في ليبيا تتواصل محاولات الإخوان الرامية إلى الهيمنة على المؤسسات الفاعلة، فقد وقّع وليد اللافي، وزير الدولة للاتصال والشؤون السياسية في حكومة الدبيبة، عقداً وصف بأنّه "غير قانوني"، مع شركة أجواء ومقرها تركيا، لصاحبها إسماعيل القريتلي، القيادي في جماعة الإخوان المسلمين.
أثار هذا التحرك الإخواني، الذي يهدف إلى المزيد من التمكين، حفيظة موظفي قناة ليبيا الوطنية، الذين وصفوا الأمر بـ"الانحراف" عن الخط الإعلامي للقناة، ووقّعوا بياناً أكدوا فيه بطلان العقد الذي وقّعه وزير الاتصال لمخالفته القوانين واللوائح المعمول بها، مطالبين رئيس الوزراء عبد الحميد الدبيبة بالتدخل العاجل، وإجراء تحقيق فوري حول ملابسات توقيع هذا التعاقد، الذي يمكّن الإخوان من أهم الأذرع الإعلامية في البلاد.
وقد شرعت الشركة في القيام بأعمال إنشائية؛ من تجهيزات وديكورات داخل الاستوديوهات الجديدة، الأمر دفع الموظفين إلى المطالبة بوقف هذه الأعمال الاستفزازية فوراً، والتي تستهدف فرض الأمر الواقع، وذلك لحين الانتهاء من التحقيقات، معبّرين عن أملهم في نزاهة الجهات الرقابية، والنائب العام؛ للتحقيق والوقوف على حيثيات هذا العقد وكيف تمّ تمريره.
البيان الذي أصدره الموظفون اعتبر أنّ ما يجري "عبث ممنهج، وعملية استيلاء واضحة على الإعلام الحكومي، وتهميش للكادرين الفني والإداري داخل القناة، من بعض الجهات التي تمتلك النفوذ السلطوي، ولا تمتلك النفوذ الشعبي على الأرض".
الخلل القانوني تمثل في عدم الإعلان عن مناقصة بين الشركات المتنافسة، وهو أمر يجب أن يكون معمولاً به عند التوقيع على مثل هذه العقود، حيث يجري اختيار الشركة التي يتم التعاقد معها عن طريق سحب الملفات المقدمة، واختيار أفضل العروض، وهو الأمر الذي لم يتم، حيث تجاهل وليد اللافي لجنة أسعار العطاءات في القناة، وهي لجنة مشكّلة من المدير العام بقرار رسمي، وهي وحدها، وفقاً للبيان، المختصة بالموافقة على العقود، ومن ضمنها "عقود البناء والتطوير، وإنشاء الاستديوهات، ويترأسها مدير إدارة التخطيط بالقناة، وقد تجاوز هذا العقد هذه اللجنة بشكل واضح، وهو ما يُعدّ مخالفة قانونية لهذا العقد، الذي نفذ ووقع في دوائر ضيقة بعيدة عن هذه اللجنة".
الموقعون على البيان استنكروا ورفضوا ما وصفوه بـ"العقد المشبوه"، وطالبوا رئيس الحكومة بـ "إيضاح الصورة حول ملابسات هذا العقد، وإيقاف الأعمال والتجهيزات داخل الاستديوهات الجديدة إلى حين النظر والتحقيق والوصول إلى حلّ يرضي كلّ الأطراف".
الموقعون على البيان استنكروا ورفضوا ما وصفوه بالعقد المشبوه، وطالبوا رئيس الحكومة بإيضاح الصورة حول ملابسات هذا العقد، وإيقاف الأعمال والتجهيزات داخل الأستديوهات الجديدة إلى حين النظر والتحقيق
موظفو القناة أعلنوا موقفهم خلال وقفة احتجاجية، وأكدوا رفضهم القاطع للاتفاق الذي أبرمه وزير الاتصالات والشؤون السياسية، معتبرين ذلك انتهاكاً صارخاً لحقوق العاملين، وبحسب موقع "أخبار ليبيا" المحلي، أكّد المحتجون أنّ ليبيا الوطنية قناة الوطن، وتمتلك الكوادر القادرة على تشغيل القناة، وأنّ هذا الإجراء يُعتبر باطلاً؛ ويهدف إلى تهميش العاملين وطمس هوية القناة، كما أنّ توقيع العقد مع شركة أجنبية، وعناصر غير ليبية، يمسّ أمن البلاد، خاصّة أنّ القناة تُعتبر قناة الدولة الليبية، وبالتالي لا يحق أن تكون قناة الدولة الليبية في أيدٍ من خارج ليبيا، مؤكدين أنّه قد يتم اللجوء إلى إيقاف بث القناة؛ إذا لم تُلغَ هذه الاتفاقية، التي وقّعت خارج إطار القوانين، وأنّه على ديوان المحاسبة والنائب العام إجراء تحقيقات حول هذه الاتفاقية.
تاريخ مريب لوزير الاتصال
كانت مذكرة تحقيق تخص النيابة الليبية، تمّ تسريبها، قد كشفت عن تورط وزير الاتصال وليد اللافي في قضايا تتعلق بالابتزاز المالي والفساد، وتهريب السلاح للميليشيات الإخوانية في الغرب الليبي، خلال الفترة بين 2012 إلى 2019، بالتزامن مع انخراطه ضمن صفوف الإخوان المسلمين، حيث ساعد اللافي على تمرير دعم مالي كبير لما يُعرف بمجلس شورى ثوار بنغازي، في العام 2012، الأمر الذي تسبب في إطالة فترة الحرب، وسقوط الأبرياء.
الوثيقة المسربة كشفت تواطؤ اللافي مع جهاز مخابرات أجنبي، مقابل مساعدته على تولي منصب قيادي، كما أحاطت الشكوك بشركة سفير لوجستك، التي قام بتأسيسها؛ بغرض ممارسة أعمال الشحن والتجارة، وكذلك أحد المكاتب المالية، وعن طريق الشركة والمكتب، أكدت تقارير قيامه بغسيل الأموال، وتمرير تحويلات مالية مشبوهة للإخوان المسلمين.
اللافي سبق أن لاحقته اتهامات بتمويل الميليشيات المتطرفة، إبانّ قيامه بإدارة قناة النبأ، التي كانت ذراعاً إعلامية للإخوان، ومارست عبرها الجماعة دعايتها السياسية، وروجت لشائعات لا حصر لها، وقامت بتشويه المعارضين لها، وباتت لسان حال المتطرفين المنتمين إلى ما يُسمّى ثوار بني غازي ودرنة، وأنصار الشريعة، وغيرها من الجماعات المتطرفة، ممّا وضعها على قوائم الإرهاب، وأدى إلى حظرها في العديد من الدول.
أجواء التصعيد
الدكتور محمد الفرجاني، الباحث في الشؤون العربية، خصّ "حفريات" بتصريحات، علّق فيها على ما يحدث، مؤكداً أنّ حكومة الدبيبة تحاول جاهدة البقاء لأطول وقت ممكن، وبالتالي خضعت لمساومات الإخوان المسلمين، ممّا دفع رجل التنظيم وليد اللافي إلى توقيع العقد المشبوه مع شركة أجواء المسجلة في تركيا.
الفرجاني لفت إلى أنّ يقظة موظفي القناة، الذين هددوا بالإضراب، أدت إلى عدم تنفيذ مطالبهم، وسوف تحبط مخططات الإخوان، وتقوض بالضرورة مخطط التمكين، فقد أصبح الجميع يقظاً لهذه الخطط، وعليه فإنّ الباحث المصري يتوقع أن ينتصر الموقعون على البيان في معركتهم مع وزارة الاتصال، وهذه ليست المرة الأولى، فقد سبق أن هدّد الموظفون بالإضراب في أيّار (مايو) الماضي، على خلفية خطف مدير الهندسة بشؤون الإرسال، المهندس عامر حماد، من مكتبه بمبنى القناة، في العاصمة طرابلس، والاعتداء عليه من قبل مسلحين ملثمين، ولم تكن تلك هي المرة الأولى التي يتم فيها الاعتداء على أحد موظفي القناة، فقد سبق أن جرى طرد موظفي القناة بمبنى شارع النصر بالقوة من قبل الميليشيات المسلحة، وتمّ كذلك الاستيلاء على محطة الإرسال التابعة لها.
مواضيع ذات صلة:
- تأثيرات تجميد عائدات النفط على الانقسام السياسي في ليبيا
- مسارات التوافق في ليبيا ورهانات القوى الدولية
- الوضع العسكري والميداني في ليبيا.. حكومتان بلا دولة