الإسلاميون يتخذون من القتل على الهوية أسلوبا لإطالة أمد الصراع في السودان

الإسلاميون يتخذون من القتل على الهوية أسلوبا لإطالة أمد الصراع في السودان

الإسلاميون يتخذون من القتل على الهوية أسلوبا لإطالة أمد الصراع في السودان


22/02/2024

 اتخذت جرائم القتل على الهوية والانتماء السياسي في السودان نسقا متصاعدا مع اقتراب دخول الحرب عامها الأول، ما أدى إلى تعرض مدنيين أبرياء لجرائم قتل وتعذيب وانتهاكات لمجرد الشك في انتماءاتهم حتى جاءت واقعة “الرؤوس المقطوعة” لتدق جرس إنذار قوي، وهي جريمة ارتكبها عناصر ينتمون إلى الجيش السوداني بحق عناصر قالوا إنهم ينتمون إلى قوات الدعم السريع.

ويعد القتل على الهوية السياسية من أدبيات الحركة الإسلامية التي يسعى قادتها لإطالة الصراع، والتوسع في هذه الجرائم بعثر أوراق الحل السياسي ودفع نحو المزيد من التفتت المجتمعي والسياسي لصالح الانتماء إلى القبيلة أو إلى الجماعة الإثنية.

وكشفت هيئة محامي دارفور الحقوقية أخيراً عن وفاة امرأة داخل مركز شرطة في ولاية نهر النيل، بينما يستمر اعتقال أخرى منذ خمسة أشهر، بعد اتهامهما بالتخابر لصالح قوات الدعم السريع لأنهما تنحدران من إحدى قبائل كردفان.

وقالت الهيئة إنها ترفض الاستهداف على أساس جهوي وقبلي والتحرك تحت غطاء من القانون والعصف به، معلنة عن إطلاقها حملة كبرى لمناصرة السيدة سلمى حسن المحبوسة بمدينة عطبرة في ولاية نهر النيل.

وحسب الهيئة فإن سلمى هي أم لخمسة أطفال، وتنحدر من قبيلة المسيرية، ونزحت إلى مدينة عطبرة بعد مقتل شقيقتها بقذيفة وإصابتها في منزلهما بشرق النيل في الخرطوم، وظلت لخمسة أشهر في الحبس منذ تاريخ القبض عليها.

وقالت نائبة رئيس هيئة محامي دارفور نفيسة حجر في تصريحات لـ”العرب” إن “انتشار جرائم القتل على الهوية من العوامل المؤثرة في إطالة أمد الحرب الدائرة والتي بدأت تنحرف عن مسارها السياسي وتتحول إلى ما يشبه الصراع على الهوية والأرض والموارد، وهو ما تترجمه دعاوى الاستنفار والحشد القبلي من قبل بعض القوى، بالتزامن مع انتشار خطاب الكراهية الذي أحدث فجوة واسعة بين مكونات المجتمع السوداني”.

وأوضحت حجر أنه في حال توقفت الحرب فسيواجه من يقبع في السلطة إشكاليات كبيرة، فقد أضحت هناك مجموعات كبيرة تحمل السلاح خارج نطاق القانون، وتعرض سودانيون لدعوات القتال والانجذاب إلى جماعات قبلية توفر الحماية عبر السلاح. ولا يزال نموذج دارفور حاضرا في الأذهان، فمع أن القتال توقف منذ نحو عقدين، غير أن السلاح منتشر بكثافة بين مكونات أهلية عديدة، وجميع الحكومات المتعاقبة، بما فيها حكومة ما بعد ثورة ديسمبر 2018، لم تكن لديها القدرة على جمع السلاح والتعامل مع الانفلاتات القبلية، في حين أن انتشار السلاح الآن يتم في مناطق شاسعة من السودان ولن تكون السيطرة عليه سهلة.

وأضافت حجر، وهي محامية سودانية مخضرمة، في حديثها لـ”العرب” أن الحلول السياسية صعبة الآن بسبب أن التحريض الجهوي ترك تأثيراته السلبية على بعض السياسيين الذين يعانون من ضعف خبراتهم بفعل الابتعاد الإجباري عن المشهد طوال ثلاثين عاماً إبان حكم الرئيس السابق عمر البشير، ولعبت الإثنية دورا في تشرذم بعض الأحزاب، وهو أمر تعاني منه أحزاب تاريخية، أبرزها حزب الأمة القومي.

ويعاني حزب الأمة من معضلة الانقسامات الداخلية على أساس قبلي، والتي أفضت إلى ظهور جبهة تدعم الجيش بشكل مباشر وأخرى لديها حضور فاعل في تنسيقية تقدم المتفاهمة سياسيا مع الدعم السريع، وثمة جبهة ثالثة تسير في طريق وسط بينهما.

ولم تعد مركزية القرارات داخل الأحزاب التاريخية واضحة كما كانت قبل اندلاع الحرب، وهناك مجموعات قبلية وجهوية تحاول الهيمنة على القرار السياسي، ما يضع المزيد من العراقيل في طريق الوصول إلى تحالف واسع يملك تأثيرا لوقف الحرب.

وقال المحامي والسياسي السوداني المعز حضرة إن الرؤية الاستباقية التي تقر بضرورة وقف إطلاق النار منذ بدء الحرب في منتصف أبريل الماضي كانت صائبة لأن دخول المنتمين إلى حزب المؤتمر الوطني كطرف في الحرب ووصفها بـ”حرب الكرامة” والدعوة إلى تجييش الشعب واصطفافه بجانب الجيش هدفه خلق أوضاع تشبه ما حدث في الصراع مع جنوب السودان وانتهى بانفصاله، وكان الدين آنذاك عاملا من عوامل إحداث الفرقة.

والكثير من السياسيين مقتنعون بأن الإسلاميين الذين اختلقوا حربًا دينية عقب انقلابهم على السلطة عام 1989، والذي انتهى بانفصال الجنوب، يعيدون الكرّة من خلال إشعال حرب جهوية ظهرت ملامحها في جرائم القتل على الهوية.

وذكر حضرة في تصريحات لـ”العرب” أن نداءات القتال تتخذ طابعا عرقيا وسياسيا، ووصل الأمر إلى حد مطالبة والي ولاية وادي النيل بطرد جميع من ينتمون إلى قوى الحرية والتغيير وإخراجهم من الولاية، وأقدم على إلقاء القبض على كل من له انتماء سياسي إلى التحالف الحكومي السابق، وبدأت أساليب التجييش على الهوية تظهر في ولايات تخضع لسيطرة الجيش، وتم إلقاء القبض على بعض الباعة الجائلين الذين نزحوا من دارفور وكردفان بزعم أنهم كتائب نائمة تابعة لقوات الدعم السريع.

وشدد الحقوقي السوداني على أن مثل هذه الظواهر تحول السودان إلى نموذج للحروب القبلية التي تندلع في بعض الدول الأفريقية. والوصول إلى هذه الدرجة من التجييش عبر استقطاب عناصر النظام البائد داخل الجيش لقبائل نهر النيل والولاية الشمالية وشرق ووسط السودان، مقابل استقطاب قوات الدعم السريع لقبائل دارفور العربية، هو أمر خطير للغاية؛ وتتمثل خطورته في أن الجيش أصبح كأنه ميليشيات مسلحة على أساس قبلي.

وبدأت معالم ارتدادات الدولة السودانية الحديثة تطفو على السطح، وبدلاً من أن يكون الانتماء السياسي إلى الأحزاب المدنية التي عبرت عن طفرة في الدولة يتم الإعلاء من شأن القبيلة.

وثمة مناطق نفوذ للأحزاب، مثل دارفور ووسط السودان والولاية الشمالية بالنسبة إلى حزب الأمة القومي، ومناطق جبال النوبة ووسط وشمال السودان بالنسبة إلى الحزب الاتحادي الديمقراطي، وفيها تعلو قيمة القبيلة بعد أن ذهب الكثير من المواطنين وأعضاء الأحزاب إلى مجموعات تحميهم بالسلاح ضد اعتداءات يمكن أن تطالهم.

واعتبر حضرة في حديثه لـ”العرب” أن ما يحدث في السودان مقصود من الحركة الإسلامية التي كان برنامجها قبل انقلابها على السلطة يقوم على تفتيت السودان وتنفيذ ما يسمى بالمشروع الحضاري الذي تسبب في إشعال الحرب في إقليم دارفور.

وقامت الحركة بخلق أزمات بين القبائل العربية والأفريقية وإعادة توزيع الأراضي بدعم القبائل الصغيرة ضد الكبيرة ما خلق مظالم طويلة الأمد، واستمر حزب المؤتمر الوطني على هذا البرنامج الذي خلق توترات في مناطق الأحزاب الكبيرة عبر تفتيت المجموعات السكانية والقبلية التي تنتمي إليها.

عن "العرب" اللندنية




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية