الانتخابات الأمريكية: تحالف الطرق الوعرة مع الإخوان وأردوغان

الانتخابات الأمريكية: تحالف الطرق الوعرة مع الإخوان وأردوغان


04/11/2020

قبيل الانتخات الأمريكية السابقة، وعلى هامش قمّة الأمن النووي، التقى الرئيس الأمريكي السابق، باراك أوباما، ونائبه جوزيف بايدن، الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، لبحث سبل تعزيز أمن تركيا، ومجابهة التنظيمات الإسلامية المتطرفة.

يظل تناقض بايدن بين مغازلته لجماعة الإخوان، وحنقه على أردوغان، مثار تساؤلات عديدة، فهل يلعب بايدن على كافة الجهات لحشد الأصوات فقط، أم سيغيّر اللعبة السياسية؟

وبالرغم من العلاقات الجيدة التي جمعت بين أوباما وأردوغان، منذ توليه منصبه عام 2008، تعكّر صفوها في أواخر حكم أوباما، بسبب ملفات حقوق الإنسان وحريّة الصحافة، إلّا أنّ جو بايدن المرشح الرئاسي الحالي، ونائب الرئيس السابق، لم يتوانَ عن الهجوم على أردوغان، وتجاوزاته في العديد من الملفات، وفي مقدمتها الملف الكردي، وبالرغم من ذلك، تستخدم جماعة الإخوان المسلمين، كل قدرتها على الحشد، في الترويج لصالح بايدن ضد ترامب، ما يمثل انعكاساً واضحاً لتخبط موقف بايدن تجاه جماعات الإسلام السياسي.

المؤامرة على تركيا

خلال مقطع فيديو، تمّ نشره على مواقع التواصل الاجتماعي، تم تسجيله خلال اجتماع مع هيئة تحرير صحيفة "نيويورك تايمز" في كانون الثاني (يناير) الماضي، علقّ المرشح الرئاسي الديمقراطي، جو بايدن، على سياسات أردوغان، كما حدد نائب الرئيس السابق سياسته للتعامل مع الرئيس التركي،  بما في ذلك دفع أردوغان نحو السلام  مع الأكراد، أيضاً وصف بايدن أردوغان بأنه "مستبد"، وأشاد بالمعارضة التركية، كما دعا الولايات المتحدة إلى "تشجيع" خصومه على إلحاق الهزيمة به في الانتخابات، قائلاً: "ليس عن طريق الانقلاب، ولكن من خلال العملية الانتخابية".

جاء هذا الفيديو كهدية من السماء، تلقفتها الحكومة التركية، التي شهدت انهياراً اقتصادياً غير مسبوقاً، بفضل تدخلاتها الخارجية، في العديد من دول المحيط الإقليمي، حيث صرّح مدير المكتب الإعلامي للرئاسة التركيّة، فخر الدين ألتون، أنّ تعليقات بايدن "تعكس الألاعيب التي تحاق ضد تركيا ومواقفها الخارجية"، في حين قال المتحدث باسم الرئاسة التركية، إبراهيم كالين، "لقد ولت أيام إصدار الأوامر حول تركيا"، وعليه تغيّرت اللهجة الرسمية، تجاه الأزمة الاقتصادية التي روجوا لها، كمؤامرة غربية ضد تركيا التي تريد ألّا يتدخل أحد في شؤونها، بعد أن كانوا ينكرونها لسنوات.

اقرأ أيضاً: تصدير أردوغان للإسلام السياسي حول صفر مشاكل إلى سلسلة أزمات

لكن الحديث عن المؤامرة ضد تركيا، يبقى في غير موضعه، خاصة بعد تصريحات المعارض التركي البارز، وزعيم حزب الشعوب الديموقراطي، كمال كيليجدار أوغلو، في أيلول (سبتمبر) الماضي، خلال لقاء تلفزيوني على قناة "إن تي في"،  التي أوضح فيها أنّ أردوغان كان شريكاً مثالياً في مشروع الشرق الأوسط الكبير، الذي قاده الرئيس أوباما وإدارته، وأنّه نفّذ أوامر الإدارة الأمريكية، وقام بتمزيق سوريا ودعم الإرهاب الذي انتشر منها إلى ربوع العالم، كما ضحى بجنود من أبناء الشعب التركي، بينما لم يصب جنود الجيش الأمريكي بأي أذى.

اقرأ أيضاً: قرقاش: أشعر بالإهانة كمسلم من الرسوم الكاريكاتورية.. ولأردوغان "قصّة أخرى"

وتؤكّد الكاتبه الصحفية التركية، آسلي أيدنتاسباس، أنّه لطالما كانت أنقرة حليفاً صعباً ولكن حاسماً لواشنطن، لكن الإدارات الأمريكية المتعاقبة كافحت لإيجاد توازن بعيد المنال، يكمن في الحفاظ على تلك العلاقة، وتعزيز المعايير الديمقراطية الغربية في البلاد، بالإضافة لحماية المصالح الأمريكية، فالرئيس بيل كلينتون، على سبيل المثال، كان يتمتع بشعبية كبيرة في تركيا، ولكن خلال فترة ولايته، بدا مهتماً بملف حقوق الإنسان، كما كان حظر الأسلحة غير المعلن عنه، رداً على تكتيكات الأرض المحروقة، التي اتبعتها أنقرة في محاربة التمرد الكردي.

التوافق التركي الأمريكي..إلى أين؟

تضيف أيدنتاسباس في حديثها لـ"حفريات": "أصبح هذا التوازن أسهل في التسعينات عندما اندفعت تركيا نحو أوروبا خلال برنامج من الإصلاحات، لتحسين ديمقراطيتها، والاستقرار في عملية سلام مع الأكراد، لكن محاولة الانقلاب الفاشلة في عام 2016، تسببت في حدوث شرخ في هذا التحالف، حيث شكك الكثيرون في حكومة أردوغان، بأنّ لواشنطن يداً في هذا الانقلاب المزعوم، ومنذ ذلك الحين، اعتبرت حكومة أردوغان نفسها ذئباً منفرداً في غابة، وتسعى إلى الاستبداد في الداخل وتجد مساراً جديداً في الخارج، مع تطلعاتها الطموحة، لتصبح قوة عالمية جديدة، في سباق السيادة العالمي".

كانت أحد أهم الأخطاء التي وقع فيها ترامب في علاقته مع تركيا، هو تمكين رئيسها من الأكراد، فبالرغم من التواصل الجيد الذي اتسمت به العلاقات التركية الأمريكية، خلال فترة حكم أوباما، إلّا أنّ هذا التواصل لم يدفع الرئيس الأمريكي، إلى السماح بحرب الأكراد كما فعل ترامب، لذلك فإنّ الحنق الكردي من الإدارة الحالية، هو أكثر الأشياء التي يستخدمها بايدن، في مواجهته ضد منافسه؛ حيث استثمر ترامب في علاقة شخصيّة مع أردوغان، ومنحه الضوء الأخضر للتوغل في سوريا ضد الأكراد، كما صرّح له بشراء منظومة الـ S-400 الروسية، وتغاضى كذلك عن الدعوى القضائية التي أقيمت ضد مصرف تركي، تمّ اتهامه بخرق العقوبات الإيرانية، والأهم من ذلك هو الصمت التام عن جرائم حقوق الإنسان وسحق المعارضة في تركيا، والتي تصاعدت لدرجات كبيرة تحت حكم ترامب.

صحفية تركية لـ"حفريات": محاولة الانقلاب الفاشلة تسببت في حدوث شرخ في التحالف التركي الأمريكي، حيث شكك الكثيرون في حكومة أردوغان، بأنّ لواشنطن يداً في فيما جرى

تشير الصحفية التركيّة أيضاً إلى أنّ ما تحتاجه واشنطن حقاً هو التوازن بين المصالح والقيم الغربية الأصيلة، إذ إنّ تركيا الديمقراطية الراسخة في الغرب؛ هي حليف جيد لأوروبا والولايات المتحدة، وفي عهد الرئيس باراك أوباما، كانت هناك محاولات لتعزيز حقوق الإنسان وتكامل تركيا مع أوروبا، والحفاظ على علاقة وثيقة مع أردوغان، لكن لا داعي للقلق على الرئيس، لأنّه على الأرجح إذا تم انتخاب بايدن، سيقيم أيضاً علاقة مع الرئيس التركي، بل وسيحظى بالقبول في محاولة لإبقاء أنقرة في حلف الناتو، ربما قد لا يكون منسجماً مثل ترامب، لكن لن يكون هناك انهيار جذري في السياسة الأمريكية، لأنّ تركيا لها وزن إستراتيجي، حاسم ومهم للغاية في الخريطة السياسية الأمريكية.

الإخوان وقطر..عودة للخلف

عند اندلاع ثورة الخامس والعشرين من كانون الثاني (يناير) 2011 في مصر، كان أوباما ونائبه بايدن، يتابعان الوضع عن كثب، ويتنبئان بصعود صاروخي للجماعات الإسلامية، كبديل عن الحكم الديكتاتوري الذي شهدته مصر عبر ثلاثة عقود من حكم مبارك، وهو ما تقبلّته إدارة أوباما ودعمته، بالرغم من اعتراضات بايدن، التي لا يخفيها، ضد رأس الإخوان الحاكم في تركيا، إلّا أنّ موقف جماعة الإخوان التي تحشد إعلامها لدعم بايدن ضد ترامب، هو فخ آخر من التناقضات التي تضاف إلى قائمة تناقضات الجماعة المصنّفة بالإرهابية، فخلال حواره في أيلول (سبتمبر) الماضي، مع الإعلامي المصري عمرو أديب، في برنامج الحكاية، عبر فضائية "إم بي سي مصر"، أوضح المستشار السابق في حملة الرئيس ترامب الدكتور وليد فارس، أنّ المؤشرات الأولية، تفيد بأغلبية الأصوات لصالح ترامب، وأنّه قد يربح هذه الجولة الانتخابية بفضل الأصوات المتأرجحة، إلّا أنّ إعلام الإخوان المسلمين في تركيا، والإعلام القطري، بقيادة قناة الجزيرة، تحاول الحشد لصالح بايدن، أملاً في استعادة سياسات أوباما التي مكنّت الجماعة سابقاً من الحكم في مصر وتونس.

ويبدو أنّ تصريحات بايدن، في كلمته التي ألقاها خلال المؤتمر السنوي السابع والخمسين، للجمعية الإسلامية في أمريكا الشمالية، المعروفة اختصاراً بـ"إسنا"، كانت الطُعم المثالي الذي اصطاد به بايدن أصوات الإخوان المسلمين وأتباعهم؛ حيث أظهرت تبنيه لسياسات أوباما، الذي تحالف مع الإخوان المسلمين، وهو الأمل الذي تقتات عليه الجماعة، بعد سنوات من اضطرابات عانوا منها على خلفية إسقاط حكمهم في مصر، لكنّ يظل تناقض بايدن بين مغازلته للجماعة، وحنقه على أردوغان، مثار تساؤلات عديدة، فهل يلعب بايدن على كافة الجهات لحشد الأصوات فقط، أم أنّ فوزه سيغيّر المعادلة السياسية في المنطقة، لا سيّما تجاه جماعة الإخوان؟


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية