الانتخابات الفرنسية: ما دلالات صعود اليمين المتطرف وكيف سيتجاوز ماكرون مأزق الأغلبية؟

الانتخابات الفرنسية: ما دلالات صعود اليمين المتطرف وكيف سيتجاوز ماكرون مأزق الأغلبية؟


21/06/2022

فشل تحالف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون "معاً"، في حصد أغلبية مريحة بالانتخابات التشريعية التي جرت بالبلاد يومي 12 و19 حزيران (يونيو) الجاري، ما يعني أنّه لن يتمكن من تشكيل الحكومة المقبلة ضمن تحالفه، وكذلك يواجه اضطرارياً سيناريو "المساكنة السياسية" مع رئيس حكومة من تيار معارض، ربما من اليسار الراديكالي أو اليمين المتطرف، أو ينجح في عقد تحالف يمكنه من الوصول للحد الأدني للأغلبية البرلمانية.

هل كان صعوداً مفاجئاً؟

نتائج الانتخابات التشريعية في فرنسا كانت متوقعة بالنظر إلى مجمل استطلاعات الرأي التي جرت مؤخراً، لكنها لم تخلُ من المفاجآت أيضاً، لعل أبرزها صعود اليمين المتطرف بزعامة ماريان لوبان ليحصل على أعلى نسبة تمثيل بالبرلمان منذ العام 1986.

وحصد تحالف لوبان بحسب، "فرانس 24"، (89) مقعداً، بينما فاز تحالف أحزاب اليسار وأقصى اليسار بزعامة جان لوك ميلنشون بـ149 مقعداً، ليصبح أكبر قطب معارض في البلاد، وفي المقابل حصل تحالف الرئيس ماكرون على (245) مقعداً، بينما يتطلب تحقيق الأغلبية من أجل تشكيل الحكومة الحصول على (289) مقعداً بحدٍّ أدنى.

وتضع تلك النتيجة الرئيس الفرنسي أمام سيناريوهين ربما لا ثالث لهما، بحسب المراقبين، فإما أن يسرع إلى إبرام تحالف مع القوى السياسية الأقرب لأيدلوجيته للتمكن من تشكيل الحكومة بأغلبية برلمانية مريحة، أو الخضوع لفكرة المساكنة السياسية، بقبول تقاسم الصلاحيات مع رئيس للحكومة من خارج تحالفه.

فشل تحالف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون "معاً"، في حصد أغلبية مريحة بالانتخابات التشريعية

ومن جانبها عبرت رئيسة الوزراء الفرنسية إليزابيث بورن عن انزعاجها من نتائج الانتخابات الفرنسية، وقالت تعليقاً على إعلانها إنّ "ما حدث يمثل خطراً على البلاد"، بحسب "العربية".

فيما أكدت بورن الحليفة لماكرون، في وقت متأخر من يوم الأحد، عقب إعلان النتائج رسمياً: "سنعمل اعتباراً من الإثنين على تشكيل أغلبية... لضمان تحقيق الاستقرار لبلدنا وتنفيذ الإصلاحات اللازمة".

لماذا يخشى ماكرون "المساكنة السياسية"؟

الباحث المختص بالشأن الأوروبي في المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات حازم سعيد، يرى أنّ "التقدم الكبير لأحزاب اليسار واليمين المتطرف يمثل اختراقاً كبيراً داخل الجمعية الوطنية (البرلمان الفرنسي)، وسينعكس بدوره على الاستقرار السياسي في فرنسا، ما قد يدفع ماكرون لبناء تحالفات جديدة لإيجاد أغلبية في البرلمان لتنفيذ برنامجه خلال فترته الرئاسية الثانية".

وبحسب سعيد، في تصريحه لـ"حفريات": "عدم تمكن أي تحالف من القوى السياسية الفرنسية من حصد أغلبية تمكنه من تشكيل الحكومة سيعزز حالة الانقسام والاستقطاب داخل الجمعية الوطنية، وسيعقد التفاهمات الخاصة بالمشروعات السياسية أو الإصلاحية، وهو أمر سيدفع ثمنه الفرنسيون بشكل أساسي".

حازم سعيد: نتائج الانتخابات الفرنسية ستعزز حالة التنافس والاستقطاب داخل البرلمان وقد تعطل بعض القرارات السياسية

ويرى سعيد أنّ الحل الأقرب للتنفيذ في البلاد خلال الفترة المقبلة هو تطبيق  "المساكنة السياسية" إذا لم ينجح سعي ماكرون لتحالف جديد، موضحاً: "من المتوقع أن يتم تسمية رئيس وزراء من حزب آخر، وذلك بالطبع سيفرض قيوداً على سلطات ماكرون السياسية، لكنه سيحتفظ بكونه قائداً للقوات المسلحة الفرنسية، وسيحظى بقليل من النفوذ في السياسة الخارجية، وقد نجد فرنسا أمام سياستين خارجيتين ما يضعف صورة البلاد على المستوى الدولي".

نتائج الانتخابات التشريعية في فرنسا كانت متوقعة بالنظر إلى مجمل استطلاعات الرأي التي جرت مؤخراً، لكنها لم تخلُ من المفاجآت أيضاً

ووفق سعيد فإنّ هذه الانقسامات ستؤدي بدورها إلى إضعاف علاقة باريس بالاتحاد الأوروبي وتضارب الآراء حول ملفات مهمة كملفات الصراعات في الشرق الأوسط والأزمة الأوكرانية.

كيف حقق اليمين المتطرف هذا الصعود؟

الإعلامي المغربي المقيم في فرنسا محمد واموسي، يرى أنّ "الفائز الأكبر في الانتخابات التشريعية الفرنسية هو اليمين المتطرف بزعامة ماريان لوبان رغم حلوله ثالثاً؛ لأنّه استطاع أن يرفع عدد مقاعده في البرلمان بشكل لافت من (6) إلى (89)، و هذا نصر لم يكن يحلم به أبداً"، مشيراً في تصريحه لـ"حفريات" إلى أنّ "المثير  في الأمر أنّ أغلب المقاعد التي فاز بها، انتزعها من بين فكي الحزب الحاكم الذي يقوده الرئيس ماكرون".  

هذه الانقسامات ستؤدي بدورها إلى إضعاف علاقة باريس بالاتحاد الأوروبي

يتابع واموسي: إنّ الرئيس ماكرون إذن أمام انتكاسة سياسية كبيرة، فهو رغم تصدره النتائج إلا أنه بشكل عملي قد مُني بهزيمة نكراء في هذه الانتخابات التشريعية التي فقد فيها تحالف الأغلبية المطلقة في الجمعية الوطنية (البرلمان)، وهو ما سيعقّد قدراته في حكم فرنسا بعد تحقيق اليمين المتطرف واليسار نتائج كبيرة".

ما الخيارات أمام ماكرون؟

بحسب واموسي "تعد الخيارات أمام ماكرون ضئيلة جداً وهامش المناورة لا يكاد يوجد، وحكومته باتت مهددة بالسقوط في أي لحظة لأنها ستكون عاجزة عن تمرير مشاريع قوانينها، وقد تواجه مشاحنات رقابية في كل وقت وحين، وهذا بدأت مؤشراته من أمس حينما ألغت هذه الحكومة أول اجتماع لها بعد الانتخابات دون سابق إنذار".

يرجح الإعلامي المختص بالشأن السياسي أن يكون ماكرون مضطراً للتراجع عن مجموعة أهداف التزم بها خلال الانتخابات الرئاسية

ويشير واموسي إلى أنّ تصريح بورن بأنّ الوضع السياسي في البلاد بات حساساً ونتائج الانتخابات تمثل خطراً، "يعكس حقيقة ما يدركه الرئيس وحكومته في الوقت الراهن، وأنه في حال فشلهم في تأمين تحالف الأغلبية، سينتهي عمر الحكومة، ويجد ماكرون نفسه في مأزق ربما يضطره لحل البرلمان والدعوة لانتخابات رئاسية مبكرة، إذا تأزمت الأمور بشكل أكبر".

محمد واموسي: اليمين المتطرف هو الفائز الأكبر في الانتخابات الفرنسية وماكرون بحاجة لمراجعة بعض السياسات خاصة الاقتصادية

ويعتقد واموسي أنّ "نتائج الانتخابات التشريعية ربما تكون بداية النهاية لفترة حكم ماكرون، خاصة أنه يواجه تراجعاً غير مسبوق في شعبيته، ويتزايد الغضب الشعبي ضده".

ويرجح الإعلامي المختص بالشأن السياسي أن يكون ماكرون مضطراً للتراجع عن مجموعة أهداف التزم بها خلال الانتخابات الرئاسية في مقدمتها قانون تعديل سن التقاعد إلى 65 بدل 60 عاماً حالياً، خاصة أنه مرفوض شعبياً.

وأخيراً يرى واموسي أنه "يتوجب على ماكرون إعادة النظر بالكثير من سياساته خاصة المتعلقة بالوضع الاقتصادي المتفاقم في البلاد؛ لأنّ كثيراً من الفرنسيين باتوا يسمونه برئيس الأغنياء الذي يدير ظهره للفقراء".

مواضيع ذات صلة:

ما أبرز ملامح المشهد السياسي الفرنسي قبيل الانتخابات التشريعية؟

إخوان فرنسا: عقود من الانتشار والتغلغل والازدواجية

ما سر غياب "خطر الإسلاموية" عن الانتخابات الفرنسية؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية