"الإخوان" و"طالبان"وجهاً لوجه في كابول

"الإخوان" و"طالبان"وجهاً لوجه في كابول


16/08/2021

عمرو فاروق

ثمة مخاوف عالمية متصاعدة جراء هيمنة حركة "طالبان" على المشهد السياسي في أفغانستان، وسيطرتها على ثلثي التراب الأفغاني خلال الأيام الماضية، في ظل انسحاب تدريجي للقوات الأميركية وقوات حالف الناتو، ينتهي في أيلول (سبتمبر) المقبل، بعد 20 عاماً من الوجود، عقب اتفاق تاريخي تم في الدوحة بين واشنطن و"طالبان" في 29 شباط (فبراير) 2020.

انسحاب الولايات المتحدة من عمق الدولة الأفغانية، ليس بريئاً في ذاته ولا تغلفه النيات الطيبة، أو مساعيها في تحقيق الديموقراطية، أو منح الشعوب كامل حرياتها وإراداتها، لكنه فخ سياسي جديد وضعته الاستخبارات الأميركية بدقّة في طريق كل من الصين وروسيا وإيران، بهدف تحويل جنوب آسيا وشرقها غرفة عمليات جديدة ومنطقة ملتهبة، على أيدي جماعات الإسلام الحركي، التي تنفذ بها دائماً مخططاتها الاستعمارية.

فتح المجال الدبلوماسي أمام حركة "طالبان"، وتقديمها ككيان سياسي يتمتع بعلاقات دولية شرقاً وغرباً، يمثلان نقطة تغيير في استراتيجية الولايات المتحدة الأميركية، في تعاملها مع الحركات الأصولية المسلحة، وطرحها على المسرح السياسي الدولي كطرف تفاوضي يتمتع بكامل الأهلية، ونقلها من أدبيات "فقه التنظيم" إلى أطروحات"فقه الدولة".

ما زالت واشنطن تراهن على ورقة الإسلام السياسي، فليس مستبعداً من خلال تلك النظرة النفعية البحتة التي تعتمدها القيادة الأميركية في تنفيذ رؤيتها واستراتيجيتها، منح الشرعية السياسية لكل من "هيئة تحرير الشام"، المسيطرة على مدن الشمال السوري، بقيادة أبو محمد الجولاني، وحركة "بوكو حرام"، المتمركزة في  غرب ووسط أفريقيا بقيادة أبو مصعب البرناوي، وحركة "الشباب المجاهدين" المتركزة في القرن الأفريقي بقيادة أبو عبيدة الصومالي، وتحويلهم أطرافاً تفاوضيين دوليين، بعدما فشلت الجماعات التقليدية في تحقيق مشروع الانتقال من خانة التنظيم إلى خانة الدولة مثل جماعة "الإخوان المسلمين"، أو تنظيم "داعش" في سوريا.

رغم القواسم الفكرية المشتركة بين جماعة الإخوان وحركة "طالبان"، ثمة خلاف تاريخي تنافسي على السلطة منذ سيطرتها على كابول في أيلول (سبتمبر) 1996، انحازت فيه الجماعة إلى الولايات المتحدة في حربها ضد "طالبان" وإسقاطها عام 2001.

لا ترغب جماعة الإخوان في وجود فصيل منافس لها في السلطة التي تتشارك فيها مع الحكومة الأفغانية منذ بداية الألفية الجديدة، وتقديم نفسها القوى الأصولية الأكثر هيمنة على المشهد الداخلي الأفغاني، من خلال سيطرتها على مفاصل المؤسسات السيادية والسياسية والاجتماعية.

ملامح الصراع المحتدم والمتوقع بين دراويش حسن البنا، وتلاميذ الملا عمر (مؤسس حركة "طالبان")، تدفع الى حالة عبثية في كابول، في ظل إصرار كل طرف منهما على الانفراد بالساحة الأفغانية، وتطبيق سيناريوات الوصول الى دولة الخلافة المزعومة والمستحيلة، وفقاً لمعطياته الأيديولوجية والتنظيمية.

ربما أتفق مع الطرح المعني بعدم وجود الرغبة الحقيقية لحركة "طالبان" في السيطرة التامة على مقاليد السلطة، وتصدّرها للمشهد في كابول، وتجاوزها للخطوط الحمر التي رسمتها الولايات المتحدة، بما يضمن بقاء الحكومة الأفغانية في الحكم، أو من يمثلها، خشية عدم تمكن الحركة الأصولية التكفيرية من الحصول على الشرعية التامة من دول الاتحاد الأوروبي، أو دول المنطقة العربية والشرق الأوسط، التي ترفض الاعتراف بالشرعية السياسية للجماعات المتطرفة.

لم تكن كابول بعيدة تماماً عن مصيدة الإخوان، إذ تم استقطاب هارون المجددي مندوب الهيئة العربية عن أفغانستان، واستقباله في مقر المركز العام للجماعة في القاهرة عام 1948، كما لعب "قسم الاتصال" بالعالم الإسلامي والبلاد العربية الذي أسسه حسن البنا عام 1944، دوراً مهماً في استمالة الشباب الأفغان الوافدين للدراسة في جامعة الأزهر، أمثال برهان الدين رباني، وعبد رب الرسول سياف، ومحمد خان نيازي، وقلب الدين حكمتيار، وغيرهم، والذين تمكنوا من نشر المنهجية الفكرية للإخوان بين طلاب الجامعات، وأسسوا حركة "الشباب المسلم"، و"جمعية خدام الفرقان"، و"الجمعية الإسلامية"، لدرجة دفعت حكومة داود خان إلى متابعتهم وملاحقتهم أمنياً.

مع اشتعال الحرب الأفغانية السوفياتية التي استمرت من كانون الأول (ديسمبر) 1979 حتى شباط (فبراير) 1989، كانت جماعة الإخوان الداعم الأساسي والمموّل الرئيسي لجبهات المقاتلين الأفغان، تحت مظلة الولايات المتحدة الأميركية، التي أطلقت عليهم "السلاح السري" في حرب الظل ضد الاتحاد السوفياتي، وفقاً لكتاب "النوم مع الشيطان"، لضابط الـCIA المتقاعد، روبرت باير، المسؤول عن عمليات الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، كاشفاً توظيف المخابرات الأميركية لجماعة الإخوان، في القيام بأعمال قذرة في كل من اليمن وأفغانستان.

أشرفت جماعة الإخوان مباشرةً على المشهد الأفغاني، وكلّفت كمال السّنانيري (زوج شقيقة سيد قطب)، إدارة ملف الحرب الأفغانية، ومن بعده الدّكتور أحمد الملط، بمساعدة الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح، والدكتور كمال الهلباوي، والدكتور مناع القطان، خلال فترة المرشد الرابع للجماعة، محمد حامد أبو النصر، وفقاً لمذكرات عبد المنعم أبو الفتوح المنشورة بعنوان "شاهد على تاريخ الحركة الإسلامية في مصر"، فضلاً عن تأسيسهم جبهة موحَّدة للقتال ضد الروس تحت مسمى "الاتحاد الإسلامي لمجاهدي أفغانستان"، برئاسة عبد رب الرسول سياف عام 1983.

من جهة أخرى، كان للإخواني الفلسطيني عبد الله عزام دور بالغ في تأسيس مكتب "خدمات المجاهدين العرب" في بيشاور عام 1984، بالتعاون مع "معسكر مأسدة الأنصار"، و"بيت الأنصار" 1984، اللذين أسسهما أسامة بن لادن، وكانت تلك المكوّنات المسلحة النواة الأولى لتنظيم القاعدة في ما بعد.

عمل مكتب الخدمات على جمع التبرعات من العديد من البلدان الغربية، والولايات المتحدة، من خلال فروعه المنتشرة في أكثر من 33 مدينة أميركية، الى جانب عدد من الدول الأوروبية من أجل دعم المقاتلين الأفغان، فضلاً عن تأسيس منظمة الإغاثة العالمية Global Relief Foundation، عام 1992، ومقرها بريدج فيو، في ولاية إلينوي، وهي ثاني أكبر مؤسسة خيرية إسلامية في الولايات المتحدة، وارتبطت بعلاقات مباشرة مع مكتب "خدمات المجاهدين"، وأسهمت هذه الفروع في تجنيد الشباب وتمويلهم وتدريبهم وإلحاقهم بمعسكرات القتال الأفغاني. 

سقوط حركة "طالبان" عام 2001، كان بمثابة بداية ملهمة لقيادات الإخوان في إعادة تموضعهم التنظيمي في العمق الأفغاني، والتغلغل في مفاصل المؤسسات الثقافية والفكرية الاجتماعية والسيادية، إبان حكم الرئيس حامد كرزاي، كبديل لـ"طالبان" التي دخلت في منافسة شرسة مع جماعة الإخوان نهاية التسعينات من القرن الماضي، رغم المظلة الفكرية الجامعة بين أدبياتهما في مفاهيم أسلمة المجتمعات والسيطرة على الحكم، إذ وقعت المؤسسات السيادية الأفغانية، تحت هيمنة جماعة الإخوان، في مقدمتها جهاز المخابرات المركزية، الذي ظل تحت سيطرتهم لفترة طويلة، ويتولى رئاسته حالياً أسد الله خالد، أحد رجال عبد رب الرسول سياف، فضلاً عن احتفاظهم بمنصب رئيس أركان الجيش الأفغاني، وسيطرتهم على جهاز الأمن الداخلي والمؤسسات القضائية، وامتلاكهم مجموعة من شركات الحراسات الخاصة والخدمات الأمنية.

في حزيران (يونيو) عام 2002، أعلنت 30 قيادة أصولية تأسيس كيان سياسي يمثل جماعة الإخوان في أفغانستان، تحت مسمى "الجمعية الأفغانية للإصلاح والتنمية الاجتماعية"، في منطقة تيمني في العاصمة كابول، بعد الحصول على الموافقة الرسمية من وزارة العدل، وضمّت 35 فرعاً، ووضعت في مقدمة أهدافها التأثير في الطبقات الاجتماعية المتعددة، بما يحقق للجماعة نشر أدبياتها الفكرية.

يتبع جمعية "الإصلاح الأفغانية"، عدد كبير من المدارس التعليمية الخاصة، وأكثر من 4 معاهد لتعليم الفتيات، و8 مدارس لتدريس العلوم الشرعية، و7 معاهد متخصصة في تأهيل المعلمين، منها على سبيل المثال معهد "الإصلاح لإعداد وتأهيل المعلمات"، أنشئت عام 2008؛ معنية بدراسة اللغة العربية والدراسات الإسلامية، و"إصلاح النموذجية"، أُسست عام 2006 في مدينة جلال آباد، و"دار العلوم الإسلامية" أُنشئت عام 2008، ومدرسة "الفلاح" للبنات، أُنشئت عام 2009 بمدينة جلال آباد، وتخصصت في إعداد الكوادر القيادية في المجالات الفكرية والعلمية والمهنية.

لما للإعلام من تأثير قوي وفاعل، اتجهت جماعة الإخوان إلى تأسيس كيانات إعلامية تدافع عن توجهاتها وأفكارها، منها قناة "الإصلاح"، كأول قناة فضائية أفغانية، وإذاعة "صوت الإصلاح"، تأسست عام 2008، الى جانب إصدار المجلات والصحف والمواقع الإلكترونية، مثل "إصلاح مللي" وتصدر أسبوعياً بالفارسية والبشتو، ومجلة "معرفة" وتصدر شهرياً باللغة الفارسية، ومجلة "جوان" وتصدر بالبشتو، ومجلة "رسالة الإصلاح"، (نصف شهرية)، ويطبع منها أكثر من 100 ألف نسخة، ولها تأثير بالغ في الشارع الأفغاني.

أسس إخوان أفغانستان "جمعية المساعدات الإنسانية"، كمنظمة عاملة في المجال الخيري، وتوسعت في إنشاء المستشفيات والعيادات الطبية، كنوع من تحقيق استراتيجية "الدولة البديلة"، أو "الدولة الموازية" للنظام السياسي القائم،  والسيطرة على الطبقات الفقيرة، بما يخدم أهدافها السياسية.

تمتلك جماعة الإخوان داخل أفغانستان مؤسسات اقتصادية كبيرة، فضلاً عن الدعم المالي المقدم من قيادات التنظيم الدولي، إذ إن معظم المشاريع التي تنفذها الجماعة، سواء الدعوية أم التعليمية، تطرح بصورة مجانية أو رمزية، خاصة المعنية بعمليات الاستقطاب والتجنيد الفكري والتنظيمي، بهدف خلق دوائر تعاطفية مع أطروحات الجماعة ومستقبلها في الداخل الأفغاني.

يأتي في مقدمة العناصر الأصولية المحسوبة على جماعة الإخوان، والفاعلة في إدارة المكوّن التنظيمي، الدكتور عبد الصبور فخري، أستاذ اللغة العربية في جامعة كابول، ومحمد صهیب رؤوف، وأمين معتصم، ونصیر أحمد نویدي، ومحمد نعیم جلیلي، وصفت الله قانت.

انتفض إخوان أفغانستان تزامناً مع ثورة 30 حزيران (يونيو) 2013، وسقوط حكم الإخوان في مصر، وأعلنوا رفضهم لإطاحة محمد مرسي، من خلال مؤتمر جماهيري عُقد بفندق "همسفر" بالعاصمة كابول، تحت عنوان "مؤتمر التضامن الأفغاني مع الشرعية في مصر"، بحضور رئيس الوزراء الأفغاني الأسبق المهندس أحمد شاه أحمد زاي، والمنظّر الإخواني محمد زمان، والكاتب والمحلل السياسي وحيد مجده، والدكتور فضل الهادي، عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين (مؤسسه يوسف القرضاوي، ومقره قطر)، فضلاً عن تنظيمهم عدداً من التظاهرات في كبريات المدن الأفغانية، مثل مدينة هرات في الغرب، ومزار شريف في الشمال، وقنذر في شمال الشرق، وجلال آباد في الشرق، للمطالبة بعودة الجماعة إلى سدة الحكم في القاهرة.

عن "النهار" العربي


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية