"الإخوان" و"رابعة" وتزوير التاريخ

"الإخوان" و"رابعة" وتزوير التاريخ

"الإخوان" و"رابعة" وتزوير التاريخ


08/08/2023

عمرو فاروق

تتعمّد جماعة "الإخوان المسلمين" تزوير السياق التاريخي للأحداث المرتبطة بمعاركها مع خصومها التقليديين من الأنظمة السياسية، منذ تأسيسها على يد حسن البنا في نهاية عشرينات القرن الماضي، متحيّنة الفرص الزمنية لتثبيت مزاعمها وادّعاءاتها خداعاً للرأي العام.

خلال الساعات الماضية عقدت جماعة "الإخوان" مؤتمراً دولياً في الأكاديمية البريطانية لفنون السينما والتلفزيون (BAFTA )، وعرضت في إطاره فيلماً وثائقياً عن الذكرى العاشرة لفضّ "تجمّع رابعة" المسلّح، الذي نفذّته الأجهزة الأمنية المصرية، عبر ممر بشري في 14 آب (أغسطس) 2013، بعد سقوط حكم "المرشد" والإطاحة بمحمد مرسي في حزيران (يونيو) 2013.

الفيلم من إنتاج شركة (Noon Multimedia) البريطانية التي تأسست عام 2015 وتحمل الرقم (5609646)، ويمتلكها الفلسطيني عبد الرحمن أبو دية، أحد رجالات التنظيم الدولي، ونفّذته نيكي بولستر، المخرجة في قناة BBC ، وITN ،وNetflix ،وApple TV، وعُرض على منصّة "Egypt Watch"، التي تأسست في شباط (فبراير) 2021، في العاصمة البريطانية، بتمويل من التنظيم الدولي، وتحمل الرقم (13192374)، ويديرها الإخواني أسامة جاويش.

تضمّن الفيلم الوثائقي شهادات لعدد من الشخصيات الغربية القريبة من جماعة "الإخوان"، أمثال كريج سامرز، رئيس الأمن في "سكاي نيوز"، وديفيد كيركباتريك، الصحافي في "نيويورك تايمز"، ومصعب الشامي، مصور "الأسوشيتد برس"، فضلاً عن مشاركة عدد منهم في جلسة نقاشية عقب عرض المادة الوثائقية مثل كريسبين بلانت، رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس العموم البريطاني، وإليزابيث نوجنت، أستاذ العلوم السياسية في جامعة برينستون الأميركية، وبيتر أوبورن الصحافي البريطاني، وداليا فهمي، أستاذة العلوم السياسية في جامعة لونغ آيلاند في الولايات المتحدة.

لا يُخفى على أحد، أنّ كلاً من كريسبين بلانت، وديفيد كيركباتريك، من أهم الشخصيات التي منحت قيادات جماعة "الإخوان" فرصة التواصل مع دوائر صنع القرار الغربي، وتقديم مشروعها الفكري داخل أروقة الساسة الأوروبيين، بجانب تلفيق الاتهامات للنظام المصري والإساءة الى سمعته على مدار العشر سنوات الأخيرة.

إنتاج جماعة "الإخوان" لفيلم وثائقي يحمل تلفيقات بصرية وسمعية حول واقعة فضّ معسكر "رابعة المسلح"، نمط مرتبط بالمنهج الفكري والحركي لتنظيمها السرّي، وتزييفها للتاريخ والوقائع والأحداث، في إطار تشويه خصومها والمعارضين لمشروعها.

تناسى ممولو جماعة "الإخوان"، أنّ وسائل الاتصال والإعلام الحديثة تمثّل أدلة تاريخية ثابتة لا يمكن طمسها، والتي وثّقت في مضامينها عملية فضّ تجمّع "رابعة" المسلّح، وكذلك ممارستها وتطبيقها أساليب العنف المسلّح، منذ الإطاحة بمحمد مرسي.

عملية التعبئة والشحن التي تمّت من فوق منصّة تجمّع "رابعة"، والمسجّلة بالصوت والصورة، دلّت إلى أنّ قيادات جماعة "الإخوان" بلورت الأزمة في سياق ديني وليس سياسياً، وطرحتها في إطار معركة بين الإسلام والكفر، فضلاً عن شعاراتها الثورية والحماسية بتفعيل "الجهاد المسلّح"، ضدّ الأجهزة الأمنية المصرية، تمهيداً لإعادة الجماعة إلى المشهد السياسي والرئاسي.

ما ينفي مزاعم شهود الزور في العمل الوثائقي "الإخواني"، حول عملية فضّ تجمّع "رابعة" المسلّح، واتهامهم للأجهزة الأمنية المصرية بممارسة العنف المفرط في تفكيك مشهد تجمّع قواعدها التنظيمية ودوائر المتعاطفين مع مشروع الإسلام السياسي، يمثّل دليل إدانة للتنظيم "الإخواني"، في ظلّ الاعترافات الحيّة التي أدلى بها أحمد المغير، أحد مساعدي خيرت الشاطر، النائب الأول لمرشد "الإخوان".

قدّم أحمد المغير في 14 آب (أغسطس) 2016، اعترافات صريحة عبر صفحته الشخصية على "فايسبوك"، تؤكّد أنّ تجمّع "رابعة"، كان مسلّحاً ولم يكن سلمياً مثلما تدّعي قيادات جماعة "الإخوان"، وأنّ غرفة عمليات المعسكر، وضعت فرقاً مجهّزة ومدرّبة للاشتباك مع الأجهزة الأمنية في حال تنفيذها عملية فضّ التجمع "الإخواني".

اعترافات المغير، ليست الدليل الوحيد على مؤامرة الخيانة التي حيكت خيوطها في ليل مظلم، وخطّطت لها قيادات جماعة "الإخوان"، في ظلّ اعتراف عدد من قواعدها التنظيمية بهدف التجمّع البشري في ميدان رابعة "العدوية" في محيط شرق القاهرة، وصناعة تمركّز جغرافي يعزّز الانقسام الداخلي، ومن ثم السقوط في غياهب الحرب الأهلية.

رغبت جماعة "الإخوان" من خلال التجمّع البشري في "رابعة" في تحقيق مجموعة من الأهداف داخلياً وخارجياً، أهمّها تشويه صورة الأجهزة الأمنية والعسكرية، أمام الرأي العام الدولي، ومحاولة تمرير سيناريو التدخّل الخارجي العسكري عن طريق الحلفاء الديموقراطيين في الإدارة الأميركية، فضلاً عن إثارة الوقيعة بينهما وبين الشارع المصري، وتوريطهما ظاهرياً في عمليات قتل ممنهج في إطار الخداع العام، عقب فشلها في تحقيق إدارة شؤون الدولة والانتقال من دائرة التنظيم السري والحركي، إلى فقه الدولة ومقوماتها الديبلوماسية والسياسية.

في نهاية عام 2013، شاركت في تسجيل حلقة خاصة من داخل قطاع "سلامة عبد الرؤوف"، في الإدارة العامة للعمليات الخاصة بقوات الأمن المركزي، وخلال التسجيل التقيت اللواء مدحت المنشاوي مدير إدارة العمليات الخاصة، ونائبه اللواء مجدي أبو الخير، وبحكم أنّهما مسؤولان عن فّض تجمّع "رابعة"، تحدثت معهما بشكل مباشر عن  الممرات الآمنة، وكواليس اتخاذ قرار فضّ التجمّع "الإخواني".

كانت إجابتهما في الحقيقة تحمل دلالة قوية إلى رؤية الأجهزة الأمنية ومعرفتها بالمخطّط الإخواني من صناعة التمركز الجغرافي البشري لتحقيق فكرة الاستقواء بالخارج وتبرير التدخّل الدولي والعسكري، إذ قالا نصاً: "المعلومات والتقارير الأمنية أكّدت أنّ التجمّع كان مسلحاً، عشان كده طُلب منا ضبط النفس، وعدم الإنجرار وراء أي استفزاز عشان هم بيرتبوا لمشهد بعينه وعايزين يصنعوا حالة ويصدروها للغرب، وتبقى حجة على المؤسسات العسكرية والأمنية،  يعني مكنش في تعليمات بالضرب أصلاً، لكن اتفاجأنا بالرصاص خارجاً علينا من داخل التجمّع الإخواني، وفي لحظة اتنان من ولادنا ماتوا أمام عينينا، الشهيد النقيب شادي مجدي عبدالجواد والشهيد محمد محمد جودة".

الغريب في مزاعم اتهام جماعة "الإخوان" الأجهزة الأمنية المصرية، باستخدام القوة في عملية فضّ تجمّع "رابعة"، أنّ فراغات الطلقات النارية التي أودت بحياة عشرات القتلى من أتباع محمد مرسي، وُجدت في داخل تجمّع "رابعة" بكثافة، وليس خارجه، ما يعني أنّ الطلقات النارية التي صُوّبت تجاه القتلى خرجت من وسط التجمّع "الإخواني"،الذي كان مسلّحاً في حقيقته، ولم يكن سلمياً، كما يزعم أتباع الجماعة وحلفاؤها في الخارج.

احتوى تجمّع "رابعة" الإخواني، على غرفة عمليات خصّصتها الجماعة داخل إحدى القاعات في مسجد "رابعة"، وشُكّلت هيئة استشارية لإدارة المشهد داخلياً وخارجياً، في ظلّ تعطيل عمل "مكتب الإرشاد" موقتاً، ومثلت ساحة لعقد اللقاءات السياسية والإعلامية، مع مندوبي الرئيس أوباما، وممثلي الإدارة الأميركية حينها، بجانب ضباط الاستخبارات الغربية، ومراسلي الصحف والمجلات العالمية، والذين لعبوا دوراً في صناعة حالة مظلومية وكربلائية الجماعة دولياً.

كانت الأجهزة الأمنية المصرية، على علم تام بما يدور داخل غرفة عمليات "رابعة"، وامتلكت المعلومات والتفاصيل حول مخطّط الجماعة، ومن ثم نفّذت عملية فضّ التجمّع الإخواني بدقّة عالية لعرقلة توريط الأجهزة الفاعلة، وتفويت الفرصة على حلفاء "الإخوان" في الخارج في تمرير سيناريوهات التقسيم.

ما فعله "الإخوان" وحلفاؤهم الغربيون أخيراً، من صناعة مواد وثائقية تسيء إلى سمعة الدولة المصرية، يستهدف في المقام الأول التأثير في الاستحقاق الرئاسي المقبل، والمقرّر تنفيذ إجراءاته في نيسان (إبريل) 2024.

لكن في النهاية، هل يمتلك دعاة الحقوق والحرّيات الغربية، الجرأة التّامة على صناعة مادة فيلمية مماثلة توثّق محاصرة جماعة "الإخوان" وقواعدها التنظيمية مبنى وزارة الدفاع ومبنى المحكمة الدستورية ومدينة الإنتاج الإعلامي وإشعال النيران في مقرّ حزب الوفد واستهداف مقرّ الأمن الوطني ومبنى مديرية أمن القاهرة واغتيال النائب العام ومحاولتي اغتيال كل من وزير الداخلية ومفتي الديار المصرية السابق، فضلاً عن تدمير البنية التحتية لشبكات الكهرباء والمياه وغيرها،تحت لافتة الدفاع عن الشريعة والشرعية؟

عن "النهار" العربي




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية