لماذا أوقفت مصر استيراد منتجات 800 شركة أجنبية وعربية؟

لماذا أوقفت مصر استيراد منتجات 800 شركة أجنبية وعربية؟


19/04/2022

أثار قرار الهيئة العامة للرقابة على الصادرات والواردات التابعة لوزارة التجارة والصناعة المصرية بشطب 218 شركة ومصنع من قواعد تسجيل المصانع المؤهّلة لتصدير منتجاتها إلى مصر، أثار بلبلةً واسعة في الشارع المصري، وحالة من الخوف لدى المستهلكين، خصوصاً في ظلّ ارتفاع التضخم وأسعار السلع كافة منذ بداية العام لعدة مرات.

وجاءت أبرز محطات الغلاء بعد إعادة تحرير سعر الصرف ليرتفع الدولار أمام الجنيه، ويصل سعره إلى 18.43 جنيهاً مقابل الدولار، بعد أن كان الدولار يساوى 15.47 جنيهاً.

ورغم إعلان الوزارة أنّ قرارات الشطب التي طالت 800 مصنعاً وشركة مالكة للعلامات التجارية منذ بداية العام الجاري تتعلق بعدم استيفاء المستندات المطلوبة للاعتماد كجهة توريد لمصر، إلا أنّ هذا التفسير لم يكن مقنعاً.

800 شركة وعلامة تجارية

ووفق مستند منشور على موقع الهيئة العامة للرقابة على الصادرات والواردات؛ تخطى عدد الشركات الموقوفة عن الاستيراد خلال العام الجاري الـ 800 شركة ومصنع، من مختلف دول العالم، أبرزها: يونيليفر العالمية، ولونا، و"in&out" للأثاث، وموباكو للملابس، والمراعي،  ونادك السعودية، وماكرو للمستحضرات الطبية، وباجاج الهندية، وغندور، ودانيا للأغذية المحدودة، وإليجانس، وكورنيلياني، وهيدرا، ومدار للكيماويات ، وفينوس هيلث مور للصناعات، وغيرها من العلامات التجارية التي تصنعها مصانع مباشرةً، أو تملكها شركات عربية وأجنبية ومصرية وتقوم بتصنيع منتجاتها في العديد من دول العالم.

وزيرة التجارة والصناعة المصرية، نيفين جامع

وشملت القائمة 68 شركة ومصنعاً تركياً، وكذلك علامات تجارية في الولايات المتحدة ودول أوروبية والصين وأندونيسيا وماليزيا والإمارات والسعودية والبحرين والأردن.

وعللت الهيئة قرارها بأنّه إجراء مؤقت؛ بسبب انتهاء صلاحية شهادات الجودة، ومخالفة ضوابط القرار رقم (43) لعام 2016.

وقال المركز الإعلامي للوزارة في بيان: "فيما يتعلّق بأسماء بعض الشركات التي وردت ضمن القائمة الصادرة من الهيئة مؤخراً، سواء بإيقاف أو شطب، فإنّ هذه الشركات لم تستوفِ المستندات المطلوبة، ومن ثمّ اتُّخذت الإجراءات القانونية حيالها، تنفيذاً للقواعد المتبعة في منظومة التسجيل، علماً بأنّ الهيئة تحذف أسماء الشركات التى توفق أوضاعها أولاً بأول، حيث تم توفيق أوضاع 122 شركة منذ بدء العام الجاري".

قرارات الشطب والوقف جاءت بهدف إتاحة العملة الأجنبية، وهو أمر مفهوم لدعم الصناعة المحلية، لكن ليس حلاً في العصر الحالي، بل قد يشجّع على التهريب

وأضاف البيان: "كما أنّ بعض هذه الشركات قد تمّ إيقافها منذ عام 2020، حيث إنّها أنشأت مصانع جديدة لها بمصر، ولم تعد في حاجة إلى تصدير منتجاتها إلى مصر، وهناك شركات أخرى تحمل علامات تجارية دولية لم تعد تصدّر منتجها للسوق المصري، في ضوء تواجد فروع للشركة تعمل بالسوق المصرية، وتمتلك أكثر من 25 علامة تجارية".

أزمة الميزان التجاري

وبحسب بيانات البنك المركزي المصري؛ بلغ العجز في الميزان التجاري للعام المالي 2020/ 2021 نحو 42 مليار دولار، مقارنة بـ 36.4 مليار دولار للعام المالي 2019/ 2020، وينتج العجز بسبب ارتفاع قيمة الواردات عن الصادرات، وبلغت الواردات للعام المالي الماضي 70.7 مليار دولار، وقيمة الصادرات 28.6 مليار دولار، ويشمل ذلك الواردات والصادرات البترولية وغير البترولية.

ورغم هذا العجز فقد حقق ميزان المدفوعات المصري فائضاً بلغ 1.9 مليار دولار في العام المالي الماضي، مقارنة بعجز 8.6 مليار دولار العام قبل الماضي، ويعود ذلك بشكل أساسي إلى ارتفاع قيمة تحويلات المصريين من الخارج إلى 31.4 مليار دولار بزيادة قدرها 13.2 % إلى جانب استثمارات المحافظ المالية.

وجاءت قرارات الهيئة العامة للرقابة على الصادرات والواردات ضمن رؤية مصرية لتخفيض الواردات وزيادة الصادرات، ويقول الخبير المالي والمحلل الاقتصادي المصري، محمد أنيس: "يرتبط القرار الأخير بشأن شطب 218 شركة ومصنعاً، من أكثر من دولة عربية وأجنبية، من قواعد تسجيل المصانع المؤهلة لتصدير منتجاتها إلى مصر، بإستراتيجية الدولة لتقليل الاستيراد قدر المستطاع".

د. محمد أنيس: معظم السلع التي طالها القرار هي استهلاكية

وأفاد لـ "حفريات": "معظم السلع التي طالها القرار هي استهلاكية، مرتبطة بقطاع التجزئة، ولها بدائل مُنتَجة محلياً، ولهذا تنتهج الدولة سياسة تغليظ إجراءات الاستيراد أمام هذا النوع من السلع، بينما السلع الوسطية التي يُعاد تصنيعها للتصدير لا تواجه ذلك".

وذكر الخبير المالي أنّ "الخطوات التنفيذية الأولى لهذه الإستراتيجية بدأت بإلغاء التحصيل المستندي كآلية للاستيراد، واستبداله بالاعتماد المستندي، وهي آلية تهدف إلى ضبط الاستيراد، وضمان عدم استيراد بضائع دون توافر التكلفة كاملةً لدى المستورد، وكذلك تحقق متطلبات الشمول المالي".

وأضاف: "تهدف الإستراتيجية إلى تخفيف الضغوطات على العملة الأجنبية في ظلّ الظروف الصعبة عالمياً، والتي كانت آخرها الحرب الروسية على أوكرانيا. وكانت قبلها أزمة جائحة كورونا، وقرار الفيدرالي الأمريكي رفع مستويات الفائدة، وما نتج عنه من سحب استثمارات من الدول النامية، مثل مصر، فضلاً عن تأثر قطاع السياحة سلباً بسبب الجائحة والحرب".

تبعات القرار

وشمل القرار علامات تجارية لها استهلاك واسع في السوق المصري، مما أثار خوف المستهلكين من نفاد هذه المنتجات، لكن، بحسب تصريح رئيس شعبة المواد الغذائية والبقالة التموينية والعطارة بغرفة الإسكندرية التجارية، حازم المنوفي، لجريدة "الأهرام"، وبحسب تصريحات وزارة التجارة والصناعة؛ فإنّ العديد من العلامات التجارية التي تمّ وقف استيرادها، تصنّع الشركات المالكة لها العلامة نفسها في مصر.

وقال المنوفي: "قرار وقف استيراد منتجات شركتَي المراعي وليبتون، وغيرهما، لن تتأثر بها السوق المصرية؛ لأنّ هذه المنتجات يتم تصنيعها في مصر، والمستورد منها من الخارج لا يشكّل 5% من السوق المصرية". ومن جانب آخر؛ فإنّ هناك منتجات لها بدائل محلية في السوق المصرية.

وبحسب بيان الوزارة؛ فإنّ في إمكان الشركات المشطوبة والموقوفة إعادة تصحيح أوضاعها، وذلك بتقديم المستندات المطلوبة، لتصحيح أوضاعها، مثلما كان الحال مع 128 شركة وعلامة تجارية.

الخبير المالي، د. محمد أنيس، لـ "حفريات": معظم السلع التي طالها القرار هي استهلاكية، مرتبطة بقطاع التجزئة، ولها بدائل مُنتجة محلياً، بهدف تقليل الاستيراد قدر المستطاع

ومن جانبه، يرى مدير المبيعات والتسويق بإحدى الشركات المصرية، أشرف الشريف؛ أنّ: "قرارات الشطب والوقف جاءت بهدف إتاحة العملة الأجنبية، وهو أمر مفهوم لدعم الصناعة المحلية، لكن ليس حلاً في العصر الحالي، بل قد يشجّع على التهريب، فضلاً عن ضرره على الشركات المعتمدة على الاستيراد".

وأضاف لـ "حفريات": "كلّ الشركات الأجنبية العاملة في مصر لديها منتجات محلية وأخرى تستوردها، ولهذا فالحلّ ليس المنع، بل تشجيع الصناعة المحلية من أجل التصدير، لعلاج خلل الميزان التجاري".

ومن زاوية أخرى، أثارت القرارات تساؤلات عن موقف الدول التي تعرضت شركاتها للشطب والوقف من التصدير، واحتمالية وجود معاملة بالمثل تضرّ بالصادرات المصرية. وبسؤاله عن ذلك، قال الخبير المالي، محمد أنيس: "لا أتوقّع معاملة بالمثل من الدول العربية؛ لأنّ هناك تفهماً كبيراً لهذا القرار، نظراً للظروف التي تمرّ بها مصر". وبالنسبة للشركات التركية: "لا أظنّ الحكومة التركية ستتخذ موقفاً، لأنّ الاتفاقية البينية مع مصر تعتبر لصالح تركيا، ولهذا إذا اتخذت قراراً ما كردّ فعل فستضرّ بما تحققه لها الاتفاقية من مصالح تفوق ما تحققه لمصر، وفضلاً عن ذلك فاستبدال الواردات التركية ليس أمراً عسيراً". ولفت إلى أنّ "ما حدث لا يعدّ حرباً تجارية، لأنّه لا يتعلق بالجمارك، بل بإجراءات اقتصادية تنظيمية".

وجاءت قرارات الشطب والوقف تطبيقاً للقرار رقم (43) لعام 2016 وتعديلاته، وينصّ على إنشاء سجل للمصانع والشركات مالكة العلامات التجارية المؤهلة لتصدير المنتجات بالهيئة العامة للرقابة على الصادرات والواردات. وتبعاً للقانون؛ لا يجوز الإفراج عن هذه المنتجات الواردة بقصد الاتجار، إلا إذا كانت من إنتاج المصانع المسجلة أو المستوردة من الشركات مالكة العلامة أو مراكز توزيعها.

مواضيع ذات صلة:

خريطة إنتاج واستيراد القمح في العالم... لماذا معظم الدول تأكل مما لا تزرع؟

بوتين يحظر استيراد وتصدير المنتجات والمواد الخام... هل تشمل النفط؟

صفعة روسية لتركيا... موسكو توقف استيراد منتجات زراعية من تركيا



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية