الإخوان المسلمون في ليبيا (2): المال والعلاقات الخارجية

الإخوان المسلمون في ليبيا (2): المال والعلاقات الخارجية


22/03/2022

يُعدّ العنصر المالي الخاص باقتصاديات الجماعة من الأمور المعقدة في بنية التنظيم، ويحظى بكثير من السرّية، والمناورات التكتيكية والعابرة للدول، فضلاً عن دعم بعض رجال الأعمال الليبيين الموالين للتنظيم، ونفوذ بعض الشخصيات الضالعة بمناصب في جسم الدولة التنفيذي؛ خاصّة داخل العاصمة الليبية طرابلس، ومدينة مصراتة، والزاوية، والمناطق الـ3 تمثل نقاطاً رئيسة في حضور مكوّن الإخوان داخل ليبيا.

التحكم بمسارات الأوعية المالية

من الشخصيات النافذة في المصرف المركزي الليبي مصطفي المانع، القيادي البارز في حزب العدالة والبناء الإخواني، وآخرون داخل مصرف ليبيا المركزي، بقيادة الصديق الكبير، فضلاً عن بعض الشخصيات التي تتمتع بعلاقات جيدة مع التنظيم، حتى وإن كانت غير مؤطرة تنظيمياً، ولكن تدعمهم مثل السيد علي الدبيبة، الذي يرتبط بعلاقات جيدة مع  علي الصلابي الموجود في تركيا.

السيطرة على البنك المركزي

يستقر الصديق الكبير، المنتمي لتنظيم الإخوان، في منصبه كمحافظ للمصرف المركزي، منذ أن عيّنه المجلس الانتقالي أواخر العام 2011؛ بضغط من التنظيم الذي كان يسيطر على أغلبية المؤتمر الوطني الليبي آنذاك، وعمل على ترسيخ وجود الجماعة؛ بتوفير غطاء مالي كبير لها، مكّنها من توطيد أقدامها عسكرياً في مناطق الغرب الليبي.

       يُعدّ العنصر المالي الخاص باقتصاديات الجماعة من الأمور المعقدة في بنية التنظيم

وغير الصديق الكبير، يتواجد عديد قيادات الإخوان داخل مصرف ليبيا المركزي، من بينهم[1]:

مصطفى المانع، يشغل منصب المستشار القانوني لمحافظ المصرف، الصديق الكبير، وهو من أبرز القيادات النافذة في التنظيم، وكذلك القيادي، أسامة الصلابي، الذي يقيم بين تركيا وقطر ومدن غرب ليبيا، وهو عضو باتحاد علماء المسلمين، ومفتي الإخوان في ليبيا، وشقيق إسماعيل الصلابي، أحد مؤسسي تنظيم "سرايا الدفاع عن بنغازي"، التنظيم المتطرف المسؤول عن الاغتيالات في مدينة بنغازي، عامي 2013 و2014، والمطلوب قضائياً في ليبيا، ومدرج على قوائم الإرهاب في مصر والسعودية والإمارات.

إقرأ أيضاً:  الإخوان في ليبيا (1): مراحل التكيف مع الطغيان والثورة

 فتحي عقوب: يشغل منصب أمين سر مجلس إدارة المصرف، وهو أحد أبرز المؤيدين لمجلس "شورى ثوار بنغازي"، الذي أسّسه تنظيم "أنصار الشريعة"، المصنف تنظيماً إرهابياً، وكان مطلوباً للسلطات الأمنية في عهد القذافي؛ باعتباره كان من العناصر الفاعلة في تنظيم الإخوان، حيث توّلى مهمة التنسيق بين عناصر التنظيم في ليبيا ومصر، حسب الوثائق الصادرة عن جهاز الأمن الداخلي.

 

طارق المقريف: من أهم القيادات الإخوانية التي تتحكم بمفاصل المصرف المركزي، حيث يشغل منصب عضو مجلس الإدارة، وهو أيضاً عضو مجلس إدارة المؤسسة المصرفية العربية، وعضو مجلس أمناء مؤسسة مبادرة "صلتك" القطرية، وهي مؤسسة توفر التدريب المهني، والمساعدة لرجال الأعمال الشباب على إطلاق مشاريعهم في قطر والعالم العربي، يقيم في قطر، ويوصف بأنّه أحد رجالاتها في ليبيا.

من الشخصيات النافذة في المصرف المركزي الليبي مصطفي المانع القيادي البارز في حزب العدالة والبناء الإخوان

 سالم الشيخي: أمضى عامين في سجن "أبو سليم"، من العام 1986 إلى العام 1988 بتهمة الانتماء فكرياً وعقائدياً إلى جماعة الإخوان في ليبيا، تمّت مكافأته بعد عودته إثر اندلاع الثورة الليبية من بريطانيا التي انتقل إليها بعد خروجه من السجن ـ عمل هناك خطيباً لأحد مساجد مدينة مانشسترـ بتعيينه وزيراً للأوقاف بالمجلس الوطني الانتقالي، ثم تكليفه بمنصب عضو الهيئة الشرعية، لمصرف ليبيا المركزي.

 سليمان عبد القادر: يعتبر أحد العناصر الشابة التي أعادت الجماعة للحياة، ما بين أعوام 2009 -2012، كأحد أهم القائمين على المصرف المركزي، من خلال واحدة من أبرز المؤسسات التابعة له، وهو معهد الدراسات المصرفية في طرابلس، حيث تم تنصيبه مديراً للمعهد، على الرغم من أنّه لا ينحدر من القطاع المصرفي أو المالي.

إقرأ أيضاً: ليبيا: الإخواني المشري يغير موقفه من باشاغا ويهاجم مجلس النواب... ماذا حدث؟

عبد اللطيف التونسي: رئيس الدائرة السياسية في حزب العدالة والبناء، ويشغل منصب مدير مكتب محافظ مصرف ليبيا المركزي.

 عبد الرؤوف محمد: يتولى إدارة الشؤون الإدارية بالمصرف، وهو متورط في تهريب الأموال والنقد الأجنبي إلى تركيا، وعلى صلة قوية بحزب العدالة والتنمية التركي.

يرتبط التنظيم في ليبيا بعدد من العلاقات مع الدول الإقليمية عبر عدد من المحاور

محمد الدروقي: عضو جماعة الإخوان المسلمين، ويعمل حالياً في منصب مدير إدارة المراجعة بالمصرف المركزي الليبي.

من هنا تتجلّى هيمنة الإخوان على المؤسسة المالية، بشكل يضع أيّ محاولة ترمي إلى إزاحتهم مستقبلاً، في اختبار شديد الصعوبة.

العلاقات في المحيط الإقليمي:

يرتبط التنظيم في ليبيا بعدد من العلاقات مع الدول الإقليمية عبر عدد من المحاور، حيث تتسق الجماعة تنظيمياً مع تونس، من خلال حزب النهضة، الذي تشير تقارير إلى قيامه بالإشراف على موجات تسفير المقاتلين إلى ليبيا، في مرحلة سابقة، والآن ينتاب هذا الارتباط الوهن؛ نتيجة وضع النهضة في تونس، عبر صراعها مع الرئيس قيس سعيّد، والمقاربة ذاتها في العلاقة مع التنظيم في المغرب، حيث يعاني حزب العدالة والتنمية (المصباح) بعد خسارته الانتخابات ورئاسة الحكومة، خلال شهر أيلول (سبتمبر) الماضي.

تبدو العلاقة الأقوى، والأكثر تأثيراً خلال هذه الفترة مع تنظيمات الإسلام السياسي في  الجزائر، حيث يضع الرئيس تبون ثقله السياسي في ليبيا، بالتزامن مع إشراك الإخوان في النظام السياسي، دون إفراط وبحذر، الأمر الذي يصنع ذلك توافقاً على مسارات أخرى بين بلاده وقطر.

من ناحية الدعم اللوجيستي والمالي، تستقر تركيا والدوحة في مقدمة الرعاة، من حيث الدعم الذي يتلقاه التنظيم في ليبيا؛ عبر بعض المنصات الإعلامية، وتوفير إقامة للقيادات التنظيمية الليبية مثل: الصادق الغرياني، وعلي الصلابي، وغيرهم من القيادات.

مخاطر حضور الإخوان في المشهد السياسي الليبي

رؤية استشرافية

في إطار الأزمة السياسية الليبية، والتحديات التي تواجهها؛ لإرساء دستور للبلاد، وتنظيم الاستحقاق الانتخابي، عبر الحكومة المكلفة، وتوحيد المؤسّسات في البلاد، وتصفية الجيوب العسكرية، وحصر حمل السلاح بيد الدولة، بعيداً عن الجماعات والميليشيات والمقاتلين الأجانب، ينبغي الإشارة إلى أنّ التنظيم عمد، خلال الأعوام الأخيرة، إلى مركزة عناصره في مفاصل الدولة، وتمكين نفوذهم في المناصب المرتبطة بالمحفظة المالية، عبر المصرف المركزي الليبي، فضلاً عن المجلس الأعلى للدولة، الذي يعتبر حضوره نافذة شرعية في العاصمة، كمؤسسة موازية لمجلس النواب في الشرق، واستطاع المجلس الأعلى للدولة، من خلال تحالف رئيسه خالد المشري التكتيكي مع المستشار عقيلة صالح، في الاتفاق على إزاحة رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، وتكليف فتحي باشاغا رئيساً للحكومة، واستطاع من خلال ذلك أن يمدّ عمر مجلسه حتى يتم التوافق على الدستور، وانتخاب أعضاء مجلس النواب، قبل أن ينقلب المشري على الاتفاق، ويدير ظهره للحكومة المكلفة، ربما من أجل حصد المزيد من المكاسب، خاصّة أنّ حكومة الدبيبة لم تقم بالحسم الكافي فيما يخصّ ملف الميليشيات الإخوانية.

تبدو العلاقة الأقوى والأكثر تأثيراً خلال هذه الفترة مع تنظيمات الإسلام السياسي في  الجزائر

وربما كانت تشكيلة الحكومة هي السبب الذي أزعج خالد المشري، وجعله ينقلب على باشاغا، وقد أشار الأول إلى ذلك صراحة، عندما صرّح منذ أيام، خلال لقاء خاص أذيع على قناة "ليبيا الأحرار"، التي تبث من تركيا:  "رفضنا للحكومة كان مبدئياً، ولكنّه زاد حدة لمّا ظهرت التشكيلة، وحتى عند الجماعات المسلحة في المنطقة الغربية، الأمر حاسم، الحكومة لم توضع بتوازن، عندما يكون النائب عن المنطقة الشرقية والجنوبية، ووزير المالية والتخطيط، ووزير الدفاع، وزراء ووكلاء كلهم من المحسوبين على الحلقة الأولى لخليفة حفتر، معناه أنّ هذه الحكومة، خليفة حفتر متنفذ فيها بشكل كبير جداً[2]".

وواضح هنا أنّ المشري لا يكترث لإعلان ارتباط المجلس الأعلى مع الميليشيات المسلحة، وهو كذلك يفصح صراحة عن رؤية الإخوان فيما يتعلق بمسارات التسوية.

إلى ذلك وفي ضوء التحرك نحو التعديل الـ12، والذي تمّ إقراره خلال منتصف شهر شباط (فبراير) الماضي، تقع كلّ التطورات في المسار السياسي، عبر رؤية وأهداف التنظيم، في الهيمنة على مراكز صنع القرار في ليبيا، أو المشاركة فيها، بما يحقق جملة أهدافها، عبر أطراف متحالفة أو متوافقة معه نسبياً. وربما تجلى ذلك من خلال تقويض مسار العملية الانتخابية، بعد فشل الجماعة في اقتناص منصب الرئيس، إثر إصرار البرلمان على انتخابه مباشرة من الشعب، بينما أصرّ الإخوان على انتخابه من البرلمان، وفق محاصصة تمكنهم من الاستئثار بالمنصب السيادي المهم، لتيقنهم من عدم القدرة على الفوز بأغلبية مقاعد البرلمان، وتشكيل الحكومة.

إقرأ أيضاً: ليبيا: باشاغا يبدأ المشاورات لتشكيل حكومته... وحراك عسكري موالٍ له في طرابلس

نحو ذلك، يبدو السيناريو الأكثر ترجيحاً، بناء على كافة المعطيات السابقة، سواء في إطار تمكن بعض قيادات الجماعة، وحزب العدالة والبناء داخل المصرف المركزي، وكذا هيمنتهم على المجلس الأعلى للدولة، بقيادة خالد المشري، واستناداً لتفاهم الأخير مع مجلس النواب، في إطار التعديل الـ12، ورعاية ترشيح رئيس الحكومة المكلف فتحي باشاغا، وعلاقة الأخير بهم، إبّان تقلده وزارة الداخلية في حكومة السراج، فمن المرجح أنّ التنظيم سيعتمد بالأساس على ممارسة خلط الأوراق، وإرباك المشهد، في كافة تفاصيله ومراحله؛ من خلال القاعدة الدستورية، التي تؤسس للاستحقاقات الانتخابية، وصياغة مواد الترشح لمنصب الرئيس، بحيث تستبعد كافة الأسماء التي لا تتوافق مع مصالح الجماعة وأهدافها، ويضحي جانب من المستقبل بيد الإخوان، ويحقق لهم ملمحاً من الاتفاق مع المرشح المحتمل، وفي الوقت نفسه يتمّ التحرك نحو النافذة التشريعية، والاحتفاظ بالهيمنة على المحفظة المالية، من خلال قياداتهم المهيمنة داخل المصرف المركزي، مع الحفاظ على وجود نفوذ للقوى الإقليمية الراعية للتنظيم، قطر عبر نفوذها المالي، وتركيا عبر وجودها العسكري.

[1] العربية، بالأسماء... وجوه الإخوان في المصرف المركزي الليبي، 16آذار (مارس) 2020.

https://2u.pw/hQwAh

[2] البوصلة الإخبارية، المشري: لم ولن أدخل في أيّ صفقة مع أحد فيها منصب... وعلى الدبيبة وباشاغا ألّا يجعلوا الشباب وقوداً لهذا النزاع، 12 آذار (مارس) 2022.

https://2u.pw/TqwQI

الصفحة الرئيسية