الأذرع المسلّحة الإيرانيّة في الشّرق الأوسط... الحلول الصعبة!

الأذرع المسلّحة الإيرانيّة في الشّرق الأوسط... الحلول الصعبة!

الأذرع المسلّحة الإيرانيّة في الشّرق الأوسط... الحلول الصعبة!


05/06/2023

حسن المصطفى

تمضي إيران قدماً في الترويج لخطاب سياسي منفتح على جيرانها العرب، ساعية عبر ذلك إلى تخفيف الاحتقانات، وبدء مرحلة جديدة تتجاوز عبرها مشكلات العقود السالفة، وهي الدبلوماسية التي لن تكون يسيرة، كونها تحتاج أولاً إلى تنظيم الاختلافات السياسية، وحل المشكلات الأمنية، وإعادة ترتيب "العقيدة الخارجية"، بحيث يكون فيها الدور الأكبر لوزارة الخارجية وليس لـ"الحرس الثوري"، وهو توازن صعب، خصوصاً في ظل تصاعد نفوذ التيارات المحافظة في الداخل الإيراني، وتراجع وجود التيارين الإصلاحي والمعتدل في مراكز صناعة القرار ومؤسسات الدولة، رغم أن المزاج الشعبي العام مؤيد لهما، بل متجاوز لخطابهما، نحو خطاب وسلوك اجتماعي أكثر تحرراً وليبرالية.

 الاتفاق السعودي – الإيراني برعاية صينية، والتحسن المتنامي في العلاقات بين الإمارات وإيران، والحديث عن خطوات لإعادة ترتيب العلاقات المصرية – الإيرانية برعاية عُمانية، فضلاً عن تسريبات حول حوار أردني – إيراني، ومساع لتخفيف التوتر بين البحرين وإيران، وأدوار لا تقوم بها سلطنة عمان وحدها، بل الجمهورية العراقية أيضاً؛ كل ذلك يدفع إلى الاعتقاد بأن الجمهورية الإسلامية الإيرانية لديها – وإن مرحلياً – نيات فعلية في تحسين علاقاتها الخارجية، وأن هناك سياسات واضحة رسمها مرشد الثورة علي خامنئي، تقضي بأن تحل الخلافات عبر الحوار والتواصل المباشرين.

 خامنئي كبيروقراطي لديه من الخبرة الكثير، وتسنّم مناصب عدة، وكان من أوائل الثوريين المؤيدين لمؤسس الجمهورية روح الله الموسوي الخميني، يعلم أن هذه الملفات العربية إذا لم يبادر هو شخصياً للدفع بها نحو الحل ولو الموقت، فإنها ستتعقد، ومن سيخلفه في منصب المرشد لن يستطيع البتّ فيها بحسم، لأنه سيكون محكوماً بتعقيدات عدة داخلية وتجاذبات مراكز القوى!

ما يسميها المرشد الأعلى بـ"المرونة البطولية" التي باتت تمارسها حكومة إبراهيم رئيسي، وتبدو بعض ملامحها الآن مع وكالة الطاقة الدولية، والتواصل غير المباشر مع الولايات المتحدة عبر سلطنة عمان، والتسريبات عن أن ثمة محاولات لإعادة إحياء الاتفاق النووي؛ كل ذلك يدفع إلى السؤال عن الكيفية التي ستدير بها طهران ملف علاقاتها بحلفائها والتشكيلات المسلحة الموالية لها في الخارج، وتحديداً في العراق وسوريا ولبنان واليمن.

 طوال عقود عملت إيران على تمويل وبناء تنظيمات عدة، كانت تشترك معها في رؤيتها العقائدية – الثورية، وفي الوقت ذاته تتقاطع أهدافها، فضلاً عن وجود مصالح متبادلة مالية وسياسية وأمنية، إلى أن تحولت هذه التشكيلات إلى جزء من شبكة الحلفاء والتابعين، وهي اليوم أمر واقع، لا يمكن شطبه بقرار سياسي، لأن لدى كثير منها مؤسساتها ودورتها الاقتصادية وحاضنتها الاجتماعية وترسانتها العسكرية، وأدوارها السياسية والأمنية المتنوعة.

 من هنا، ليس من الممكن عملياً أن تتخلى إيران عن حلفائها، وهي لا تريد ذلك، فضلاً عن أنها غير قادرة على ذلك، من دون أن ننسى أن هؤلاء الحلفاء هم اليوم جزء من النفوذ والأمن القومي الإيراني الخارجي!

 هذه العلاقة بين إيران والتشكيلات المسلحة، ستجعل طهران محل شكٍ وريبة لدى جيرانها، وسيكون هناك تناقض بين الخطاب الدبلوماسي السياسي، والاحتضان المستمر لهذه التنظيمات.

 عراقياً، هناك "الحشد الشعبي" الذي هو وفق القانون العراقي هيئة تعمل تحت مظلة الحكومة العراقية، أي أنها "شرعية" وفق أنظمة بغداد؛ لذا، من المحتمل أن تشتغل إيران على الدفع بالتنظيمات الصغيرة الموازية إلى الانخراط في "الحشد الشعبي" وتشكيل قيادة موحدة له قوية، تسيطر على مختلف القطاعات الأخرى، فيما الميليشيات الصغيرة، أو ما يعرف بـ"خلايا الكاتيوشا"، ليس من المستبعد حلها، كون كثير منها خارج السيطرة، وبعضها يقوم بعملياته من أجل الابتزار السياسي والمالي، وباتت تشكل عبئاً على إيران.

 سورياً، على المدى القريب، لا يبدو أن التنظيمات الموالية لإيران عازمة على الخروج من الأراضي السورية، وقد يتم العمل على جعلها ضمن قيادة تكون على تنسيق وتعاون تام مع الجيش العربي السوري، أو "حزب الله"، وذلك ضمن صيغة قانونية بين الحكومتين السورية والإيرانية، تجعل وجودها نظامياً. فيما الخلايا الصغيرة العراقية والأفغانية والباكستانية، والتي انتهت مهامها، سيُعمل إما على إرجاعها إلى بلدانها الأم، أو دمج أفرادها في المجتمع المحلي، وتحديداً المناطق التي لـ"حزب الله" اللبناني نفوذ فيها، من دون إغفال العامل "الإسرائيلي" المؤثر سورياً، إذ تستهدف تل أبيب بين فينة وأخرى، مخازن أسلحة أو مقار للتنظيمات المسلحة التابعة لإيران، خصوصاً أن الأخيرة ترى وجودها مهماً لها، كونها مصدر قلق لإسرائيل، وإن بقي ذلك محكوماً بقواعد اشتباك، يبدو أن الطرفين ملتزمان بها حتى الساعة.

 لبنان، بات "حزب الله" هو القوة الأكثر تأثيراً بين القوى السياسية، وهو يمتلك ناصية القرار وإن لم يحكم. كما أن وجوده في مجلس النواب والبلديات والنقابات.. والمؤسسات الصحية والخدماتية والمدارس والمراكز الدينية التي أسسها، مكّنه من خلق شبكة واسعة في المجتمع المحلي المؤيد له، هذا فضلاً عن الترسانة المسلحة التي يمتلكها والأجهزة الأمنية. وعليه، فـ"حزب الله" هو الاستثمار الإيراني الأكثر وضوحاً وفاعلية، خصوصاً أن له دوراً وظيفياً كونه موجوداً على الحدود مع إسرائيل، وصواريخه صار بإمكانها الوصول إلى تل أبيب. لذا، فهو مهم لطهران ضمن التوازن الاستراتيجي بينها وبين تل أبيب.

 "حزب الله" رغم خطورته، إلا أن علاقته مع إيران أكثر وضوحاً، وأقل تعقيداً، لأنه يأتمر مباشرة بأوامر "الولي الفقيه" ولديه إيمان عميق به، وطاعة مطلقة له. وعليه، فإذا أمر "الولي الفقيه" بأن يكف إعلام "الحزب" عن مهاجمة دول الخليج أو استضافة مواطنين خليجيين في المعسكرات التابعة له، فإن القيادة السياسية لـ"حزب الله" تلتزم ذلك، لأن هناك "إيماناً عقائدياً" عميقاً بوجوب طاعة المرشد الأعلى علي خامنئي.

 على الأرجح، ستعمد إيران إلى دفع "حزب الله" إلى الانخراط أكثر في الشأن اللبناني، والبعد من الملفات الإقليمية الحساسة، وتحديداً الأمن في الخليج العربي واليمن، وستبقي له أدواراً سوريّة. وهذا لا يعني أن "الحزب" قد يبدي مواقف مرنة تجاه انتخاب رئيس جديد للجمهورية في لبنان، إلا أنه من الممكن أن يخفف من خطابه العدائي ضد السعودية تحديداً، ويجمد دعمه اللوجستي والأمني لعناصر "أنصار الله" في اليمن.

 مستقبلاً، ووفق ما تفرزه التطورات في المنطقة، وما يتفق عليه الساسة في لبنان، قد تضغط إيران باتجاه طرح فكرة تحويل "حزب الله" إلى قوات نظامية، أشبه بـ"الحشد الشعبي" في العراق، وهذه الفكرة رغم صعوبتها وما تنطوي عليه من مخاطر كبرى في بلدٍ هشٍ يحكمه التوازن الطائفي، إلا أنها قد يسوّق لها ساسة طهران كبديل لاستحالة "نزع سلاح حزب الله". إلا أن كل ذلك منوط بمدى هدوء الجبهة مع إسرائيل، وعدم نشوب حرب، على غرار حرب تموز (يوليو) 2006. إلا أن هذه الفكرة ستجابه بممانعة واسعة من معارضي "حزب الله" في لبنان، وحتى من عواصم عربية، ستجد فيها تكريساً لهيمة "الحزب" ومأسسة سلاحه. فيما المقابل، يأتي الحوار على آليات حقيقية وعملية – واقعية، لدمج سلاح "حزب الله" ضمن الدولة اللبنانية وتحت قيادتها المباشرة.

 يمنياً، تجري مفاوضات حثيثة بعيداً من الإعلام، تسعى من خلالها المملكة العربية السعودية لأن تكرس الهدوء على حدودها الجنوبية، وتشجع الحوثيين على الانخراط في الحوار السياسي اليمني – اليمني، على أن يكون هناك تثبيت للهدنة، الأمر الذي يمهد مستقبلاً لقيام حكومة شراكة وطنية يكون الحوثيون جزءاً منها، تعمل على إعادة الإعمار وحل المشكلات الصحية والإنسانية والأمنية.

 الحوثيون، رغم تسلحهم، والعلاقة التي تربطهم بإيران، إلا أنهم أقل تبعية لها من "حزب الله" لبنان، لعوامل عدة مجتمعية وعقائدية وقبلية، ومن هنا، رغم وعورة النقاشات في الملف اليمني، إلا أن لدى الحوثيين القدرة على أن تكون علاقتهم مع طهران أكثر استقلالية، وأن يقدموا المصالح اليمنية على سواها.

 وتسعى إيران، ومعها سلطنة عُمان، لإقناع الحوثيين بأن الحل السلمي هو الطريق الأنجع، وأن التغيرات الحاصلة في الإقليم على "أنصار الله" الاستجابة لها، والتفاعل الإيجابي معها، خصوصاً بعد الزيارة التي قام بها للعاصمة صنعاء، السفير السعودي في اليمن محمد آل جابر.

 خليجياً، كانت هناك مخاطر في سنوات سابقة، تمثلت في وجود خلايا مسلحة مدعومة من "الحرس الثوري" الإيراني، في السعودية والبحرين والكويت، وبعضها خطط لتنفيذ عمليات إرهابية، وعدد من عناصرها بالفعل استهداف مقارّ حكومية ورجالِ أمنٍ، وعمل على تهريب السلاح والمواد المتفجرة.

 هذه "الخلايا" التي تدرب بعضها في معسكرات في إيران والعراق ولبنان، المنطق يفترض أن إيران ستعمل على تجميدها، والكف عن دعمها، لأنها كانت السبب المباشر للتوتر مع العواصم الخليجية طيلة 4 عقود. وعليه، يتوقع المراقبون أن يخف النشاط التخريبي لـ"الحرس الثوري" في دول الخليج العربي، كبادرة حسن نيات إيرانية، والتزاماً من طهران بتعهداتها أمام بكين، باحترام سيادة الدول وعدم التدخل في الشؤون الداخلية. أما إذا واصل "الحرس" دعمه لهذه "الخلايا" فسيقوّض كل جهود السلام في المنطقة، ويدفعها إلى مواجهة لن تكون في مصلحة أيٍ من دولها.

 ملف صعب ومعقد، خصوصاً أن الثورة الإيرانية استثمرت فيه مليارات الدولارات، وامتزج فيه الطموح السياسي بالرغبة في التوسع والنفوذ، بالرؤية العقائدية – الثورية. وسيكون على الساسة الإيرانيين مسؤولية حل ملف "التنظيمات المسلحة" بطريقة قانونية، تمهد لأن يكون السلاح في الدول التي فيها هذه التشكيلات بيد الدولة فقط، فاستمرار وجود "الميليشيات" وقيامها بأدوار تهدد السلم الأهلي، سيبعث برسائل سلبية بأن إيران ليست جادة بما يكفي في التغيير المأمول منها، وهو تغيير إذا تم سيكون في مصلحة المنطقة بأسرها، وسيدفع نحو الأمن والاستقرار والتنمية والتحديث.

عن "النهار" العربي




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية