ارتبط اسمها بارتكاب أفظع المجازر.. ماذا تعرف عن "الكتائب الحميدية" العثمانية؟

ارتبط اسمها بارتكاب أفظع المجازر.. ماذا تعرف عن "الكتائب الحميدية" العثمانية؟


28/07/2020

الكتائب الحميديّة، أو "الخيّالة الحميديّة"، كانت فرقاً عسكريّة عثمانية شبه نظاميّة، تشكّلت من الفرسان المقاتلين الأكراد، وارتبط اسمها بالسلطان العثمانيّ عبد الحميد الثاني، الذي كان المؤسس والراعي لها، إلّا أنها سرعان ما كانت سبباً لارتباط اسم السلطان أيضاً بسلسلة من المجازر المروّعة، المعروفة بـ "المجازر الحميديّة".

فرمان سلطانيّ بتجنيد أبناء الأكراد

انتهت الحرب الروسية العثمانية في عام 1878 بهزيمة الدولة العثمانيّة وخسارتها أجزاء مهمّة من منطقة القوقاز، في حين بقيت الولايات الشرقية خالية من السيطرة الفعليّة للجيوش العثمانية التي كانت منهكة ومُستنزَفَة بفعل الحرب، ما ترك المجال للسيطرة عليها من قبل أطراف محليّة متعددة، مثل القبائل الكرديّة، والفصائل الثوريّة الأرمنيّة التي كانت قد بدأت بالظهور والنشاط خلال تلك الفترة بين القرى والمدن الأرمنيّة في شرق الدولة العثمانيّة.

ضباط من "الكتائب الحميديّة"... التي عُرفت أيضاً بـ "الخيّالة الحميديّة"

وبسبب خطورة هذا الوضع، وما قد يؤدي إليه من خسارة واستقلال أجزاء جديدة عن الدولة العثمانيّة، في تلك المناطق، جاء فرمان السلطان عبد الحميد الثاني في تشرين الثاني (نوفمبر) عام 1891 بتأسيس قوّات وفرق خيّالة شبه نظاميّة، كانت الغالبية العظمى من المجندين فيها من أبناء القبائل الكرديّة إضافة إلى عدد من أبناء التركمان والبدو الأتراك المعروفين بـ "اليوروك".

سعى السلطان من وراء تجنيد الأكراد لكسب وضمان ولائهم والحيلولة دون تمرّدهم وثورتهم

سعى السلطان من وراء تجنيد الأكراد لكسب وضمان ولائهم والحيلولة دون تمردهم وثورتهم هم أيضاً على الدولة. وكان السبب المعلن لتأسيس هذه الكتائب هو توليها مهمّة تسيير دوريات على الحدود مع الإمبراطورية الروسية بهدف حماية أراضي الدولة من أيّ تهديد وغزو روسيّ محتمل.

السبب غير المعلن

كان الحراك القوميّ قد شهد تصاعداً لافتاً بين الأرمن في المناطق الشرقيّة من الدولة العثمانيّة منذ عقد الستينات من القرن التاسع عشر، وبدأت تظهر المطالبات الأرمنيّة بالاستقلال عن الدولة العثمانيّة، وسرعان ما تبلورت هذه التوجهات، وبدأت تنشأ الأحزاب الأرمنية التي شرعت برفع مطالب الاستقلال والانفصال  والمناداة بها، بدءاً من حزب "الأرميناجان"، الذي تأسس عام 1885، ثم الحزب الاشتراكي الديمقراطي الهونشاكاني، الذي تأسس عام 1887 وانخرط فيه طلاب جامعات الأرمن المنادون بإنشاء دولة أرمينيا المستقلّة. ثم تأسس الحزب الأشهر، "الاتحاد الثوريّ الأرمنيّ"، المعروف بـ "حزب الطاشناق"، عام 1890، ورفع شعارات الدفاع عن الشعب الأرمني المضطهد من قبل العثمانيين.

مؤسسي حزب الطاشناق الأرمنيّ: سيومن زافريان، وكريستابور ميكائيليان، وستيبان زوريان

وبالتالي، فإنّ السبب الأساس، غير المعلن، من تأسيس فِرَق "الكتائب الحميديّة" كان التصدّي لهذه الأحزاب والحركات الثوريّة الأرمنيّة، التي كانت قد بدأت تبرز كتهديد وخطر على وحدة الدولة العثمانيّة في فترة ضعف وتراجع لها.

في مواجهة "الثورة الأرمنيّة"

وبعد تأسيسها مباشرة، وبداية من صيف العام 1891، بدأت الكتائب الحميديّة، بتنفيذ مهمتها الأساسيّة التي أنشئت من أجلها، وجاء ذلك إثر فرض الدولة ضرائب مضاعفة على الأرمن، ما تسبب في مبادرتهم للقيام بعصيان ورفض للضرائب المفروضة الجديدة، وهنا شرعت الكتائب بتنفيذ هجمات قتل وتخريب على القرى الأرمنيّة.

كان السبب غير المعلن من تأسيس الكتائب الحميديّة هو التصدي للحركات الثوريّة الأرمنيّة

تطوّرت الاضطرابات في المقاطعات العثمانيّة الشرقيّة ذات الغالبيّة الأرمنيّة، وانتهت إلى اندلاع الثورة الأرمنيّة، التي استمرت بين عاميْ 1894 و1896. ومع اندلاع هذه الثورة راجت دعاية عثمانيّة على نطاق واسع، تتهم الأرمن بالخيانة والعمالة، وبأنّ الروس يستخدمونهم لغرض الهجوم على الأجزاء الشرقيّة من البلاد واحتلالها، وجرى بثّ هذه الدعايّة بين المقاتلين والمجندين العثمانيين. وجاء القرار من الباب العالي بالاعتماد على الكتائب الحميديّة لمواجهة الثورة الأرمنيّة المتصاعدة، وذلك بأكثر السبل ترويعاً ووحشيّة، فكان الخيار هو الاعتماد على الكتائب الحميديّة.

أسوأ المجازر

وفي مواجهة الثورة الأرمنية المتصاعدة التي عمّت عدداً كبيراً من قرى ومدن شرق الأناضول، وبسبب عدم الرغبة في إظهار أنّ القمع لها جاء من قبل الجيش العثمانيّ النظاميّ، وما يستدعيه ذلك من رفض وإدانة أوروبيّة، تقرر الاعتماد على الكتائب الحميديّة لتنفيذ مهمّة إخضاع وقمع الثوّار الأرمن، فكانت النتيجة وقوع ما عرف بـ "المجازر الحميديّة".

لوحة رسمها شاهد عيان... تصوّر الكتائب الحميديّة أثناء قيامها بعمليات القتل والنهب بحقّ الأرمن

كانت المجازر الحميديّة سلسلةً من المجازر، بدأت في تشرين الأول (أكتوبر) 1894، عندما شرعت الكتائب الحميديّة بشنّ هجات وعمليات نهب، وقتل، وتهجير، على أساس عرقيّ ودينيّ، استهدفت القرى والأحياء الأرمنية في مدن الولايات الشرقيّة، واستمرّت قرابة عامين، حتى تموز (يوليو) من عام 1896. واعتبرت هذه  المجازر أسوأ المجازر التي تعرضّ لها الأرمن في فترة ما قبل الإبادة الجماعية الكبرى التي حصلت بدءاً من عام 1915 خلال الحرب العالمية الأولى.

المجازر تطال أقليّات أخرى

لم تقتصر "المجازر الحميديّة" على الأرمن فقط، وإنما طالت أقليّات مسيحيّة أخرى، وخاصّة الآشوريين، المتواجدين في مناطق جنوب شرق الأناضول. وقد وجد السلطان العثمانيّ في اندلاع المجازر ضد الأرمن فرصة للتخلص من تهديد آخر متمثل بالآشوريين، فجاءت الأوامر والإيعاز إلى فرق الموت الحميديّة بالهجوم على القرى الآشورية أيضاً، وبالحجّة ذاتها، أنهم قد يتعاونون مع الإمبراطوريّة الروسيّة، بحكم الرابط الديني المسيحي الذي يجمعهم معها. وقد بلغت المجازر ضد الآشوريين ذروتها في جبال هكاري وديار بكر، ورافقتها عمليات تهجير وهدم وحرق للبيوت والكنائس.

بلغ إجمالي ضحايا المجازر الحميديّة خلال فترة أقلّ من عامين قرابة ثلاثمئة ألف

اعتبرت المجازر بحقّ الآشوريين كذلك من ضمن سلسلة المجازر الحميديّة، وبلغ إجمالي ضحايا المجازر الحميديّة خلال فترة أقلّ من عامين، بحسب وثائق القنصليات الأوروبيّة في الدولة العثمانيّة، إلى قرابة ثلاثمئة ألف ضحية، إضافة إلى ترحيل قسري لقرابة ستمئة ألف من الأرمن والآشوريين باتجاه المناطق الجنوبيّة من الدولة العثمانيّة. وقد استمرّت سلسلة من عمليات التقتيل المتفرقة وخاصة بحقّ الآشوريين حتى عام 1900.

صورة فوتوغرافيّة لجثث ضحايا من الأرمن سقطوا في مجزرة "أرض روم" عام 1895

اشتهرت هذه المجازر بدمويتها وبارتكاب فظاعات غير مسبوقة في الحروب، وكان السبب في ذلك هو الاعتماد على هذا النوع من الفِرق غير النظاميّة المعروفة بعدم تقيّدها بأيّ ضوابط أو قيود في الحروب والمواجهات وعدم خضوعها لأيّ معايير أو ضوابط ممّا تخضع له المؤسسة العسكرية النظاميّة. إضافة إلى حالة الشحن العاطفي بفعل الدعايات المضادّة للأرمن والآشوريين، التي كان قد تمّ تعبئتها بها، باعتبارهم "خونة  وعملاء".

كاريكاتير في عدد من أعداد صحيفة فرنسيّة صادر في أعقاب المجازر يصوّر السلطان عبد الحميد جزاراً


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية