*إضاءة على دراسة "الزرقاوي الجيل الثاني للقاعدة" لفؤاد حسين.
حظيت ظاهرة الإرهاب العالمي، خلال العقدين الماضيين، باهتمام منقطع النظير، دراسة وتأليفاً وتنظيراً، في مختلف دول العالم، خاصّة في الغرب.
لكن، للأسف الشديد، بقيت هذه الظاهرة بعيدة عن الدراسة والتحليل المعمَّق في الوطن العربي، لأسباب متعددة يصعب حصرها هنا.
وإذا كانت الظاهرة عربياً تعاني من العجز النظري العام؛ فإنّ جلّ هذا العجز يتموضع في مجال الاهتمام بالسيرة الذاتية لقيادات الجماعات الإرهابية، سواء فيما يتعلق بتنظيم القاعدة، أو بتنظيم داعش الذي أشبِع بحثاً وتحليلاً في الغرب.
وهذا ما يدفع للحديث هنا، على سبيل المثال، عن الزرقاوي زعيم "تنظيم التوحيد والجهاد" الذي برز إلى الوجود، في 25 نيسان (أبريل) 2004، في العراق، وبقي يشغل العالم حتى تمّ القضاء عليه بتاريخ 7 أيار (مايو) 2006، من خلال غارة جوية أمريكية وتفجير البيت الآمن الذي كان يجتمع فيه مع قيادته في "ناحية هبهب"، شمال غرب بغداد، بقنبلة موجّهة تزن 230 كغم من المتفجرات.
الزرقاوي؛ المنحدر من عائلة وعشيرة أردنية معروفة في الأردن، لم يحظَ باهتمام الباحثين والمؤرخين الأردنيين، وهذا هو حال كثير من الأحداث التاريخية في الأردن، التي لا سبيل لمعرفة تفاصيلها إلّا من الباحثين والمؤرخين في الغرب.
لكن تبقى الدراسة، التي قدمها الصحفي والإعلامي الأردني فؤاد حسين (الذي تعرف إلى الزرقاوي في السجن عام 1996، وعمل مراسلاً حربياً في العراق خلال نشاط الزرقاوي في العراق) بعنوان "الزرقاوي الجيل الثاني للقاعدة"، استثناءً يستحقّ التقدير؛ خاصة أنّ الدراسة تغطي جوانب مهمة في سيرة الزرقاوي.
هناك ثلاثة جوانب مهمة في دراسة فؤاد حسين، عدا عن التفصيلات الأخرى حول نشاطات الزرقاوي في الأردن، قبل خروج الأخير إلى أفغانستان، يمكن إجمالها بعدة نقاط:
الزرقاوي شخصية نرجسية تسعى إلى القيادة والتميز، المبني على استخدام القوة والقهر، سواء مع أقرانه أو أعدائه
أولاً: الجانب الشخصي من الزرقاوي، وهنا يبرز من خلال التفصيلات الدقيقة التي أشار إليها حسين، أنّ الزرقاوي شخصية نرجسية تسعى إلى القيادة والتميز، المبني على استخدام القوة والقهر، سواء مع أقرانه أو أعدائه، وأنه شخص عملي –تنظيمي، أكثر من كونه منظّراً أو مفكّراً، وأنّه كان يسعى إلى القيادة والتميز، منذ بدياته الأولى في الأردن.
ويمكن تلمّس ذلك من خلال تتبع علاقته مع شيخه الأول الأردني، أبو محمد المقدسي (عصام طاهر البرقاوي)، الذي تعرّف إليه في الباكستان عام 1989، ويعدّ أهم منظّري السلفية الجهادية في العالم الآن، الذي يتميز بالمراوغة (حسب شهادة أبو المنتصر القيادي في جماعة الدعوة والجهاد). فضلاً عن إغراق الزرقاوي في النرجسية وتضخّم الأنا، الذي يمكن ملاحظته عند تحليل شهادته في الوثيقة، التي كتبها في أيلول (سبتمبر) 2004، ويتحدث فيها عن معرفته بتلميذه الزرقاوي، الذي انقلب عليه في النهاية وناصبه العداء.
وعلى خلفية ذلك حدثت كثير من الخلافات والاجتهادات التي أدّت إلى انشقاقات في السلفية الجهادية داخل الأردن ما تزال مستمرة.
إنّ موقف الزرقاوي من استهداف الأردن بالكثير من العمليات الإرهابية، خاصة أخطر وأهم عملية إرهابية في تاريخ المملكة، المتمثلة بتفجيرات الفنادق عام 2005، ليس سببه الثأر من السلطات الأردنية، بقدر ما هو إيمان إيديولوجي وتفسير للإسلام، وأشكال الدين والتدين التي زرعها الفكر المتطرف الذي أخذه عن شيخه أبي محمد المقدسي.
ثانياً: الشهادات الثلاث الخاصة حول الزرقاوي وهي، بحسب أهميتها، لكلّ من:
القيادي المصري؛ والرجل الثالث في تنظيم القاعدة محمد إبراهيم مكاوي، الملقب (سيف العدل). والشهادة الثانية: لأبي المنتصر من جماعة الدعوة والجهاد، سبق أن اعتقل برفقة الزرقاوي والمقدسي عام 1994، من قبل الأجهزة الأمنية الأردنية.
والشهادة الثالثة: لأبي محمد المقدسي؛ وهي مغرقة في النرجسية، كما تمت الإشارة آنفاً، وكان في معظمها يتحدث عن نفسه، ويدّعي فيها الحكمة والمعرفة بالشؤون التنظيمية والأمنية، لكنّه حذّر الزرقاوي "من تقزيم الجهاد وتحجيمه في القتال النكائي، أو اختزاله في ردود الأفعال الثأرية ..."، وتحت حجة معارضة قيادة الزرقاوي للقتال في العراق، دعا الزرقاوي إلى "اختيار قيادة إسلامية عراقية راشدة تعرف هموم الشعب العراقي وتعرف كيف تخاطبه...، ولا بدّ من تصدّر العراقيين وجهة المقاومة؟".
"أبو المنتصر": الزرقاوي والذين معه لم يكن لديهم أيّ فكر جهادي تجاه فلسطين، محور قضية الإسلام الرئيس
أما شهادة سيف العدل (المقدم في القوات الخاصة المصرية، والعضو السابق في تنظيم الجهاد المصري، الذي اعتقل بتاريخ 6 أيار (مايو) 1987 في مصر، على خلفية محاولة اغتيال وزير الداخلية الأسبق حسن أبو باشا، والصحافي مكرم محمد أحمد؛ فإنّ أهمّ ما فيها هو النظرة الرومانسية للجهاد عند سيف العدل؛ حيث كان يسعى من وراء كسب ودّ الزرقاوي إلى توسيع الجهاد في الأردن وفلسطين لقتال اليهود؛ حيث يقول في شهادته: "... لا بدّ لنا من أن نتواجد (يقصد تنظيم القاعدة) في كلّ مكان على هذه الأرض، فكيف نترك هذه الفرصة السانحة للتواجد في فلسطين والأردن، وكيف نضيّع فرصة التعامل مع أبي مصعب الزرقاوي وأخواته، وأمثاله من سائر البلدان الأخرى..."، ويقول سيف العدل إنّه تكفّل، بالتنسيق مع الزرقاوي بعد أن أخذ موافقة أسامة بن لادن، وأيمن الظواهري، على أهمية الاستفادة من الزرقاوي، وهكذا بدأ تشكيل قاعدة خاصة له في مدينة هيرات الأفغانية، على الحدود مع إيران، بهدف استقطاب المقاتلين من الأردن وفلسطين وسوريا ولبنان والعراق وتركيا؛ لأنّ التنظيم ضعيف في هذه الساحات. واستطاع الزرقاوي بناء نواة للتنظيم بالتعاون مع بعض أصدقائه السوريين، وتمكن من فتح علاقة مع الإيرانيين؛ حيث يقول سيف العدل، إنّ الزرقاوي أخبره "أنّ الطريق إلى إيران –أفغانستان أصبحت سالكة ومأمونة"، ويعلّق سيف العدل هنا، بأنّ "هذه نقطة كانت جديدة ومهمة لنا في القاعدة؛ حيث تم استخدامها لاحقاً بديلاً عن الطريق القديم المارّ بباكستان، الذي أصبح خطيراً ...، وأنّ هذه النقطة (التي فتحها الزرقاوي) جعلتنا نفكر بمحاولة بناء علاقة طيبة مع الخيرين في إيران، للتنسيق في بعض الأمور المشتركة، وتم إنجاز التنسيق مع الإيرانيين لاحقاً".
بالطبع؛ لن يعرف تنظيم القاعدة فائدة وأهمية عمل الزرقاوي في هذا الأمر، إلّا لاحقاً
أواخر العام 2001، بعد الضربة الأمريكية وسقوط طالبان، وهروب قادة تنظيم القاعدة ومنهم؛ سيف العدل والزرقاوي من أفغانستان إلى إيران.
أما شهادة "أبو المنتصر"؛ فهي تلقي الضوء على منهجية وسلوك الزرقاوي، ونظرته المبكرة لموضوع القتال قبل مغادرته النهائية للأردن، وملخصها؛ "أنّه يتمتع بشخصية نرجسية"، وأنّه والذين معه "لم يكن لديهم أيّ فكر جهادي تجاه فلسطين، محور قضية الإسلام الرئيس، فلا يفكرون بفلسطين ولا بالجهاد فيها، أو مساندة المجاهدين؛ بل الأخطر أنّ المجاهدين في فلسطين لا يسلمون من سهامهم، وكانوا يكفّرون حركة حماس وقادتها...".
أمير الذبّاحين
ثالثاً، وهو الأهم، ويتعلق بالمنهج المتوحش الذي اختطه الزرقاوي، وسار عليه من تبعه من الإرهابيين، وصولاً إلى تنظيم داعش:
ذلك أنّه، في تاريخ 25 نيسان (أبريل) 2004، أعلن الزرقاوي القطيعة النهائية لتنظيم القاعدة، من خلال توقيعه البيان رقم واحد، باسم أبو مصعب الزرقاوي، "أمير جماعة التوحيد والجهاد"؛ الذي تبنّى فيه عملية الهجوم البحري على ميناء البصرة، ثم تبع ذلك بثّ شريط فيديو، في أيار (مايو) 2004، يظهر فيه الزرقاوي وهو يقوم شخصياً بقطع رأس المواطن الأمريكي نيكولاس يفان بيرغ، الذي كان يعمل فنيّ أبراج بثّ الراديو، وفي أيلول (سبتمبر) 2004، قطع رأس أمريكيَّين آخرين، أوين يوجين ارمسترونغ، وجاك هينسلي، ثم كوري، وآخر بلغاري، وأتبعها بقطع رأس الرهينة البريطاني، كينيث بيغلي، وتصوير تلك العمليات، وبثّها عبر وسائل الإعلام .
ومن هنا، بدأ أول الدم وقطع الرؤوس، الذي استمر مع النسخة الجديدة من التوحّش في تنظيم داعش، وزعيمه البغدادي الذي ما يزال مطارداً حتى الآن.