احتجاجات السويداء... بوصلة قد تحرك مسار العملية السياسية في سوريا

احتجاجات السويداء... بوصلة قد تحرك مسار العملية السياسية في سوريا

احتجاجات السويداء... بوصلة قد تحرك مسار العملية السياسية في سوريا


24/10/2023

تتواصل الاحتجاجات الشعبية في محافظة السويداء، جنوب سوريا، رغم محاولات النظام في دمشق تشتيت التظاهرات بحجة الأحداث في غزة، بالتزامن مع إخفاقه في تسيير مسيرات تضامنية، كما حدث في دمشق والمناطق الخاضعة لسيطرته وخروج أعداد متواضعة.

مع هذا، فإنّ تضامن أهالي السويداء مع غزة قائم، لكن بدون توجيه وتعبئة سياسية يوظفها "البعث". ويتشبث المتظاهرون بمطالبهم، وحلّ أزمتهم المحلية الممتدة لنحو عقد كامل، وتتمحور شعاراتهم حول التغيير السياسي في البلاد وإسقاط النظام السوري، وعلى رأسه بشار الأسد، ممّا زاد زخم هذه التظاهرات والمشاركة فيها، مع انضمام شرائح مختلفة من المجتمع، لا سيّما الحضور النسوي الذي كان لافتاً منذ اليوم الأول.

يبدو أنّ احتجاجات السويداء ستبقى مستمرة لفترة طويلة، وسط تمسك المتظاهرين بمطالبهم، ولا سيّما أنّه ليس ثمّة أيّ أفق يشير إلى حلحلة الوضع السوري المأزوم

هذه التظاهرات ما تزال تحافظ على سلميّتها وعدم انجرارها وراء أيّ أعمال عنف، سواء ضدّ مؤسسات الدولة أو الأملاك الخاصة، بل إنّهم مصرون ومتمسكون بمطالبهم، ويهتفون في الساحات بشعارات تنادي بإسقاط النظام السوري، وتطبيق قرار مجلس الأمن الدولي (2254).

يبدو جلياً أنّ هذه الاحتجاجات ستبقى مستمرة لفترة طويلة، وسط تمسك المتظاهرين بمطالبهم، ولا سيّما أنّه ليس ثمّة أيّ أفق يشير إلى حلحلة الوضع السوري المأزوم، ممّا يطرح هنا عدة تساؤلات حول مسار هذه التظاهرات السلمية، ودلالات الحضور النسوي اللافت في الاحتجاجات، وهل سيطرأ على المشهد أيّ مواقف إقليمية ودولية قد تحرك المياه الراكدة في مسار العملية السياسية السورية؟

تمسك المتظاهرين بسلمية الاحتجاجات

يتجدد الموعد كل يوم في ساحة الكرامة وسط محافظة السويداء السورية، وقد اتجه المتظاهرون إلى أداء قسم وإعلان بيانات تؤكد على مطالبهم، وأنّه "لا عودة عنها"، وعلى الرغم من حادثة إطلاق النار التي نفذتها عناصر على أسطح مقر "حزب البعث" التابع للنظام السوري، قبل فترة وجيزة، وأسفرت عن إصابات بين المحتجين، إلّا أنّ المتظاهرين استطاعوا الحفاظ على سلمية الحراك واستمراره، كما في اليوم الأول، حتى تحقيق مطالبهم.

التظاهرات ما تزال تحافظ على سلميتها وعدم انجرارها وراء أيّ أعمال عنف

كان مشهد المحتجين من خلال هتافاتهم وإقدامهم على الدخول إلى فرع الشرطة وسط المدينة، وتقديمهم أطباقاً من وجبة "المنسف" التي تُعرف في جنوب سوريا للعناصر الموجودين داخله لافتاً، واتجه آخرون للتعبير عن ذلك وسط ساحة السير، التي بات يطلق عليها اسم ساحة الكرامة.

ويقول الكاتب والصحفي السوري حافظ قرقوط: إنّه يتضح من نوعية الشعارات واللافتات التي حملها المتظاهرون، في الاحتجاجات الشعبية في السويداء، وأيضاً نوعية المشاركين في هذه المظاهرات، وهم جميع أفراد الأسرة، بما فيهم الفتيات والنساء والشباب ورجال الدين وكبار السن، يتضح أنّ هناك شرائح مختلفة من المجتمع تشارك في هذه الاحتجاجات.

قرقوط: إنّ اتجاه مسار الاحتجاجات في الجنوب السوري ضمن هذه البيئة، التي نراها الآن، هو قطيعة كاملة مع الماضي، وبداية رحلة نحو سوريا الجديدة

ويضيف قرقوط، وهو من محافظة السويداء، لـ (حفريات): أنّه خلال هذه الاحتجاجات لوحظ أنّ تمدد "حزب البعث" وتأثيره على المجتمع قد انتهى، وذلك من خلال إزالة المتظاهرين كافة العلامات التي تشير إلى الحزب الذي اغتصب البلاد منذ أعوام طويلة عندما تولى الحكم في دمشق، ثم كل ما كان يشير إلى عائلة الأسد من الأب والابن، كنظام وصل إلى السلطة بطريقة غير شرعية، ولم يمارس بناء الدولة، بل مارس نهب الدولة وتهريب الأموال إلى الخارج وإفقار الشعب، إضافة إلى سن القوانين التي أفقرت الشعب دائماً، ولم تكن لمنفعتهم وحمايتهم أو توفير العيش الكريم لهم.

رسائل إلى المجتمع الدولي

إلى ذلك؛ يعتقد قرقوط أنّ اتجاه مسار الاحتجاجات في الجنوب السوري ضمن هذه البيئة، التي نراها الآن، هو قطيعة كاملة مع الماضي، وبداية رحلة نحو سوريا الجديدة، أي إنّ هذه التظاهرات السلمية ستستمر فترة طويلة، خاصّة أنّ هناك إصراراً كاملاً على أن تبقى الاحتجاجات سلمية، وفي هذا الإطار سيستمر المتظاهرون في تقديم رسائل إيجابية وحضارية عن المجتمع السوري الذي يريد البناء وليس الهدم.

هذا، بالإضافة إلى إظهار الحالة الشعبية لثقافة المجتمع هناك، من خلال مزجها بالرسم والفن، وكذلك مظاهر الكرم التي ظهرت خلال الاحتجاجات، والتي تتمثل رسالتها في أنّ هذه الاحتجاجات ليس سببها الجوع، فمن الممكن أن يصمد الناس أمام الجوع والفقر، لكن لا يمكن للناس أن يظلوا صامتين في وجه سلب كرامتهم من قبل النظام السوري الذي تحول إلى نظام ميليشياوي، يحكم رقاب الناس على طريقة المافيا، وليس بطريقة رجال الدولة الحريصين على حقوق الناس وكرامتهم، وفق ما يشير إليه الكاتب السوري.

نورس عزيز: حضور المرأة في الحراك يعود إلى تاريخ مجتمع السويداء، حيث كان دور المرأة ركناً أساسياً، فقديماً وأثناء الثورة السورية الكبرى كانت تقوم المرأة بتشجيع الرجال على القتال

وعليه، فإنّ المتظاهرين يتعاملون أيضاً مع جميع المؤسسات العامة والخاصّة بقدر كبير من اللباقة والاحترام، ومع حماية الممتلكات بشكل عام. فمسار الاحتجاجات، وفق قرقوط، ذو مطالب سياسية واقتصادية، والإدارة التي يطمح إليها المشاركون تتجلى عبر شعاراتهم وهتافاتهم التي تنادي برحيل النظام السوري، وتطبيق القرار الأممي رقم (2254).

خلال الاحتجاجات السلمية في السويداء السورية، قرأت سيدة بياناً باسم المنتفضين في الشارع، مؤكدة على استمرار المظاهرات السلمية والمدنية في ساحة الكرامة حتى رحيل النظام السوري، إلى جانب المطالبة بتحقيق الانتقال السياسي لمرجعية القرار الأممي (2254) الصادر في 2015، وتفعيل القرار (2118) الذي يحوّل مرتكبي جرائم الحرب بحق الشعب السوري إلى محكمة الجنايات، طبقاً للبيان.

البيان ذاته طالب بالكشف عن المغيبين قسراً، والإفراج عن المعتقلين، والكفّ عن ملاحقة المتظاهرين من قبل الأجهزة الأمنية التابعة للنظام، ومحكمة الإرهاب، كما تمّ الإعلان عن بيان صادر عن "الهيئة السياسية للعمل الوطني في المحافظة"، تم التنسيق فيه مع شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز حكمت الهجري.

خلال هذه الاحتجاجات لوحظ أنّ تمدد "حزب البعث" وتأثيره على المجتمع قد انتهى

وجاء في البيان أنّ "السويداء انتفضت كي يصل كفاح السوريين إلى الحياة بوطن حر وموحد، وأنّ الشعب السوري يعاني منذ عقود من هيمنة نظام فاسد، حكم بأدوات القمع والعنف، ولم تتوانَ أجهزته الأمنية عن ارتكاب مختلف أنواع الجرائم بحقّ السوريين والسوريات".

واعتبر البيان أنّ "النظام السوري جعل سوريا، وهي عزّ الشرق وخزّان ثروته، وطناً للجائعين المحرومين من أبسط حقوق الحياة"، وجعل "فلاح البلد يزرع ولا يأكل، والعامل يصنع ولا يلبس، والجندي يدافع ولا أحد يدافع عنه"، وأكد على الاستمرار في التظاهر حتى نيل الحرية.

وقوف رجال الدين مع المتظاهرين

إثر حادثة إطلاق النار على متظاهرين في السويداء، ثار غضب رجال الدين، وقد شنّ الشيخ حكمت الهجري هجوماً غير مسبوق على إيران وميليشياتها المؤيدة للنظام السوري، غير أنّه دعا المتظاهرين في الوقت ذاته إلى ضبط النفس والاستمرار بالحراك السلمي، وعدم الانجرار إلى مؤامرة أخرى قد تحاك ضدّ السوريين ومظاهراتهم السلمية.

الشيخ الهجري، هو أحد المشايخ الـ (3) البارزين في السويداء، دعا إلى البقاء بالاحتجاج في الساحات، وعدم التنازل عن المطالب، وقال خلال شريط مصور نشرته شبكات إخبارية: "نحن على حق، ومطالبنا لا نتنازل عنها، والشارع لنا ليوم ويومين وشهر وشهرين وأعوام. شعارنا السلمي للبلد والسلطة ولكل العالم والأمم المتحدة".

حافظ قرقوط: يجب على المجتمع الدولي أن ينظر بعين وازنة وفاحصة، وأن يلتفت إلى رسائل المحتجين بالسويداء، ومطالبهم المحقة التي هي مطالب كل السوريين

وفي حين هاجم "البعثيين الساقطين"، حسب تعبيره، قال: إنّ "إيران ومنذ دخولها للبلد محتلة، ويجب الجهاد ضدّ ميليشياتها التي نعتبرها احتلالاً". وجاء ذلك بعد حديثه عن معلومات وصلت إليه بأنّ من أطلق الرصاص هم من الميليشيات الإيرانية.

بعد هجوم الشيخ الهجري الذي وصف بـ "الوازن والجريء"، فضّل شيخ عقل طائفة المسلمين الموحدين الدروز، أبو وائل حمود الحناوي، الانضمام إلى أصوات هتافات الشارع، وظهر في تسجيل مصور نشرته شبكات إخبارية مؤخراً، وقال فيه أمام جموع الناس: إنّ "إطلاق النار لا يمكن السكوت عنه.... يلي بدو يطلق النار على ولادنا بعدوا ما عاش".

الحناوي زاد في حديثه: "ليعلم من هم على رأس السلطة أنّهم هدموا الإنسان. سكتنا طويلاً لنحافظ على وحدة الوطن ودم الأبناء. دوام الحال من المحال، والعروش لا تدوم بالعبث والقهر والظلم والتعديات". وأوضح شيخ العقل من مضافته في منطقة سهوة البلاطة، في الريف الجنوبي للمحافظة، أنّ "لهم تجربة مع النظام، ولم نترك وسيلة معهم إلا واتخذناها"، في إشارة منه إلى النظام السوري.

كما أشار الحناوي إلى أنّهم "كرجال دين؛ فإنّ القتل محرّم عندنا، لكن إذا تعرضنا لأيّ خطر، فسنكون في الأمام، وليس في الخلف"، مؤكداً على سلمية الحراك في الوقت نفسه، وختم حديثه بالقول: "البلد بدها حل لمشاكلها... مش قادر تحل المشاكل في غيرك بيحلها".

ويقول الصحفي السوري نورس عزيز، في تصريحات خصّ بها (حفريات): لا شكّ أنّ هذه المظاهرات مستمرة، وتأخذ زخماً أكبر أسبوعاً بعد أسبوع، وتتوسع بشكل أكبر، وهذا إن عاد إلى شيء، فهو عائد إلى موقف المؤسسة الدينية، التي تدعم الحراك عبر قطبين؛ من خلال الشيخ حكمت الهجري، وحمود الحناوي.

ولذلك فإنّ الاحتجاجات ستستمر وستحافظ على سلميتها مهما كلف الأمر، مع عدم الانجرار إلى أيّ أعمال عنف أو تعرضهم لأيّ مواجهات مسلحة، وفق ما صرّح به الصحفي السوري المتحدر من محافظة السويداء لـ (حفريات).

دلالات الحضور النسوي اللافت

منذ اليوم الأول للاحتجاجات الشعبية في السويداء كان حضور المرأة لافتاً، بل أساسياً إلى جانب الرجال، إذ حملن شعارات ولافتات يطالبن فيها بالتغيير السياسي، وتحسين الواقع المعيشي في البلاد، وإسقاط النظام السوري، والإفراج عن المعتقلين، وتطبيق القرار الأممي (2254).

شنّ الشيخ حكمت الهجري هجوماً غير مسبوق على إيران وميليشياتها المؤيدة للنظام السوري

هذا الحضور المميز للنساء في التظاهرات، يفسره الكاتب السوري حافظ قرقوط بأنّه يرجع إلى حيوية المجتمع بكل خصوصياته ومكوناته، فالمرأة عبر التاريخ دائماً كانت إلى جانب الرجال، في الكثير من الأعمال، وأيضاً يوجد في السويداء نسبة كبيرة من النساء اللاتي حصلن على تعليم وشهادات وكفاءات عالية، وهذا دليل على أنّ المجتمع حي، ومشاركة النساء تعني أنّ المجتمع آمن لمشاركتهن، ولذلك الطريق مفتوحة أمامهن للتعبير عن النضال في سبيل تحقيق الحرية والعدالة.

وأيضاً هذه المشاركة النسوية رسالة واضحة للخارج بأنّ المجتمع السوري ليس متخلفاً ومتطرفاً، كما أرادت السلطة وبعض الأطراف الخاصة تصويره، بل هو مجتمع فاعل وحضاري، ويتقبل بعضه بعضاً، بكل تنوعاته واختلافاته؛ ففيه من كل الأصناف والأجناس، ويرفض التطرف، ويمكن للتدخل الخارجي أن يخرّب هذا المجتمع إذا تدخل بشكل فج وخاطئ، ولهذا كانت مطالب الجميع بتدخل دولي لتطبيق القرارات الدولية بإشراف الأمم المتحدة، وليس بتدخل خارجي، وفق حديث قرقوط لـ (حفريات).

ويعتبر نورس عزيز أنّ حضور المرأة في الحراك يعود إلى تاريخ مجتمع السويداء، حيث كان دور المرأة ركناً أساسياً، فقديماً وأثناء وقبل الثورة السورية الكبرى، التي اندلعت ضد الاستعمار الفرنسي عام 1925، التي قادها سلطان باشا الأطرش الذي ينتمي إلى طائفة الموحدين الدروز، كانت تقوم المرأة بدور بث الحماس والتشجيع في نفوس الرجال على القتال.

ويختم الصحفي السوري حديثه بقوله: كان الرجال في تلك الحقبة يسمّون أنفسهم باسم أخواتهن، أو أيّ أنثى قريبة إليهم، فمثلاً سلطان باشا الأطرش كان يُكنّى "أخو سمية"، وفي السويداء صحيح أنّه لم يتم التوصل إلى أخذ المرأة كامل حقوقها، ولكن وجود المرأة إلى جانب الرجال شيء أساسي في الساحات، وهذا إن دلّ على شيء، فإنّما يدلّ على مدنية الحراك، الأمر الذي يمكن اعتباره نموذجاً لإنجاح أيّ ثورة.

أمّا في سياق مآلات استمرار هذه الاحتجاجات، فيرى حافظ قرقوط أنّها واضحة من إيمان المتظاهرين بالحصول على مطالبهم في هذه البلاد، وكما يهتف المحتجون بشعار: "سوريا لينا وما هي لبيت الأسد"، الذي له دلالات عميقة، بأنّ النظام حوّل مؤسسات الدولة إلى خدمته وخدمة عائلته، وعلى ذلك يأمل الجميع بأنّه يسير نحو تحقيق كافة الأهداف وبارقة الأمل، والإصرار بعدم ترك الساحات، وفقدان الأمل بتحقيق المطالب، وفق قرقوط.

وأنهى قرقوط حديثه بالقول: "هؤلاء مدنيون، وكلماتهم ووقوفهم دليل على حبهم للحياة، وليس تحويل البلاد للخراب والدمار، كما فعل وأراد النظام السوري، في سبيل البقاء على رأس هرم السلطة، وبالتالي يجب على المجتمع الدولي أن ينظر بعين وازنة وفاحصة، وأن يلتفت إلى رسائل المحتجين بالسويداء، ومطالبهم المحقة التي هي مطالب كل السوريين، وليس فقط أبناء الجنوب".

مواضيع ذات صلة:

ما موقف الدروز في إسرائيل من العدوان على غزة؟

الموحّدون الدروز: من يميط اللثام عنهم؟




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية