مساجد مصر التاريخية بين جدل التطوير وكيفية الحفاظ على الطابع الأثري

 مساجد مصر التاريخية بين جدل التطوير وكيفية الحفاظ على الطابع الأثري

مساجد مصر التاريخية بين جدل التطوير وكيفية الحفاظ على الطابع الأثري


21/08/2023

واصلت الحكومة المصرية خططها الرامية لتطوير مناطق القاهرة التاريخية والإسلامية، وخاصة مناطق الدرب الأحمر والجمالية والحسين، وعدة مناطق بحي الخليفة، وهي مناطق تضم عدداً هائلاً من الآثار الإسلامية والمباني التراثية، وذلك ضمن استراتيجية إعادة الرونق الحضاري للعاصمة، وتعظيم الاستفادة من هذه المناطق.

الحكومة وضعت خطة طموحة؛ تهدف إلى ترميم وصيانة عدد من المساجد التراثية ذات الطابع المعماري المميز في العاصمة المصرية، بالتزامن مع تجديد جميع البنايات الأثرية، وإدخال التطوير العمراني إلى الأحياء الموجودة بها، ممّا يعني تجديد الشوارع والحواري القديمة، والأزقة الضيقة ذات البنايات السكنية؛ لإعادتها إلى حالتها الأصلية، مع الحفاظ على طابعها التراثي المميز.

افتتاح مسجد الحسين يثير الجدل

في 27 نيسان (أبريل) من العام الماضي افتتح الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مسجد الحسين التاريخي، بعد أعمال التجديد والتأهيل الشاملة التي لحقت بالمسجد، وشملت أعمال التطوير التوسعة والترميم من الداخل، وتزيين ضريح رأس الحسين بن علي بشباك جديد، وذلك بعد اندلاع حريق بالقرب من ساحته مطلع العام نفسه.

ربما يكون حضور سلطان طائفة البهرة الإسماعيلية مفضل سيف الدين من الهند  مراسم الافتتاح هو الذي أثار حالة من الجدل، وتشير تقارير عديدة بأصابع الاتهام إلى البهرة، منذ أعوام طويلة، بالعبث بالطابع التاريخي للقاهرة الفاطمية، حيث توجد المناطق المقدسة للطائفة، التي تربطها علاقات طيبة بالدولة المصرية.

موجة الانتقادات شملت عدداً من المتخصصين والمهتمين بالمعالم الأثرية والتراثية، الذين اعتبروا تلك التجديدات طمساً للهوية المصرية، وأكدوا حدوث تغييرات في الطابع الأثري للمسجد.

الانتقادات أثارت جدلاً واسعاً وصل إلى حدّ تخوف البعض من خروج القاهرة من قائمة التراث العالمي، واعتبروا التدخلات التي تقوم بها الحكومة خطراً على النسيج العمراني للقاهرة التاريخية، واستدلوا على ذلك بما حدث من هدم لبعض الأماكن  مثل المقابر، والوكالات، وغير ذلك.

 افتتح الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مسجد الحسين التاريخي

بدوره، ردّ عبد الغني هندي، عضو مجلس إدارة مسجد الحسين، على الانتقادات، مؤكداً أنّ أعمال التطوير الداخلي راعت الطابع الأثري، والسياق المعماري التاريخي للمسجد، وتغيير شبكة الكهرباء ورفع كفاءتها، وتزويد المسجد بتكييف مركزي، وأنّها شملت تنفيذ أعمال عزل حراري للأسطح، وتغيير الإضاءة وأنظمة الصوت الخاصّة بالمسجد المبني بالحجر الأحمر.

الحكومة وضعت خطة طموحة؛ تهدف إلى ترميم وصيانة عدد من المساجد التراثية ذات الطابع المعماري المميز في العاصمة المصرية.

وبخصوص هدم بعض المقابر والوكالات، أكد متخصصون أنهّا غير مسجلة ضمن قوائم الآثار، وردّ آخرون بأنّها ترقى للتسجيل في عداد الآثار، وأنّ هدمها يؤدي إلى فقدان أصالة تلك المناطق التراثية، بالمخالفة لاتفاقية التراث، التي تم توقيعها مع هيئة اليونسكو في العام  1970.

أعمال تطوير أفلتت من الانتقادات

بعد (5) أعوام من العمل تمّ افتتاح مسجد الحاكم بأمر الله في آذار (مارس) الماضي، وهو رابع أقدم المساجد الجامعة الباقية بمصر، وثاني أكبر جوامع القاهرة اتساعاً، بعد جامع أحمد بن طولون، وجرت أعمال الترميم بالتعاون مع طائفة البهرة الإسماعيلية، بوصفه أحد أهم المزارات التي يقصدونها، وتحت إشراف قطاعي المشروعات والآثار الإسلامية والقبطية واليهودية بالمجلس الأعلى للآثار، والإدارة العامة للقاهرة التاريخية، بتكلفة (850) مليون جنيه.

ربما يكون حضور سلطان طائفة البهرة الإسماعيلية مفضل سيف الدين من الهند مراسم الافتتاح، هو الذي أثار حالة من الجدل

في شهر حزيران (يونيو) الماضي افتتحت وزارة الأوقاف المصرية مسجد الظاهر بيبرس، بعد انتهاء أعمال التطوير، وهو ثالث أكبر مساجد مصر، وحضر المراسم الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، والدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف، والدكتور شوقي علام مفتي الجمهورية، والدكتور مولين أشيمباييف رئيس مجلس الشيوخ الكازاخي، وسفير كازاخستان لدى القاهرة خيرات لاما شريف.

أعمال التطوير تلك أفلتت إلى حد كبير من الانتقادات، والتي سرعان ما عادت بقوة بعد افتتاح مسجد السيدة نفيسة بعد انتهاء أعمال التطوير.

موجة عاصفة من الانتقادات

في شهر آب (أغسطس) الجاري تمّ الانتهاء من أعمال الترميم والتطوير بمسجد السيدة نفيسة، وقام بافتتاحه الرئيس عبد الفتاح السيسي، برفقة السلطان مفضل سيف الدين، سلطان طائفة البهرة، بعد أن قامت وزارة الأوقاف بإغلاق الضريح في نيسان (أبريل) من العام الماضي، بسبب أعمال التطوير والترميم.

في شهر آب (أغسطس) الجاري تمّ الانتهاء من أعمال الترميم والتطوير بمسجد السيدة نفيسة

وما إن انتهت مراسم الافتتاح، حتى تفجرت حالة من الانتقادات، وطالب عدد من خبراء الآثار بتشكيل لجنة تضم عدداً من المؤرخين والعاملين بقطاع الآثار؛ لإثبات ما إذا كان قد جرى تشويه للمعالم التاريخية لمسجد وضريح السيدة نفيسة بعد ترميمه أم لا.

المهندسة جاكلين سمير، المشرفة على تطوير مساجد آل البيت بشركة (المقاولون العرب)، ردّت على حملة الانتقادات، مؤكدة أنّ "المساجد حتى التراثية منها تتم معاملتها معاملة الأثر". وأضافت: "سنعيد أيضاً توظيف المباني الأثرية، على غرار شارع الشانزيلزيه التاريخي ومدينة البندقية الأثرية".

في شهر آب الجاري تمّ الانتهاء من أعمال الترميم والتطوير بمسجد السيدة نفيسة، وقام بافتتاحه الرئيس عبد الفتاح السيسي

تصريحات جاكلين أثارت جملة من المخاوف، بشأن مستقبل تلك المنطقة التاريخية، في ظل خشية طمس طابعها التاريخي الذي لا مثيل له في العالم، بينما تصر الدولة على أنّها تراعي ذلك في خططها، وأنّها تعمل تحت إشراف خبراء الآثار، مؤكدة في الوقت نفسه أنّ التطوير والترميم يهدف إلى المحافظة على هذه المنطقة الأثرية، ومدها كذلك بشبكة حديثة من الخدمات، على غرار ما تقوم به دول العالم؛ من أجل الحفاظ على آثارها، وما زال الجدل مستمراً.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية