"الرئيس الإيراني"... وجوه متعددة ومرشد حاكم

"الرئيس الإيراني"... وجوه متعددة ومرشد حاكم


21/06/2021

حسن فحص

بعد طول انتظار استمر نحو ثلاثة عقود، يمكن القول إن المرشد الإيراني، ومنذ توليه موقع القيادة في التاسع من يونيو (حزيران) 1989، بات قادراً على توحيد جميع قرارات المؤسسات الدستورية، سواء تلك التي في دائرة اختصاص النظام، أو التي تقع في إطار اختصاص إدارة الدولة التشريعية والتنفيذية والقضائية تحت سلطته وفي قبضته.

هذا المسار والانتظار الطويل، قبل انتخاب إبراهيم رئيسي لرئاسة الجمهورية قبل أيام، مر بمحطات لم تساعد على تحقيق هذا الهدف، إذ اتسمت قيادته التي تزامنت مع تولي هاشمي رفسنجاني رئاسة الجمهورية بنوع من الشراكة على جميع المستويات لطبيعة دور هاتين الشخصيتين في إرساء قواعد مرحلة ما بعد وفاة المؤسس آية الله الخميني.
وانتقلت مع وصول الرئيس محمد خاتمي إلى نوع من الصراع بين توجهين أخذا في البداية طابع "اليمين واليسار" داخل النظام، فرضته القيادات التي تصدت لهذا التحول وقربتها ودورها في مرحلة التأسيس، ثم تحول الاختلاف إلى انقسام عمودي بين تيارين واحد محافظ يعمل على تكريس الطابع الديني للسلطة، وآخر إصلاحي يدعو إلى التعددية السياسية والحريات والانفتاح السياسي والاجتماعي. وهو الصراع الذي انتهى عام 2005 بمواجهة واضحة بين التيارين سمحت للنظام وسلطته العميقة بتوصيل محمود أحمدي نجاد إلى رئاسة السلطة التنفيذية التي شكلت العنوان الأبرز لهذا الصراع، إلى جانب المد والجزر الذي هيمن على طبيعة المعركة حول السلطة التشريعية في تلك المرحلة، التي دفعت النظام حينها إلى قرار حاسم في عدم السماح بتكرار تجربة الدورة البرلمانية التي سيطر عليها الإصلاحيون بين عامي 2001 و2005، وعرفت باسم البرلمان السادس.
إلا أن هذا المسعى للإمساك بالسلطة التنفيذية بين عامي 2005 و2013 أصيب بانتكاسة بعد انقلاب أحمدي نجاد على الجهة التي جاءت به، وهندست وصوله، بحيث عرقل المسار الثابت الذي بدأته السلطة لتوحيد مراكز القرار بيدها، الأمر الذي دفعها لإدخال تغيير في مسار الاستحواذ والقبول بمرحلة انتقالية تكون قادرة على تفكيك الألغام التي زرعها نجاد خلال رئاسته على الصعيدين الداخلي والتأسيس الفعلي للأزمات الاقتصادية، والخارجي الذي نقل أزمة إيران مع المجتمع الدولي التي كان عنوانها البرنامج النووي إلى مجلس الأمن الذي فرض سلسلة من القرارات تضمت عقوبات اقتصادية قاسية. وهي المرحلة التي فرضت على النظام اللجوء إلى نوع من التراجع لامتصاص النقمة الداخلية وتصاعد حدة التوتر مع الخارج الدولي والإقليمي، ومهدت الطريق لوصول الرئيس حسن روحاني الذي جاء بعنوان واحد هو فتح الأقفال المغلقة من بوابة التفاوض حول البرنامج النووي والتوصل إلى اتفاق مع الإدارة الأميركية أولاً والمجتمع الدولي الذي يساعد على الخروج من العقوبات، بالتالي فك العقد الاقتصادية التي بدأت تتفاقم.

وإذا ما كان روحاني قد نجح بتفويض من المرشد الأعلى بالتوقيع على الاتفاق النووي مع السداسية الدولية "5+1"، إلا أن هذا الإنجاز وإمكانية نجاح روحاني في ترجمته اقتصادياً على المستوى الداخلي، استنفر قوى النظام والدولة العميقة التي رأت في هذه الإمكانية تأسيساً لإضعاف قبضتها على السلطة لصالح قوى من المفترض أن تخرج من دائرة القرار، لذلك استنفرت كل قدراتها لإعاقة وعرقلة عملية النهوض الاقتصادي، وقد ساعدها في ذلك تقارب المصالح غير المعلنة بينها وبين الإدارة الأميركية التي جاءت بقيادة الرئيس السابق دونالد ترمب وقراره الانسحاب من الاتفاق النووي والعودة إلى فرض عقوبات غير مسبوقة وخانقة على النظام، والتي لم يدفع ثمنها سوى حكومة روحاني، والتي تمت محاسبتها إيرانياً وأميركياً على التفاهمات التي أرستها مع إدارة الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما.

ما كشف عنه حيدر مصلحي وزير الاستخبارات في حكومة أحمدي نجاد عن الأسباب العميقة لاستبعاد هاشمي رفسنجاني من السباق الرئاسي عام 2013، وما يشكله من خطر على المسار الذي رسمه النظام للاستحواذ وتوحيد جميع السلطات في قبضة الدولة العميقة، يقدم تفسيراً واضحاً عن الآلية التي لجأ إليها مجلس صيانة الدستور في التعامل مع أسماء بارزة كانت مرشحة للانتخابات الرئاسية، المحسوبة على التيار المحافظ وذات طابع معتدل كعلي لاريجاني، أو المحسوبة على التيار الإصلاحي، التي تعتبر الخطوة الأولى وإزالة العوائق أمام وصول إبراهيم رئيسي إلى رئاسة الجمهورية في عملية تكاد تكون تنصيباً أكثر منها انتخاباً.

وصول رئيسي من المفترض أن يكون "نقطة" النهاية للمساعي والجهود التي بذلها النظام ودولته العميقة لتوحيد مراكز القرار في قبضته، وأن التنوعات التي حدثت على مدى العقود الثلاثة الماضية في موقع رئاسة الجمهورية والسلطة التشريعية كان نتائج ظروف وأوضاع حالت دون الانتقال السريع إلى النتيجة النهائية، واستدعت من قوى النظام جهوداً مضاعفة في التصدي للانتفاضات السياسية والاجتماعية التي أخذت عناوين متعددة من علمانية أو ليبرالية أو يسارية إلى إصلاحية أو معتدلة، بالتالي إخراجها من دائرة التأثير السياسي والاجتماعي لصالح تعزيز المسار باتجاه تكريس سلطة ذات بعد ديني تعتمد الآليات الديمقراطية وعملية الانتخاب في السياق الذي نظر إليه الزعيم الروحي لفكرة الحكومة الإسلامية آية الله مصباح يزدي الذي حدد وظيفة العملية الانتخابية وصندوق الاقتراع بالكشف عن الشخص الذي يقع في دائرة "اللطف الإلهي"، ويعتبر ممثلاً لإرادة المرشد الأعلى وولي الفقيه وولي أمر المسلمين الذي يستمد سلطته من أئمة أهل البيت في المذهب الشيعي الاثني عشري، الذين تعد سلطتهم امتداداً لسلطة الرسول الأكرم، التي تمثل السلطة الإلهية طبقا لرجل الدين المتشدد مصباح يزدي. من هنا يمكن اعتبار التغييرات التي حصلت في موقع رئاسة الجمهورية والمخاضات التي مرت بها السلطة التشريعية، وصولاً إلى انتخاب رئيسي والمجلس النيابي الأخير هي تنويعات ومحطات على طريق توحيد السلطة فرضتها الظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية الداخلية والخارجية.

عن "اندبندنت عربية"


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية