الحرب الأوكرانية تربك اقتصاد العالم.. ماذا عن المنطقة العربية؟

الحرب الأوكرانية تربك اقتصاد العالم.. ماذا عن المنطقة العربية؟


23/08/2022

يرى خبراء أنّ الأزمة الاقتصادية العالمية التي ترافق الحرب الأوكرانية تتجه نحو مزيد من التعقيد مع استمرار المواجهات العسكرية، واحتمالات التصعيد بين موسكو وكييف، فيما تتفاقم الأزمة داخل أوروبا في ضوء الانقطاع التدريجي لإمدادات الغاز الروسي وتوقعات توقفه بشكل كامل مع بداية الشتاء ما سيؤثر بشكل استثنائي على توقف قطاع الإنتاج في عدد من الدول الصناعية الكبرى في مقدمتها ألمانيا.

في هذا السياق، كشفت أحدث تقارير البنك الدولي عن توقعات بتراجع معدلات النمو الاقتصادي العالمي في العام 2022، بما يعكس آفاقاً مستقبلية غير مبشِّرة على المدى المنظور؛ إذ يُتوقع أن يتباطأ النمو العالمي بشكل حاد هذا العام إلى (2.9%) مقارنة بنحو ( 5.7%) في عام 2021. 

وبحسب الباحثة الاقتصادية بالمركز المصري للفكر والدراسات الإستراتيجية، سالي عاشور "يعكس ذلك تخفيضاً بنحو الثلث لتنبؤات كانون الثاني (يناير) 2022 التي توقعت أن يصل النمو إلى (4.1%) هذا العام".

ووفق دراستها المنشورة في موقع المركز تحت عنوان: "البنك الدولي.. آفاق نمو الاقتصاد العالمي"، تقول عاشور إنّ "أغلب هذا التخفيض الكبير يرجع إلى الارتفاع الحاد في أسعار الطاقة والغذاء، إلى جانب الاضطرابات الحاصلة في شبكات الإمداد وحركة التجارة نتيجة الحرب الدائرة في أوكرانيا والتدابير الضرورية التي يجري تنفيذها حالياً برفع أسعار الفائدة".

أبرز التداعيات

بحسب التقرير "تسببت جائحة كورونا بالأساس في حدوث انتكاسة كبيرة في مسار النمو، كما فاقمت الحرب الدائرة في أوكرانيا تلك التحديات على مختلف الدول والأقاليم الجغرافية، وستكون تداعيات هذه الحرب أكثر قسوة على أوروبا وآسيا الوسطى، حيث من المتوقع أن يتقلص الناتج بشدة هذا العام". 

 كشفت أحدث تقارير البنك الدولي عن توقعات بتراجع معدلات النمو الاقتصادي العالمي في العام 2022

ويذهب التقرير إلى أنّ "نمو الناتج في جميع المناطق الأخرى سيتباطأ باستثناء منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث يُتوقع أن تفوق المنافع الناتجة من ارتفاع أسعار الطاقة بالنسبة إلى البلدان المصدرة لمنتجات الطاقة الآثار السلبية لهذا الارتفاع بالنسبة للاقتصادات الأخرى في المنطقة".

توقعات متفاوتة للاقتصاد المصري

يشير البنك الدولي في تقريره إلى أنّ مصر ما تزال ماضية على المسار الصحيح لتحقيق معدل نمو أعلى في السنة المالية (2021/2022)، حيث توقع أن يتجاوز معدل النمو للعام المالي الحالي معدلات نمو ما قبل جائحة كورونا وهو الأعلى منذ (14) عاماً ليصل إلى (6.1%)، مقارنة بـ (3.3%) عام (2020/2021). 

ويتوقع التقرير أيضاً أن يتأثر النشاط الاقتصادي المصري بتداعيات الحرب في أوكرانيا، وبالتالي من المتوقع أن يتباطأ النمو إلى (5%) في السنة المالية ( 2022/2023).

 جليدان: معدلات التضخم المرتفعة ستجبر دولاً على اتخاذ سياسات نقدية ومالية متشددة ويخفض قدراتها على تحفيز النشاط الاقتصادي

ووفق التقرير، سيتجاوز التضخم النطاق المستهدف للبنك المركزي المصري (7%) (+/-2%) خلال الفترة المتبقية من السنة المالية 2021/2022 بسبب تأثير خفض قيمة الجنيه، والتضخم الناجم عن ارتفاع أسعار الواردات، والاختناقات المحتملة في جانب العرض، إلى جانب استمرار تعديل أسعار الوقود بالزيادة. 

وعلى جانب آخر أشار التقرير، بحسب دراسة المركز المصري، إلى احتمالات ازدياد حدة الفقر نتيجة تأثير التضخم على الدخل الحقيقي؛ على الرغم من توقع أن تسفر بعض تدابير التخفيف الاجتماعية من حزمة المالية العامة الأخيرة وبرامج الدعم الغذائي والتحويلات النقدية الحالية، فضلاً عن الاحتياطيات الكبيرة نسبياً من السلع الإستراتيجية بما قد تساهم في التخفيف من بعض التداعيات.

انزلاق تاريخي للولايات المتحدة

وفي السياق ذاته وصف الاقتصاديون في "سيتي غروب" أزمة الركود العالمي بـ"الخطر الواضح والقائم"، كما كرروا تقديرهم باحتمالية حدوث مثل هذا الركود بنسبة (50%) خلال الأشهر المقبلة. 

قال الاقتصاديون بقيادة، ناثان شيتس في تقرير للعملاء نشره موقع "بلومبرغ"، إنّهم يتوقعون حالياً أن ينمو الاقتصاد العالمي بنسبة (2.99%) خلال (2022)، و(2.6%) في عام (2023)، أي أقل قليلاً من التقديرات السابقة.

يشير البنك الدولي في تقريره إلى أنّ مصر ما تزال ماضية على المسار الصحيح لتحقيق معدل نمو أعلى في السنة المالية (2021/2022)

وأوضح مختصون في الشأن الاقتصادي لـ"بلومبرغ" أنّ تقرير "سيتي غروب" يشير إلى أن "نمو الاقتصاد العالمي سيكون أقل من الاتجاه، حيث من المتوقع أن تنزلق الولايات المتحدة ومنطقة اليورو إلى ركود معتدل على مدى (12) إلى (18) شهراً المقبلة".

كما قال الاقتصاديون: "بشكل عام، تشير توقعاتنا إلى أن الاقتصاد العالمي يتأرجح ويتجنب الانكماش المتزامن".

سالي عاشور: تسببت جائحة كورونا بالأساس في حدوث انتكاسة كبيرة في مسار النمو فاقمتها الحرب الأوكرانية

وأضافوا: "تميل المخاطر بالنسبة إلى توقعاتنا بشكل كبير إلى الجانب السلبي. على هذا النحو، نعيد التأكيد أيضاً على توقعنا الواضح بحدوث الركود بنسبة 50%". وأوضح الاقتصاديون أنّ "الركود العالمي بلا جدال خطر واضح وقائم".

ماذا يعني تراجع النمو العالمي؟ 

الكاتب المختص بالشأن الاقتصادي، سعود بن هاشم جليدان، يتوقع "تراجع معدلات النمو الاقتصادي في معظم دول العالم، على أن تظهر بشكل أقوى في بعض الدول، وأن تعاني دول عديدة ركوداً اقتصادياً وانخفاضاً ملموساً في معدلات النمو الاقتصادي. 

وبحسب جليدان، في مقاله المنشور بموقع "العربية"، تحت عنوان: "هشاشة النمو الإقتصادي العالمي"، "سيولد هذا الانخفاض كثيراً من الآثار السلبية على معيشة السكان، ما سيرفع مخاطر القلاقل السياسية وعدم الاستقرار في عدد من البلدان"، مشيراً إلى أنّ "ما يحدث في دولة مثل سريلانكا مثال على آثار التراجع الاقتصادي العالمي وارتفاع أسعار الطاقة وتكاليف الغذاء".

 ورجّح أن تعاني العديد من البلدان منخفضة الدخل من معضلات حقيقية في توفير قدر كاف من الغذاء لسكانها، وذلك لتراجع قدراتها في دفع تكاليف الاستيراد العالية.

ويرى جليدان أنّ "بعض الدول المتقدمة، خصوصاً الأوروبية ستواجه مخاطر مرتفعة بانقطاع جزئي لإمدادات الطاقة، ما يهدد نموها الاقتصادي"، فيما "ترتفع مخاطر الركود مع ارتفاع نسب الاعتماد على صادرات الطاقة الروسية. 

ستعاني العديد من البلدان منخفضة الدخل من معضلات حقيقية في توفير قدر كاف من الغذاء لسكانها

وبحسب جليدان "يأتي الاقتصاد الألماني وهو أقوى اقتصاد أوروبي في مقدمة الدول التي قد تدخل في ركود اقتصادي، ونظراً لأهمية القارة الأوروبية للتجارة العالمية والاستثمار، فإنّ الدول المرتبطة بها والقريبة منها ستتأثر أيضاً بتراجع النشاط الاقتصادي الأوروبي". 

وهذا يفسر، إلى حد كبير، وفق الكاتب المختص بالشأن الاقتصادي، جزءاً من تراجع معدلات اليورو إلى مستويات قريبة وربما أقل من الدولار في الأشهر المقبلة. 

ووفق جليدان "ستسجل أعلى معدلات التراجع الاقتصادي في أوكرانيا وسينكمش الاقتصاد الروسي، بسبب العقوبات الاقتصادية، والذي سيؤثر بدوره في معدلات النمو الاقتصادي في دول آسيا الوسطى".

وينوه إلى أنّ "معدلات التضخم المرتفعة ستجبر عدداً من الدول على اتخاذ سياسات نقدية ومالية متشددة، ما يخفض قدراتها على تحفيز النشاط الاقتصادي".

 

مواضيع ذات صلة:

لماذا أوقفت مصر استيراد منتجات 800 شركة أجنبية وعربية؟

هل يشهد الاقتصاد التونسي انفراجة قريبة؟

"دافوس" انتهى كما ابتدأ: أوكرانيا ووعود تعافي الاقتصاد



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية