الغنوشي يهرب من الإعلام التونسي إلى الأناضول والجزيرة

الغنوشي يهرب من الإعلام التونسي إلى الأناضول والجزيرة


03/06/2020

الجمعي قاسمي

أثار لجوء راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة إلى الجزيرة نت ووكالة أنباء الأناضول الرسمية التركية للرد على الانتقادات التي طالت أداءه كرئيس للبرلمان، والسطو على مهام رئيس الدولة قيس سعيد ورئيس الحكومة إلياس الفخفاخ، موجة من الاستياء في الساحة الإعلامية التونسية في ما وصف بأنه استقواء بالإعلام التركي والقطري بدل الالتجاء إلى الصحافة الوطنية التي هي المكان الطبيعي للحوار في قضايا ذات بعد محلي.

واعتبر نشطاء تونسيون على مواقع التواصل أن الغنوشي ينظر باستعلاء إلى المشهد السياسي والإعلامي في تونس، وإلا ما كان لجأ إلى فضائية عرفت بأجنداتها في صب الزيت على النار في شمال أفريقيا، أو لوكالة منحازة إلى سياسات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وهي سياسات تقابل بغضب واسع في تونس وفي شمال أفريقيا، متسائلين هل أن الغنوشي وضع نفسه في ركب أردوغان وسياساته الاستعمارية في المنطقة، الأمر الذي سيجعلها ترتد بالسلب على تونس، أم أن التمسك بالخطأ يدفع الغنوشي إلى الهروب إلى الأمام بمعاداة شريحة واسعة من التونسيين ودول الجوار؟

ويلاحظ متابعون للشأن التونسي أن الغنوشي لم يؤمن أبدا بدور الإعلام التونسي الذي ينظر إليه دائما على أنه إعلام معاد رغم استضافته في مرات كثيرة بمختلف الصحف والفضائيات، لكنه يريد أسئلة مهادنة وصحافة تعامله كما لو أنه مرشد أو سلطان لا يمكن نقده أو إحراجه، وهو أمر لم يعد ممكنا في ظل حرية الإعلام التي تعيشها البلاد.

ويشير هؤلاء إلى أن الاستقواء بالإعلام التركي والقطري يظهر أن الغنوشي لم يخرج بعد من جلباب القيادي الإخواني الذي يكون ولاؤه للجماعة أقوى وأمتن من ولائه للبلد الذي ولد فيه، ولاء عاطفي يميل إلى الخارج الذي يلتقي معه في الالتفاف على الشعب الذي ينتمي إليه وإن كانت نخبه ترفض الأفكار المستوردة التي يحملها باسم الدين أو تحت غطاء الديمقراطية.

ووجد الغنوشي الفرصة في حواريْ قناة الجزيرة ووكالة أنباء الأناضول للهجوم على أغلبية الطيف السياسي الذي يختلف معه والغمز بالارتباطات الخارجية، دون تقديم اعتذار أو رسائل تهدئة يمكن أن تساعد على خفض مستوى التوتر في البلاد، ولم يكن له من هدف سوى تبديد غضب الرئيس سعيد، بعد أن اكتشف أن رئيس الجمهورية قوي الشخصية، وشعبيته كبيرة، وقادر على وضع رئيس حركة النهضة تحت ضغط مستمر.

ورغم أن الرئيس سعيد ألمح إلى الغنوشي في أكثر من خطاب، إلا أن رئيس البرلمان يلقي بمسؤولية التوتر مع رئاسة الجمهورية على “الادّعاءات التي تعملُ أطراف مشبوهة، محليّة وخارجيّة، على محاولة تسويقها”.

واستبق رئيس حركة النهضة الجلسة البرلمانية العامة، المُقرر عقدها الأربعاء، والتي تتضمن في إحدى نقاطها سحب الثقة منه، وانتخاب رئيس جديد للبرلمان، بالعودة إلى النفخ في رماد “التوافقات” و”التفاهمات”.

وسعى الغنوشي إلى فتح نافذة حملت الكثير من المُغالطات، حيث ركز فيها على أهمية “التوافقات” و”التفاهمات” و”القواسم المشتركة”، وغيرها من المصطلحات، والحال أن تلك المفاهيم تبدو بعيدة المنال في الوقت الراهن لاعتبارات تتعلق أساسا بعدم رغبته هو في تحمل تبعاتها.

واعتبر رئيس البرلمان في تصريحاته للأناضول أنه “من المفروض أن تتجه كل القوى إلى سد هذا الفراغ من خلال البحث عن توافقات واسعة، وتعزيز المشتركات بين القوى الوطنية، حتى نتجنب الفراغ وتمر حكومة تحظى باتفاق واسع”، واصفا الدعوات إلى حل البرلمان بأنها “دعوات فوضى واستقواء بالشارع، وركوب على مشكلات حقيقية خاصة بعد جائحة كورونا”.

وتابع “ستظل مثل هذه الدعوات خارج السياق الدستوري، فتلتقي موضوعيا مع الفوضى التي تهدد كيان الدولة ومصالح الشعب”، لافتا في نفس الوقت إلى أن تونس “تُجابه تحديات غير مسبوقة، ولن نستطيع مجابهة هذه التحديات إلا بحكومة يحكمها تضامن وتآزر حقيقي، وحولها حزام سياسي واسع يسندها”.

ودفعت هذه التصريحات زهير حمدي، الأمين العام لحزب التيار الشعبي التونسي إلى القول إن “التوافق الذي عاد الغنوشي لينادي به هو لعبة قديمة جديدة كلما ضاق الخناق على حركته الإخوانية”.

وقال حمدي لـ”العرب” إن ما ذهب إليه الغنوشي، في تصريحاته لوكالة الأنباء الرسمية التركية “هو تكتيك لم يعد ينطلي على التونسيين، وأن كلمة التوافق في حد ذاتها عندما تصدر عنه تبقى كلمة مرفوضة ومغشوشة، لأن الهدف منها بالنسبة إلى الغنوشي وحركته هو ربح الوقت للمزيد من التمكين وانتظار متغيرات إقليمية ودولية لصالحه وصالح التنظيم الدولي للإخوان المسلمين”.

ولم يفت الغنوشي إبداء أسفه من أن “البعض لا يزال مسكونا بالمعارك الوهمية، وأغلبها يعود إلى رؤى أيديولوجية واعتبارات مصلحية ضيقة”، داعيا جميع الأطراف إلى “رفع درجة الوعي بما يتهدد البلاد”، وذلك في إشارة إلى الخلافات المُتصاعدة داخل الائتلاف الحكومي، وخاصة بين حركة النهضة، وحزب التيار الديمقراطي، وحركة الشعب.

وشدد حمدي على أن تونس “تحتاج إلى رؤية وطنية جديدة للإنقاذ والبناء تُراجع مسار ما سمي بالتوافق نهائيا، فلا يمكن بناء مشروع وطني حقيقي يحقق طموحات التونسيين بالتلفيق بين مجموعات متنافرة وحركة إخوانية ولاؤها للخارج قبل الداخل. فأن تمجد النهضة، و(من ورائها) الغنوشي، الاحتلال التركي لليبيا وتدعم استقواء إخوانهم به على بقية الشعب الليبي فهذا وحده كاف ليجعل من دعوة الغنوشي باطلة”.

عن "العرب" اللندنية



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية