"السرعة القصوى صفر"، عنوان أحدث روايات المستشار والقاضي المصري أشرف العشماوي، والصادرة قبل أسابيع عن الدار المصرية اللبنانية في القاهرة، وفي صدارة غلاف العمل نقرأ الجملة الأبرز: "مستوحاه من بعض أحداث حقيقية".
يسرد العمل قصة أسرة أرستقراطية عاشت في مصر فترة الملك فاروق، في النصف الأول من القرن العشرين، انتمى أحد أبنائها الضابط في البوليس المصري الى جماعة الإخوان، ليصبح عضواً بارزاً في النظام الخاص، الجناح المسلح للجماعة. ومن جانب آخر يحمل الابن الثاني للأسرة أفكاراً يسارية حالمة، ويحمل في الوقت نفسه العداء للإخوان منذ اللحظة الأولى، عداء يستمر حتى بعد عودته من دراسة القانون في أوروبا وعمله وكيلاً للنائب العام، ثم تقوده ظروف عمله للتحقيق في قضية اغتيال جماعة الإخوان للقاضي المصري أحمد الخازندار.
صراع تحمله الرواية يسرد حقيقة المواجهة الدامية بين تنظيم الإخوان المسلمين ومؤسسة العدالة في مصر، بيد أنّ المسألة ليست مجرد قصة في رواية، لكنها حقيقة وثّقتها المحاكم المصرية منذ مارس 1948، في القضية رقم 604 لسنة 1948 جنايات حلوان والتي تضم أوراق قضية اغتيال المستشار أحمد الخازندار.
بين اغتيال الخازندار وهشام بركات
وثق المستشار بهاء المري رئيس محكمة جنايات المنصورة تفاصيل اغتيال الخازندار في الجزء الأول من كتابه (من الأدب القضائي – هكذا ترافع العظماء)، وورد نقلا عنه:" قال سعادة السفير - وهو أصغر أبناء القاضي الخازندار - إنه كان يبلغ من العمر اثنتي عشرة سنة وفي الساعة السابعة والنصف من يوم 22 مارس 1948 كان هو وإخوته محمد (السفير السابق) ومحمود (القاضي السابق) رحمهما الله. وخديجة التي تكبره بعام يستعدون لمغادرة بيتهم في ضاحية حلوان إلى مدارسهم وسبقهم والدهم خارجا إلى محطة قطار حلوان ليستقله إلى باب اللوق ثم إلى محكمة جنايات مصر. ودعهم وانصرف وما هي إلى دقائق حتى تناهى إلى أسماعهم صوت إطلاق نار فانزعجت والدتهم ودعتهم إلى النزول لاستطلاع الأمر فنزلوا فأبصروا والدهم طريح الأرض مضرجا بدمائه. وجرى محمد ومحمود مع الأهالي يطاردون الاثنين القتلة حتى هربوا إلى الصحراء بينما عاد هو لإبلاغ والدته".
بين القضية رقم 604 لسنة 1948 جنايات حلوان التي تضم أوراق محاولة الخازندار والقضية رقم 7122 / 261 لسنة 2016 جنايات قسـم النزهة المقيدة برقم 1300 لسنة 2016 كلي شرق القاهرة التي تضم أوراق اغتيال القاضي هشام بركات وما بينهما من محاولات اغتيال أبرزها محاولة اغتيال المستشار معتز خفاجي المسؤول عن قضية غرفة عمليات رابعة بينهم جميعاً يظهر العداء الفعلي من تنظيم الإخوان ضد مؤسسة القضاء في مصر.
محاولة اغتيال قاضي غرفة عمليات رابعة
"الحياة والموت بيد الله وليس لأحد، سنشتد صلابة وسنحكم بالعدل"؛ كلمات رددها القاضي المصري معتز خفاجي بعد دقائق من محاولة اغتياله بتفجير عبوة ناسفة وضعت أسفل سيارته عام 2016، بيد أنّ تفاصيل الحادث بددت مزاعم جماعة الإخوان المسلمين حول السلمية.
انفجرت العبوة الناسفة الأولى في الساعة الخامسة من صباح يوم الأحد 15 آيار (مايو) 2015 أمام منزل القاضي بمنطقة حلوان، ثم تبعتها بدقيقة عبوة ثانية، قبل أن تتمكن قوات الأمن من تفكيك العبوة الثالثة، وفي نفس اللحظة استطاع سائق سيارة أجرة من ملاحقة أحد الجناة والتمكن منه، ليستعيد سكان منطقة حلوان حادث اغتيال القاضي أحمد الخازندار أمام منزله أيضاً حين أردوه قتيلاً برصاصات عضو بالتنظيم.
منطق الخصومة أو الثأر ظهر عبر تسريب في مسلسل "الاختيار" ظهر فيه خيرت الشاطر وهو يشير صراحة إلى وجود ثأر بين الإخوان وبعض القضاة
ليس مستغرباً أن القاضي معتز خفاجي كان في طريقه للمحكمة للنظر في قضية خلية أكتوبر الإرهابية المتهم فيها مجموعة من أنصار بيت المقدس، وقبل التفجير بيوم واحد كان ينظر في قضية أجناد مصر، وقبل ذلك نظر قضية أحداث مكتبة الإرشاد، وقضية غرفة عمليات رابعة وقضية اعتصام النهضة وقضية مركز كرداسة، والعديد من القضايا التي أصدر القاضي فيها أحكاماً رادعة بين الإعدام والمؤبد، لم يجد تنظيم الإخوان أمامها إلا محاولة اغتياله.
توظيف الدين في صراع الإخوان مع القضاء
محمود عبد الله التهامي الصحفي المتخصص في الإسلام السياسي يشير إلى أنّ تنظيم الإخوان يتعامل مع مؤسسة القضاء بمفهوم الثأر الشخصي.
يوضح محمود عبد الله التهامي في تصريح لـ "حفريات": "القضاء لم يرضخ لهم، ولم يمشِ في ركابهم، لذلك نجد من ضمن الأدوات المستخدمة خلافاً للتخوين وعداء الدين والإسلام، الإصرار على تصدير الحديث النبوي "قاضيان في النار وقاض في الجنة"، وخاصة بعد توقيف أعداد كبيرة من شباب وقيادات جماعة الإخوان بعد فض اعتصامي رابعة والنهضة، وبعد عمليات إرهابية عدة طالت أقسام الشرطة وكمائن الجيش، وضباط وقضاة ومدنيين".
يضيف محمود عبد الله التهامي: "اللعب على وهم أنّ الكثرة من القضاة فاسدون أو حذَّر منهم النبي الكريم، خطاب يتناسب مع مرحلة مواجهة جرائمهم أمام المحاكم، وبالطبع كان سيتغير هذا الخطاب حسب نفعيته للجماعة الإرهابية".
ينوه محمود عبد الله التهامي إلى مسألة أخرى لا تقل خطورة، وهي نجاة القضاء المصري من محاولات مستميتة من جماعة الإخوان لاختراقه والسيطرة عليه بشكل كامل، عازياً ذلك إلى أنّ "القضاء له دور مهم وحيوي في الكشف عن وجه الحقيقة، ودور في تعطيل مسيرتهم الإجرامية، لذلك محاولات تسيس القضاء والسيطرة على توجهاته، رغبة مُلحة لتحويله عن قبلته، ولو كان تم لها هذا لوقعت الدولة المصرية في أزمة شديدة التعقيد، ونجد أنفسنا في دائرة، تُحيل المتهمين ومجرمي الجماعات إلى القضاء تجدهم يخرجون للشارع أبرياء، بل وتضيع أدلة الإدانة".
حكايات عديدة يضمها ملف جرائم الإخوان ضد القضاء في مصر، لكنها حكايات لا تخلو من الدهشة، منها على سبيل المثال لا الحصر رفضت الدائرة 23 مدني بمحكمة استئناف القاهرة، في مارس 2016، طلب الرد المقدم من دفاع مرشد جماعة الإخوان المسلمين محمد بديع، بتنحى هيئة محكمة الجنايات برئاسة المستشار معتز خفاجي، سبب الرد كما ذكر دفاع مرشد الإخوان هو وجود خصومة بين القاضي معتز خفاجي والمتهمين، بيد أنّ القاضي خفاجي قرر التنحي بعد ذلك بشهور عن نظر قضية أخرى، وهى قضية اعتصام "نهضة مصر"؛ استشعاراً للحرج، بعد أن وجد بين المتهمين في القضية متهماً بمحاولة اغتياله بعبوة ناسفة أمام منزله!
الصحفي محمود التهامي لـ"حفريات": اللعب على وهم أنّ الكثرة من القضاة فاسدون خطاب يتناسب مع مرحلة مواجهة جرائم جماعة الإخوان أمام المحاكم
منطق الخصومة أو الثأر ظهر في تسريب ظهر فيه خيرت الشاطر نائب المرشد وهو يشير صراحة إلى وجود ثأر بين الإخوان وبعض القضاة، ذكر منهم اسم النائب العام المصري عبد المجيد محمود. التسريب ظهر في حلقات الجزء الثالث من مسلسل الاختيار، ضمن مجموعة من التسريبات أفرجت عنها جهات أمنية مصرية تكشف اعتراف قادة الإخوان بالقتل.
مواضيع ذات صلة:
- جرائم الإخوان لن تسقط بالتقادم... كيف تفاعل المصريون مع ذكرى اعتصام "رابعة"؟
- منها التخابر وغسيل الأموال... هيئة الدفاع عن بلعيد تكشف بالوثائق "جرائم النهضة"