لماذا تواصل السلطة الفلسطينية ملاحقة النشطاء المنتقدين لفساد سياساتها؟

لماذا تواصل السلطة الفلسطينية ملاحقة النشطاء المنتقدين لفساد سياساتها؟


06/09/2020

بعد أن أنهى الطالب أسيد لافي محاضراته الدراسية في جامعة الخليل، جنوب الضفة الغربية المحتلة، وأثناء سيره في الشارع عائداً إلى منزله، قام ملثمون يتبعون إلى جهاز الأمن الوقائي باختطافه، في 12 يناير (كانون الثاني) 2019، بدعوى مشاركته في حراك الخليل، الذي دعا إلى إلغاء قانون الضمان الاجتماعي وإقالة رئيس الوزراء الفلسطيني.

جرى التحقيق مع المواطن يسري بني من نابلس إثر اقتحام منزله بعد منتصف الليل بسبب نشر عبارات على الفيسبوك تقوم بالدعوة للتظاهر والمشاركة في حراك "طفح الكيل"

يقول لافي (23 عاماً)، وهو طالب دراسات عليا لـ "حفريات": "عند اختطافي وضعت في مركبة عسكرية، وتمّت تغطية رأسي بكيس قماشي وتكبيل يديّ بأصفاد بلاستيكية، وقد انهال عليّ جميع من في المركبة بالضرب المبرح، بالأسلحة النارية وبالأيدي والأرجل، في جميع أنحاء جسدي، لحين وصولي إلى مقرّ جهاز الأمن الوقائي في الخليل".

وكان قانون الجرائم الإلكترونية قد دخل حيز التنفيذ الفعلي، بتاريخ 11 تموز (يوليو) 2017، بعد أن صادق عليه رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، نهاية شهر حزيران (يونيو) من العام نفسه، ونشر نصّه في جريدة الوقائع الفلسطينية الرسمية. ووفق المرسوم يمكن أن يُسجن أيّ شخص بتهمة إلحاق الضرر بالنسيج الاجتماعي بموجب قانون الجرائم الإلكترونية، الذي قرّر عقوبة تتراوح بين سنة واحدة إلى السجن مدى الحياة على كل من يخالفه.

...

وعبّر مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في فلسطين، عن قلقه البالغ إزاء اعتقال النشطاء في مكافحة الفساد من أجهزة الأمن الفلسطينية خلال الأسبوعين الماضيين، وقال المكتب، في بيان صحفي له: إنّه "منذ 7 تموز (يوليو) 2020، اعتقل 24 شخصاً، على الأقل، على خلفية نشاطهم عبر منصات التواصل الاجتماعي أو نشاطاتهم المدنية؛ حيث اعتقل بعضهم أكثر من مرة، وما يزال 13 منهم قيد الاحتجاز، فيما أعلن عشرة منهم الإضراب عن الطعام، احتجاجاً على احتجازهم".

اقرأ أيضاً: الاحتلال الإسرائيلي يحرم طلبة 40 قرية في النقب من التعليم

وكشفت نتائج مقياس الفساد العالمي للمنطقة العربية؛ أنّ فلسطين تحتلّ المرتبة الثانية، بالمقارنة مع لبنان والأردن، في غالبية مظاهر وأشكال الفساد على مستوى الدول العربية، التي يراها المراقبون أنّها الأخطر؛ لأنّها ما تزال في طور النشوء ومرحلة التحرر الوطني، وقد جاء ذلك خلال المؤتمر الصحفي الذي عقده الائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة، في مقره برام الله، في 11 كانون الأول (ديسمبر) 2019، وأعلن فيه نتائج مقياس الفساد العالمي للمنطقة العربية، والتي شملت بدورها ستّ دول عربية، منها فلسطين، حيث كشفت نتائج استطلاع آراء المواطنين الذين قاموا باستغلال علاقاتهم الشخصية، واستخدموا الواسطة للحصول على خدمات حكومية.

تكميم الأفواه

وتابع لافي: "تمّ التحقيق معي لمدة 7 أيام متواصلة، بعد اتهامي برفع يافطة داخل الحراك، كتب عليها "لا لتكميم الأفواه"، و"تسقط الحكومة"؛ حيث اتهمته النيابة بالتحريض ضدّ الحكومة، والدعوة لإثارة الشغب، والمشاركة في مظاهرة غير مرخصة، ليتمّ تحويله إلى محكمة الصلح في محافظة الخليل".

المحامي في مركز عدالة لحقوق الإنسان، قيس أبو سعدة لـ "حفريات": الأجهزة الأمنية الفلسطينية تعتقل نشطاء على خلفية الرأي والتعبير، ورفضت الإفراج عنهم بعد إضرابهم عن الطعام

وأضاف: "قبل أن يتمّ تحويلي إلى المحكمة، وأثناء مكوثي داخل معتقل الأمن الوقائي بالخليل، لم يتم إبلاغ عائلتي باعتقالي طوال أسبوع متواصل من التحقيق، الذي شمل التعذيب والتوبيخ والتهديد، ولم يتمّ السماح لأيّة مؤسسة حقوقية بالحصول على أية معلومات تتعلق بظروف اعتقالي، وكان يتمّ التنكر من وجودي داخل معتقل الجهاز في كلّ مرة".

...

وأكّد لافي أنّه "أثناء جلسة المحكمة تمّ توجيه عدة تهم له، من بينها التحريض على قلب نظام الحكم، والخيانة العظمى، وحيازة آلة حادة، على الرغم من أنّ التحقيق جرى حول رفع يافطة تحرض على الحكومة الفلسطينية، ليحكَم عليه بالسجن لمدة 15 يوماً، ودفع غرامة مالية قدرها 1800 دينار أردني، وهو ما يدلّل على السياسة الواضحة التي تنتهجها السلطة الفلسطينية في سياسة تكميم الأفواه ومنع الأصوات المعارضة لسياساتها وفسادها".

قمع الحريات العامة

أما المواطن يسري بني عودة (38 عاماً)، من مدينة نابلس، فقد تمّ اقتحام منزله بعد منتصف الليل من قبل قوة كبيرة من جهاز الأمن الوقائي بالمدينة، بعد أن تمّ تفتيش منزله بشكل دقيق، ومن ثم اصطحابه إلى مقر الجهاز بنابلس، حيث جرى التحقيق معه حول نشر عبارات على صفحته على الفيسبوك تقوم بالدعوة للتظاهر والمشاركة في حراك "طفح الكيل" في رام الله، في تموز (يوليو) الماضي، والذي يدعو إلى وقف الترقيات والتعيينات التي يستفيد منها أبناء المتنفذين وأقاربهم في السلطة الفلسطينية".

اقرأ أيضاً: ياسر عبد ربه لـ "حفريات": خطة الضم الإسرائيلية ستهجّر الفلسطينيين

ويضيف بني عودة، في حديثه لـ "حفريات": "بعد تفتيش بيتي تمّ تكبيل يديَّ بالأصفاد المعدنية، ووضعت قطعة من القماش على عيني، ومن ثم اصطحابي إلى مركبة كانت تكتظ بالمعتقلين على خلفية المشاركة في الاعتصام، ونشر عبارات على منصات التواصل الاجتماعي، تدعو إلى التظاهر ومحاربة فساد السلطة، في مخالفة واضحة لتعليمات منظمة الصحة العالمية، التي تدعو إلى اتخاذ التدابير الاحترازية والتباعد الاجتماعي لمواجهة فيروس كورونا".

....

وتابع: "تعرَّضت للشبْح والضرب المبرح أثناء فترة التحقيق معي، على مدار أربعة أيام من الاحتجاز التعسفي في زنزانة صغيرة، وسئلت عن أسماء الأشخاص المحرضين على إقامة الحراك ونشر عبارات تهاجم السلطة على مواقع التواصل الاجتماعي"، مبيناً: أنّه أثناء جلسة المحاكمة وجهت له عدّة تهم، من بينها إساءة استخدام التكنولوجيا، وتهديد النظام العام، وأفرِج عنه بكفالة مالية تقدر بـ 1300 دينار أردني، بعد 10 أيام من الاعتقال".

اقرأ أيضاً: لماذا يعد الضمّ الإسرائيلي للمحميات الطبيعية في فلسطين جريمة حرب؟

وبيّن أنّ "السلطة تتعامل مع منتقديها على أنّهم مجرمون، وما تقوم به أجهزتها الأمنية من ملاحقة للنشطاء والإعلاميين، لمجرد التعبير عن رأيهم ضدّ الفساد الذي أصاب معظم المؤسسة الرسمية الفلسطينية، هي ممارسات عنصرية مخالفة للقانون الفلسطيني والمواثيق الدولية، وهو يبين الوجه الحقيقي للسلطة في قمع الحريات العامة".

اعتقالات غير قانونية

يقول المحامي في مركز عدالة لحقوق الإنسان، قيس أبو سعدة، في حديثه لـ "حفريات": "ما تزال الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية تعتقل نشطاء على خلفية الرأي والتعبير، ورفضت الإفراج عنهم بعد إضرابهم عن الطعام، في ظلّ احتجازهم بظروف إنسانية سيئة، والاعتداء عليهم بالضرب المبرح أثناء التحقيق معهم داخل زنازين ضيقة".

...

ولفت إلى أنّ "قانون الجرائم الإلكترونية الذي أصدره الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، عام 2017، يتنافي مع القانون الدستوري الفلسطيني، لعدم عرضه على المجلس التشريعي للمصادقة عليه"، مشيراً إلى أنّ "السلطة تستغل حالة الطوارئ حالياً، ليس فقط لمواجهة وباء كورونا، إنما لاستهداف النشطاء والاستمرار في الاعتقالات التعسفية بشكل شخصي وغير دستوري".

وأكّد أبو سعدة أنّ "على كافة المؤسسات الحقوقية التحرك الجاد لحماية النشطاء والصحفيين من الاعتقال وتكبيل حرية الرأي والتعبير، والضغط على السلطة الفلسطينية لوقف تلك الاعتقالات، والتي لا تختلف عمّا تقوم به قوات الاحتلال الإسرائيلي بحقّ أبناء شعبنا الفلسطيني في الضفة الغربية المحتلة".

...


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية