الحوار الوطني في تشاد: بناء الدولة أم شرعنة التوريث؟

الحوار الوطني في تشاد: بناء الدولة أم شرعنة التوريث؟


11/01/2022

يبذل المجلس العسكري الانتقالي الحاكم في تشاد جهوداً كبيرة لإنجاح الحوار الوطني، المرتقب عقده في 15 شباط (فبراير) المقبل، لتحقيق مصالحة وطنية واسعة بين سائر القوى السياسية والعسكرية المعارضة والمجلس العسكري الحاكم، والخروج ببرنامج عمل وطني للانتقال السياسي، يبدأ بإقرار دستور ثم الاستفتاء عليه، وتنظيم الانتخابات النيابية والرئاسية.

ويدرك كثيرون أنّ رئيس المجلس العسكري الانتقالي، الابن المقرب للرئيس الراحل، محمد إدريس ديبي إتنو (محمد كاكا)، يطمح إلى وراثة كرسي والده كرئيس للجمهورية، عبر الانتخابات الرئاسية التي ستعقد في نهاية الفترة الانتقالية، وهو ما جعل قطاعاً فاعلاً في المعارضة السياسية والعسكرية يرفضون المشاركة في الحوار الوطني الذي دعا إليه، قبل تنفيذ عدة شروط، تضمن ألا يتحوّل الحوار إلى شرعنة لواقع وراثة الابن لكرسي والده.

الحوار الوطني الشامل

وبعد مقتل الرئيس التشادي السابق، إدريس ديبي، في 20 نيسان (أبريل) العام الماضي، تشكّل مجلس عسكري تولّى قيادة البلاد، برئاسة الضابط الصغير محمد إدريس إتنو، بعد حصوله على رتبة فريق في سلسلة ترقيات غير معهودة. وحاز محمد إتنو على مباركة فرنسية وقبول أفريقي كواقع لمرحلة انتقالية، بينما رأى قطاع واسع من المعارضة داخل البلاد وخارجها أنّ ما حدث انقلاب على الشرعية، والتي بحسب الدستور تجعل من رئيس الجمعية الوطنية رئيساً للبلاد، بعد خلوّ منصب الرئاسة بمقتل إدريس ديبي، لحين إجراء انتخابات رئاسية في غضون 45 - 90 يوماً.

الرئيس التشادي السابق، إدريس ديبي إتنو

وبينما برّر الميثاق الانتقالي، الذي أصدره المجلس العسكري، نقل السلطة إلى الفريق محمد إتنو، باعتذار رئيس الجمعية الوطنية عن تسلم رئاسة البلاد، إلا أنّ المعارضة لم تقبل بهذا التبرير، خاصة أنّ الدستور ينصّ على أنّه "حين اعتذار رئيس الجمعية الوطنية يحلّ نائبه الأول مكانه في تسلم مسؤوليات رئيس الجمهورية لحين إجراء الانتخابات".

يعلم كثيرون أنّ رئيس المجلس العسكري الانتقالي، الابن المقرَّب للرئيس الراحل، محمد إدريس ديبي إتنو (محمد كاكا)، يطمح إلى وراثة كرسي والده كرئيس للجمهورية

وبسبب الدعم الدولي، وخصوصاً الفرنسي، والتماهي الأمريكي وراء موقف باريس، خوفاً من دور روسي، بات الفريق محمد كاكا على رأس الدولة التشادية. وفي آب (أغسطس) الماضي، وجرى الإعلان عن تشكيل اللجنة المنظمة للحوار الوطني الشامل، بقيادة الرئيس السابق للبلاد، قوكوني وداي، وأُلحقت بها لجنة أخرى باسم اللجنة الفنية الخاصة المتعلقة بمشاركة المعارضة السياسية العسكرية في الحوار الوطني الشامل، للعمل على تسهيل مشاركة المعارضة العسكرية بصفة خاصة.

وصدر قرار تشكيل اللجنة الفنية في الرابع من الشهر الجاري، على أن تعقد اجتماعاتها، منتصف الشهر الجاري، مع المعارضة العسكرية في العاصمة القطرية، الدوحة، التي تستضيف عدداً من قادة المعارضة المسلحة.

إقرأ أيضاً: "الفوضى المرعبة".. تشاد "قنبلة موقوتة" تهدد الجزائر والساحل

ورغم دعوة الفريق محمد كاكا جميع حركات المعارضة المسلحة إلى حضور الحوار الوطني، إلا أنّ وسائل إعلام تشادية ذكرت أنّ حركة "فاكت"، التي قُتل والده إدريس ديبي أثناء غزوها لشمال البلاد، غير مدعوة للحوار، وكانت الحركة قد رحّبت بحضور الحوار إذا ما دُعيت إليه.

مواقف المعارضة

وتنقسم المعارضة، العسكرية والسياسية، إزاء دعوة الحوار الوطني، بين مؤيد ورافض يضع عدّة شروط، يرهن مشاركته بتلبيتها.

وعن ذلك يقول الناشط السياسي التشادي، علي موسى علي: "المعارضة السياسية في الداخل والخارج كانت قبل وفاة ديبي رافضةً لترشحه للرئاسة، وتوحّدت في منصة واحدة، سمّيت منصة "واكد تمّ"، أي حان وقت التغيير، وبعد مقتل ديبي، تباينت المواقف داخل هذا الحلف؛ بين مؤيد للمجلس العسكري ورافض له".

علي موسى: يرغب المؤيدون للحوار الوطني في الإصلاح من الداخل

وأفاد لـ "حفريات": "يرغب المؤيدون للحوار الوطني في الإصلاح من الداخل. ويرى المعارضون للحوار أنّه لن يكون منصفاً، لأنّ الميثاق الانتقالي الذي يحكم الفترة الانتقالية وُضع من جانب واحد، وكذلك تشكيل الحكومة والجمعية الوطنية ولجنة الحوار، ولهذا يشترطون تعديل الميثاق الانتقالي، لتحديد صلاحيات رئيس المجلس العسكري الانتقالي الواسعة، التي لا تخدم المصالح الوطنية ومصالح المعارضة".

إقرأ أيضاً: الأزمة السياسيّة في تشاد والحرب على جهاديي منطقة الساحل

أما عن المعارضة المسلحة، فيرى موسى علي: أنّها "أبدت استعدادها في الحوار والمصالحة، وقدمت عدّة شروط، وهي؛ العفو العام عن السجناء والمعارضين، وإعادة سائر الأصول والممتلكات التي صُودرت على خلفية معارضة نظام ديبي، ووجود ضمانات دولية لسلامتهم الشخصية بعد العودة للوطن، وكذلك لتنفيذ مخرجات الحوار".

مصالحة أم حوار؟

وبخلاف شروط المعارضة المسلحة، وضعت أحزاب سياسية ناشطة عدّة شروط من أجل المشاركة في الحوار، ويقول عنها رئيس الحزب الإصلاحي، ياسين عبد الرحمن ساكن: "أولاً: ضمان إرادة سياسية حقيقية من جانب المجلس العسكري الانتقالي، ونية صادقة لتحقيق السلام في تشاد، من خلال الحوار الوطني المقبل. ثانياً: ضرورة مراجعة الميثاق الانتقالي، وعلى وجه الخصوص ما ينصّ على تمديد الفترة الانتقالية. ثالثًا: ضمان عدم مشاركة أعضاء المجلس العسكري الانتقالي والحكومة الانتقالية في الانتخابات المقبلة".

وأضاف ساكن لـ "حفريات": "إذا تحققت هذه الشروط سيدعم حزبنا سائر الإجراءات الانتقالية، وغير ذلك سيكون الحوار شرعنةً لاستمرار النظام السابق".

ياسين ساكن: سندعم الإجراءات الانتقالية إذا تحققت هذه الشروط

وفيما يبدو استجابةً لمطالب المعارضة العسكرية، أصدر المجلس العسكري الحاكم في تشاد مرسوم "عفو عام" عن المتمردين والمعارضين، خصوصاً المدانين بارتكاب جرائم رأي أو إرهاب أو المساس بوحدة الدولة، في 29 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، وشمل العفو الإجراء 296 مداناً بين معتقلين وغير معتقلين.

وتبع ذلك تلبية المطلب الثاني، وذلك بتشكيل لجنة حصر ممتلكات المعارضة المسلحة المُصادرة، والطلب من المعفو عنهم التقدم بالتماس لبدء خطوات تسليمهم هذه الممتلكات.

الناشط السياسي التشادي علي موسى علي، لـ "حفريات": إذا استمر تباين المواقف بين المجلس العسكري الانتقالي والمعارضة على حاله، فإنّ فرص نجاح الحوار ستكون ضئيلة جداً

وتأتي خطوة تشكيل اللجنة الفنية التي ستعقد حواراً تمهيدياً مع المعارضة في الدوحة، كخطوة نحو إجراء مصالحة واسعة مع معظم المعارضة المسلحة.

ومقابل ذلك، لم يصدر عن المجلس العسكري الانتقالي بوادر استجابة لمطالب المعارضة السياسية في الداخل، والتي تهدف بشكلٍ جلي إلى ضمان عدم انتخاب رئيس المجلس، الفريق محمد كاكا، على رأس الدولة، وضمان إحداث تغييرات سياسية كبيرة تنقل البلاد من عهد النظام السابق، إلى عهد جديد.

إقرأ أيضاً: هل تنفجر تشاد على وقع الانتخابات الرئاسية المقبلة؟

ولفت الناشط علي موسى علي، إلى أنّ "انفراد المجلس العسكري بإصدار الميثاق الانتقالي، وتشكيل الحكومة والجمعية الوطنية، ثم تشكيل لجنة الحوار، جعل أحزاب سياسية تشك في نوايا المجلس، فضلاً عن وجود عناصر النظام السابق في لجنة الحوار".

عوائق أمام الحوار

وكانت أحزاب سياسية منضوية في تحالف "واكد تمّ" نظمت احتجاجات شعبية في العاصمة، أنجمينا، وعدّة مدن، وتصدّت قوات الأمن لهذه الاحتجاجات المناوئة للمجلس العسكري، وسقط ما يقرب من 15 قتيلاً من المتظاهرين.

وواصلت أحزاب سياسية كبيرة، من بينها الحزب الإصلاحي، وحزب المحوّلون، تنظيم فعاليات جماهيرية كبيرة لرفض ما يصفونه بـ "الانقلاب العسكري".

وخلال مؤتمر صحفي، حذّر الأمين العام لتحالف حقوق الإنسان والمدافعين عن البيئة، أبا داوود نانجيدي، من اضطراب سياسي وإلحاق الضرر بالمناخ السياسي بشكل مزعج، بسبب إقصاء بعض الكيانات الاجتماعية من المشاركة في الحوار الوطني. واتّهم أعضاء داخل اللجنة المنظمة للحوار بالتواطؤ مع وزراء ومحسوبين على النظام السابق لتنفيذ أجندة خفية.

أبكر: هناك ملفات مهمّة يجب حلّها قبل الجلوس للحوار

وحول أهم القضايا التي يجب تضمينها في الحوار، يقول الاقتصادي والناشط الاجتماعي، عيسى أبكر عبد الرحيم: "هناك ملفات مهمّة يجب حلّها قبل الجلوس للحوار، منها؛ عودة المعارضين السياسيين والعسكريين من الخارج، بعد تطبيق العفو العام، وضمان حرية الحياة السياسية، ونزع السلاح، ودمج المعارضة العسكرية".

لكن هناك عراقيل، قال عنها عبد الرحيم لـ "حفريات": "ما تزال حركة "فاكت" المسلحة، المسؤولة عن مقتل الرئيس السابق ديبي بعيدة عن المصالحة، وربما نشهد خلال الأيام المقبلة مصالحة معهم. وما يقلقني هو غموض أوضاع المعارضة المسلحة، واحتمالية تجدّد الصراع المسلح في أيّة لحظة".

ومن جانبه، قال الناشط علي موسى علي: "هناك خلاف بين المعارضة والحكومة حول طرح موضوع مدة الفترة الانتقالية على طاولة المفاوضات. وحتى الآن ليست هناك بنود واضحة للحوار، لكنّ اللقاءات التمهيدية في العاصمة والأقاليم ستخرج بملاحظات تُطرح على طاولة الحوار".

إقرأ أيضاً: هل تكون تشاد ساحة المواجهة العالمية الجديدة مع الإرهاب؟

وأردف علي موسى علي: "إذا استمرّ تباين المواقف بين المجلس العسكري الانتقالي والمعارضة على حاله؛ فإنّ فرص نجاح الحوار ستكون ضئيلة جداً، ولا يستبعد هذا إمكانية إقامة الحوار في موعده المحدد، مع مقاطعة بعض كيانات المعارضة له".

ووفق ما سبق، تبقى مسألة ترشح رئيس المجلس العسكري الانتقالي، الفريق محمد ديبي، هي الأزمة الأساسية التي تواجه البلاد. وربما تقبل المعارضة المسلحة، وفق مساومات رئاسة ديبي، خصوصاً في ظلّ دعم أحزاب سياسية كانت محسوبة على المعارضة للإصلاح التدريجي، ومقابل ذلك ستحشد أحزاب أخرى في الشارع ضدّ ديبي الابن، ما ينذر بعودة الاضطراب، خاصة إذا استغلت قوى عسكرية الاحتقان الشعبي.

وتواجه تشاد تحديات كبيرة؛ اجتماعية واقتصادية ودينية وعرقية، وهي العوامل الأخطر في تحديد مستقبل البلاد، وإذا ما رغب ديبي الابن في تولي رئاسة البلاد، فعليه تحقيق إنجاز تنموي واستقرار أمني، وفتح المجال السياسي، والتخلي عن مدح إرث والده، الذي لا يقبل به سوى قلة من المنتفعين السابقين.

وكان الرئيس السابق، المشير إدريس ديبي إنتو، قد لقي مصرعه أثناء إشرافه على القتال بين الجيش وقوات المعارضة المسلحة "فاكت" في شمال البلاد، وتولّى السلطة بعده ابنه محمد، عبر رئاسته المجلس العسكري الانتقالي، ويحدّد الميثاق الانتقالي عمر الفترة الانتقالية بـ 18 شهراً، قابلة للتجديد مرة واحدة.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية