تأثيرات تجميد عائدات النفط على الانقسام السياسي في ليبيا

تأثيرات تجميد عائدات النفط على الانقسام السياسي في ليبيا


23/05/2022

رغم هشاشة مصطلح "الشرعية" في الواقع الليبي، إلا أنّها تكتسب أهميةً فيما يتعلق بالإيرادات النفطية على وجه التحديد، نظراً لارتباطها بالمؤسسات الدولية، سواء النفطية أو المالية، وهو ما جعلها بعيدةً عن التجاذبات الليبية - الليبية، وفي الوقت ذاته فتح الباب أمام المؤسسات الدولية، لاستغلالها كأداة في الصراع الليبي، خصوصاً الولايات المتحدة، التي بمقدورها فرض ما تريده من قرارات، خارج إطار مجلس الأمن الدولي.

وبموافقة أمريكية صريحة، جاء قرار تجميد عائدات النفط في المصرف الليبي الخارجي، التابع لمصرف ليبيا المركزي، في إطار تسوية غير معلنة، يتم بموجبها فتح مناطق إنتاج النفط وتصديره، مقابل تجميد الإيرادات، لحين وضع آلية مُتفق عليها تحدّد طريقة الإنفاق على الرواتب والبنود العامة، بعيداً عن سلطة الحكومة في طرابلس.

تجميد إيرادات النفط

وتشكل الإيرادات النفطية المصدر الأساسي للإيرادات بالموازنة العامة الليبية، وتقوم المؤسسة الوطنية للنفط بإيداع عائدات تصدير النفط في حسابها بالمصرف الليبي الخارجي، ثم تجري تحويلات مالية إلى حساب وزارة المالية بالمصرف المركزي، لتمويل الموازنة الحكومية.

ويوم السبت، 14 أيار (مايو) الجاري، أكد بيان رسمي صادر عن رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، تجميد إيرادات النفط بمصرف ليبيا الخارجي "لحين وضع ضمانات وآلية لاستفادة كلّ الليبيين من هذا الدخل، وبما يحقق العدالة والمساواة للجميع".

نورلاند وعقيلة صالح

وقال المجلس، في البيان، إنّ هذا التجميد يأتي "حفاظاً على مصلحة الليبيين، ولضمان الاستفادة من ارتفاع سعر النفط في الوقت الراهن، مما يتطلب الاستمرار في ضخّ النفط ولضمان انتظام عمل المنشآت الحيوية وحمايتها من العبث والفساد وإهدار المال العام".

وعلقت السفارة الأمريكية في بيان عبر "فيسبوك" قائلة: "استعادة إنتاج النفط الليبي أمر مهمّ للشعب الليبي والاقتصاد العالمي، والاتفاق على آلية لإدارة شفافة لعائدات النفط أمر ضروري من أجل تحقيق ذلك، بحسب ما ناقشته الأطراف الليبية، في 1 نيسان (أبريل)، في اجتماع مجموعة العمل الاقتصادي المنبثقة عن عملية برلين".

وأضاف البيان "تدعم سفارة الولايات المتحدة تماماً التجميد المؤقت لعائدات النفط في حساب المؤسسة الوطنية للنفط لدى البنك الليبي الخارجي حتى يتم التوصل إلى اتفاق بشأن آلية لإدارة الإيرادات. ويجب أن تتضمن الآلية اتفاقاً على النفقات التي تكتسي أولوية، وتدابير الشفافية، وخطوات لضمان الرقابة والمساءلة".

سيحرم القرار الدبيبة من نفوذ مالي كبير، كان يتيح له قدرات كبيرة للبقاء على رأس الحكومة، وشراء الدعم العسكري من التشكيلات المسلحة والميليشيات في المنطقة الغربية

ولم يصدر بيان رسمي عن المؤسسة الوطنية للنفط بشأن تجميد الإيرادات، وإن كان من المتوقع دخول القرار حيّز التنفيذ. وجاء القرار بعد مطالبة رسمية من مجلس النواب، في ظلّ الصراع السياسي على خلفية رفض عبد الحميد الدبيبة تسليم السلطة التنفيذية إلى رئيس الحكومة المكلف، فتحي باشاغا.

وقبيل صدور القرار، قال السفير والمبعوث الأمريكي إلى ليبيا، ريتشارد نورلاند، لقناة "الوسط" الليبية: إنّ "مجموعة العمل الاقتصادية سعت لإيجاد آلية لإدارة عائدات النفط، لكن تفاجأنا بأنّ مصطفى صنع الله وقع تحت ضغوط كبيرة، وتم تحويل أكثر من 2.6 مليار دولار". وأضاف: "كنا نفضل التأني، وألّا يتم التحويل حتى تُناقش هذه الآلية، وحتى نعيد الثقة للشعب الليبي بأنّ هذه الأموال ستذهب إلى المكان المناسب".

السيادة الليبية

ويقول الباحث الليبي في الشأن السياسي والدستوري، محمد محفوظ: "من الناحية الفنية ودون الخوض في قضية الصراع بين الحكومتين، ودون التطرق إلى جدوى خطوة تجميد الإيرادات، فهي في تقديري، هي غير صحيحة باعتبار أنّها تؤثر في السيادة الليبية؛ إذ لا يحقّ للسفير الأمريكي، نورلاد، التدخل في هذا الشأن، كما أنّ المؤسسة الوطنية للنفط لا يحقّ لها اتخاذ هذا القرار، باعتبارها مؤسسة فنية مهمتها اكتشاف النفط وإنتاجه وتسويقه، ولا علاقة لها بتجميد الإيرادات".

وتابع لـ "حفريات": "الآلية المتبعة هي أنّ المؤسسة تحوّل مباشرةً عوائد النفط، وفق قانون النفط الليبي، إلى المصرف الليبي الخارجي، ثم يحوَّل ذلك إلى المصرف المركزي، لكنّ المؤسسة الوطنية للنفط خالفت ذلك، وهذه الخطوة تنبئ بأنّ هناك دولاً تريد التدخل في الشأن الليبي، تحديداً قطاع النفط، دون اهتمام بحلّ أزمة الاتفاق على قاعدة دستورية وأزمة الصراع على السلطة التنفيذية".

محمد محفوظ: لا يحقّ للسفير الأمريكي نورلاد التدخل في هذا الشأن

ومن جانبه، قال المحلل السياسي الليبي، محمد قشوط إنّ "بيان السفارة الأمريكية حول الموافقة على تجميد عوائد النفط في حساب المؤسسة الوطنية للنفط، والإبقاء فقط على صرف المرتبات وبند الطوارئ، يشكل إهانة وفقرة جديدة من فقرات الارتهان للقرار الأجنبي، يجعلنا مثل القطيع الذي يُقاد".

وبالنسبة إلى واشنطن، استمرار إنتاج النفط الليبي، بكامل طاقته، مطلب حيوي، في ظلّ أزمة الطاقة العالمية، التي نتجت عن تداعيات الحرب الروسية على أوكرانيا، وارتفاع أسعار برميل النفط فوق سعر 110 دولارات للبرميل، ولهذا دعمت قرار تجميد عائدات النفط، الذي يبدو كحلّ مقبول من القوى السياسية والعسكرية والشعبية في المنطقة الشرقية والجنوبية. وكانت قوى سياسية أعلنت إغلاق مناطق إنتاج نفطية لعدة أيام، مطلع الشهر الجاري، احتجاجاً على عدم تسليم رئيس حكومة الوحدة الوطنية، المنتهية ولايتها، عبد الحميد الدبيبة، السلطة إلى رئيس الحكومة التي كلفها البرلمان.

وفي السياق ذاته، أدى تأجيل صرف مرتبات القوات المسلحة في المنطقة الشرقية، وإدانة ديوان المحاسبة لما قال إنّه فساد مالي لرئيس الحكومة، عبد الحميد الدبيبة، إلى غضب شعبي كبير، كان من بين عوامل إغلاق مناطق الإنتاج وتصدير النفط.

الصراع السياسي

وبرعاية أممية تحتضن العاصمة المصرية، القاهرة، الاجتماع الثاني للمسار الدستوري بين لجنتَي مجلس النواب ومجلس الدولة، في محاولة لتقريب وجهات النظر، والاتفاق على مسار دستوري يؤدي إلى تنظيم الانتخابات.

ومن غير المحتمل أن يتوصل المجتمعون إلى التوافق، في ظلّ تباعد وجهات النظر بين الجانبين، وتحزّب المجلسين حول السلطتين التنفيذيتين. وفي هذا الصدد استنكر الباحث الدستوري، محمد محفوظ "عدم تدخّل الإدارة الأمريكية للضغط على النواب والدولة للخروج بقاعدة دستورية لإجراء الانتخابات، تؤدّي لتشكيل حكومة شرعية، تخلص البلاد من تبعات الانقسام".

الباحث الليبي محمد محفوظ لـ "حفريات": خطوة غير صحيحة باعتبار أنّها تؤثر في السيادة الليبية؛ إذ لا يحقّ للسفير الأمريكي نورلاند التدخّل في هذا الشأن.

وأفاد: "صدور القرار أثبت أنّ واشنطن قادرة على التأثير على صناع القرار، وصنع الواقع، لأنّ هذا قرار أمريكي". لكن "لو كانت واشنطن مهتمة بحلّ الصراع لاستخدمت هذا الضغط لإنجاز القاعدة الدستورية بين مجلس النواب والدولة، لتحقيق مطلب الانتخابات التي تدعو إليها مع الدول الغربية والعالم، لكن ما حدث يثبت أنّ مطلب الانتخابات مجرد شعار، والأهم هو استمرار إنتاج النفط الذي تحتاجه واشنطن لضبط الأسعار العالمية".

ومن جانبه، قال المحلل السياسي، محمد قشوط لـ "حفريات": "القرار يمثل وصفة إنقاذ للدبيبة من أيّ عمل عسكري، قد يقتلعه بعد أن تيقن للأمريكيّين أنّ أيّة خطوة متهورة من هذه العائلة ستقابَل بعمل لن يتوقف صدى مدافعه حتى طريق السكة، مقرّ الحكومة وسط طرابلس".

وعن تبعات القرار على الصراع بين حكومتي الدبيبة وباشاغا، قال: "إذا نُفِّذ ما جاء في البيان فستفشل جلسة مجلس النواب ومساعي اعتماد الميزانية، وبذلك ستصبح حكومة باشاغا لا ميزانية لها ولا سلطة قد استلمتها".

محمد قشوط: ستصبح حكومة باشاغا لا ميزانية لها ولا سلطة

وذكر أنّ البيان لم يحقق أيّة مطالب كانت يجب أن تستغلّ ورقة الإغلاق النفطي لتحقيقها، ومنها "إجبار الدبيبة على تسليم السلطة للحكومة الجديدة، والبدء في تنفيذ خارطة الطريق للوصول للانتخابات وفق المدد، وفتح ملف القوات الأجنبية والمرتزقة للبدء الفعلي وفق الجدول الزمني بإشراف اللجنة العسكرية "5 + 5" بهدف إخراجهم، والنظر في المناصب السيادية لاختيار شخصيات وطنية لقيادتها".

ومن زاوية أخرى، سيحرم القرار الدبيبة من نفوذ مالي كبير، كان يتيح له قدرات كبيرة للبقاء على رأس الحكومة، وشراء الدعم العسكري من التشكيلات المسلحة والميليشيات في المنطقة الغربية.

فضلاً عن ذلك، القرار يعني عودة قوية للنفوذ الأمريكي في الواقع السياسي، ومن ورائه النفوذ الأممي، الذي ربما يخطط لحلول سياسية بعيدة عن القوى الليبية الفاعلة، ويعزز الانقسام الحاصل في البلاد.

 

مواضيع ذات صلة:

الوضع العسكري والميداني في ليبيا.. حكومتان بلا دولة

الإخوان المسلمون: انتهازيّة في تونس ومراجعات في المغرب وانقسام في ليبيا

ما مستقبل الأذرع الإخوانية في ليبيا في ظل التحولات السياسية؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية