الحقوق والحريات.. ورقة المعارضة التونسية ضدّ قيس سعيّد

الحقوق والحريات.. ورقة المعارضة التونسية ضدّ قيس سعيّد


01/03/2022

يواجه الرئيس التونسي قيس سعيّد اتهامات متزايدة، منذ 25 تموز (يوليو)، بأنّه أصبح مستبداً جديداً، سلب التونسيين الحقوق والحريات التي حققها المسار الذي أعقب ثورة 2011، وحذّرت جماعات حقوق الإنسان، مراراً وتكراراً، من محاكمة المدنيين أمام محاكم عسكرية، فيما يدعمه تونسيون كثيرون من الذين سئموا الأحزاب السياسية التي يُنظر إليها على أنّها فاسدة للغاية وغير قادرة على حلّ المشاكل الاجتماعية والاقتصادية العميقة في البلاد.

ورغم إبقاء سعيّد بابَي الحقوق والحريات عند تعليق الدستور، في 22 أيلول (سبتمبر) الماضي، إلا أنّ بعض المنظمات والجمعيات الحقوقية تحذّر من دخول البلد منعطفاً خطيراً يهدّد الحقوق والحريات، غير أنّ ناشطين حقوقيين يؤكدون أنّ بعض الأحزاب السياسية التي تُعد المعنية الأولى بالمحاسبة على العشرية السوداء التي عاشتها تونس، هي من تتعمد الترويج لمثل هذه الاتهامات للتشويش على المسار الإصلاحي الذي يسلكه سعيّد.

هل ينتكس مكسب الحقوق والحريات؟

وشدّد بيان مشترك صادر عن 32 جمعية مدنية وحقوقية، على "أهمية حماية الحقوق والحريات العامة والفردية، خاصة حرية التعبير والإعلام والتّنظيم، وحرية الضمير، وتعزيز مبدأ التّناصف في النّظام الانتخابي، وتدعيم مشاركة الشّباب وذوي الاحتياجات الخاصة في الحياة العامة والسياسية".

وكانت حذرت مفوضية حقوق الإنسان من أنّ التطورات التي حدثت في تونس خلال أواخر السنة الماضية "أدّت إلى تعميق المخاوف الجدية بشأن تدهور حالة حقوق الإنسان في البلاد".

المحلل السياسي والديبلوماسي السابق، عبد الله العبيدي: الشعب هو الضامن الأكبر لاستمرار الحقوق والحريات

في المقابل، يستبعد المحلل السياسي والديبلوماسي السابق، عبد الله العبيدي، أن تعود تونس إلى الوراء في ما يتعلق بالحقوق والحريات، التي تعدّ المكسب الوحيد الذي حققته ثورة 2011، مقرّاً بوجود بعض الإخلالات التي لن تؤثر على سير البلد.

يتهم شقّ كبير من التونسيين ومن المعارضة القضاء بعدم الاستقلالية، وبخدمة أجندات سياسية معيّنة، خصوصاً بعد التأخير الكبير الذي رافق قضيتيْ اغتيال المعارض شكري بلعيد ومحمد البراهمي

وأكد العبيدي، في تصريحه لـ"حفريات"؛ أنّ الشعب هو الضامن الأكبر لاستمرار الحقوق والحريات، كما هي عليها منذ الثورة، وهو سيفرض حريّته، لافتاً إلى أنّ سعيّد ليس بأقوى من زين العابدين بن علي ولا من معمر القذافي.

العبيدي أشار أيضاً إلى أنّ قيس سعيّد لن ينجح في تأسيس مشروع استبدادي، لأنّ الجميع يتطاول اليوم على الحكومة وعلى الرئيس، من أحزاب سياسية ومنظمات ومكونات مجتمع مدني، وهو ما يؤكد أنّ الحريات لم تتراجع.

مخاوف اعتبرها عضو المكتب السياسي لحركة الشعب أسامة عويدات غير جادّة، وغير مبرّرة لأنّ الحقوق والحريات مكفولة بالدستور، خصوصاً أنّ سعيّد أوقف العمل بالقوانين المتعلّقة بالسلطة التنفيذية، لاالمتعلّقة بالحقوق والحريات، مشدّداً على عدم تراجع هذه المكتسبات.

عضو المكتب السياسي لحركة الشعب أسامة عويدات: سعيّد أوقف العمل بالقوانين المتعلّقة بالسلطة التنفيذية، لاالمتعلّقة بالحقوق والحريات

وقال عويدات لـ "حفريات"؛ إنّ المتباكين على ما قبل 25 يوليو (تموز) ويروّجون لمعطيات خاطئة واتهامات مغرضة، هم من انتهكوا حقوق الشعب لمدّة عشر سنوات، وهم من أضرّوا بقوت الشعب وليس هناك انتهاك أضرّ من مسّ الشعب في قُوته.

اقرأ أيضاً: قيس سعيد يطوي صفحة سيطرة الإخوان على القضاء

وواجه الرئيس سعيّد ضغوطاً لثنيه عن قرار حلّ المجلس الأعلى للقضاء، حيث عبّر كبار المانحين الغربيين لتونس عن "القلق البالغ" إزاء إعلان الرئيس التونسي أنّه قرر حلّ المجلس الأعلى للقضاء، برغم الترحيب الداخلي الذي لقيه هذا القرار، من الذين رأوا أنّه ضروري لإصلاح القضاء.

وكان سعيّد قد أبطل، في كانون الثاني (يناير)، الامتيازات المالية التي يتمتع بها أعضاء المجلس متهماً الهيئة المستقلة، التي تأسست في 2016؛ بأنّها تعيّن القضاة في مناصبهم بناء على ولائهم لقيادتها، واتهم عدداً من القضاة، دون ذكر أسماء، بالحصول على أموال وممتلكات بالمليارات، قائلاً إنّ "هؤلاء مكانهم المكان الذي يقف فيه المتهمون".

ويتهم شقّ كبير من التونسيين ومن المعارضة التونسية القضاء بعدم الاستقلالية، وبخدمة أجندات سياسية معيّنة، خصوصاً بعد التأخير الكبير الذي رافق قضيتيْ اغتيال المعارض شكري بلعيد ومحمد البراهمي.

وقال سعيّد، خلال لقائه برئيسة الحكومة نجلاء بودن: "لا أريد أن أجمع السلطات، أريد أن يكون هناك دستور نابع من إرادة شعبية"، معتبراً أنّه "يجب أن يكون القضاء في مستوى المرحلة التاريخية"، وأضاف: "لا بدّ من تطهير البلاد وهو ما لن يتحقق إلا بقضاء عادل".

وتابع، في كلمة نشرتها الرئاسة التونسية تعليقاً على قراره حلّ المجلس الأعلى للقضاء؛ بأنّ "الواجب والمسؤولية اقتضيا أن يتم وضع حدّ للمهازل التي نستمع إليها، ومن يعتبر القضاء أداة لتحقيق مآربه الشخصية أو السياسية فليعلم أنّه لن يتمكّن من التسلل إلى قصور العدالة".

 

اقرأ أيضاً: بعد كشف جرائمها... حركة النهضة تحاول تحريك الشارع التونسي

وكان سعيّد قد تعهّد، منذ إعلانه قرارات 25 تموز (يوليو)، التي علّق بموجبها البرلمان وأقال الحكومة، باحترام الحقوق والحريات التي اكتسبها التونسيون بعد ثورة عام 2011 التي أطلقت الربيع العربي وحققت الديمقراطية لتونس، وتعهّد بضمانها لعموم التونسيين، وطمأن داخل البلاد وخارجها بأنّه ملتزم باحترام الحقوق والحريات والاحتكام للقانون والدستور.

وشدد سعيّد، على أنّ "الدولة التونسية مؤسسات ومرافق عمومية تعمل في إطار القانون والدستور، وأنّ الأحوال في هذا الظرف التاريخي اقتضت أن يتخذ تدابير استثنائية ضماناً للحقوق والحريات ولاستمرارية الدولة".

يُشار إلى أنّ سعيّد عيّن امرأة (نجلاء بودن) على رأس الحكومة، لأوّل مرّة في تاريخ تونس الرائدة في مجال حقوق وحريات المرأة، وهي غير معروفة لدى الطبقة السياسية وعامة التونسيين،

تحذيرات دولية

وكان أعلن سفراء دول مجموعة السبع لدى تونس عن بالغ قلقهم من نيّة قيس سعيّد حلّ المجلس الأعلى للقضاء، وفق ما جاء في بيان صادر عنهم، في 8 شباط (فبراير) 2022.

وأضاف البيان؛ أنّ "قيام قضاء مستقلّ ذي شفافية وفاعلية والفصل بين السلطات ضروريّان لحسن سير منظومة ديمقراطية تخدم مواطنيها على أساس من سيادة القانون وضمان الحقوق والحرّيات الأساسية.

الناشط الحزبي التونسي أسامة عويدات لـ"حفريات": المتباكون على ما قبل 25 تموز (يوليو) ويروّجون لمعطيات خاطئة واتهامات مغرضة، وهم من انتهكوا حقوق الشعب لمدّة عشر سنوات

وكان سفراء مجموعة الدول السبع قد قالوا، في بيان مشترك، إنّهم "يدعمون بقوة الشعب التونسي في سعيه إلى حكم فعال وديمقراطي وشفاف"، وأنّهم يؤكدون على أهمية احترام الحريات الأساسية لجميع التونسيين، والمشاركة الشاملة والشفافة لجميع الأطراف المعنية بما في ذلك أصوات المجتمع المدني والسياسي".

ودعا السفراء إلى "جدول زمني واضح يسمح بالعودة السريعة إلى المؤسسات الديمقراطية العاملة، وبرلمان منتخب يقوم بدور مهم".

وأضافوا: "سيساعد ذلك على ضمان دعم واسع ودائم لتقدم تونس في المستقبل. ونحن على استعداد لدعم تونس وشعبها في مواجهة التحديات المقبلة".

 

اقرأ أيضاً: تونس: "مواطنون ضدّ الانقلاب".. الباب الخلفي لحركة النهضة الإخوانية

وأشار البيان إلى "أهمية الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي من أجل تلبية احتياجات الشعب التونسي"، مؤكداً استعداد مجموعة السبع والاتحاد الأوروبي "لتشجيع ودعم التنفيذ السريع للخطوات الضرورية لتعزيز الوضع الاقتصادي والمالي لتونس، بما في ذلك الخطوات التي تُجرى المباحثات بشأنها مع الشركاء الدوليين، وذلك بهدف حماية الفئات الأكثر ضعفاً وإرساء أسس النمو المستدام والعادل".

تشويش على المسار الإصلاحي

في غضون ذلك، أكد أسامة عويدات، عضو المكتب السياسي لحركة الشعب الداعمة لقيس سعيّد، أنّ مسار 25 تموز (يوليو) جاء لاستئصال ورمٍ ضرب البلاد لأكثر من 10 سنوات، وأنّ الرافضين له هم في الأصل وجدوا  أنفسهم خارج الحكم وبعيداً عن دوائر القرار لذلك هم يسعون للتشويش عليه.

ولفت عويدات، في تصريحه لـ "حفريات" إلى أنّ حركة النهضة المتضرّرة من إصلاحات سعيّد وحلفائها يحاولون كسب ودّ الخارج والاستقواء به على حساب البلاد وشعبها، مشدّداً على أنّهم يسعون إلى تشويه مسار الإصلاح عبر توتير الوضع الاجتماعي، باحتكار المواد الاستهلاكية الحياتية، وبالتدخل في ملفات قضائية.

وقال عويدات؛ إنّهم يحاولون إجهاض المسار عبر ضرب الاستقرار الاجتماعي، مستبعداً نجاحهم في ذلك، لأنّ 25 تموز (يوليو) هو مسار آمن به الشعب، لاجتثاث الحركة التي أضرّت بالبلد من تونس.

أمين عام حزب التيار الشعبي، زهير حمدي: معارضو إجراءات سعيّد لم يبقَ لهم هامش الحريّة في ممارسة السلطة وفي السيطرة على كلّ مؤسسات الدولة

من جانبه، يؤكد أمين عام حزب التيار الشعبي، زهير حمدي، لـ "حفريات"، أنّ وضع الحقوق والحريات لم يتغيّر بعد 25 تموز (يوليو)، فقط ضحايا هذا المسار الإصلاحي يحاولون تأليب الرأي العام الدولي ضدّ تونس وشعبها، وأنّهم احترفوا هذا الأسلوب منذ أن دخلوا السلطة في 2011.

حمدي أضاف أيضاً أنّ معارضي إجراءات سعيّد لم يبقَ لهم هامش الحريّة في ممارسة السلطة وفي السيطرة على كلّ مؤسسات الدولة؛ لذلك هم يستغلّون "الحقوق والحريات" كورقة يتاجرون بها.

في أثناء ذلك كله، توقفت المحادثات بين تونس والمقرضين الدوليين بشأن حزمة الإنقاذ المالية الرابعة خلال عقد من الزمن، مما يزيد المخاوف من أن تتخلف البلاد عن سداد ديونها السيادية، بعد أن بدأت تونس محادثات مع صندوق النقد الدولي من أجل صفقة إنقاذ تعتبر ضرورية لتدفق مساعدات مالية أخرى.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية