"الإخوان" وسيد قطب... بيعة جديدة أم تجديد للبيعة؟

"الإخوان" وسيد قطب... بيعة جديدة أم تجديد للبيعة؟

"الإخوان" وسيد قطب... بيعة جديدة أم تجديد للبيعة؟


08/01/2023

منير أديب

من الأخطاء التي يقع فيها بعض الباحثين والمراقبين والمختصين بشؤون التطرف والإرهاب الاعتقاد بما روّجته جماعة "الإخوان المسلمين" على مدار عقود طويلة من أن هناك تيارين داخل الحركة؛ أحدهما ينتمي إلى مدرسة المؤسس الأول حسن البنا، وقد أطلقت عليه الجماعة "مدرسة الدعوة"، رغم أن المؤسس أصّل للعنف عبر كتاباته وسلوك تنظيمه، وتيار آخر ينتسب إلى منظّر الجماعة سيد قطب، أو مؤسسها الثاني، وهو منحاز إلى ممارسة العنف في كل كتاباته.

الحقيقة أن "الإخوان المسلمين" تيار واحد عام، صحيح أن سيد قطب أصّل لبعض الأفكار التي أخذتها جماعات العنف والتطرف في ما بعد، ولكنه يبقى في النهاية امتداداً للمؤسس الأول حسن البنا، فقد أكمل البنا بناءه قبل وفاته عبر هياكل تنظيمية ورسائل لا تزال الجماعة تتداولها وتمثل التنظيم، لدرجة أن الجماعة تتباهى، وفق ما جاء في أدبياتها، بأن الأئمة الأربعة اجتهدوا في مسائل فقهية كثيرة غير أنه قد فاتتهم معالجة المسألة الفقهية الخاصة بسقوط الخلافة! حتى أتى ملهم "الإخوان" فأنشأ تنظيماً كانت هذه غايته؛ وهنا لا يمكن أن نفصل بين ما طرحه كل من البنا وقطب.

كما يمكن القول إن سيد قطب هو امتداد للمؤسس الأول حسن البنا، وكل منهما وجه لعملة واحدة، صحيح أن سيد قطب اهتم بالمنهج الحركي في ما طرحه من أفكار، وهذا المنهج كان الشغل الشاغل لحسن البنا، ولعل تراث "الإخوان" يؤكد ما ذهبنا إليه من أن "الإخوان" مدرسة واحدة، فأعضاء الجماعة تشبعوا جميعاً بأفكار حسن البنا وسيد قطب بما أراده الرجلان في حياتهما.

الفارق الذي يمكن أن نلحظه أن طبائع "الإخوان" وقادتهم تبدو مختلفة، بمعنى أن هناك شخصية مباشرة وصدامية وهناك شخصية مائعة وملتفة ترى أن تحقيق الغايات لا بد من أن يكون من خلال الالتواء وعدم المباشرة، ولكنهم جميعاً يأتون إلى معين واحد، فمناهج "الإخوان" التربوية تحوي ما أنتجه الرجلان، وهنا سمات أعضائه مأخوذة من أفكار كل منهما.

أثير خلال الفترة الأخيرة جدل بخصوص إعادة طباعة النسخة الأولى من تفسير سيد قطب "في ظلال القرآن" والذي هاجمته الجماعة عن بكرة أبيها، بما يعني إيمانها بكل ما طرحه سيد قطب من أفكار تتعلق بالتكفير وتجهيل المجتمع ودعوته إلى العزلة الشعورية للمجتمع وما صاغه بخصوص الولاء والبراء في الإسلام.

هذه الطبعة عمل عليها أحد قادة "الإخوان"، ولكن الجماعة من خلال كيانيها في لندن واسطنبول هاجمتها، كما هاجمها كل "الإخوان" في كل مكان، وبالتالي لم يعترفوا بما جاء فيها، وتبدو وجهة نظر المنتقدين وجيهة، من أن من عمل على نسخة سيد قطب عليه أن يضع اسمه هو لا اسم سيد قطب! بخاصة أن هؤلاء المنتقدين يرون عظمة قطب في ما طرحه من أفكار تتعلق بالحاكمية وجاهلية المجتمع وغيرها من الأوصاف التي ألبسها قطب للمجتمع والمختلفين معه في الأفكار والتوجه، وهي التي حركت الكثير من الشباب في اتجاه ممارسة العنف.

مر سيد قطب بعدد من التحولات في حياته، مثله مثل غيره، ولعله وصل إلى مرحلة النضج في المرحلة الأخيرة من حياته وقبل أن ينفذ فيه حكم الإعدام في العام 1966. مات الرجل وهو راضٍ على ما أنتجه من أفكار، هي التي تعبر عنه لا غيرها، وبالتالي أن يأتي من بعده من يمحو هذه الأفكار اعتراضاً عليها مقراً ببعضها ورافضاً للبعض الآخر، فهذا ما نسميه الانتقاء والانحياز وهو ما لا يتناسب مطلقاً مع القواعد العملية.

هذا ما قام به عصام تليمة، مدير مكتب يوسف القرضاوي السابق، فقد أعطى لنفسه الحق في ما سماه تنقيح تفسير "في ظلال القرآن" فمحا ما خطه سيد قطب بيده في مرحلة النضج أو في المراحل التالية من حياته، وهنا يبدو تليمة منحازاً الى قراءة لم يعتمدها سيد قطب نفسه أو نقّحها صاحبها فأضاف اليها، والأغرب أنه اعتمد روايات سابقة للراحل ثم كتب اسمه على التفسير ورفع منها ما لم يرفعه صاحب هذه الأفكار!

العجيب أن الرجل عرض مشروعه المنحاز على محمد قطب، شقيق سيد قطب، فلم يقره، وأعتقد أنه فعل الشيء نفسه مع "الإخوان" ولم تقره الجماعة، وإذا كانت الحقيقة بخلاف ذلك، فعلى الرجل أن يقول لنا من أقر نسخته التي نزع منها بواطن التكفير التي رأي سيد قطب أنها لوازم الدين وشواغله.

الخطوة التي اتخذها من أراد تنقيح تفسير سيد قطب هدفها تخفيف حدة الانتقاد الذي تتعرض له حركة "الإخوان المسلمين" بسبب ما طرحه الرجل في تفسيره للكثير من الآيات القرآنية، وإذا كان الرجل لا يؤمن بما طرحه سيد قطب، فلماذا لم يخرج علينا معلناً رفضه لما طرحه المؤسس الأول حسن البنا في ما يتعلق ببعض رسائله التي مهّد من خلالها لإنشاء نظام عسكري قتل الأبرياء من خلاله باسم الدين؟

نحن نحتاج إلى تنقيح كل الأفكار التي طرحها المؤسسان حسن البنا وسيد قطب معاً، وتفكيك هذه الأفكار التي تمثل عبئاً على القراءة الوسطية للإسلام، والتي يُهاجم "الإخوان" بسببها، وهذا ما دفعنا للقول إن خطوة تليمة شخصية ولم تتبنّها الجماعة ولن تتبناها، فضلاً عن أن هدفه من وراء الطرح سياسي، فإذا كان يرفض مثل هذه الأفكار فعليه أن يُعلن رفضه هذا في كل ما طُرح على لسان سيد قطب وحسن البنا، معلناً هذه الخطوة.

تأثر تليمة ببعض الأفكار التي طرحها يوسف القرضاوي والتي اختلف فيها مع سيد قطب، اختلف معه في بعض الأفكار ولكنه لم يُعلن غضبه على هذه الأفكار بشكل عملي ولم يفككها، فرغم إعلان ذلك؛ فكل منهما يرى "الإخوان" بعين جميلة، نظرة سياسية، رغم آيات التكفير والتجهيل والتفسيق التي طرحاها، وهنا يبدو التنظيم عند "الإخوان" وأعوانهم أهم بكثير مما أقره الإسلام!

ما فعله "الإخوان" بخصوص طباعة النسخة الأولى من تفسير سيد قطب، ما هو إلا تجديد بيعة للرجل ولما طرحه من أفكار لا تزال تمثل المنهج الحركي لـ"الإخوان" وغيرها من تنظيمات الإسلام السياسي التي مارست ولا تزال العنف الجنائي.

عن "النهار" العربي



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية