في وساطة مع وفد سلطنة عُمان إلى صنعاء، ورغم ذلك فالسلام، كما قال إسماعيل: "لن يكون قريباً مع جماعة الحوثي." ثمّة حديث عن السلام وجهود قام بها المبعوثون الأمميون: مبعوث أمريكا ومبعوث السويد ومبعوث بريطانيا. وأضاف إسماعيل: إنّنا "لا ينبغي أن ننسى أنّ الحكومة الشرعية قدّمت كل التنازلات من أجل دعم خيار السلام: فتحت المطارات والموانئ، وأبدت الشرعية استعدادها لدفع رواتب موظفي الدولة كلهم، وقد قوبلت هذه التنازلات بضرب الموانئ من قبل الحوثيين بالطيران المسيّر؛ ممّا أدى إلى إيقاف تصدير النفط وتأخير دفع المرتبات".

من الندوة

وعن التحديات التي تعيق تحقيق السلام، قال إسماعيل: إنّ السلام في اليمن معقد، لأنّ له (3) وجهات نظر:

الأولى: هي وجهة نظر الشعب والشرعية، وتتلخص في إزالة أسباب الحرب؛ لأنّ الذهاب إلى السلام بدون إزالة أسباب الحرب من شأنه إشعال الحرب مجدداً. ولذلك على السلام أن يبدأ من النقطة التي انتهى إليها اليمنيون قبل الحرب، أي من المبادرة الخليجية ومن مخرجات الحوار الوطني، والتراجع عمّا تم فرضه بالقوة من قبل الحوثيين، والتراجع عن التغييرات التي أحدثها الحوثيون في بنية الدولة ومؤسساتها، وتراجع جماعة الحوثيين عن تجريف التعليم، والتوقف عن تغيير هوية اليمنيين...، حينها يمكن التأسيس لعدالة انتقالية.

 العشماوي: طوال مسيرة الحوثيين يوقعون الاتفاقيات وينقضونها، والحرب القائمة بالنسبة إليهم، فهي دينية مقدّسة

وجهة النظر الثانية هي تعريف الحوثيين للسلام، وتتلخص في رغبتهم في تثبيت ما استولوا عليه بقوة السلاح. واستشهد إسماعيل بمقطع فيديو لأحد قيادات الحوثيين (يوسف الفيشي)، رجل الظل للحرس الثوري الإيراني، والذراع اليمنى لإيران في المنطقة، والوجه الأسود لميليشيات الحوثي، قال فيه: "لا مذهبية ولا مناطقية ولا حزبية... معنا فقط شعب وقائد...، وحتى إذا ما جاءت انتخابات تبقى قيادتنا مقدّسة لتكون صمام أمان ضد الاقتتال والتناحر".

وخلص إسماعيل إلى أنّ تعريف الحوثيين للسلام يعني الاستسلام. وهناك تعريف ثالث من قبل المجتمع الدولي يتجاوز الرؤيتين السابقتين وحقائق الواقع، ويريد من جماعة الحوثيين المشاركة في حكومة. وينسى هذا المجتمع، بحسب إسماعيل، أنّ جماعة الحوثيين ترفض مبدأ الانتخابات والشراكة، فإن وافقت، فهي ترغب بثلثي الحكومة لا ثلثاً واحداً، كما هو الحال مع حزب الله في لبنان. في جميع اللقاءات، كما قال إسماعيل، رفض الحوثيون القبول بثلث الحكومة، كما رفضوا إلقاء السلاح، والنتيجة أنّ هذه الرؤى للسلام تتصادم فيما بينها.

وختم إسماعيل ورقته قائلاً: ليس في اليمن صراع أهلي ولا صراع على الثروة. ما يحدث في اليمن هو صراع بين حكومة وشعب من جهة، وبين جماعة إرهابية عنصرية تريد أن تفرض قيمها وعقيدتها على جميع اليمنيين من جهة أخرى. لم تعد هناك حرب أهلية في اليمن. ما يحدث هو شعب كامل يواجه انقلاباً على كل شيء: على مؤسسات الدولة وهوية الشعب وثقافته وتعليمه وقيمه. واستشهد إسماعيل فيما يقول بـ (124) اتفاقية مع الحوثيين لم ينفذوا منها سطراً واحداً. بداية من إسقاطهم لدماج ومروراً بعمران وصنعاء وما بعدها. هذه جماعة إرهابية، بحسب تعبيره، وستصل حكومة الشرعية والمجتمع الدولي إلى ضرورة استكمال الحرب على الإرهاب في اليمن للتخلص من جماعة الحوثيين، ثم تسوية الساحة في اليمن لعملية سلام تقوم على أسس سليمة.

توحيد الجبهة الداخلية

في ورقته "الوساطة السعودية والسلام في اليمن... فرص عدة"، بدأ إبراهيم العشماوي، الكاتب بجريدة الأهرام والمتخصص في الشؤون اليمنية، بذكر خسائر الحرب في اليمن. وقال: إنّ تصريحات الحوثيين لا تبشر برغبة حقيقية في السلام، كما أنّهم استقبلوا مبادرات السلام بالمراوغة حيناً وبالتعنت والعناد في أحيان كثيرة. والسبب، بتعبير العشماوي، أنّهم "منذ نشأتهم لا يريدون مشاركة أحد في الحكم؛ لأنّهم يعتبرون أنفسهم نخبة أو أبناء الرسول، كما يقولون، ويجب أن يخضع الجميع لهم، فهم السادة وغيرهم العبيد. ثورة 1962 التي ألغت (1000) عام من حكم الإمامة الرجعية بدعم عبد الناصر يريدها الحوثيون أن تعود مرة أخرى بالقوة".

إيران في كل هذا هي رأس الحربة

وأضاف العشماوي: إنّ "إيران في كل هذا هي رأس الحربة، وتريد أن يكون الحوثيون خنجراً في ظهر السعودية، وهذا يتماشى مع أهداف أمريكا التي توظف الحوثيين كبعبع في المنطقة، وتريد أن تبرم صفقات سلاح بالمليارات، وأن يظل خطر أمن الخليج قائماً...، وهذا ما يحققه الحوثيون لهم." وقال العشماوي: إنّ "شعار الحوثيين يحث على الموت لأمريكا، لكنّهم لا يميتون سوى اليمنيين، لم يزرعوا ما يقيم أود اليمنيين، وزرعوا بدلاً من ذلك ملايين الألغام".

جماعة الحوثيين، كما عبر العشماوي، "لا تعترف بالأحزاب ولا بالتعددية، ولا يرون إلّا أنفسهم فقط. وفي مجال التعليم تقوم الجماعة بتقديم رشاوى للطلاب: من يذهب إلى القتال، فسيحصل على النجاح، إلى درجة لم تعد الشهادة الصادرة من قبل إدارة الحوثيين معترفاً بها. وهم بهذا لا يشوّهون التاريخ فقط، بل يرغبون في مسخ اليمنيين وإعادتهم إلى كهوف العبودية".

لم تعد هناك حرب أهلية في اليمن. ما يحدث هو شعب كامل يواجه انقلاباً على كل شيء: على مؤسسات الدولة وهوية الشعب وثقافته وتعليمه وقيمه

وعن الاتفاقيات السابقة قال العشماوي: "طوال مسيرتهم يوقعونها وينقضونها". أمّا "الحرب القائمة بالنسبة إليهم، فهي دينية مقدّسة". وفي سياق حديثه عن وحدة اليمن قال: "إنّ الحوثيين أخطر على الوحدة من غيرهم". وإنّ "المجتمع الدولي يريد الحفاظ على مصالحه، فإن وجد قوة تسيطر على الأرض في اليمن، فسيدعمها... ولا أحد حتى اليوم يرغب بيمن منقسم". وانتهى العشماوي بتأييده لـ "يمن فيدرالي"، مكوّن من إقليمين يتمتعان باستقلالية، ودعا إلى توحيد الجبهة الداخلية لمواجهة الخطر الحوثي، وشدد على الدعم الإقليمي لليمن والسعودية.

السلام المستحيل

في ردّه على مداخلة تعتبر الحوثيين مُكوّناً يمنياً وينبغي إيجاد مكان له في الساحة، قال الإعلامي عبدالله إسماعيل: إذا كان باستطاعة أحد إقناع الحوثيين بأنّهم يمنيون، فسنقتنع معه بأنّهم كذلك. وأضاف: إنّ "جماعة الحوثيين تقول كل يوم إنّها فوق اليمنيين، وإنّها مأمورة من الله بأن تحكم اليمنيين. وأشار إسماعيل إلى أنّه "لا أحد يريد أن يقذف بجماعة الحوثيين إلى البحر، ولا اجتثاثهم من الأرض... نريد فقط أن نُفقدهم قوتهم التي يريدون أن يسيطروا بها على اليمن، والتي يزعزعون بها أمنه واقتصاده وثقافته وهويته".

وفي جوابه عن سؤال وجّهته له عن خيار الحرب؛ هل ما زال قائماً؟ وهل يمكن للشرعية أن تحارب بدون دعم وتدخل خارجي مباشر؟ أجاب إسماعيل: إنّ السلام مستحيل مع الحوثيين، وقال: "جرِّبوا ما شئتم من مبادرات السلام، اذهبوا إلى صنعاء، وحاولوا إقناع جماعة الحوثيين بالسلام. لكن من خلال خبرتنا ينبغي التعامل مع هذه الجماعة كأيّ تنظيم إرهابي". ويسأل إسماعيل: "لماذا لم يُسمح لتنظيم داعش أن يحكم العراق؟ ولماذا لم يُسمح للجماعات المسلحة في سوريا أن يكون هناك حوار بينها وبين الحكومة السورية؟" وبمناسبة الربط بين ميليشيات الحوثيين وتنظيمي القاعدة وداعش، ذكر إسماعيل "حقائق حول تخادم جماعة الحوثيين مع داعش وتعاونهما، وأنّ الحكومة اليمنية قدّمت لمجلس الأمن ملفاً كاملاً حول هذا التخادم، من ذلك أنّ كثيراً من المناطق التي دخلتها جماعة الحوثيين انسحبت منها القاعدة وداعش، والكثير ممّن كانوا يحاربون مع الحوثيين في مأرب وقتلوا هم من جماعة القاعدة وداعش، وقد تم تشييعهم في صنعاء.."

وفي سياق حديثه عن مستقبل الوحدة، قال إسماعيل: "مع الحوثيين لن يكون هناك وحدة. لن يكون هناك شطران فقط. سيكون هناك مأرب وحضرموت والساحل وعدن وصنعاء وغيرها". ثم ختم ورقته بسؤال أخير: "أين سيكون موقع عبد الملك الحوثي إذا ما حدثت انتخابات في اليمن؟" وهي نقطة أجاب عنها الفيشي في تغريدته المصوّرة أعلاه، والتي يمهد بها لولاية الفقيه في اليمن.

مواضيع ذات صلة:

الغاية تبرر الوسيلة.. أيّ دور لعبه حزب الإصلاح في اليمن منذ تأسيسه؟

اليمن: هل ينجح "الانتقالي" في تمثيل القضية الجنوبية؟

"إرادة سياسية" لطي صفحة الصراع باليمن: من أين يبدأ الحل؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية